1- "درة الغواص في أوهام الخواص" للحريري
ويقولون: ما فعلت الثلاثة الأثواب- فيعرفون الاسمين، ويضيفون الأول منهما إلى الثاني.
والاختيار أن يعرف الأخير من كل عدد مضاف، فيقال: ما فعلت ثلاثة الأثواب، وفيم انصرفت ثلاثمائة الدرهم، وعليه قول ذي الرمة:
وهل يرجع التسليم أو يكشف العنا ... ثلاث الأثافي والديار البلاقع
قال الشيخ الإمام رحمه الله: وقد بين شيخنا أبو القاسم رحمه الله العلة في وجوب تعريف الثاني، فقال: لما لم يكن بد من آلة التعريف في هذا العدد رأوا أنهم لو عرفوهما جميعا فقالوا: الثلاثة الأثواب؛ لتعرف الاسم الأول بلام التعريف وبالإضافة الحقيقية، ولا يجوز أن يتعرف الاسم من وجهين. ولو أنهم عرفوا الاسم الأول وحده لتناقض الكلام؛ لأن إدخال الألف واللام على الاسم الأول يعرفه، وإضافته إلى النكرة تنكره. فلم يبق إلا أن يعرف الثاني؛ ليتعرف هو بلام التعريف، ويتعرف الأول بالإضافة إليه، فيحصل لكل منهما التعريف من طريق غير طريق صاحبه.
فإن اعترض معترض وقال: كيف عرف الاسم الأول في العدد المركب كقولهم: ما فعل الأحد عشر ثوبا- فالجواب عنه أن الاسمين إذا ركبا تنزلا منزلة الاسم الواحد، والاسم الواحد تلحق لام التعريف بأوله، فكما يقال: ما فعلت التسعة- يقال: ما فعلت التسعة عشر.
وقد ذهب بعض الكتاب إلى تعريف الاسمين المركبين والمعدود المميز، فقالوا: الأحد العشر الثوب- وهو مما لا يلتفت إليه ولا يعرج عليه؛ لأن المميز لا يكون معرفا بالألف واللام، ولا نقل إلينا في شجون الكلام.
2- "المخصص" لابن سيده
باب تعريف العدد
قد اختلف النحويون في تعريف العدد، فقال البصريون: ما كان من ذلك مضافًا أدخلنا الألف واللام في آخره فقط صار آخره معرفةٌ بالألف واللام، ويتعرَف ما قبل الألف واللام بالإضافة إلى الألف واللام. فإذا زاد على واحد وأكثر أضفتَ بعضًا إلى بعض، وجعلتَ آخره بالألف واللام. تقول في تعريف ثلاثة أثوب: ثلاثةُ الأثواب، وفي مائة درهم مائةُ الدرهمِ، وفي مائة ألف درهم مائةُ ألف الدّرهم.
وليس خلافٌ في أن هذا صحيح، وأنه من كلام العرب. قال الشاعر وهو ذو الرمة:
وَهَلْ يَرْجَعُ التسليمَ أو يَكْشِفُ العَمَى * ثَلاَثُ الأَثَافِي والدِّيَارُ البَلاَقِعُ
وأجاز الكوفيون إدخالَ الألف واللام على الأوّل والثاني وشبهوا ذلك بالحَسَنِ الوجه، فقالوا: الثلاثةُ الأثوابِ، والخمسة الدراهم، كما تقول: هذا الحسنُ الوجه.
وقاسُوا هذا بما طال أيضًا فقالوا: الثلاثُ المائةِ الألفِ الدِّرهمِ.
وإذا كان العدد منصوبًا فالبصريون يدخلون الألف واللام على الأوّل فتقول في أحَدَ عَشَرَ درهمًا: الأَحَدَ عَشَر درهمًا، والعِشْرُونَ درهمًا، والتسعون رجلًا، وما جَرَى مَجْرَاه وإن طال.
ويقولون في عِشْرِين ألفَ درهمٍ: العشرونَ ألفَ دِرْهَمٍ- لا يزيدون غير الألف واللام في أوَّله. والكوفيون يُدْخِلون الألف واللامَ فيهما جمعيًا، فيقولون: العِشْرُونَ الدرهمَ، والأَحَدَ عَشَر الدرهمَ. ومنهم من يُدْخِل الألفَ واللام في ذلك كله فيقولون: الأَحَدَ العَشَرَ الدرهمَ.
واختلفوا أيضًا فيما كان من أجزاء الدرهم كنِصْفٍ وثُلْثٍ ورُبُع إذا عَرَّفُوهُ، فأهلُ البَصْرَةِ يقولون: نصفُ الدرهمِ وثلث الدرهم وربع الدرهم، يُدْخِلُون الألفَ واللامَ في الأخيرة. والكوفيون أجْرَوْهُ مُجْرَى العدد، فقالوا: النصفُ الدرهم؛ شبهوه بالحَسَنَ الوجهِ.
وقال أهل البصرة: إذا جعلتَ الجميعَ نَفْسًا للمقدار جاز وأتبعتَ الجميعَ إعرابَ المقدار كقولك: الخمسةُ الدراهمُ، ورأيتُ الخمسةَ الدراهمَ، ومررت بالخمسةِ الدراهمِ.
ولا يختلفون في هذا، فأما الفارسي فقال: رَوَى أبو زيد فيما حكاه أبو عمر عنه أن قومًا من العرب غَيْرَ فُصحاء يقولونه، ولم يقولوا: النصفُ الدرهمُ، ولا الثلثُ الدرهمُ- فامتناعُه من الاطِّرَادِ يدل على ضعفه.
فإذا بلغ المائةَ أُضِيفَ إلى المفرد، فقيل: مائةُ درهم، فاجتمع في المائة ما افترق في عشر وتسعين من حيث كان عَشْرَ عَشَراتٍ، وكان العَقْدُ الذي بعد التسعين، وكذلك مائتا درهم وما بعده إلى الألف. فإذا عُرِّفَ فقيل: مائةُ الدرهمِ، ومائتا الدرهمِ وثلاثُ مائةِ الدرهم- تَعَرَّفَ المضافُ إليه كما تقدم.