أحدث المشاركات

بكاء على الاطلال» بقلم أحمد بن محمد عطية » آخر مشاركة: أحمد بن محمد عطية »»»»» مصير الكوكب على متن الشراع الشمسي» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» وذُلّت الأعناق مقتطف من رواية قنابل الثقوب السوداء...» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح »»»»» الفصل الثاني من رواية وتستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الأم الجريحة» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» و تستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الفصل الأول من الرواية بقلم بوشعيب» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة في بحث أمور قد لا تعرفها عن مستعمرة "إيلون موسك" المستقبلية» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» نعم القائد» بقلم عطية حسين » آخر مشاركة: احمد المعطي »»»»» قراءة في مقال يأجوج و مأجوج ... و حرب العوالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» الطفل المشاكس بقلمي» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»»

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 12

الموضوع: التحدي بالكفاءة و الإبداع ... سمير العمري نموذجا

  1. #1
    الصورة الرمزية عبدالصمد حسن زيبار مستشار المدير العام
    مفكر وأديب

    تاريخ التسجيل : Aug 2006
    المشاركات : 1,887
    المواضيع : 99
    الردود : 1887
    المعدل اليومي : 0.29

    افتراضي التحدي بالكفاءة و الإبداع ... سمير العمري نموذجا

    التحدي بالكفاءة و الإبداع ... سمير العمري نموذجا

    تعد الاتهامات من القضايا الشائكة في عالم المعرفة و الأدب و الفكر,في حين تلعب العصبيات بمختلف تجلياتها ـ فكرية ,علمية,أدبية,سياسية,عرقية إقليمية و غيرها ـ دور الباعث الأكبر لها,و الموقد الأشد لنيرانها, و هي لحقت الكثير من المبدعين و المشاهير على مر العصور و بمختلف الأمصار,و في حضارتنا العربية و الإسلامية حسب المرء أن يعاين كتابا من كتب الرجال و التراجم أو مصنفا من مصنفات الملل و النحل أو مؤلفا من مؤلفات التاريخ و الأدب ليقف بجلاء على الكم الهائل من التهم التي طالت معظم المبدعين و الرموز.
    من أخطر هذه التهم قضية السرقات و التي تعد من أعقد قضايا النقد الأدبي القديم,إذ حظيت بعناية فائقة و أفردت لها أبوابا في المؤلفات و الدراسات بل حازت أحيانا مؤلفات خاصة بها,و لاحقت معظم الشعراء المشاهير من طرف النقاد,وهي في النثر معدودة لكن استفاضتها امتدت حول الشعر,و امتدت لهذا العصر كذلك.
    في حين واجه الأدباء و الشعراء هذه التهم بأساليب و طرق مختلفة نقف هنا على إحداها و هي المواجهة عبر التحدي بالكفاءة و الإبداع و نستعرض الشاعر سمير العمري نموذجا لهذا المنحى من المجابهة و الاستعلاء عبر الإنتاج و الإبداع.
    و المغزى أن السرقة إنما تتأتى من ضعف الصنعة و نقص الملكة العلمية و عجز المقدرة الأدبية,في حين أن سمير العمري شاعر مقتدر لا تنقصه المقدرة على الإبداع حتى يلتجئ إلى السرقة و الانتحال,ووفرة إنتاجه و تفرده تقف حاجزا منيعا ضد أي اتهام لشاعريته.
    من هنا نستيبن أن مسيرة الشاعر خير دليل على صدقيته و إبداعيته من غير حاجة إلى الرد المباشر و التتبع لكل طاعن و هادم,بل إن الإنتاج و الإبداع يحلي صاحبه المكانة المستحقة.
    و كان أكبر تحد منه لخصومه قصائده بعد التهمة,و هي ثلاثة قصائد أفحمهم فيها و تحداهم فيها و هي :

    برزخ الحفظ

    و عفا الله عنك

    ثم كف و إزميل.


    فيما يلي نستعرض بعضا من أبيات هذه القصائد القلائد و التي تعد أكبر دليل على شاعرية العمري و أنه من المميزين في هذا الفن:
    في قصيدة برزخ الحفظ يتحدث الشاعر عن مقدرته الشعرية و ملكته الإبداعية و آرائه الفكرية متحديا إدعاءات خصومه و اتاهماتهم بأبيات تغني عن كل حجاج و جدال :
    مُحِيطٌ أَنَا لِلشِّعْرِ قَاعِي مُمَرَّدٌ وَمَائِيَ مِنْ عِطْرِ الزَنابِقِ أَو أَصْفَى
    وَصَيدُ مَجَالِي جَاوَزَ المَدَّ وَالمَدَى وَبِنْتُ خَيَالِي لا يُحَاطُ بِهَا وَصْفَا
    وَمَا كُنْتُ أَرْضَى الحَرْفَ إِلا نَسِيجُهُ حَرِيرٌ بِأَحْدَاقِ الجَوَاهِرِ قَدْ حُفَّا
    أُغَنِّي ؛ وَمَا فِي النَّايِ إِلا حُشَاشَتِي تَرَانِيمَ قَلْبٍ لا أَكِلُّ بِهِ عَزْفَا
    بِشِعْرٍ سَرَى فِي الصَّدْرِ كَالبَدْرِ فِي الدُّجَى يُلامِسُ فِي الوجْدَانِ بِالنُّورِ مَا اسْتَخْفَى
    وَفِكْرٍ جَرَى فِي الدَّهْرِ كَالنَّهْرِ فِي الحِجَا يُطِيبُ لأَهْلِ الرَّأْيِ مِنْ نَبْعِهِ الغَرْفَا


    ثم يتساءل مستغربا أن يقرب المشين من الأوصاف من مثله في حكمته و شاعريته و عطائه الإبداعي المتفرد :

    فَكَيفَ يُنِيبُ العَبْدَ مَنْ كَانَ سَيِّدًا وَكَيفَ يَسُومُ النِّصْفَ مَنْ يَمْلكُ الضِّعْفَا
    وَلَو كُنْتُ مَخْبُولا لَمَا كُنْتُ جِئْتُهَا فَكَيفَ وَقَدْ كُنْتُ الحَكِيمَ الذِي يُقْفَى

    و يعلل بما سماه برزخ الحفظ و يدلل باللآلئ و اجتماعها في عقد متناسق رغم تباين ألوانها و اختلاف أصولها ,لكن هذا لا ينقص من شاعريته و إبداعيته,فهذه الأبيات و التي مردها برزخ الحفظ ليست من أجود ما نظمه و لا أحسن ما قاله :
    وَلَكِنْ دَهَانِي بَرْزَخُ الحِفْظِ للِأُلَى وَإِبْدَاعِ نَظْمِي بِامْتِزَاجٍ وَقَدْ أَغْفَى
    أَمَا اخْتَلَطَتْ بِيضُ اللآلِي وَسُودُهَا؟ فَكَيفَ جَرَتْ فِي السِّلْكِ وَانْتَظَمَتْ صَفًّا؟

    و في قصيدة عفا الله عنك يتابع العمري نفس النهج باستماتة مبدع و إبداع شاعر متفرد يأتي بإدعاء الخصوم :
    يَقُولُونَ: نَهْرُ القَصِيدَةِ زَيْفٌ فَلا تَشْرَبُوا حَرْفَهُ الكَوْثَرِيّْ
    لَقَدْ صَبَّ فِي فَيضِهِ بَعْضُ وَشْلٍ فَمَا هُوَ إِلا سَرَابٌ وَعِيّْ


    و يفنده بنسج هو من روائع و درر الشعر وهو رد للتهمة بنقيضها و اقتلاع لها من أساسها و إثبات لنفيها و تحقيق لمقابلها وهو الشاعرية الفذة و الإبداع المبهر.
    فَلَوْلا تَفَكَّرْتَ فِي الأَمْرِ مَحْضًا لَكُنْتَ رَأَيتَ الصَّوَابَ الجَلِيّْ
    فَكَيفَ يَصِيدُ الحَشَائِشَ لَيثٌ؟ وَكَيفَ يُرِيدُ الخَشَاشَ الغَنِيّْ؟
    وَقَالُوا: اسْتَبَاحَ بُيُوتَ قُرَاهُمْ فَأَينَ القُرَى كُلُّهَا مِنْ دُبَيّْ؟
    أَنَا عَبْقَرِيُّ البَيَانِ المُعَلَّى بِرَغْمِ الحَقُودِ وَرَغَمِ الغَوِيّْ
    أُدَاعِبُ حَرْفِي عَلَى وَقْعِ عَزْفِي وَأُشْهِرُ سَيفِي بِنَقْعِ الرَّوِيّْ
    جَثَا الشِّعْرُ وَالنَّثْرُ عَبْدَيْنِ عِنْدِي وَمَا كُنْتُ أَحْفلُ يَومًا بِأَيّْ

