الرصاصة القاتلة .. قراءة من الذاكرة ( 4 )

بسم الله الرحمن الرحيم
الرصاصة القاتلة – قراءة من الذاكرة ( 4 )
عبدالغني خلف الله
أخيرآ قرر الدكتور مبارك دخول القفص الذهبي ..وكان زملاؤه بالجامعة كثيراً ما تعجبوا من بلوغ الدكتور مبارك سن الخامسة والأربعين دون أن يتزوج ..فأطلقوا عليه لقب (العازب الأكبر) وأحيانآ (شيخ العزابة) ولم تكن والدته أقل استغراباً من زملائه وهي تعلم أن الأمر لا يعود لضيق ذات اليد ..فقد ورث عن والده أموالاً طائلة هو وشقيقه الأصغر رجل الأعمال المرموق والذي كون عائلة كبيرة بلغ عدد أفرادها خمسة بنين وبنات ..وكانت أمه كثيراً ما تسأله في ضعف واستجداء ( متين يا وليدي أشوف جناك قبل ما أموت ؟ ) فيرد عليها قائلآ ..بس أخلص الماجستير يا أمي ..ولكن هاهو الماجستير يأتي ليكون العذر الجديد رسالة الدكتوراه وهاهي الدكتوراه تأتي والدكتور مبارك يراوح مكانه ..إلي أن هلّت علي الجامعة المعيدة الجديدة ( هويدا ) والتي تعمل معه بنفس الكلية ..هويدا القادمة من إحدي جامعات الأقاليم بسمتها القروي وحيائها الفطري تسللت في رفق إلي قلب الدكتور مبارك وكان سعيداً ومبتهجاً عندما وافقت علي طلبه الزواج منها ..لم يضع الدكتور مبارك الفرصة فأرسل والدته وشقيقته مع شقيقه الأصغر لخطبتها رسمياً من أسرتها بتلكم المدينة النائية وبعد مشوار طويل بالعربة وجدوا كل الترحيب والإستقبال من أسرة ( هويدا ) وقد كانت مهيأة أصلاً لتلك المناسبة ..أرسلت والدته زغرودة طويلة موسقتها بكل الأفراح الكامنة فيها وهي ترتدي ملابس إحرامها تيمناً وبركةً بهذه المناسبة التي يا طالما حلمت بها ..وهكذا سارت الأمور وفق الطقوس المعتادة .. (قولة خير والشيلة والشبكة والقيدومة وفتح الخشم ) وغرفة النوم وأخيراً السيرة المهولة بأحدث الباصات السياحية .
بدأ الحفل وقد تزين المكان بالثريات والورود وعادت العروس الجميلة (هويدا ) من ( الكوافير ) وكأنها البدر ليلة تمامه ..وصدح المغني العاصمي بالغناء وتمايلت تلكم المدينة الصغيرة طرباً ودخل شبابها إلي حلبة الرقص ينشدون (الشبال ) وهي المدينة التي لم تألف ما جّد من رقص مختلط وخزعبلات أنتجتها المدينة الكبيرة وتُقابل بالرفض في ذاك المجتمع المحافظ ..تمايل الجميع طرباً مع الموسيقي وكان شقيق العريس رجل الأعمال المعروف أكثرهم سعادة بهذا الحدث الإستثنائي وكذلك فتيات الأسرة العاصمية المترفة بكل ما هو جديد في الموضه وبالجانب المقابل رقص الرجال الذين حركتهم أغنيات البطولة والحماسة واستعرضوا في صدر الساحة شجاعتهم وإقدامهم وقد استلوا سيوفهم ..بيد أن تلك الأفراح الغامرة ماتت فجأة عندما أخرج شقيق العريس مسدسه المرخص وبدأ يطلق زخات من الرصاص في الهواء ..في البداية جاوبته الفتيات بالزغاريد .. ولكن ثمة رصاصة قاتلة طاشت لتستقر في صدر العروس الجميلة (هويدا) ..وساد الهرج والمرج والدماء تنبثق غزيرة من جرحها ..حملها عريسها بين ذراعيه وهُرع بها نحو المستشفي ..وساد التوتر والترقب مستشفي المدينة والجميع يصلي من أجل العروس الطيبة المحبوبة ليخرج الطبيب عليهم وهو يفرد كلتا يديه معزياً في الخطب الجلل .
لماذا أحبتي الإصرار علي إطلاق الرصاص الحي في الأفراح لتنتج لنا هذه العادة السالبةمثل مأساة ( هويدا) وقد لايعلم البعض أن المقذوف الموجود في مقدمة الطلق الناري لا يتبخر في الهواء عند إطلاقه وإنما يعود ولكن بسرعة أقل تكفي لاختراق الجسم ولو أُطلق المقذوف في مساحة مجوفة ( vacuum ) فإنه يعود بنفس القوة في غياب بعض المؤثرات الأخري كالجاذبية الأرضية وما إلي ذلك ..تعالوا أيها النجباء نجعل التكبير والزغاريد سبيلنا للتعبير عن الفرح أثناء حفلات الزفاف والله الموفق .

تملكني الحزن ، واختفت البسمة التي صاحبت الحدث السعيد، ليخنقها الحادث الأليم .

عادات كثيرة لا نجني وراءها إلا المآسي .

بارك الله فيك .