أحدث المشاركات
صفحة 3 من 3 الأولىالأولى 123
النتائج 21 إلى 25 من 25

الموضوع: تأملات في المنهج الفكري المقاوم / تقدمة / تابع الحلقات

  1. #21
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Feb 2004
    المشاركات : 227
    المواضيع : 67
    الردود : 227
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي



    الشهيد القائد جمال منصور

    حياته وفكره



    بسم الله الرحمن الرحيم

    المقدمة

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين، ولا عدوان إلا على الظالمين وبعد، .حينما نمتشق ألسنة اليراع , لنصور معالم الإبداع في تاريخ شخصية إسلامية فذة عبقرية تحدونا رغبة جامحة في إخراج معالم التصوير الكتابي – القاصر غالبا – إلى ساحة قريبة من الواقع الدقيق للشخصية المنوطة بالعمل الكتابي، وتجرفنا بعض العوائق العاطفية الموغلة في الانفعالية السطحية – إلى عالم مثالي في التأليف لفرط حبنا لأولئك الأشاوس الذين كانوا- لنا- نبراسا نستضيء به في عتمة الليل البهيم .فتضطرب بعض الموازين التي ينادي بها النقاد ، دون أن نغالي في المدح أو نشط في المبالغة بل نسيس التجربة الكتابية خدمة لهذا الدين وإيمانا- منا- بضرورة الشحذ وتتبع مواطن الخير الكثيرة عند أبناء هذه الدعوة .
    وعندما تكون الكتابة التاريخية عن حبيب قريب وقائد فذ؛ قاد حركة إسلامية فتية في ظروف قاسية عتية، ثم رحل سريعا قبل موسم الحصاد الموعود ، والعيون ترمقه من مكان قصي ذارفة وراءه دموعا حارة سخية ، تنشد فيه العودة !!.. ولا تحتمل منه الفراق!!.. ولكنه القضاء الغيبي ؛ فلا رجوع ولا التقاء.
    أقول عندما تكون الكتابة وفق هذا ا لظرف العنيد المعقد، وعلى ضوء هذه القاعدة السهيمة ، والمنطق العجيب المضطرب ، عندها فقط تصبح عملية الإبداع الكتابية غاية في الصعوبة ؛ لتتشكل فلسفة إبداعية من نوع جديد تبحث عن حلول عملية خارج نطاق الإبداع الكتابي؛ لتسد شيئا من الثغرات، وتستكمل مشوار المد الإسلامي المتواصل في حلقات المقاومة والتربية والبناء والتطوير .
    وعلى الرغم من أن التاريخ –في عرف المؤرخين- عملية إبداعية صرفة تحتكم إلى قواعد التأليف السليمة الصحيحة ؛ انطلاقا من طبيعة العمل الكتابي ونوعه - فالسيرة الغيرية تحتكم إلى جملة الحوادث والأخبار المتعلقة بعالم الشخصية ونفسيتها وظروف عيشها وتطورها منذ الولادة حتى الوفاة ،وهي تلزم الكاتب – في كثير من الأحيان – أن ينسج على منوال المؤرخين، ويستلهم منطق القصاصين وسبل كتاباتهم، إلا أن طبيعة المؤرخ لهم في خضم العمل الجهادي المتنامي قد يفرض نوعا من الإلزام الفكري والتطوير المنهجي في الكتابة والتأليف.
    ومن هنا، فقد جاءت هذه الدراسة بذائقتها الخاصة، ومنهجها المتميز في تناول الشخصية ؛ من حيث التنوع الأسلوبي بين المقالة التحليلية والسرد القصصي من نحو والاعتماد على الاستقراء الإخباري والشواهد الخارجية من النحو الآخر ، وقد حرصت على هذا التنويع لعلي أحقق غايتين : أولاهما الإبداع القصصي، أما الثانية فهي تكمن في التتبع والاستغراق والشمولية لكل الإضاءات المحيطة التي يمكن أن تساعد في إعطاء صورة أكثر شمولية وأكثر دقة فيما له علاقة بهذه الشخصية المتنوعة .
    وقد قسمت الدراسة إلى أربعة فصول دراسية :
    1- فصل لسيرته الذاتية
    2- فصل خاص بالشهادة وظروف الاغتيال
    3- فصل لمنهجه الفكري والسياسي
    4- ثم جاء الفصل الرابع لأجمع فيه بعض الملحقات ذات العلاقة بشخصية القائد من مثل :المقالات التي قيلت فيه ، أو الرسائل الذي بعثها لزوجته، أو قصائد الرثاء التي قيلت فيه بعد استشهاده
    رمضان عمر/ نابلس/2004