    أما قصيدته كف و إزميل فهي إبداع يعيدنا إلى زمن الشعر الحقيقي,و عصر النوابغ اللوامع,الذين عز أن تجد لهم بقية في زمن كثر فيه المدعين.
    فهي تشمل صفاء الفكرة, و جودة البنية ,و سعة اللغة و تصاريف الكلام ,و جولان ممتع في الاشتقاق ,و المآخذ البديعية في الاستعارة و التشبيه ,و غرائب التصرف في الاختصار و لطف الكناية في مقابلة التصريح و فن السمو في أكناف المقاصد و المطالب.
    ليس لي الإحاطة بهذه الدرة اليتيمة و المعلقة الرصينة,لكني سأحاول أن أقطف من بين ثمارها بعضا مما يناسبني هنا, وهو ما يرتبط بالتحدي عبر الإبداع و الإمتاع وصولا إلى الإقناع.

    مطلع القصيدة :
    أَبْكِـي اشْتِيَاقًـا إِليهَـا وَهْــيَ تَبْـكِـي لِــي وَأَشْتَكِـي مِـنْ أَذَى الدُّنْيَـا وَتَشْـكُـو لِــي
    أُفَـتِّـشُ الـشُّـهْـبَ عَـنْـهَـا وَهْـــيَ غَـائِـبَـةٌ وَأَفْـرشُ القَلْـبَ مِنْـهَـا وَهْــيَ تَــأوِي لِــي
    مَــا كُـنْـتُ أَطْـمَـعُ مِــن نَـجْـوَى مَـوَدَّتِـهَـا إِلا بِـقَــلْــبٍ بِــمَـــاءِ الـطُّــهْــرِ مَـغْــسُــولِ


    يتحدث عن غربته الشعورية و التي ترافق غربته المكانية فهو مهاجر عن وطنه فلسطين و عن جفاء الذين أكرمهم و حلاهم من شاعريته و مما لاقاه من رد الكرم بالسخط و الأذى :
    أَنَـــا الـغَـرِيـبُ طُـيُــورُ الأَرْضِ تُنْـكِـرُنِـي لا الرِّيشُ رِيشِي وَلا الأَلْوَانُ تَحلُو لِـي
    إِذْ تَأْكُـلُ الخُـبْـزَ مِــنْ شِـعْـرِي وَتَنْقُـرُنِـي وَتَلْبـسُ الخَـزَّ مِــنْ قَــدْرِي وَتَجـفُـو لِــي
    هَــا قَـــدْ بَـلَـغْـتُ عِـتِـيًّـا وَانْـحَـنَـى أَمَـلِــي أُقَـلِّـبُ الـدَّهْـرَ لَــمْ أَعْـثُــرْ عَـلَــى جِـيـلِـي
    وَهَــبْــتُ كُــــلَّ حَـيَـاتِــي كَــــفَّ مُـجْـتَـهِــدٍ وَعِشْـتُ أَكْـثَـرَ عُـمْـرِي عَـيْـشَ مَـخْـذُولِ
    أَطُــاعِــنُ الــدَّهْــرَ عَـنْـهُــمْ كُــــلَّ نَـابِـيَــةٍ فَيَطْعَـن الـقَـومُ فِــي فِعْـلِـي وَفِــي قِيـلِـي
    وَأَسْــتَــحِــثُّ إِلَــــــى الـعَـلْــيَــاءِ هِـمَّـتَــهُــمْ فَـيَـنْــهَــضُــونَ لِـتَـشْــكِــيــكٍ وَتَــشْــكِــيـــلِ

    و بعدها يبين الأقدار و الفوارق بينه و بين الأغيار و الطاعنين :

    يَعِـيـبُ فِــيَّ الحَـسُـودُ الـقَـدْرَ مُمْتَـعِـضًـا كَــمَــا يَـعِـيــبُ قَـصِـيــرٌ فَــــارِعَ الــطُّـــولِ
    وَيَــعْـــذِلُـــونَ سَــمَـــاوَاتِـــي وَأَجْــنِــحَــتِــي وَمَـــا عَـلِـمْــتُ حَـلِـيـمًـا غَــيــرَ مَــعْــذُولِ

    و يستعير دررا من القرآن ليرسم لوحة بديعية مبهرة تؤكد تفوقه و سمو شعره و علو بيانه دوما عبر الإبداع و الشاعرية:

    شِعْرِي مِنَ المَنِّ وَالسَّلْـوَى لِـذِي سَغَـبٍ وَشِـعْــرُ غَـيــرِي مِـــنَ الـقِـثَّــاءِ وَالــفُــولِ
    وَلَـــيــــسَ يَــجْــحَـــدُهُ إِلا ذَوُو غَـــــــرَضٍ أَوْ مُــرُّ نَـفْـسٍ حَـسُـودٌ غَـيــرُ مَـحْـمُـولِ


    ثم يصدح بعدها مغنيا للجمال و الخيال و النضال ثم البلاد فالرشاد و الوداد :

    لِمَـنْ أُغَنِّـي؟ فَرَاشَـاتُ المُـنَـى احْتَـرَقَـتْ وَحَـــطَّـــمَ الــلَــيــلُ أَنْــــــوَارِي وَقِـنْــدِيــلِــي
    لِمَـنْ أُغَنِّـي وَفِـي عَيـنِ الـمَـدَى غَـلَـسٌ وَفِـــي الـمَـرَايَـا عَـرَايَــا فِـــي الـسَّـرَاوِيـلِ؟
    لِمَـنْ أُغَنِّـي وَنَـايُ الشِّعْـرِ فِــي شَفَـتِـي يَـكَــادُ يَـجْـهَـشُ مِـــنْ رَجْــــعِ الـمَـوَاوِيــلِ
    أَلِـلـجَـمَـالِ؟ أَمَــــا ذَابَ الـجَـمَــالُ عَــلَــى لِـسَـانِ حَـرْفِــي بِـشَـهْـدٍ مِـنْــهُ مَـبْــذُولِ؟
    أَلِلخَـيـالِ؟ وَهَـــلْ كَـــانَ الـخَـيَـالُ سِـــوَى إِبْــدَاعِ مَــا هَمَـسَـتْ رُوحِـــي لجِبْـرِيـلِـي
    أَلِلنِّـضَـالِ؟ حُـرُوفِــي ثُـــرْنَ فِـــي شَـمَــمٍ حَــتَّــى انْـتَـظَـمْــنَ جُــنُـــودًا بِـالـسَّـرَابِـيـلِ
    أَلِــلــبــلادِ؟ لَـــقَــــدْ سَـطَّــرْتُــهَــا بِـــدَمِــــي فِـي صَفْحَـةِ القَلْـبِ فِــي خَــدِّ المَنَـادِيـلِ
    أَلِـلـرَّشَــادِ؟ فَـشِـعْــرِي حِـكْــمَــةٌ هَـطَــلَــتْ زُلالَ فِـــكْـــرِيَ مِــنْ بِـــيـضٍ يَـعَــالِــيــلِ
    أَلِـــلـــوِدادِ؟ جَــعَــلْــتُ الـــحُـــبَّ أُغْــنِــيَـــة بَـيــنَ الـقُـلُــوبِ تُـنَـاجِــي كُــــلَّ مَـتْـبُــولِ


    و يعود بعدها إلى إعادة تصوير مشهد الجفاء و الجناية على الإبداع:

    مَـاذَا جَنَيـتُ مِــن التَّحْلِـيـقِ فِــي لُغَـتِـي غَـيـرَ الجِنَـايَـةِ مِــنْ هِـطْــلٍ وَمَـطْـلُـولِ؟
    يَنْسَـاقُ بِالحَـمْـدِ عُجْـبًـا كُــلُّ ذِي بَـطَـرٍ وَيَشْـتَـرِي الـمَـدْحُ بَخْـسًـا كُــلَّ مَـخْـتُـولِ
    حَـــذَّرْتُ نَـفْـسِـي فَـعَـافَـتْ كُـــلَّ مُشْـتَـبَـهٍ مِـــنَ الـلِـسَــانِ وَمَــلَّــتْ كُــــلَّ مَـعْـسُــولِ


    ثم يبدأ في رسم بعض محددات الشعر القويم و هي الفكر و الأخلاق و التأثيل :

    وَمَــا أَرَى الشِّـعْـرَ فَـخْـرًا عِـنْـدَ صَـاحِـبِـهِ إِلا بِـــفِــــكْــــرٍ وَأَخْــــــلاقٍ وَتَــــأْثِــــيــــلِ
    إِنَّـــــا لَــمِـــنْ أُمَّــــــةٍ أَقْـــصَـــى مَــآرِبِــهَــا حَــظُّ الـنُّــفُــوسِ وَتَــرْوِيـــجُ الأَقَـــاوِيـــلِ


    في موضع آخر من القصيدة يخاطب صاحبه مذكرا بالأشواق مستحضرا للوفاء :

    يَـــا صَـاحِـبًـا أَنْـزَلَـتْــهُ الـنَّـفْــسُ مَـنْـزِلَــةً فَـــــوقَ الـمَــقَــامِ بِـتَـبْـجِـيــلٍ وَتَـفْـضِــيــلِ
    مَا زِلْتُ أَمْحَـضُ مِـنْ وُدِّي عَلَـى طَبَـقٍ حَــتَّــى مَـلَــلْــتَ وَوُدِّي غَــيـــرُ مَـمْــلُــولِ
    شَـــيَّـــدْتُ فِـــيــكَ مَــــنَــــارَاتٍ مُــمَـرَّدَةً مِــــــنَ الـــوَفَـــاءِ مَـهِـيــبَــاتِ الأَكَــالِــيـــلِ
    وَخُـضْــتُ فِـيــكَ بِـحَــارَ العَـاذِلِـيـنَ فَـلَــمْ أَغْـــرَقْ بِـنَــوءٍ وَلَـــمْ أَشْـــرَقْ بِـتَـسْـوِيـلِ
    وَكُـــنْـــتُ فِـــيـــكَ بِــــــلا عَـــيــــنٍ وَلا أُذُنٍ عِــنْــدَ الــوُشَــاةِ وَلَــكِــنْ عِــنْــدَ تَـعْــوِيــلِ
    وُكُنْـتُ مَـا خَطَـرَتْ فِـي النَّفْـسِ خَـاطِـرَةٌ إِلا رَسَـمْـتُــكَ فِــــي أَبْــهَـــى الـتَـفَـاصِـيـلِ


    ثم يعاتبه بلين و لطف لإنصرافه نحو الخصوم و المتهمين:

    فَـفِــيــمَ لَــمَّـــا رَأَيـــــتَ الـكَــيــدَ غَـافَـلَـنِــي نَـهَــضْــتَ تَـتْــبَــعُ ذَا زَيْـــــفٍ وَتَــهْــوِيــلِ
    قَـــدْ كُـنْــتَ أَوَّلَ مَـــنْ أَحْـتَــاجُ نُـصْـرَتَــهُ فَـكُـنْــتَ أَوَّلَ مَــــنْ يَـسْـعَــى لِتَخْـطِـيِـلِـي
    مَـنْ يَنْشُـدُ الظَفْـرَ فِـي عَـرْجَـاءَ مُقْعِـيَـةٍ وَيُنْشِبُ الظُفَـرَ فِـي النُّجْـبِ المَرَاسِيـلِ؟


    و يوضح له سبيل الرشد و الحكمة و الحقوق:

    يَـحْـتَــجُّ أَهْــــلُ الـنُّـهَــى حُـكْـمًــا بِـبَـيِّـنَــةٍ وَلا يَـــــكُـــــونُ بِـــــظَـــــنٍّ أَو بِـــتَــــأوِيــــلِ
    وَأَيـمُــنُ اللهِ مَـــا خُــنْــتُ الــهُــدَى غَرَضًا وَلا عَــــدَدْتُـــــكَ إِلا فِـــــــــي الــبَّــهَــالِــيــلِ
    وَقُلْتَ: أَطْعَنُ كَي تُحْمَـى الحُقُـوقُ بِنَـا وَهَـــلْ سَـتُـحْـمَـى حُــقُــوقٌ بِـالأَبَـاطِـيـلِ؟

    ثم يدعوه إلى مراجعة حكمه بالتعقل و الهدى:

    يَا صَاحِبَ الرَّأْيِ مَا فِي العَدْلِ مَنْقَصَةٌ مَــتَـــى تَـبَــيَّــنَ هَـــــدْيٌ بَــعْـــدَ تَـضْـلِـيــلِ
    إِنْ خَـاتَـلَـتْـكَ الــهُــدَى عَــيــنٌ مُـكَـحَـلَّــةٌ فَكَيفَ تَرْجُـو الهُـدَى بِالأَعْيُـنِ الحُـولِ؟
    هَــوَى الـنُّـفُـوسِ هَـــوَانٌ وَالأَذَى صَـلَــفٌ وَحِـكْـمَــةُ الــمَــرْءِ فِــــي عَــقْــلٍ وَتَـعْـلِـيـلِ
    لا تَـحَـسَـبَـنَّ عِــتَـــابَ الـقَــلْــبِ مَـثْـلَـبَــةً إِنَّ الـعِــتَــابَ وَفَـــــاءٌ فِــــــي الـمَـكَـايِـيــلِ
    فَــإِنْ أَتَـيـتَ تَـجْــدْ صَـفْـحًـا بِـــلا عَـتَــبٍ وَإِنْ أَبَـــيـــتَ فَـــرَتِّــــلْ سُـــــــورَةَ الــفِــيـــلِ


    و يتذرع إلى الله و رحمته أن يفرج و يرحم حتى يستبين الحق:

    يَــا رَحْـمَـةَ اللهِ هَــلْ لِـلـحَـالِ مِـــنْ فَـــرَجٍ فَــــلا نَــضِــلُّ بِـنَــجْــوَى كُـــــلِّ مَـخْــبُــولِ
    إِنْ عَـــــمَّ كَـــــرْبٌ فَـــمَـــا إِلاكَ يَـرْحَـمُــنَــا فَــجُــدْ عَـلَـيـنَـا بِــأَمْـــرٍ مِــنْـــكَ مَـفْــعُــولِ
    وَاهْــدِ القُـلُـوبَ إِلـــى تَـــرْكِ الـذُّنُــوبَ وَلا تَفْـتِـنْ نُـفُـوسَ الــوَرَى بِـالـقَـالِ وَالـقِـيـلِ


    في ختام القصيدة يكشف العمري عن حلمه وهو أن يتفشى الخير على الكل وهو نهجه حتى و إن عز المعين و المساعد فيا كف و إزميل:
    لا زَلْــتُ أَحْـلـمُ لَــنْ أَرْتَــدَّ عَـــنْ حُـلُـمِـي حَـتَّـى أَرَى الخَـيـرَ يَشْـفِـي كُــلَّ مَعْـلُـولِ
    وَسَـــوفَ أُحْـسِــنُ ظَـنِّــي بِـالـكِـرَامِ فَـــإِنْ عَــــزَّ الـمُـعِـيـنُ فَــيَـــا كَــفِّـــي وَإِزْمِـيــلِــي


    بقي أن أذكر أن هذا النهج ليس بدعا فقد واجه الجاحظ قبل زمن تهمة السرقة بعد أن قذف بالسطو و انتحال كلام غيره بقوة الإبداع و تعدد التصانيف,يقول في مقطع من رسالة موجهة إلى مجهول كتبها في أواخر عمره أي بعد اشتهاره و تحقق زعامته الفكرية و الأدبية :
    ( زعمت أني أسرق الألفاظ,وأنتحل الكلام, كيف و أنا ابن البلاغة,و أنا ترب الكتابة,و أنا جهبذ الكلام,و نقاد المعاني)
    وراح الجاحظ يبطل هذه التهمة من أساسها,متحدثا عن مؤهلاته العلمية و كفاءاته العملية التي لا يستقيم معها أن يكون سارقا. راجع الجاحظ: فصول مختارة .
    في الختام أشير إلى أن سمير العمري من ألمع شعراء العربية في شعر الحكمة,تكاد لا تجد قصيدة له إلا و تخللها هذا الصنف من الأبيات,و قد وصف عدد من النقاد و الأدباء العمري بشاعر الحكمة, و تكاد تكون كل أبيات قصيدة كف و إزميل تجسيدا لهذا اللون من الغرض و المضمون الشعري.
    و هذه دعوة لكل ناقد رصين و باحث مجتهد أن يعكف على شعر العمري الذي لم يلق ما يستحقه من الدراسة و البحث و الكشف.

