المسجد الأقصى المبارك :::

حقيقة هيكل سليمان وحائط المبكي
الأهرام في 26/11/1999
بقلم : السفير أحمد الملا

فور احتلال إسرائيل لمدينة القدس العربية مساء يوم 7 يونيو سنة 67، توجه موشى ديان وقادة إسرائيل إلى حائط المبكى، ويقع بالمدينة العربية، حيث أدوا بعض الشعائر الدينية وهم غير متدينين، ولكنها كانت لزوم الدعاية والتفاخر لدى يهود أمريكا ولدى الرأي العام العربي والإسلامي بأنهم تمكنوا أخيرا من احتلال القدس وإخضاع فلسطين لسيطرتهم، وأن المسجد الأقصى المبارك والأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية أصبحت في قبضتهم وتحت رحمتهم وهم ممن لا يرحمون.


وبعد أيام قلائل من احتلالهم القدس بدءوا في تنفيذ مخططهم الذي يرمي إلى تهويد المدينة وتغيير طابعها العربي وتكوينها الديموجرافي، وبدءوا بتدمير وإزالة حي المغاربة الملاصق لحائط المبكى، وأقاموا على أنقاض الحي مساحة كبرى تستوعب آلاف اليهود حتى تكون على غرار ساحة الحرم الشريف للمسجد الأقصى.
كما أخذت إسرائيل في الحفر والتنقيب وعمل الأنفاق أسفل المسجد الأقصى، وفي ساحة الحرم الشريف بحثا، ـ كما زعموا ـ عن بقايا هيكل سليمان مما أضعف قواعد المسجد وهدده بالانهيار، وبالطبع لم يعثروا على شيء، ولكن إسرائيل التي لا تستحي مازالت تواصل أعمالها الاستفزازية لاستكمال تهويد القدس وإقامة هيكل جديد على أنقاض المسجد الأقصى، وقد نشرت الصحف الإسرائيلية والعربية في الأسابيع الأخيرة ما يؤكد إصرار إسرائيل على تنفيذ عزمها على إنشاء هيكل جديد، فنشرت صحيفة معاريف الإسرائيلية أن هناك استعدادات لإطلاق حملة دعائية واسعة تقودها الجماعات الدينية المتطرفة ترمي لفرض السيطرة اليهودية على الحرم القدسي الشريف، تمهيدا لإعادة بناء الهيكل اليهودي في القدس! وإن1500 متعصب من رؤساء وأعضاء الحركات المتطرفة اجتمعوا في القدس الغربية لحضور المؤتمر السنوي الذي تنظمه حركة أنصار الهيكل المقدس، ووضعوا في قاعة الاجتماع نموذجا مجسما لما يزعمون أنه الهيكل.
ونشرت بعض الصحف العربية أنباء عن محاولة جماعة أمناء جبل الهيكل المتطرفة حيازة منزل يملكه فلسطيني بجوار المسجد الأقصى لتحويله إلى مركز ديني يهودي تمارس فيه الجماعة نشاطها اليومي ضد المسجد، ونشرت هذه الجماعة اليهودية بعض الإعلانات على شبكة الإنترنت تدعو فيها أثرياء اليهود في العالم إلى التبرع لشراء هذا المنزل المجاور للمسجد، وقد حذرت بعض المصادر الفلسطينية من إمكان قيام الجماعة اليهودية بالاستيلاء على المنزل بالقوة إذا فشلوا في شرائه من مالكه العربي!
كما نشرت صحيفة الأهرام في الشهر الماضي ان هناك تقرير فلسطينيا رسميا تم تسليمه إلى رابطة العالم الإسلامي في عمان، جاء فيه ان السلطات الإسرائيلية أعدت مخططا لإقامة ساحة صلاة لليهود المتطرفين في حي باب السلسلة المعروف بالحي الإسلامي في القدس وأن إسرائيل تعتزم إطلاق اسم المبكى الصغير على الساحة الجديدة، وكانت السلطات الإسرائيلية قد سمحت لجماعة يهودية متطرفة بالاستيلاء بقوة السلاح على عدة منازل وسط الحي الإسلامي بالقدس في العام الماضي، تمهيدا لإقامة المعبد اليهودي الجديد.