    توقيع رمضان عمر :مع تحيات الشاعر الفلسطيني / رمضان عمر



    المولد والنشأة

    ---------------------------------------------

    من بين الزقاقات المتلاحقة في لعبة الأخذ والرد مع نكبات الزمان.. بزغ فجر جديد ، ,اطل عنوان كبير؛ ليقرع باب الذاكرة التاريخية طالبا الإذن بالولوج .. لم يعبأ بعتمة الليل.. ولم يهاجر مع الذاكرة المنسية حيث الأصل والمنشأ .. بل رضي بالقدر .. وغاب مع ذاكرة المنسيين –ردحا من الزمن -كما غابت معها ذكريات الملايين في زحمة التكوين الإجرامي لقضية اللاجئين .
    وكادت غلالة التاريخ أن تتخلص من أعباء التسجيل اليومي للذكريات المنوطة بصاحبنا الأبي… صاحب الاسم البهي… الشهيد العبقري .. القائد العظيم جمال منصور؛ ؛ تلك الذكريات التي طلبناها بعد أربعين سنة- و فد قدر لها بعد زمن أن تكون محط أنظار الباحثين.- فلم نجد منها إلا الفتات اليسير .. فكثير مما أردناه غاب مع ذاكرة النسيان -التي عصفت بالكثير من الذكريات الساخنة- واندثر تحت سنابك التأريخ المزيف ؛ التاريخ الذي غيب عن صفحاته مآثر العظماء ، وسطر بمداده الأسود كل سخافات التزييف والتملق ، وجال وصال في كل مربع عفن؛ ليكتب عن طاغية مستبد ، أو مراهق ساقط ، أو مومسة بلهاء سقطت ضحية لشراك المفسدين في الأرض ، فظنت نفسها كليوبترا الفن العريق .
    هذا هو جمال منصور الذي غفل عنه التأريخ الحديث ؛ فلم يحفل بكمال عقله وسلامة فهمه وصدق انتماءاته وسر تميزه وعلو منزلته .
    هذا هو جمال العابد المجاهد القائد الهمام المفكر العبقري الذي اقض مضاجع بني صهيون وهز عروشهم .
    هذا هو جمال ؛ ذكي العقل , ثابت الجنان ،سريع البديهة ، حاضر النكتة ، قوي الجسم ، حسن التخلص في المواقف المحرجة ، عميق الفكر ، يأسر القلوب بكلامه الساحر ، ويحسن التلطف والتصرف مع المخالف الغبي الفاجر،، لا يستفزه شيء ، ولا يغضب إلا لله وفي الله، ؛ فيصفح في حق نفسه ، ولا يتنازل في أمر الله قيد أنملة .
    هذا هو جمال منصور الذي أحبه كل من عرفه ، رجل المواقف الصعبة ، أبو بكر إذا بكى وعمر بن الخطاب إذا غضب، السياسي المحنك والفقيه الحاذق ، والداعية المؤثر ؛ تجاوزته كتابات المؤرخين في عصر التهليل والتكبير لبني الأحمر والأصفر وذوات العيون الزرق من صويحبات الفن الهابط .. هذا هو جمال منصور القيادي البارز في اعرق الحركات الإسلامية ؛ حركة المقاومة الإسلامية حماس ،التي صنعت تاريخها بالعرق والدماء
    ولعل ندرة المعلومات وشحتها هي أول ما يصادفك وأنت تبحث عن تاريخ مترابط لهذه الشخصية أو تلك ، مما يزيد الطين بلة ، ويعمق معالم المفارقات التصويرية العجيبة في زمن انقلاب الصور وبحول القيم . في زمن الزويبضات تلج النجوم إلى كناسها وتستنسر البغاث في الأرض ويستنوق الجمال ويصيح الحمار : أنا سيد الغابة …
    في زمن الرويبضات لا تعلو الثريا ولا يشار لها بالبنان ، ويصبح الثرى سماء علية ، يقول فيها كل ابن أنثى :هذا أنا .
    في زمن الرويبضات يؤمن الخائن ويخون الأمين ويسود الجاهل ويقاد الحكيم إلى حتفه المجهول .. ويقود القافلة أشباه الرجال .
    في هذا الزمن الكسيح المعاند ندلف إلى عالم الحقائق الغائبة ، نغوص في الأعماق نستخرج الدر المكنون … نمتشق بعض الفضاءات الزاهية من عتمة المجهول لنضيء بعض معالم التاريخ التي زويت عن المسارات السليمة .. وأريد لها أن تعمى عنها العيون ، وتسهى عنها القلوب والعقول.
    في زمن الانهيارات المزلزلة في الفكر والثقافة والفن والأدب ، نبحث عن الاصيل الرقراق لندمغ به وهما ران على القلوب وعتمة حجبت العيون .. وفوضى محمومة جعلت الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد .
    في هذا الزمن المعقد الغريب ندلف إليك يا جمال من بوابتك التاريخية الشامخة لنسير معك حيث أردت ،نرضى بالقليل من التفاصيل عن عالمك الواسع ؛ فقليلك أيها العملاق نما عطاءه وزاد أثره نسير معك منذ الولادة حتى الشهادة ، نتقلب بين صفحات التألق في عبقريتك، وصفحات التحرق في محنتك .
    ……………………