    عبدالصمد زيبار ـ البيضاء
    في : 3 ـ 12 ـ 2010
    تظل جماعات من الأفئدة ترقب صباح الانعتاق,لترسم بسمة الحياة على وجوه استهلكها لون الشحوب و شكلها رسم القطوب ,يعانقها الشوق و يواسيها الأمل.
    التعديل الأخير تم بواسطة عبدالصمد حسن زيبار ; 12-12-2010 الساعة 02:23 PM

  2. #2
    الصورة الرمزية عماد أمين شاعر
    تاريخ التسجيل : Sep 2008
    العمر : 51
    المشاركات : 1,327
    المواضيع : 37
    الردود : 1327
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي

    من خلال العنوان نستشف أن الكفاءة والابداع سبيلان لدحر كل الشبهات والأراجيف التي تُلصق بأي أديب وهما من أقوى الأسلحة لإظهاره (أي الأديب) على حقيقته وكذا لمواجهة أي تهمة يمكن أن تصدر عن الخصوم(أدباء ،سياسيين، مفكرين.....).

    وهنا أشدُّ على يديك أخي عبد الصمد ، فقد أحسنتَ في اختيارك لشخصية أدبية واجهت بالابداع والكفاءة تهما أقل ما يقال عنها أنها صادرة من نفوس مريضة بالحسد والغيرة.
    ولا شك أن القصائد المختارة كانت من الابداع ما يعجز المشككون عن الاتيان بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.

    أستسمحك أيضا أن أشاركك دراستك هذه بدليل آخر على ابداع د.سمير أراه من وجهة نظري من الأهمية بحيث تجب الاشارة إليه وهو موجود في موضوع للأستاذ الكبير عبد القادر رابحي تحت عنوان : جمرُ النّواة (إلى سمير العمري) .
    ولنا أن نحسب المدة الزمنية التي استغرقها د.سمير في كتابة رده (بوتقة )الذي هو عبارة عن قصيدة فيها من الابداع ما لا يمكن أن يأتي به إلا هو.
    وهو كما قال (هذا ردي قدح فكر بفكر ورد شعر بشعر).
    فهل يمكن لمن اتُّهِمَ بالسرقة الأدبية أن يأتي بهذا الابداع(بوتقة ) في هذه المدة القصيرة جدا؟.
    وهذا كما هو مبين أدناه.

    04-03-2009, 09:36 PM #1
    معلومات العضو
    عبد القادر رابحي
    شاعر كبير

    جمرُ النّواة (إلى سمير العمري)

    لاَ يَنْفَعُ البَجَعَاتِ البِيضَ إِنْ رَقَصَتْ
    فِي غَيْرِ مَا تَنْزِفُ الأَحْزَانُ تَلْمِيـعُ
    سَجِيَّةٌ فِي حُرُوفِ المَـاءِ نَائِمَـةٌ
    فَهَلْ يَلِيقُ بِنَبْعِ المَـاءِ تَرْوِيـعُ ؟


    --------------------------------------------------------------------------------
    05-03-2009, 02:49 AM #4
    معلومات العضو
    د.سمير العمري
    المؤسس
    مدير عام الملتقى
    رئيس رابطة الواحة الثقافية

    --------------------------------------------------------------------------------
    بوتقة

    الشَّكْـلُ لِلعَقْـلِ وَالتَّشْكِيـلُ تَنْـوِيـعُ
    وَالطِّفْلُ لِلنَّسْلِ إِمَّـا صَـانَ تَشْرِيـعُ
    وَالمَاءُ وَالجَمْـرُ كُـلٌّ وفْـقَ غَايَتِـهِ
    وَالعَـزْفُ وَالنَّـزْفُ إِقْبَـالٌ وَتَودِيـعُ

    .................................................. ..................
    أو يمكن زيارة الرابط التالي للتأكد.
    http://https://www.rabitat-alwaha.net/moltaqa/showthread.php?t=35164


    شكرا لك من القلب أخي عبد الصمد على دراستك القيمة هذه.
    وعلى اتاحتك لنا الفرصة لقول ما سلف.



    لك ولكل أعضاء الواحة ولعميدها كل الحب والتقدير

  3. #3
    الصورة الرمزية نادية بوغرارة شاعرة
    تاريخ التسجيل : Nov 2006
    المشاركات : 20,306
    المواضيع : 329
    الردود : 20306
    المعدل اليومي : 3.21

    افتراضي

    حياك الله أخي عبد الصمد على هذه الوقفة الجميلة أمام عطاء شاعر شهدت له المنابر الأدبية
    بشاعريته المتألقة ، الضاربة عمقا في الأصالة و البعيدة تحليقا في التجديد و المعاصرة .

    تحية للدكتور الشاعر سمير العمري .

    دمتم و الواحة .
    http://www.rabitat-alwaha.net/moltaqa/showthread.php?t=57594

  4. #4
    الصورة الرمزية مازن لبابيدي شاعر
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Mar 2008
    الدولة : أبو ظبي
    العمر : 64
    المشاركات : 8,888
    المواضيع : 157
    الردود : 8888
    المعدل اليومي : 1.52

    افتراضي

    أخي الحبيب عبد الصمد زيبار
    أحسنت حقا إذ فتحت هذا الباب لإلقاء الضوء على هذا الجانب الإبداعي من شاعرنا الكبير الدكتور سمير العمري المتألق أصلا .

    لعل مما يحمد من الهجمة الافترائية الخبيثة والاتهامات التي وجهت للدكتور سمير هو تحفيزه لإطلاق هذه القصائد التي ما كان له ليقولها لولا الموقف الذي وجد نفسه به ، والأكثر من ذلك أن قصيدة واحدة كقصيدة "برزخ الحفظ" كانت تكفيه ، وقد فعلت ، لذب الألسنة عن مقدرته ولإثبات موهبته لمن كان يشكك فيها ، وما أقلهم ، ولم يكن بحاجة حتى لأن يقولها ، فإذا به يزيد عليها ويتألق إبداعا في هذا الفن وهذا الجانب الأدبي الذي واجهه ، وهذا لا يتأتى من أي شاعر كان ، وإنما يدل على صدق المعاناة وحجم الصدمة التي عاشها سمير العمري في تلك الأزمة ، الأمران اللذان ترجمهما - أبداعا تلقائيا - إلى قصائد أراها والله أعلم مما سيخلده تاريخ الأدب العربي .

    وكما تفضلت أخي عبد الصمد فإن شعر الدكتور سمير العمري لا يقتصر على الموهبة الفنية بل يتعداه إلى الحكمة البارزة في شعره ، وإلى التنوع الرائع في أساليب الخطاب ، وإلى الصبغة الإنسانية العميقة التي تغلب على شعره حتى في حالات الانفعال والغضب ناهيك عن معاني الأخوة والحب والتسامح المغلفة بالنصح والتوجيه والعتاب الرقيق والتي نراها متناثرة لا سيما في قصيدته عفا الله عنك .

    إن دفاعه وانتصاره لنفسه في قصيدة برزخ الحفظ في حالة من الصدمة والثورة ، دفعه فيما أرى إلى مراجعة نفسه فيما بعد والعودة لطبيعته الغالبة عليه من الصفح والاحتواء والنصح مع استمراره بالعتب وكل ذلك أساسه الحب أصلا ، فكتب قصيدتيه "عفا الله عنك" و "كف وإزميل" ، و حتى هنا تراه مشفقا على نفسه من الطعن الذي تعرض له ومستغربا من الدافع الذي حرك من طعنه لفعل ما فعل ولقول ما قال .