يجب على الدول العربية والأمة الإسلامية أن تأخذ التهديدات الإجرامية للجماعات اليهودية المتطرفة بتدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل مأخذ الجد وأن تسارع بالعمل على اتخاذ جميع التدابير الوقائية لحماية المقدسات الإسلامية ورفع الأمر إلى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو لتحذير إسرائيل من مغبة القيام بأي عمل ضد المقدسات الإسلامية وبصفة خاصة ضد المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة، لأن هذه المقدسات، علاوة على مكانتها الدينية الرفيعة الكامنة في وجدان كل مسلم، فهي أيضا جزء من التراث الحضاري التاريخي الذي يهم الإنسانية جمعاء والذي لا يقدر بثمن.
إن إسرائيل تزعم ان المسجد الأقصى قد تم بناؤه فوق بقايا هيكل سليمان وسنرد فيما يلي على هذه المزاعم التي تكذبها الحقائق التاريخية الثابتة.
هيكل سليمان
تولي سليمان عليه السلام الحكم في القدس بعد وفاة والده داود عليه السلام واستمر حكمه نحو40 عاما (من سنة 973 حتى 933 ق. م.) ووطد علاقات الصداقة مع ملك مصر وملك صور، وشرع سليمان في بناء الهيكل لعبادة الإله الواحد في السنة الرابعة لجلوسه على العرش،واستغرق بناؤه 7 سنوات أي أنه تم حوالي سنة 962 ق. م. وكان الهيكل بناء صغيرا مساحته 300 متر مربع، وبطول 100 قدم وعرض 35 قدما، وأشرف على بنائه فنيون من مصر ومن صور، وحينما احتل نبوخذ نصر حاكم بابل القدس دمر الهيكل وأزاله سنة 586 ق. م. كما أسر صدقيا ملك اليهود وأرسله إلى بابل ومعه 50 ألف أسير.
ثم تمكن قورش الأكبر ملك الفرس من احتلال القدس وسمح لليهود بالعودة إليها فأقاموا بها هيكلا آخر سنة 516 ق. م. لم يكن على المستوى الفني لهيكل سليمان، وحينما احتل الرومان أورشليم (القدس) سنة 63 ق. م. وفي فترة استحواذ هيرود على السلطة فيها وكان يهوديا يحمل جنسية الرومان تمكن من تجديد بناء الهيكل سنة 18 ق. م. وأقام حائطا مربعا حوله مساحته 32400 متر مربع (طول كل ضلع180 مترا) ولكن القائد الروماني تيتوس احتل بعد ذلك أورشليم وأخمد ثورة لليهود فيها ودمر الهيكل، الذي جدده هيرود سنة70 ميلادية،
وفي عهد الإمبراطور الروماني هدريانوس تم تدمير أورشليم بأكملها وأنشئت مكانها مدينة إيليا كابيتولينا سنة135 م. وبذلك تمت إزالة أي أثر للهيكل كما تم هدم كل بناء ينتمي لليهود ومنع اليهود من الإقامة في مدينة إيليا (القدس) وظل هذا المنع ساريا لعدة قرون وعندما بدءوا في التسلل مرة أخرى إلى المدينة أصدر هرقل ملك الروم أمرا بعد توليه الحكم سنة 628 م. بإبعاد اليهود عن إيليا بمسافة ثلاثة أميال.