    التوقيع :
    د. رمضان عمر رئيس رابطة ادباء بيت المقدس في فلسطين المحتلة

  2. #22
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Feb 2004
    المشاركات : 227
    المواضيع : 67
    الردود : 227
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    هناك في مخيم بلاطة مخيم الثورة والثوار .. مخيم الصمود الأسطوري .. بوابة المد المقاوم كانت بذرة التكوين الأولى تضرب بجذورها في عمق القضية الفلسطينية ؛ مشكلة في حياء وخفر لبنة من لبنات المستقبل الكفاحي العنيد.
    كانت ذاكرة والده المفعمة بالحنين الدافئ الأصيل تتراقص بين دوحتين : دوحة البيت الفلسطيني (السعيد) ، الذي أخذ يبنيه تحت تراكمات المد المأساوي العنيد.. منذ أن أطل ديجور الاستعمار الأول كالعاصفة الهوجاء التي تسحق الآمال ، وتسرق زهو التحليق في سماء المتعة ، وبين ذاكرة الحنين الدفيء في قرية سلمة ؛ موطن الآباء والأجداد، في قضاء يافا ، وأنى له أن ينفلت عن ذلك الماضي القريب ؟ فذاكرة النزوح الأولى عام 1948 لم يمض عليها إلا اثنتا عشرة سنة .
    كانت ذاكرة والد الشهيد ترتد إلى الماضي القريب . باحثة عن الأمل المسروق في بيارات يافا ؛ وسواحل حيفا؛ فتذكره زوجته بالحمل القادم الجديد . فينتبه إلى نفسه المأخودة بذكريات الأمس القريب ، ليبدأ في نقل بوصلة التركيز إلى أعباء المستقبل الذي ينطره على قارعة الزمان.
    ولطالما باحت والدة الشهيد- رحمة الله -لزوجها عن تلك المشاعر الغريبة ، والأحلام العجيبة التي رافقت الحمل في شهوره التسع ؛ كانت تشعر دائما أن حملها هذا مختلف تماما عن كل حمل مضى ؛ فهو حمل خفيف لطيف .. لا يثقل الكواهل ، ولا يضاعف الأوجاع ، ولطالما صرحت الأم ببعض أحلامها التي ضنت بها ، ورأت بها بشارات؛ فقد شاهدت في إحدى مناماتها أن الحائط قد انشق وخرج منه شيخ جليل في لباس أبيض ، ثم يتقدم هذا الشيخ بوقار ويربت على ظهرها ،ويقول لها ثلاث مرات :أنت حامل بولد ، أنت حامل بولد ، أنت حامل بولد ،ولم تطل أيام الحمل- رغم لوعة الانتظار - إذ أن الأرض كانت على موعد لاستقبال هذه الهدية النوعية بتاريخ 25\2\1960م وتصافحت الزغاريد المستبشرة بهذا القادم الجديد مع ذلك الحلم الصادق.
    صدقت أيها الشيخ وصدقت نبوءتك .إنه ولد وأي ولد!!! ولد رأت -فيه - الأم قبل مولده تميزا قرت له عينها وبشت له مشاعرها ، ورضيت به نفسها الزكية ، إنه الحدس الغيبي الذي لا يخيب ولا تفسره قوانين الطبيعة ، إنه الرضا -كما تقول العجائز -لا غير ؛ إذ خف بها الحمل ، وصدقت عندها الرؤيا ، بل ولمحت تحت ذقنه الصغير حين الولادة بعض الشعيرات القصيرة التي تشبه اللحية في أول منابتها .
    أحبت الأم طفلها ، ورق له قلبها، وضنت به دون غيره ، وأخفت حنانها عن عيون الحاسدين ، وأخذت ترعاه باسم الله ، وتحوطه بالمعوذتين وتدعو الله له بالحفظ والصون . وسرعان ما بدأت الأم تلمح في طفولته معالم الفطنة والذكاء ؛ فزاد حبها له ، وزاد مع الحب الخوف عليه ؛ يقول شقيق الشهيد: حدثتني والدتي – رحمها الله- قالت : كنت استيقظ على جمال في بعض الليالي ؛ فأجده واقفا يصلي –وهو نائم- فأسمي عليه ، وأعيده إلى النوم " .
    كان الجميع يشعرون بتميزه : تميز بين إخوانه، وتميز عن باقي أفراد العائلة ، كانت طفولته هادئة كمر النسيم العليل ، ورغباته متواضعة كالعالم الملائكي الجليل ، فلا يطلب إلا لحاجة ، ولا يثور الا في النادر القليل .. كان مؤدبا وخلوقا منذ صغره ؛ غير مؤذ في لعبه ، وإذا ما تشاكس الغلمان وتشاكوا رأيته بعيدا عن معمعان التشاكي، واقفا في الحياد مصلحا أحيانا وأحيانا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، كان -كما تقول أمه – مرضيا عندها محبوبا عند إخوانه وأخواته ،أما أهم خصائصه المميزة كما شهد له بذلك ذووه فهو عقله الذي كان يكبره سنا .
    تلك هي الصورة التشكيلية الأولى التي أبدعتها ملامح الطفولة الأولى لهذا الفتى الناشئ ، لوحة فنية متميزة سرقت الأنظار وأمالت لها القلوب ، نبتة تشبه الكثير من النباتات من اسمها وشكلها العام بيد أنها تأسرك بمذاقاتها الخاصة ورحيقها العذب ، وتأخذك بدقة التصوير فيها فما أجمل ابداع الخالق حين تتجلى قدرته!!خلق الإنسان في احسن تقويم ، ثم هداه النجدين ،وزينه بالعقل والحكمة والدين ؛ ومن أتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا.