    هذه بعض الأفكار التي وردت لي أخي عبد الصمد في هذا الموضوع القيم الذي أطلقته ، وأتابع معكم الآراء .
    يا شام إني والأقدار مبرمة /// ما لي سواك قبيل الموت منقلب

  5. #5
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.74

    افتراضي

    أصبت أيها الكريم واصاب من اعتبرك مفكر الواحة وجوهرتها الثمينة، وما كان أحق شاعرنا الكبير د. سمير العمري بدراسة أكاديمية مستفيضة في شعره ، بل وفي منثوره الباهر، تكشف زوايا تفرده وتحكي مزايا ألقه، حيث يحلق الحرف في فضاءات حالمة تعبق بأريج الإنسانية وتنثره المعاني شفيفا لينثال على الأرواح حبات صدق حس، وتوق روح سامية أصيلة لكون أنقى وأرقى، فلربما فتح هذا التوضيح نافذة على الحقيقة نعرف معها سر ما واجه ويواجهة من هجمات تحاول النيل من قدره وقدرته.
    ولعل مما يجعل الصورة مفهومة بعض الشيء، رغم شدتها واستعصائها على القبول، ما أشرتَ إليه من تعرض الكثيرين من المبدعين ورموز الفكر والأدب على مر العصور، لمثل تلك الاتهامات والهجمات، وهي حقيقة تتفق مع طبيعة النفس البشرية وما جبلت عليه من نقائص وتحاسد، إن كان أوله ظهر في قصة ابنَيْ آدم عليه السلام، فإن آخره لم يكن في من ارتضى لنفسه الهلاك كأبي جهل على أن لا يعترف لمحمد (صلى الله عليه وسلم) بالنبوة فتكون في بني عبد مناف دون قومه، بل طالت لائحتها وامتدت فطالت هوميروس، أرستوفان، هيرودوتس، سوفوكليس، باسكال،أبو تمام، المتنبي، جرير،الفرزدق، محمد حسين هيكل، أحمد شوقي، طه حسين، العقاد وغيرهم كثير.
    وليس يعنينا هنا الدفاع عن أي من تلك الرموز، حتى ولا عن الدكتور سميرالعمري وهو موضوع النص، وإنما هو توكأ مقصود على حقيقة لا بد من مراعاتها، تقوم على فهم أن السرقات الادبية أمر بيِّن، يتلخص بالسطو على جهود الآخرين الأدبية ونسبها الى للسارق، وهذا الفعل يستوجب بالضرورة عجزا ونضوبا عنده، يثمران حاجة لنتاج غيره ينسبه لنفسه، فإذا تضارب هذا مع ما هو معروف عنه من اقتدار وتمكن وغزارة في الانتاج المتفرد روعة وألقا، صار الادعاء عيبا وسبة في المدعي إذ يقول بما ينكره الواقع، ولا يكون من رد عليه كالتحدي الإبداعي الذي وضعت فيه دراستك الرائعة هذه.

    وأستميح هنا أستاذنا د. مازن لبابيدي بمداخلة على رده إذ يقول
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مازن لبابيدي مشاهدة المشاركة

    إن دفاعه وانتصاره لنفسه في قصيدة برزخ الحفظ في حالة من الصدمة والثورة ، دفعه فيما أرى إلى مراجعة نفسه فيما بعد والعودة لطبيعته الغالبة عليه من الصفح والاحتواء والنصح مع استمراره بالعتب وكل ذلك أساسه الحب أصلا ، فكتب قصيدتيه "عفا الله عنك" و "كف وإزميل" ، و حتى هنا تراه مشفقا على نفسه من الطعن الذي تعرض له ومستغربا من الدافع الذي حرك من طعنه لفعل ما فعل ولقول ما قال .
    وما أرى قصيدة برزخ الحفظ بأقل صفحا وسماحة واحتواءا وهي تنطق بالمحبة والانسانية والعفو في قوله
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. سمير العمري مشاهدة المشاركة
    هُوَ العَهْدُ فَانْزَعْ نَزْغَةَ السُّخْطِ بِالرِّضَا
    وَرُدَّ اللَيَالِي بِالمَحَبَّةِ وَالزُّلْفَى
    فَحِلْيَةُ مَنْ يَسْمُو عَلَى الغَيظِ حِلْمُهُ
    وَلَيسَ شَدِيدًا مَنْ يُنَازِعُهَا العُنْفَا
    وَكُلُّ إِنَاءٍ مِنْ هَوَى النَّفْسِ نَاضِحٌ
    فُصُبَّ مِن الإِبْرِيقِ أَعْذَبَهُ رَشْفَا
    وَقَالُوا هَجَاكَ القَومُ مَا أَنْتَ فَاعِلٌ
    فَقُلْتُ: سَلامًا لا أَمسُّ لَهُمْ طَرْفَا
    هُمُ الصَحْبُ وَالأَحْبَابُ لا مِثْلَ صَاحِبٍ
    يُعَبِّقُ أَنْفَ العَيشِ مِنْ نُصْحِهِ عَرْفَا
    وَكَمْ طَائِرٍ أَقْلَى مِنَ النَّقْرِ إِلْفَهُ
    فَذَابَ حَنِينًا لَمْ يَجِدْ عِنْدَهُ إِلْفَا
    فَإِنْ مَدَّتِ الكَفَّينِ مِنْهُمْ جِنَايَةٌ
    فَمَا الفَضْلُ إِلا أَنْ أَمُدَّ لَهُمْ كَفَّا
    ويبقى ان الدكتور سمير العمري شاعر متفرد بهذا الاختصار لكل عصور الشعر العربي ومحطاته ومتميز بجمع إعجازي للأصالة في أرقى صورها مع الحداثة في أعتاها جنوحا
    أشد على يدك الكريمة تأييدا، وأثني على دعوتك "لكل ناقد رصين و باحث مجتهد أن يعكف على شعر العمري الذي لم يلق ما يستحقه من الدراسة و البحث و الكشف".

    دمت متألقا مفكرنا
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  6. #6
    الصورة الرمزية الطنطاوي الحسيني شاعر
    في رحمة الله

    تاريخ التسجيل : Jun 2007
    المشاركات : 10,902
    المواضيع : 538
    الردود : 10902
    المعدل اليومي : 1.77

    افتراضي

    أخي واستاذي المفكر عبدالصمد زيبار
    سلام الله عليك ورحمته وبركاته
    إني وقد قرأت القصائد الثلاث التي استشهدت بها في هذه المنحة -لا المحنة- التي تعرض لها رئيس واحتنا وشاعر الأمة د سمير العمري الفاضل فقد اعدتنا لثلاث درر وجواهر من عيون الشعر الحديث والذي حين يقرأها الإنسان يحمد الله أن في الآمة شاعر بوزن سمير العمري في هذ العصر الذي اختلطت فيه اللغات واللكنات ايما اختلاط و نموذج سمير العمري كشاعر عملاق يؤكد بما لايدع مجال للشك أن الأمة ما زلت بخير وبها من الخيرية ما سينتج عنه جيل النصر القادم بمشيئة الله تعالى وإن الطعن في رمز الدكتور سمير العمري لهو طعن بكل المبدعين العرب الأفذاذ والمربين الفضلاء والمعطين الخلصاء - نحسبه والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدا-
    بل الله يزكي من يشاء وإن الدفاع عنه لرمزيته ثم لشخصه الفاضل المتعال عن زلاتنا في حقه لهو دفاع عن مبدعي الآمة وأفذاذها من الشعراء والأدباء الأخيار
    شكري اخي عبدالصمد وتقديري لما وضحته لنا ولو كنا نتمنى لو تملك الوقت ولو قليل ان تتحفنا بباقي هذه الدرر فأنت تغوص للأحساس مع غوصك للدفاع والحقائق
    اشكرك استاذي ونحن نتعلم منكم الصدق والحق والجمال
    دمتم واستاذنا الكبير العمري بكل جمال وابداع وصدق ودافع الله عن الحق وأهله

  7. #7
    الصورة الرمزية محمود فرحان حمادي شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2009
    الدولة : العراق
    العمر : 62
    المشاركات : 7,102
    المواضيع : 105
    الردود : 7102
    المعدل اليومي : 1.30