وعلى ذلك فعندما تم فتح مدينة إيليا (القدس) على يد الخليفة عمر بن الخطاب سنة 636م (15 هـ) لم يكن هناك أي أثر للهيكل، كما لم يكن بالقدس يهودي واحد. وأعطى عمر عهده لسكان القدس المسيحيين بالمحافظة على أرواحهم وممتلكاتهم وكنائسهم وأنه لا ينتقص منها ولا من حيزها ولا يكره أحد على دينه، وهكذا نرى مما سبق أن الهيكل الأصلي قد تم تدميره منذ نحو2500 سنة، ثم تم تدمير الهيكل الذي أقيم بدلا عنه منذ نحو ألفي سنة بعد أن جدده هيرود، وأخيرا تمت إزالة كل أثر للهيكل سنة 135 م. بعد أن أزيلت مدينة أورشليم (القدس) بأكملها، وعلى ذلك فمن المتعذر أو من المستحيل معرفة مكان بناء الهيكل الأصلي أو الهيكل الذي جدده هيرود.
البراق أو حائط المبكى
هو جزء من الحائط الخارجي للحرم الشريف للمسجد الأقصى ويطلق عليه المسلمون اسم البراق، أما اليهود فيدعون أنه السور الخارجي لهيكل سليمان، والحائط مبني من الأحجار الضخمة وطوله 156 قدما وارتفاعه56 قدما ويعد من أقدس الأماكن عند اليهود.
وقد حاول اليهود خلال الفترة الأخيرة من الحكم العثماني على فلسطين شراء الحائط، ولكنهم فشلوا فلجأوا إلى العنف في ظل الانتداب على فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى، وحاول اليهود الاستيلاء على الحائط بالقوة في أغسطس سنة 1929 فهب الشعب الفلسطيني للدفاع عنه ونشبت معارك عنيفة بين الطرفين كادت تتحول إلى ثورة عربية شاملة في فلسطين، مما دعا الحكومة البريطانية إلى التقدم لعصبة الأمم بطلب تشكيل لجنة تحقيق دولية للفصل في حقوق ومطالب المسلمين واليهود في الحائط ووافقت عصبة الأمم في مايو سنة 1930 على تشكيل لجنة التحقيق برئاسة المستر ايليل لوفجرين وزير خارجية السويد الأسبق وعضوية نائب رئيس محكمة العدل الدولية وكذا أحد أعضاء البرلمان الهولندي وقد وصلت اللجنة إلى القدس في شهر يونيو1930، وباشرت مهامها، حيث أقامت شهرا عقدت خلاله جلسات استماع إلى شهود الطرفين وحققت في أدلة ومستندات كل طرف، كما أطلقت على سجلات ووثائق حكومة الانتداب.وفي شهر ديسمبر سنة1930 أصدرت اللجنة قرارها الذي أكد ملكية المسلمين لحائط المبكي وجاء في القرار ان ملكية الحائط وحق التصرف فيه، وما جاوره من الأماكن عائد للمسلمين وأن الحائط، هو جزء لا يتجزأ من الحرم الشريف للمسجد الأقصى وأن الرصيف الكائن عند الحائط حيث يقيم اليهود صلواتهم هو أيضا ملك المسلمين، كما ثبت للجنة ان المنطقة التي تحيط بالرصيف قد أوقفها الملك الافضل سنة 1192م. وأنشئت بعد ذلك المنازل لإيواء الحجاج المغاربة فيما عرف باسم حي المغاربة.
وقالت اللجنة إن المسلمين يقدسون هذا المكان لأنه يوجد عند الحائط مسجد صغير أقيم في المكان الذي يعتقد المسلمون ان سيدنا جبريل ربط عنده براق الرسول عليه الصلاة والسلام ليلة الإسراء، ولذلك يطلقون على هذا الحائط اسم البراق، أما اليهود فيعتقدون أن الحائط هو الجزء المتبقي من حائط الهيكل الثاني الذي تم تجديده في عهد هيرود سنة 18 ق. م.