    لم تكن الظروف المحيطة بهذه الشخصية- وسط ذلك المحيط المتلاطم الممزوج بالغث والسمين، بالقسوة والمعاناة بالفقر بالتاريخ المذبوح ، بالأسقف الزنكية والتلوثات البيئية –قد أعدت إعدادا ذهبيا لاحتضان أو تشكيل شخصية ثقافية تصنع على عين الكفاءات ،وترعى في المدارس والمعاهد الخاصة ، مع أهل العلية من ذوي السلطان والشأن ، بل سارت به كما سارت بغيره إلى مغارات النسيان ؛ فليس هذا الزمن كما أسلفنا زمن الصالحين ، ولا المكان مكان العدل .. إنه زمن الفراعنة الجدد .. يستضعف فيه المؤمنون وبتأله المجرمون ، ولا حق لضعيف أمام أنياب الوحوش.
    كان جمال طفلا كباقي أطفال المخيم ؛ هاجر أهله كما هاجر الآخرون …لم يكونوا ثروة ، ولم يبنوا لأنفسهم عرشا من فضة ولا تاجا من الذهب . كان يأكل كما يأكل أترابه ؛ بعض الفتات والبصل والعدس والفول، وأحيانا لا يجدون ما يأكلون؛ رغم ما كان لهم من البيارات والكروم في قرية سلمة …وكان يجوب أزقة المخيم زقة .. زقة حافيا ، صقلته قساوة العيش ؛ فكان صلبا منذ صباه وعلمته الحياة الخشنة أن رفاهية التدليل لا تصنع رجولة ، ولا تبني مستقبلا ؛ فكان ممن يصدق فيهم قول الشاعر
    لا تحسب المجد تمرا أنت آكله لم تبلغ المجد حتى تلعق الصبر
    … ..........
    في غرفتين متواضعتين من غرف وكالة غوث اللاجئين .. وبين أحضان عائلة كريمة أصيلة ، ميسورة الحال ، أسرة متدينة من جهة الأب وجهة الأم ؛محافظة على القيم والعادات الكريمة الأصيلة ؛ ويكفيك أن تعرف أن جده لأبيه –الشيخ محمد المنصور-كان مؤذنا وإماما لأحد مساجد بلدته –سلمة الباسلة- وكان صاخب علم وتقوى ، وكانت لديه مكتبة طيبة ،حوت الكثير من الكتب الإسلامية القيمة ، ولك أن تعرف أن خاله الشيخ رشيد كان يحفظ القران رغم فقد بصره … بين أحضان هذه العائلة نما جمال منصور وترعرع ..
    ولإحدى الغرفتين -التي كنت تهبط إليها ثلاث درجات كاملة حتى تصل إلى قعرها - تاريخ عظيم .. وأثر من مآثر هذا الرجل العظيم ؛ هذه الغرفة التي كانت تصغر أخنها في الحجم، كانت كما يقول شقيقه -: دارا للحكمة بكل معنى الكلمة ؛ ففيها خلوته ، للذكر والمذاكرة، وفيها ترتب اللقاءات مع إخوانه ، شباب الدعوة ؛ فيها مكتبته الدائرية التي تزين جدرانها الأربع.. وفيها سريره المتواضع البسيط ، ، تقابله أريكة تتسع لأربعة أشخاص ، وبينهما طاولة أكل عليها الدهر وشرب ، مربعة الشكل ( 60*60سم) عليها يدرس ويأكل ويطالع. هذه الغرفة تتحول مع نضوج الفتى وولوجه عالم الدعوة إلى مركز للعمل الإسلامي على مستوى المحافظة كلها. وتصبح مع مرور الزمن واحدة من المراكز الإسلامية في فلسطين المحتلة لتخرج من بين جدرانها الأربعة أجيالا متعاقبة من أبناء الحماس الميامين، وعلى رأسهم المجاهد القائد جمال منصور
    هذه الصورة النمطية البسيطة في هيكلها العفوي ، تنبؤك عن الواقع البدائي الذي شكل طفولة هذا الفتى اليافع.. وتكرهك على استحضار الجانب العاطفي المفعم بالمرارة والتوجع .. لتعلم من حيث أردت أو لم ترد كيف هي مصانع الأبطال ، ولكم نحن واهمون حين نزعم أننا بحاجة إلى كليات عسكرية ، وأكاديميات تربوية -تتمتع بكل مستلزمات التكنلوجيا العصرية - لنصنع شخصية قيادية واحدة تقول فيسمع لها ، وتأمر فتطاع، وتتسم بالحنكة والحكمة والصلابة وقوة الإرادة وجميل التخطيط ودقيق الفهم .
    نحن هنا في عالم آخر ؛ عالم لا تعرفه التكنلوجيا الغربية ولا تحن إليه – رغم انه فاقها أميالا وأميالا – عالم من القيادات التي ستتعرف على طريقة بنائها عندما تسير معنا سطرا سطرا . وننقلك عبر صفحات هذا الكتاب إلى عالم السؤدد الحقيقي ، عالم العمالقة … عالم يصنع على عين الله ويحي في كنفه ورعايته . عالم قوامه رضى الأمهات، وصدق النيات، ومنهج التربية السليم الذي يمارسه الأبوان في صناعة الأبناء بعيدا عن التدجين والتزييف .
    ………………
    ………..
    ……