    افتراضي

    ظاهرة العمري في الشعر سار بحديثها الركبان
    لما يحمله هذا الشاعر الكبير من ألق ناصع وجهد مميز في هذا العالم
    وقد أمسى العمري مدرسة تنهل منها عقول المبدعين في رياض القريض
    وما هذه الدعوة إلا نافذة للدخول في جمال هذه العوالم المتفتحة الأكمام
    وسبر أغوار هذه الشاعرية التي تضم بين جوانبه آفاقًا شتى كبيرة من الإبداع
    شكرا لمبدعنا الفاضل عبد الصمد لهذه الالتفاتة الندية
    لقامة شعرية سامقة أثرت وجه القريض بصفاء جمالها
    وتحياتي

  8. #8
    الصورة الرمزية عبدالصمد حسن زيبار مستشار المدير العام
    مفكر وأديب

    تاريخ التسجيل : Aug 2006
    المشاركات : 1,887
    المواضيع : 99
    الردود : 1887
    المعدل اليومي : 0.29

    افتراضي

    الكريم عماد أمين
    أشكرك على الإضافات الجميلة التي تؤكد بحق شاعرية العمري و التي ليست في حاجة إلى التأكيد عليها ...
    تحياتي

  9. #9
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.74

    افتراضي قراءة في قصيدة "كف وإزميل" للشاعر د. سمير العمري

    لست بناقدة ولا أنا ممن يجيدون النقد أو يعرفون حتى مصطلحاته، ولكني حين أقرأ الشعر أحسه وأعيشه وأغرق في قيعان معانيه لأتأمل من جماله، وبهذا الذي أمارس وجدتني هنا أمام قصيدة بهرني تفوقها، فكأنها أم القصائد التي قرأت منذ وعيت بهذا الجمع بين دفتيها لكل ما قرأته وما أعرفه عن ألق الشعر عبر عصوره منذ الشعر الجاهلي وصولا الى اللمسة الحداثية الملتزمة التي لا تعريه من عذوبة موسيقاه وأناقة خطوه على صفحة البحور الفراهيدية، بتفوق غير عادي وشاعرية جمعت كل أغراض الشعر العربي في قصيدة واحدة وبانسيابية غير معقولة، فقلت نقرأها معا ونتأمل هذا الجمال بروح الشاعر وحس الانسان بعيدا عن تعقيدات النقد التي نتركها لأهلها.

    قصيدة من كل العصور
    أزعم أني قرأت هنا زخما من جماليات الشعر في كل حرف وفي كل كلمة وفي كل تركيب، وكأنما تعمد الشاعر تضمينها ألقا يشهد بقدرته أو يحكي إمكاناته، فأودق الغزل وشعر الوجدان والفخر والهجاء والمديح والرثاء والدعاء ، وهطل بحالة فريدة في الشعر العربي في قصيدة يفوح منها عبق كل أزمنة الشعر العربي لفظا وتركيبا وصورا فأنت تحس بروح الشعر الجاهلي في بناء القصيدة ومعناها، حيث تتألق حكمة زهير بن أبي سلمى وصور امرئ القيس وسلاسة طرفة وسهولة انسياب معانيه وجمالية استهلال المعلقات تتجلى في جرس القصيدة متناغما مع مشهدها الافتتاحي، حيث يرتفع الستار عن الحبيبة موضوعا تدور في فلكه بواكير بوح الشاعر كما كانت الأطلال أو الحبيبة مشهدا افتتاحيا لشعراء فرشوا لنا درب القصيد قلائد متلألئة
    أُفَـتِّـشُ الـشُّـهْـبَ عَـنْـهَا وَهْيَ غَـائِـبَـة = وَأَفْـرشُ القَلْـبَ مِنْـهَـا وَهْــيَ تَــأوِي لِــي

    وتقرأ هنا ما يحاكي بل ويباري بهجائيته شعراء العصر الأموي ولربما بز جريرا والفرزدق في ذلك إذ تراه يمعن في مهجوه تقريعا دون أن يسقط في سفاسف، أو ينسب إليه شتم مباشر
    أَطُاعِنُ الدَّهْرَ عَنْهُمْ كُلَّ نَابِيَةٍ = فَيَطْعَن القَومُ فِي فِعْلِي وَفِي قِيلِي
    يَعِيبُ فِيَّ الحَسُودُ القَدْرَ مُمْتَعِضًا = كَمَا يَعِيبُ قَصِيرٌ فَارِعَ الطُّولِ

    والفخر المستتر
    هَـذَا الـزَّمَـانُ الــذِي يَشْـقَـى النَّبِـيـلُ بِـهِ = بِـالـطَّيِّـبَـاتِ وَيَـهْـنَـا ذُو الـعَـقَــابِـيلِ
    أَكُـلَّمَـا غَـاظَ حُـسَّـادِي جَـنَـى رُطَـبِـي =رَمَــوا نَـخِـيـلِــي بِـتَـسْـفِيهٍ وَتَـسْـفِيـلِ


    وتكاد تقرأ هنا العصر العباسي في رقة غزل أبي العتاهية وحكمتة وموعظتة ، وعقلانية أبي تمام ،وجزالة لفظ البحتري التي جمعت الفصاحة والسلاسة .
    يَـا لَهْفَـةَ الـرُّوحِ طِـيـرِي حَيثُـمَـا رَحَـلَـتْ = فَـإِنْ بَلَغْـتِ مَـدَارَ الصَّفْـوِ فَاحْـكِـي لِــي
    يَـا حَـبَّذَا سَـاعَةٌ أَغْـفُـو عَـلَـى يَـدِهَـا = وَالـرُّوحُ مَا بَينَ تَـدْلِـيــهٍ وَتَـدْلِـيـلِ
    مُـرِّي عَلَـى خَاطِـرِي مَـرَّ النَّسِيمِ عَلَى =خَـدِّ الأَصِيلِ وَعُفْرَاتِ الـرَّآبِـيـلِ

    ****
    هَـابِـيــلُ مَـاتَ وَلَـمْ يَــمْــدُدْ يَــدًا لأَخٍ = بِالسُّـوءِ لَــكِنَّنَا أَبْـنَاءُ قَــابِـيلِ
    وَقَـــدْ عَـلِـمْـتَ بِـــأَنَّ الـعِــرْقَ نَـسْــلُ أَبٍ = فَكَيـفَ تَـأْمَـلُ مِنْـهُـمْ يَــا ابْــنَ مَقْـتُـولِ؟

    ****
    عَــمَّ الـبَّـلاءُ فَـمَـا أَبْـقَـى الـمَــدَى سُـبُــلا = لِـلـعَـارِفِــيــنَ وَمَــا أَلْقَى بِمَدْلُولِ
    تَـقُــودُنَــا أُمْـنِـيَـاتُ الـعَـجْــزِ شَــاحِـبَةً = إِلَـى غَدٍ خَـائِرِ الأَنْفَاسِ مَـجْـهُـولِ


    وانظروا إلى هذا البيت الذي لا يقوله إلا من عاش في زمن زهير وامرئ القيس ..
    مَـنْ يَنْشُـدُ الظَفْـرَ فِـي عَـرْجَـاءَ مُقْعِـيَـةٍ= وَيُنْشِبُ الظُفَـرَ فِـي النُّجْـبِ المَرَاسِيـلِ؟

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيوفيها بساطة ووضوح الشعر الأندلسي وبعدها عن التعقيد والمحافظة على رقة وعذوبة الألفاظ والعبارات دون تفريط بالصنعة اللفظية فكأنك تقرأ بشار بن برد
    مَـاذَا جَنَيـتُ مِــن التَّحْلِـيـقِ فِــي لُغَـتِـي = غَـيـرَ الجِنَـايَـةِ مِــنْ هِـطْــلٍ وَمَـطْـلُـولِ؟
    يَنْسَـاقُ بِالحَـمْـدِ عُجْـبًـا كُــلُّ ذِي بَـطَـرٍ = وَيَشْـتَـرِي الـمَـدْحُ بَخْـسًـا كُــلَّ مَـخْـتُـولِ


    بل وفيها تشكيل من مدارس العصر الحديث كلها
    من صور شعرية مبتكرة
    مُرِّي عَلَى خَاطِرِي مَرَّ النَّسِيمِ عَلَى =خَدِّ الأَصِيلِ وَعُفْرَاتِ الرَّآبِيلِ

    وانزياحات رشيقة غير مجحفة بمعنى المفردة
    حَتَّامَ أَعصرُ أَيامِي مُكَابدَةً = وَأَحْتَسِيهَا بِتَسْوِيفٍ وَتَسْوِيلِ؟
    لمن أغني؟ فَرَاشَاتُ المُنَى احْتَرَقَتْ = وَحَطَّمَ اللَيلُ أَنْوَارِي وَقِنْدِيلِي


    ومع أن شاعرنا ليس حداثيا بالمعنى المتداول للمصطلح، غير أنه رائد تحديث مثابر وحريص في الوقت ذاته على الأطر التي تحمي الشعر من الخروج على جنسه وأصوله ونكهته المحببة على مر العصور، ومن هنا جاءت هذه المعلقة زاخرة بالإبهار والابتكار تأتلق بانزياحات وتقابلات وصور شعرية غير تقليدية دون خروج ولو محدود على وضوح المعنى وترابط الفكرة وموسيقى المفردة وانسجام جرس القصيدة وحسها.