وأكدت لجنة التحقيق ان المسلمين سمحوا لليهود بمزاولة شعائرهم الدينية عند الحائط على سبيل التسامح، ولذلك طلبت اللجنة من اليهود مراعاة القيود والاشتراطات التي وضعتها السلطات الإسلامية عند ممارسة اليهود لشعائرهم، تلك القيود التي أوردتها السلطات البريطانية في الكتاب الأبيض الذي أصدرته في نوفمبر سنة 1928 ومنها عدم إحضار اليهود أية ستائر أو مقاعد أو أرائك أمام الحائط ويسمح لهم فقط بجلب كتب الصلاة اليدوية ويعد قرار لجنة التحقيق قرارا ملزما لأنه صدر من لجنة صدقت على تشكيلها عصبة الأمم التي كانت تتولى الإشراف على نظام الانتداب على فلسطين، كما أن مجلس العصبة وافق على تقرير اللجنة وقامت السلطات البريطانية بتطبيقه.
وهكذا ثبت أن حائط المبكي هو ملك المسلمين وبدلا من ان يقابل اليهود بالشكر إحسان المسلمين إليهم بالسماح لهم بالصلاة أمامه إذ بهم يقابلون الإحسان بالإساءة ومحاولة تدمير المسجد الأقصى.
أكاذيب إسرائيل حول بناء المسجد فوق الهيكل:
تتوالى مزاعم وأكاذيب إسرائيل حول بناء المسجد الأقصى فوق الهيكل فكيف يحدث ذلك إذ كان من المتعذر إن لم يكن من المستحيل معرفة المكان الذي بني فيه الهيكل الأصلي وقد كان بناء صغيرا وتمت إزالته، كما سبق وأوضحنا مند نحو2500 سنة، ثم تم تدمير الهيكل الذي أقيم بدلا منه منذ نحو ألفي سنة بعد أن جدده هيرود.
أما المسجد الأقصى فقد شرع في بنائه في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان سنة 693 م. وتم البناء في عهد ابنه الوليد بن عبد الملك سنة 705 م. (من سنة74 حتى سنة86 هـ). وتبلغ مساحة المسجد4400 متر مربع، أما مساحة الحرم الشريف للمسجد فتبلغ مساحتها نحو144 ألف متر مربع، وسبق أن أفتى علماء المسلمين بالضفة الغربية في أغسطس سنة 1967 بأن المسجد الأقصى المبارك بمعناه الديني يشمل المسجد نفسه ومسجد قبة الصخرة والمساحة المحيطة بهما، بما في ذلك السور والأبواب وقد أيد مجمع البحوث الإسلامية هذه الفتوى في عدة مؤتمرات من بينها المؤتمر المنعقد في القاهرة في مارس سنة 1988.
فكيف يمكن معرفة مكان بناء الهيكل الأصلي الذي أزيل منذ نحو2500 سنة أو الهيكل الثاني الذي تم تجديده في عهد هيرود وأزيل بدوره منذ نحو ألفي سنة وسط الساحة الكبرى للحرم الشريف للمسجد الأقصى، هذا على فرض أن الهيكل قد بني في هذه البقعة بالذات من القدس؟! ويقول عالم الآثار الفرنسي دي سولس في كتابه تاريخ الفن اليهودي أنه تولى بنفسه قياس مساحة الحرم الشريف للمسجد الأقصى وبحث موضوع مكان إقامة الهيكل وهو لا يوافق من يدعون بأن المسجد قد أقيم فوق الهيكل.
ومما يؤكد كذب ادعاءات إسرائيل في هذا الشأن أنها منذ احتلالها للقدس العربية سنة 67 ظلت تنقب وتشق الأنفاق والسراديب اسفل المسجد الأقصى وفي ساحة الحرم الشريف بحثا عن أي اثر يدل على مكان الهيكل فباءت بالفشل.
فمتى ترتدع إسرائيل وتكف عن العبث والإساءة لمقدسات المسلمين، إن إسرائيل أصبحت دولة نووية وترفض حتى الآن التوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، مما يهدد أمن الدول العربية، ولذلك أصبح واجبا على العرب بناء قوة ردع تشمل الأسلحة التقليدية وأسلحة أخري تضارع أسلحة إسرائيل، لكي يحمي العرب حقوقهم في عالم لا يبالي بالضعفاء ولا يحترم غير لغة القوة