    لم تستهو أزقة المخيم وكثرة تفريعاته ومداخله العالم الفضولي في شخصية هذا الفتى الناشئ، ولم تدخله صلافة العيش في مستنقع الجهل واللأخلاقية، التي كانت تستقطب أكثر المغادرين من الغرف الضيقة باحثين عن ساعات طوال في أزقة المخيم ؛ يقضون فيها طرفا من النهار ، أو طرفا من الليل في العمل العبثي السخيف، بعيدا عن أعين الأهل.
    لقد رسم الفتى لخطواته خطوطا مستقيمة، أخذ على نفسه ألا يتجاوزها ؛ من البيت إلي المسجد ، ومن المسجد إلى البيت…؛ المسجد : هو البوصلة التي يهتدي من خلالها إلى طريقه السوي ، ويفلت من مساريب المخيم، ومنعطفاته القاتلة ، ودهاليزه المخيفة ،، التصاق مبكر في المسجد في زمن عز فيه آمُّوا المساجد من الأطفال والشباب.
    كانت المساجد آنذاك حكرا على الشيوخ دون غيرهم ، لكن الفتى طرق باب الخير- برعاية الله- وساقته قدماه –بعون الحفيظ العليم – فقرت بلابله بظل هذا البناء الذي لا سلطان لبشر عليه ؛ وهناك كان يجد –الفتى –كل أسباب الراحة والطمأنينة ، فتنقله طمأنينية الرضى إلى عالم التفكر ؛ نعم لقد أقمت الصلاة وذكرت الله !! إذا ، ماذا بعد؟ ولم يغب الجواب عن طموحات الفتى ، إنها القراءة ، إذن، .. إنه الكتاب ؛ الكتاب :الذي ينقلك إلى عالم التميز ، ويرفعك إلى حيث اشتهيت وأردت .. ويفتح أمامك عالم المعرفة وآفاق الحكمة ، ويفجر كل طاقة مخزونة في الذاكرة الإبداعية.
    ومن هنا ، بدأ ،يهتم باقتناء الكتب وقراءتها ، ورغم ضيق ذات اليد ، وقلة الموارد المالية ؛ إلا أنه كان يحرص أن يوفر من مصروفه اليسير المعد – أصلا –لأساسيات أخرى ما يشتري به بعض الكتيبات والقصص النافعة في مجال البطولات والمغامرات ،أو قصص الصحابة والتابعين . ومع مرور الزمن تكونت - لديه- مكتبة ضخمة، بناها بقروشه المتواضعة، وبإرادته العملاقة.
    ومن الطرائف التي نستحضرها هنا في هذا السياق ما حدث به هو عن نفسه حيث قال : رأيت وأنا صغير حلما عجيبا ؛ رأيت مكتبة ضخمة تسقط علي لتقتلني وقد تحدثت بذلك لأحد العارفين فقال له : يا بني ، يبدو أن علمك سيقتلك .
    يقول شقيقه:"كان حريصا أشد الحرص على أن يكون له زاده الدائم في الثقافة الإسلامية الشاملة في شتى الميادين، وقد قال لي يوما : أنه قرأ كتاب إحياء علوم الدين وهو في الصف الثالث إعدادي ولم تكن دراسته تلهه عن ذلك أبدا . وقد جمع مكتبة شامله عبر سنين عمره حتى وهو طالب في المدرسة من مصروفه ، كان يحرم نفسه ويشتري الكتب الإسلامية والأشرطة ، بينما لم يسمح بدخول التلفزيون حتى انتهى من دراسته الجامعية .
    كانت له نظرته الخاصة والثاقبة في نوعية الكتب وطبيعتها، يقول شقيقه :حملت يوما ورقة وقد كتب عليها عبارة لابن المقفع يقول فيها : اقرءوا أفضل ما تجدون ، واكتبوا أفضل ما تقرئون ، واحفظوا أفضل ما تكتبون ؛ فعرضتها عليه ، فقال : كان عليه أن يقول: واعملوا بأفضل ما تحفظون !!
    كان الفتى مجدا في مدرسته ، متفوقا في دروسه .. أحبه المعلمون ، وشهد –له- بالفضل زملاؤه في مدرسة وكالة الغوث للاجئين (الابتدائية والإعدادية) .
    كانت الصفة القيادية ملازمة له منذ ذلك التاريخ البعيد؛ وقد ذكر بعضهم انه كان يلمح –فيه –معالم الشخصية القيادية منذ صغره ..كان يحرص أن يكون في مواقع الإشراف والقيادة في كل قضية تحتاج لذلك .
    ومن طرائف القصص التي تشهد له بذلك : انه كان كثيرا ما يلعب مع زملائه لعبة ( شد وشيل) وهي لعبة يقوم أحد المشرفين بطرح أسئلة على فريقين متنافسين، ومن خسر كان عليه أن يحمل الفريق الثاني إلى جهة مقصودة إعلانا بخسارته ، وهنا كان الشهيد يلعب دور المشرف دائما .