    قصيدة باهرة فيها خطوط من الشعر متباينة ، فما تعملق بجزالة اللفظ ومتانته وفخامة الأسلوب فحاكى أبي عمرو الشيباني وابن الأعرابي وأبي عبيدة، وما ترقق لفظا وتيسر معنى فحاكى ابن هانئ وما اعتمد الطرافة في المعنى بلفظ مستعذب رصين يحاكي الفرزدق والجاحظ
    ************************************************** ****************

    البناء العام للقصيدة
    كعادتة فرش شاعرنا ساح القصيد بتراكيب وألفاظ مبتكرة رائعة السبك تباهي في دنيا الحرف برشاقتها وتميزها لغة ونحوا، وتطرب الذائقة لانتظامها في تلاعب جرس موسيقي وجدته غير مسبوق بتفاوت إيقاع القصيدة وتبدل جرسها بتبدل الفكرة والمشاعر بين بيت وآخر، وتناغم مذهل في الانتقال من فكرة لأخرى دون إخلال بسبك ولا ضعف في انسجام المفردات والجمل الشعرية، بما يشهد بتميز القدرة الشعرية للكاتب وتمكنه من توظيف مبهر لمفردته وتشكيلاته اللفظية.

    فلو سألت لمن مجد الحياة لمن = فَخْرُ الأُبَاةِ؟ لَقَالَ الحُمْقُ: لِي لِي لِي

    فيا لجمال هذا التركيب وهذا الترديد كبلبل غريد في قوله الذي لا أحسبه مسبوقا "لي لي لي" وفيه ما فيه من تأثير على مستوى النغم والجرس الموسيقي ولكن فيه ما فيه على مستوى رسم الصورة التامة لكل تصرف أحمق وكل نفس تسارع في التفاخر بما ليست له أهل وتسارع في الطعن بمن هم أهل تقدير وتكريم كأنهم يحسبون أن القول يكفي أو أن القدح يرفع وهذا يذكرني بقول شاعرنا العمري في قصيدة قرأتها ولا أتذكر اسمعها يقول:
    أتظنُّ طعنَكَ في الجَليلِ عليكَ يرفعُ من جَلالِكَ؟

    ثم لننظر إلى قوله المبهر هنا
    وَإِنَّهَا لَو أَدَامَتْ حَثَّ خُطْوَتِهَا = أَحْيَتْ كَلِيلَ الخُطَى فِي سَاقِ مَشْلُولِ
    أَمْ جُلَّنَارٌ سَقَانِي الطُّهْرَ نَشْـرَ فَمٍ = فَأَنْبَتَ الشُّكْرَ فِي وُجْدَانِ مَذْهُولِ؟

    سنلاحظ أنها خرجت بمهارة حافظت على التوازن البنائي ووحدة الموضوع في قصيدة شمل مضمونها محاور شتى حظي كل منها بمساحة من النص تكفي لإفراده بقصيدة مستقلة، وكعادة الشاعر ظل مغدقا على عباراته الشعرية فيضا من المحسنات البديعية لا يبلغه بذلك الزخم غير شاعر يمسك في كف حَرْفه خِزامة أنف القصيد باحتراف، وبها رسم لنا أخيلة وصورا نقلتنا في البيت الواحد من فضاء لآخر ، نتأمل مشاهد انسانية يحلق فيها الحس عاليا لينهمر ودقا يتغلغل في الأرواح ويرسم لها خطوط تفاعل مع نص القصيدة وحسها.


    يَا أَنْتِ مَا أَنْتِ؟ إِلا أَنْ تَكُونَ أَتَتْ = مِنْ عَالَمِ الغَيبِ فِي وَحْيِ القَنَادِيلِ
    أَمَا هَلَكْتَ شَهِيدَ العَفْوِ مِنْ ظَمَأٍ = وَأَنْتَ تَنْضَحُ صَبْرًا بِالـغَرَابِيلِ؟

    أما ألفاظ القصيدة ومفرداتها فشهادة بمعجم لفظي ثري ومردود لغوي مبهر رفد الشاعر بزخم من المفردات الأدبية السامقة حشدها في مطولة يعز في مثلها هذا النجاح بتجنب الألفاظ المبتذلة والملحونة، وجاءت الألفاظ ساحرة بدلالاتها وعمق معانيها، وبرغم حمولتها الكبيرة من ألم وعتاب بل وغضب استوجب تقاربا ومشاكلة وائتلافا في تخير المفردات وتحري انزياحات معانيها، فلم يفقد هذا النص الفاره التناسب مركبا يحمل مفرداته الى منازلها، والتناسب كما نعلم من أجمل المقاييس الجمالية في فن الادب
    مُرِّي عَلَى خَاطِرِي مَرَّ النَّسِيمِ عَلَى =خَدِّ الأَصِيلِ وَعُفْرَاتِ الرَّآبِيلِ
    لِمَنْ أُغَنِّي وَفِي عَينِ المَدَى غَلَسٌ = وَفِي المَرَايَا عَرَايَا فِي السَّرَاوِيلِ؟


    هنا ، في كف وإزميل تغوص في تفاصيل حسية وملامح خيبة وألم وخذلان تكاد لوضوح الصورة تحياها معايشة ، وتحملك المفردة بدلالاتها وحسن توظيفها في بيان قسوة التجربة وحدة الجرح الذي أحدثت لاستشعار ألمه وكأن الطعنة نالت من خاصرتك أنت، فتقرأ تطبيق مقولة شيخنا الإمام عبد القاهر الجرجاني بأن اللفظ خادم للمعنى، حيث زخم من المعاني والأفكار والمشاعر الجياشة تمور عبر أبيات القصيدة /المطولة ولا تجد في مفردة منها لفظا يحيد عن المعنى أو يجنح لتفاسير وتأويلات مغايرة.

    ولعل من حشو القول أن نعود للحديث عن التمكن اللغوي للشاعر في معلقة حوت أحس البلاغة من اتساق البناء واعتدال الوزن واشتقاقات اللفظ وتألقت فيها المحسنات البديعية والصور البلاغية التي اتسعت فضاءات خيال الشاعر في رسمها وتشكيلها فجاءت لوحات فنية مميزة، والانزياحات السلسة التي اجتنبت الإجحاف بأصول المعاني فجاءت منسابة مقبولة كماء الغدير
    بِقَلْبٍ بِمَاءِ الطُّهْرِ مَغْسُولِ
    طَرْفٍ بِصِدْقِ العَهْدِ مَكْحُولِ
    فَإِنْ بَلَغْتِ مَدَارَ الصَّفْوِ
    بَوْحُ أَقَاحٍ فِي مَيَاسِمِهَا
    فَزَمِّلِينِي إِذَا اهْتَاجَ الأَذَى حَرَضًا
    تَأْكُلُ الخُبْزَ مِنْ شِعْرِي وَتَنْقُرُنِي


    **************************************************

    سمو المعاني وهدف الرسالة
    هنا تعرف معنى أن يكون للشعر رسالة تأثيرية يهدف الشاعر من خلالها لصوغ معالم جديدة لمجتمعه وأمته، معالم يرتقي فيها الحس وتسمو القيم النبيلة ويتعلم المرء فن كبح جماح شياطين أثرته وحرصه، فهو ينهمر في قالب من العتاب بوصف معالم الخير والنبل منسوبا لنفسه لوما على النقيض
    فيصف علاقته بالقوم من حوله
    أَطُاعِنُ الدَّهْرَ عَنْهُمْ كُلَّ نَابِيَةٍ ....
    وَأَسْتَحِثُّ إِلَى العَلْيَاءِ هِمَّتَهُمْ ....