    وكثيرا ما كنت تجده في تلك المواقع التي تحتاج إلى قيادي متميز؛ في الأندية، والنشاطات الكشفية والمسابقات الثقافية . وكان دائما يقول عن طفولته : هناك فريقان من الأطفال فريق يقول :أنا مع من ؟ وفريق آخر يقول : من معي؟ وقد كنت -دائما- من الفريق الثاني.
    ………..
    توفي والده –رحمه الله- وهو في السادسة عشرة من عمره . وفي هذه الفترة كانت شخصيته قد بدأت تتبلور بصورة عجيبة، وتشق طريقها إلى عالم مثالي آخر ؛ وتختار نسقها النهائي في لعبة الاختيار في مفترقات سن المراهقة .. لم يكن أحد من إخوته الذين يسبقونه سنا صاحب وجهة فكرية دينية ، ولكنها الفطرة النبيلة التي اقتادته بلطف إلى عالم ملائكي كريم، في دوحة الإخوان المسلمين.
    بدأ العمل الإسلامي –لحركة الإخوان المسلمين في نابلس – عام 1973م بدرس للشيخ حامد البيتاوي في المسجد الحنبلي ولم تكن فكرة العمل قد تبلورت في المدارس أو المعاهد بعد ، وفي عام 1976م وجدت أول نواة لطلبة المدارس في المدينة وبالتحديد في مدرسة قدري طوقان من خلال مجموعة من الطلاب الذين كانوا يداومون على درس الشيخ حامد البيتاوي ولم يكن عددهم قد تعدى الثلاثة ؛ من خلال هؤلاء الطلبة الذين كانوا يسبقون الشهيد جمال منصور بصف أو صفين تم التعرف على حركة الإخوان المسلمين وتم تنظيمه كذلك في صفوف الجماعة .
    هناك في مدرسة قدري طوقان الثانوية – حيث انتقل من مدرسة وكالة الفوث الإعدادية ليكمل المشوار التعلمي في هذه المدرسة العريقة- بدأ عالم الانطلاقة الجديد في واحة الاخوان المسلمين يرسم معالم الشخصية القيادية ويبرمج خطوات التطور السريع على طريقة العمالقة العظام ،الذين لا يسيرون مع الركب البطيء .. بل ينطلق بهم الركب في قفزات نوعية تنقل عالم الدعوة إلى المقام الذي كان يتمناه أصحاب الدعوة ، وما أشبه هذا المشهد التاريخي الحديث بمشهد إسلام العمالقة العظام الذين كان لهم الدور الأبرز في نقل مراحل الدعوة الإسلامية الناشئة في مكة ودفعها إلى الأمام ؛ كما في قصتي إسلام عمر بن الخطاب وحمزة بن عبد المطلب– رضي الله عنهما – أو كما هو الحال في دخول الداعية المفكر الأديب سيد قطب رحمه الله دعوة الإخوان بعد اغتيال الإمام الشهيد حسن البنا ، كان دخول الشاب اليافع جمال منصور إلى الحركة الإسلامية الناشئة مكسبا عظيما وانطلاقة جديدة ؛ مهدت لتاريخ جديد لهذه الحركة .
    وقد حدَّث عنه أستاذه الأول في مدرسة الإخوان المسلمين الشيخ حامد البيتاوي –الذي بقي نقيبا له لمدة ثلاث سنوات كاملة منذ التحاقه بالدعوة الاخوانية – يقول :"كان جمال قارئا .. تربى في هذه الجماعة العظيمة ، وكان سباقا في واجبات الآسرة الأسبوعية ؛ من حفظ وتفسير واهتمامات توحي أنه اكبر من سنه .. وكنت آنذاك أتوقع له مستقبلا "
    وهناك بدأ يتعرف على سيد قطب وحسن البنا ، أكثر من قراءة سيد وتعلق به ، وكان دائما يقول : من لم يقرأ لسيد فقد فاته معظم الخير،وقرأ للقرضاوي- أيضا- وأحبه وكان يعجب كثيرا بشخصية عبدالله عزام المجاهدة التي لمع بريقها بين شباب الإخوان في الأردن ؛ قبل أن ينتقل للجهاد في أفغانستان ويكون ظاهرة المجاهدين العرب العالمية. وأحب الترابي وأعجب بمنهجه العملي في التفكير.
    وكان لهذا التميز الدعوي المبكر أثره في بناء شخصيته القيادية ؛ فقد اصبح جمال منصور بعد وقت
    قصير واحدا ممن يقوم عليهم العمل الإسلامي في المدينة ؛ يقول الشيخ حامد البيتاوي : تم وضع الشيخ جمال منصور في لجنة المساجد وكنت التقيه أسبوعيا مع مجموعة من الاخوة وقد استمر ذلك لسنوات".

  3. #23

  4. #24
    الصورة الرمزية الصباح الخالدي قلم متميز
    تاريخ التسجيل : Dec 2005
    الدولة : InMyHome
    المشاركات : 5,766
    المواضيع : 83
    الردود : 5766
    المعدل اليومي : 0.86

    افتراضي

    اتابع بإهتمام
    اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَما صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهيمَ. إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

  5. #25
    الصورة الرمزية عمر رمضان شاعر
    تاريخ التسجيل : Nov 2004
    المشاركات : 116
    المواضيع : 33
    الردود : 116
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    لم يفاجئنا النظام العربي الرسمي- بهذا الانهزام التاريخي الجديد ... الذي أعلن عنه قبيل بدء المعركة التاريخية الحاسمة مع المحتل الغاصب على حدود (كيان العدو الغاصب شمالا مع حزب الله وجنوبا مع حركات المقاومة الفلسطينية)... وله أن يخترع لنكبته الجديدة اسما حضاريا يليق بها ؛ ليضيف ذلك إلى قاموس انكساراته ومخازيه العديدة .

    أما نحن فلن نجزع ولن نرتعد .. ولن نصدر صيحات الاستغاثة والندب كما تعودنا ؛ لان نضجنا السياسي بعد عقد من المد والجزر ، واستقامتنا الدينية على المنهج السوي الذي اختارته الشعوب في انحيازها إلى خيار المقاومة دون التطبيع ؛ لا يسمحان –أبدا- بتوقع غير الذي حدث ، فنحن نصنف النظام العربي في قراءتنا السياسية على انه – دون شك- أداة متقدمة من أدوات الاحتلال، وغطاء حقيقي لمشروعه العدائي ، ونعلم تمام العلم أن هذه الأنظمة ما كان لها أن تبقى في ظل الاستعمار الأمريكي الجديد إلا وقد حسم أمر الولاء فيها لسيد الأمر والنهي كما تسميه وتصنفه ؛ فهي عدوة لشعبها أولا وأخرا .، مقدمة مصالح أمريكا على مصالحها الفردية والقومية ... ؛ لان إستراتيجية التمثيل القيادي في عرفها التاريخي ، - منذ ما سمي زورا وبهتانا عيد الاستقلال الأول لها- مبنية على أنموذج العمالة المعمول بها دوليا في ولاءات النظم لأسيادها .

    ولا يجوز لنا، أيضا، إن نتعامل – هنا - بسذاجة حالمة ؛ فنتباكى على ماسينا وويلاتنا إزاء تهاون هذه الأنظمة وتواطئها مع المحتل ... فنتمنى على هؤلاء لحظة رشد يفيقون فيها ويعودون ؛ فتلك قراءة سقيمة لطبيعة المعركة ؛ فالتصنيفالسياسي الواقعي لحقيقة المعركة هو ما تصنفه أمريكا في قراءتها الواعية للحدث بل في قراءة إسرائيل ذاتها حين استطاعت أن تحيد جزءا كبيرا من شعوب المنطقة لتنفرد بما تشاء ، إذن فاللوم كل اللوم على شعوب الأمة التي تمكن للطواغيت ، وتسلمها زمام أمورها وتعطي لها الولاء بعد الولاء .

    فلم تعد هناك مجالات للتورية السياسية ؛ فالحرب مكشوفة مفتوحة ... قسمت الناس حيالها إلى فسطاطين لا مجال للحيادية معهما. والتمحور في الاستقطاب يجرى حول طبيعة المشروع المستقطب .. فإما أن تكون مع المشروع المقاوم ، وهو مشروع عالمي ، حتى وان أرادت الإدارة الإعلامية الأمريكية تشويهه .. فتطلق عليه أوصافا متعددة من مثل الارهابين ، أو القوى الإجرامية ... أو الأصولية الخ ؛ أو أن تفرق بين ما يجري في أفغانستان والعراق- مثلا- و ما يجري في فلسطين ولبنان ، فتزعم أنها حروبا لا حربا واحدة ، ثم تقول إن العدو التي نواجهه في العراق يشبه إلى حد كبير العدو الذي تواجهه( إسرائيل ) في فلسطين.

    ، ولذا فالحق قائم لكليهما كي يقضوا على هذا( السرطان) كما يحلو لهم تسميته ؛ فالحقيقة المثالية للتصنيف الوطني الواعي ترفض هذا التفريق المموه ، بل وتفرض على أصحاب المنهج المقاوم نوعا من المراجعة والتدقيق ، ورص الصفوف في بوتقة واحدة بعيدا عن الطائفية التي جرت في العراق وأفغانستان ، ويراد لها أن تدب في لبنان وفلسطين. كي لا نقع في فخ المحتل الذي يريد لنا ان تتفرق عن قوس الحق ، ونصبح لقمة سائغة لمشروعه الخبيث .