    ويصف الموقف الصحيح من الصديق والشكل السوي للعلاقة معه
    وَكُنْتُ فِيكَ بِلا عَينٍ وَلا أُذُنٍ =عِنْدَ الوُشَاةِ وَلَكِنْ عِنْدَ تَعْوِيلِ

    ويعيب سوء الخصال من نميمة وغيبة وعجز وتواكل
    وَقُلْتَ: قَالَ وَقَالَتْ ، لا عَدِمْتُ أَخِي = مَا ذَاكَ إِلا لِرَبَّاتِ الخَلاخِيلِ
    تَقُودُنَا أُمْنِيَاتُ العَجْزِ شَاحِبَةً = إِلى غدٍ خائِـرِ الأَنفَاسِ مـجْهُولِ


    ويعيد حسن الخلق في كل أمر لالتزام تعليم الاسلام دينا ونمط حياة
    بَعْضٌ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ طَوْعَ شَهْوَتِهِ = إِلا الذِينِ اتَّقُوا فِي هَدْيِ تَنْزِيلِ
    مَا مِنْ وَفَاءٍ وَلا خِلٍّ وَلا مِقَةٍ = إِلا بِبَرٍّ بِحَبْلِ اللهِ مَوصُولِ


    واستشهاد عبقري بسورة الفيل
    فَـإِنْ أَتَـيتَ تَـجْدْ صَفْحًـا بِلا عَـتَبٍ = وَإِنْ أَبَـيتَ فَـرَتِّـلْ سُـورَةَ الـفِـيلِ
    حيث يوائم مضمون سورة الفيل مقصودالرسالة هنا بما ينطوي عليه أصلا من نصح وعظة وتوجيه جعل في التوكأ عليها يوصل بصورة منصفة وواضحة تقريعا لمن أبى واستكبر
    وبيت واحد من الشعر يوجز صفحات وصفحات تحكي قصة مد يد مبسوطة بالفضل، ومهيئة لمزيد من الخذلان، بصدر حمل تشخيصا لملامح الخلق القويم للكرام بالعفو والصفح دون إيذاء، وعجز اتخذ من المنهج الرباني في النصح والترفع سبيلا ثابتا لا يميد ولا يحيد

    وبذكاء وتميز جمع الشاعر بين نمطين لبداية الشعر عند الأقدمين هما بث شكواه والبوح بهواه متغزلا بالحبيبة، فإذا بالقصيدة التي ختمت رسالتها بالاستعانة بالله لما يلاقي الشاعر من خذلان وتضييع حق من الأهل والأخ والصديق، قد بدأت أصلا بنفس الحس وهو الشكوى/ العتاب من ثقل الحبيبة وأثرتها
    أَبْكِي اشْتِيَاقًا إِليهَا وَهْيَ تَبكِي لِي = وَأَشْتَكِي مِنْ أَذَى الدُّنْيَا وَتَشْكُو لِي
    فالحبيبة هنا وبرغم ما أغدق عليها الشاعر من صفات صنعها الحب ونطق بها التحبب، كانت في حقيقتها شبيهة بالصاحب الذي خذل وظلم، فهي أنانية تحكمها أثرة وذاتية اهتمام حدا يشقيه ويؤلمه
    نَاشَدْتُكِ اللهَ لا تُشْقِـي الذِي اقْتَرَفَتْ = فِيهِ الخَطَايَا ضَلالاتُ التَّمَاثِيلِ

    **************************************************

    نظرة عامة
    وفي العودة على القصيدة مرة ومرة، تتأكد لك قيمة الفكرة الأدبية الراقية بأن الشعر ليس مجرد "غزو انفعالي لحواس القارئ"، فهو آلية لغزو العقول والأفكار وإعادة لقراءة القيم واستقراء ثقلها في المجتمع وأثرها على الوعي الاجتماعي والممارسة الانسانية، وهو بالتالي أداة للتأثير فيها وإعادة صياغتها وتشريبها للفكر الانساني للارتقاء بالفرد والأمة، ومن هنا تجد بأن وعي الذات لدى الشاعر جاء مؤطرا بوعي الواقع العام لمحيطه، على كافة المحاور التي تحكم هذا المحيط ثقافيا واجتماعيا وتاريخيا ودينيا، وترى في القصيدة رسالة تغيير واضحة يضع الشاعر فيها ذاته على مشرحة التوصيف، لبث صور شعرية تخلق في داخل القارئ ذاتا أخرى مستنسخة من وحي القصيدة، تعيد على مسامع روحه انفعالاتها ومضامينها، وتتعهدها في أعماق تلك الروح غرسة إصلاح فتجادله بوحي منها في شأنه، تعيب العيب وتدعو لمعاني الخير والحق والجمال وتنجز أولى خطوات التغيير المنشود
    وحين يتكامل هذا الوعي الانساني والبعد الرسالي السامي مع قدرات شعرية محلقة عاليا في سماء الابداع والتمكن، يكون الهطول الإعجازي لمطولة تباري ولعلها تبز أروع ما كتب الشعراء على امتداد عصور الشعر ...
    وأزعم بيقيني أن هذا لا يفعله إلا شاعر العرب.

  10. #10
    الصورة الرمزية د. سمير العمري المؤسس
    مدير عام الملتقى
    رئيس رابطة الواحة الثقافية

    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    الدولة : هنا بينكم
    العمر : 59
    المشاركات : 41,182
    المواضيع : 1126
    الردود : 41182
    المعدل اليومي : 5.28

    افتراضي


    الحبيب عبد الصمد:

    لقد أعجزتني عن الرد بهذه القراءة الفكرية المبهرة فجعلت أدخل وأخرج لا أجد كلاما أشكرك به أو أثني عليك بما أكرمت وأنجزت من رؤية فكرية متعمقة لبعض قصائدي الأخيرة.

    والحقيقة أن العنوان في حد ذاته واصف وشارح للمضمون الرائع الذي قدمته وكيف أن المرء إنما لا يرد على السوء بالسوء بل يرد عليه بما يبطل إرجافه ويدمغ قوله بحجة.

    وإني هنا وجدتك قدمت قراءة فكرية مبهرة قبل أن تكون قراءة أدبية مميزة مرت على القصائد بحذق واستشهدت بألق حتى بات الموضوع متكامل الطرح رغم أنني أرى أن الأمر لم يكن شخصيا لهذه الدرجة بل كان حالة إنسانية تتكرر عبر الدهور وإنكا حاولت فيها أن أجسد منهج الترفع عن الصغائر والنصح للضمائر والرد بالمشاعر والله أعلم بالسرائر.

    أكرر شكري وأجدك أنزلتي معك هنا صاحب دار ولزم علي أن أشكر الجميع فردا فردا كلا باسمه ووفق رده في وقت مقبل إن شاء الله!

    تقبل مني كل تقدير وامتنان وأدعو الله أن أكون دوما عند حسن ظنكم وأن يكرمني بالكرام الصادقين من أمثالكم وأن يحفظنا جميعا من كل كيد وكدر.



    تحياتي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. التحدي بالكفاءة والإبداع ... سمير العمري نموذجا
    بواسطة عبدالصمد حسن زيبار في المنتدى قِسْمُ النَّقْدِ والتَّرجَمةِ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 13-12-2010, 04:43 PM
  2. لا عدمناكَ يا سميرُ سميرا ! إبتهاجاً بعودة الدكتور سمير العُمري
    بواسطة ماجد الغامدي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 21
    آخر مشاركة: 14-07-2010, 01:26 AM
  3. المقاومة والقص في الأدب الفلسطيني- الانتفاضة نموذجاً .
    بواسطة سمير الفيل في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 16-04-2006, 10:15 PM
  4. المهزوز والغربة النفسية/سرحان عبدالبصير نموذجاً
    بواسطة العربي في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 18-02-2006, 04:48 PM