    إما المشروع الأخر فهو كل لا ينفصل -أيضا - وهو مشروع (صهيو - أمريكي ) حمل مسميات عديدة ،و لكن بغايات وآفاق محددة ، وحماته أو دعاته يشكلون مربعا تقف على زواياه حاضناته الأربع المتمثلة بكل من : إسرائيل ، و أمريكا ، والنظام العربي الرسمي- المنصهر- أصلا- في المشروع الصهيوني- ، والمجتمع الدولي المثقل بمعادلة المصالح المتبادلة وحمى الاقتصاد والعولمة .

    ووفق هذا السيناريو بدأت الهجمة الشرسة الغاشمة لا لاسترداد الجنود الأسرى كما يروجون بل بتوزيع الأدوار وفق إستراتيجية واضحة من قبل أصحاب مشروع ( الشرق الأوسط الجديد) الذي تديره أمريكا وإسرائيل وتهيئ له أنظمة عربية وإسلامية معروفة بتواطئها مع المشروع الأمريكي وتقنن له الأمم المتحدة بقراراتها المنحازة لصالح هذا المشروع ؛ فمنذ الطلقة الأولى بدأ السيناريو يأخذ مجراه على الأرض : وحشية صهيونية مدعومة بإعلام أمريكي ضاغط وتصريحات قادة أنظمة عربية لجلد الضحية وإجبارها على الانهيار ثم مجتمع دولي يكمل الحلقة من خلال مجموعة الثماني بقرارات مجحفة تشرع قتل المدنيين وتناقض القرارات الدولية التي تضمن حق أسر جنود أو قتلهم في حالات الاحتلال كما ورد في اتفاقيات جنيف الخاصة بالحرب والسلم .

    أما موضوع المقاومة اللبنانية أو الفلسطينية فعلى هذه المقاومة أن تكون قد أعدت عدتها الكافية للتصدي لهذا المشروع الخطير دون الاتكاء على حالة من اليقظة أو الانتظار لنوع من التعاطف الدولي ؛ لأن طبيعة المعركة كما قلنا لا تحتمل الالتفافات المبنية على أحلام أو توقعات؛ فالولاء فيها محسوم والمشاريع فيها واضحة .

    واعتماد المقاومة على ذاتها لا يشير في حال من الأحوال إلى نوع من الانتحار السياسي ، أو المغامرات غير المحسوبة ؛ لان طبيعة الفعل المقاوم في هذه الحالة لا تعتمد أصلا على قوة الضغط العسكري لأن الفوارق فيها محسومة لصالح الجانب (الصهيو-أمريكي )، بل لا بد لها أن تعتمد على ثلاثة أسس ، تعتبر المحافظة عليها انتصارا وانجازا هاما للمقاومة

    1- الثبات على المبدأ المعلن وعدم التنازل عنه تحت أي ظرف ضاغط مهما كلف الأمر؛ ويمكن إن تكون المبادئ هنا عدم الإفراج عن الأسرى إلا بالتفاوض غير المباشر ، القائم على التبادل التام لكافة الأسرى العرب في سجون الاحتلال دون الدخول في عمليات سياسية واسعة يقايض عليها المجتمع الدولي من مثل تجريد المقاومة من سلاحها آو الاعتراف بالشرعيات المفروضة وفق القرارات الجائرة .

    2- اعتماد سياسة النفس الطويل في المواجه وجر العدو إلى حرب استنزاف طويلة المدى ، فالمقاومة حق . والحق يسترد من خلال حركة تغيرية شاملة لا مجال للاعتراف بالهزيمة من خلالها فالقضية لا تندرج تحت سياق مناطق متنازع عليها بل أراض محتلة ، والأجيال القادمة كفيلة باستردادها.

    خلق حالة من التعاطف الشعبي تشكل حاضنة قوية للفعل المقاوم ، ولعل هذه الأسس متوفرة في شكل جلي لكافة حركات المقاومة المتواجدة في خطوط النار مع العدو( الصهيو أمريكي) في كل من فلسطين ، لبنان ، العراق ، أفغانستان ، الشيشان .والعدو يدرك هذه المعادلة ويحاول جر الشعوب الحاضنة في التخلي عن جسد المقاومة بالضغط عليها وترهيبها حينا أو بجرها إلى نوع من الحرب الأهلية أو الفصائلية ، ونحن نؤكد أن المقاومة التي تنجح في سحب البساط من تحت أرجل (الصهيو- أمريكي)، ستصمد وتنتصر بأذن الله.
    رمضان عمر

صفحة 3 من 3 الأولىالأولى 123

المواضيع المتشابهه

  1. كرازايات فلسطين والمشروع الوطني المقاوم
    بواسطة عمر رمضان في المنتدى نُصْرَةُ فِلِسْطِين وَالقُدْسِ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 14-10-2006, 04:54 PM
  2. مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 29-08-2006, 10:53 PM
  3. ساعات نقدية مع الادب الاسلامي/ تابع الحلقات "مميز جداَ"
    بواسطة رمضان عمر في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 24-11-2005, 01:54 PM
  4. "مشاركة اولى" خمس على النهج المقاوم
    بواسطة خليل قطناني في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 06-10-2004, 06:36 PM
  5. حي الزيتون )قصيدة مهداة لأهل هذا الحي المقاوم الأبي
    بواسطة فارس عودة في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 19-05-2004, 08:30 PM