أصبحت السعادة الزوجية الفردوس المفقود؟الصمت بين الزوجين والملل قنابل موقوتة تهدد استقرارها

الصمت بعد الزواج قد يقتل الحب أصبحت السعادة الزوجية الفردوس المفقود؟الصمت بين الزوجين والملل قنابل موقوتة تهدد استقرارالأسرة

كتبت : عواطف عبد الحميد

قالت : زوجي دائم الصمت ،عينه مثبتة في صحيفته، يحملق في التليفزيون بانتباه شديد كان الحرب العالمية الثالثة اندلعت ، وكأنني لست موجودة، يتكلم باقتضاب شديد ، سألت نفسي: ما الذي تغير بيننا ؟ما الذي تغير فينا ؟ما الذي جعل جدار الصمت بيني وبينه يعلو ليصبح حاجزا زادته الأيام صلابة ؟،تصورت أنني بصبري عليه وتحملي معه صعوبات البداية ، وإخلاصي في تربية أبنائه، سأحفر في قلبه نهراً من الحب رقراقاً دفاقاً، وسأزرع أزهار المودة في طريقنا، ونسيت أن شجرة الحب بين الزوجين تتغذى بالعاطفة، وترتوي بالتواصل والكلام الجميل وتنمو بالمشاركة الوجدانية . وتذكرت أنني أخطأت في حقه بمعاملتي السيئة له، وقررت بيني وبين نفسي بعدما استخرت الله أن أحطم ذلك الجدار بنفسي واستعن بالله ،و لاحظ زوجي التغيير الكبير في كل شئ في منزلي وطريقة ترتيبه، ولاحظ أيضاً اهتمامي بنفسي ، وبل وطريقة معاملتي له ، لاحظ ذلك كله، لكنه بقي على صمته ، وكان لابد أن أتحمل، وعلى هذا الأساس عزمت على مواصلة المشوار حتى النهاية بالصبر والمثابرة والوقوف بجانب زوجي، وإصراري على التحاور معه في كل ما يخصه ويخص حياتنا، وتأكيدي له أنه أهم وأكبر شيء في حياتي ـ بعد مرضاة الله عز وجل ـ، وأنه كان وما زال على رأس أولوياتي واهتماماتي. وأخيراً تكلم، ولكن بكلمات ملؤها العتاب ولم أنزعج فالعتاب نصف المحبة ،حتى زالت الغمة وانزاحت تمامًا، وعاد إليّّ زوجي بعد طول غياب ،وبعدما زال حاجز الصمت!

تلك حالة من حالات كثيرة ونموذج للعديد من الأسر العربية التي غاب طائر الحب عن سمائها عندما فقد القدرة علي البقاء في جو خانق كئيب لا روح فيه ولا حياة .. حالة جديدة علي مجتمعنا العربي .. حالة الصمت الرهيب بين الأزواج .. فما الذي يسمح لهذا الجدار بأن يعلو ويعلو .. إنه الملل الذي يتسرب من ثغرات حياتنا كما يتسرب الماء من بين أصابعنا ، وينشأ الملل في حياة الأسرة، حينما تفتقد الجديد، وينشغل الزوج بأحواله وظروف عمله أو مشاكله، وتنشغل الزوجة عن الاهتمام بزوجها إلى رعاية أبنائها، والملل هو أحد المشاكل التي تواجه الأسرة وتسبب متاعب وأزمات، فتشكو الزوجة من عدم اهتمام زوجها بها وإعراضه عنها، ومعاملتها بقسوة وجفاء وعدم تقدير، ونفس الشكوى يرددها الزوج : زوجتي لم تعد تطيقني، ولم تعد تحبني، تضايقني كثيراً بتصرفاتها، وتهمل رعايتي، وتتعلل بالأولاد، أو بأننا كبرنا ولا ينبغي أن نتصرف مثل الشباب المراهق..إن فتور العلاقة الزوجية ينعكس على كل أحوال البيت، فلا ترتاح الزوجة ولا الزوج، ويعيش الأبناء في قلق وتوتر..

إن الأزواج والزوجات يكتشفون دون قصد منهم، انهم عرضة للاختلاف في الرأي خصوصا في السنوات الأولى من الزواج ، وأي زواج ناجح يكتشف فيه الطرفان أثناء كل مناقشة بعض النقاط التي يختلفان فيها. . إننا نكشف كل ما في أعماقنا لطرف آخر وهو يكشف لنا ما في أعماقه .

وعلينا أن نعرف أن الحب يحسم الكثير من الخلافات في حالات الزواج الناجح. وعلينا أن نعرف أيضا أن الحب عندما يختفي من البيت الذي يعيش فيه الزوجان فان الخلافات تصبح ضيفا دائما في هذا البيت. وتتحول علاقة الزوجين من حبيبين إلى علاقة زوجية رتيبة فلا يرتبط كل منهما بالآخر إلا برباط الأطفال ، ومن ثم تبدأ حياتهما الزوجية في الاحتضار.

إن الزوجين اللذين يفتقدان لغة الحوار بينهما هما في الحقيقة غريبان في بيت واحد يجهلان عن بعضهما البعض أكثر مما يعرفان ..بكثير.

وهناك أسباب أخرى لفقد لغة الحوار تكشفها الملابسات الزوجية اليومية ،فقد يخشى أحد الطرفين أو كلاهما من تكرار محاولة فشلت لإقامة حوار من قبل أو أن تخاف الزوجة أن تطلب من الزوج، أو تتحرج، إذ ربما يصدها أو يهمل طلبها، أو يستخف به كما فعل في مرة سابقة. وقد ييأس الزوج من زوجة لا تُصغي، ولا تجيد إلا الثرثرة أو لا تفهم وتتفاعل مع ما يطرحه، أو يحكيه. الخوف من رد الفعل، أو اليأس من تغيير طباع الطرف الآخر يجعل إيثار السلامة بالصمت هو الحل، وهنا يكون عدم الحوار اختيارًا واعيًا لم تدفع إليه ظروف خفية، أو تمنعه المشاغل، ولم ينتج عن إهمال أو تناسٍ. والمبادرة هنا لا بد أن تأتي من الطرف الذي سبق وأغلق باب الحوار بصدٍ أو إعراضٍ أو عدم تجاوب.

إن التحاور والتشاور يعني طرفين أحدهما يستمع، والآخر يتحدث ثم العكس، ولا يعني أن أحدهما يرسل طوال الوقت أو يُتوقع منه ذلك، والآخر يستقبل طوال الوقت، أو يُنتظر منه ذلك، وتكرار المبادرات بفتح الحوار،ومحاولة تغيير المواقف السلبية مسألة صعبة، لكن نتائجها أفضل من ترك الأمر، والاستسلام للقطيعة والصمت. إن الحياة الزوجية هي الحب بمعناه الأشمل الذي يأخذ بين الزوجين معانٍ أعمق وأرحب مما يأخذ بين غيرهما. ولابد أن يستمر الحوار بعد الزواج في فترة الخطوبة وما بعدها ، أن فعل الكلام علامة على التواصل، بينما عدمه دليل على الانقطاع ، والتواصل بكل أشكاله سواء كان فكريا أو روحيا علامة من علامات الحياة: حياة العلاقة، ودفئها، وتدفقها، ومعناه أن الشريك يأنس بشريكه، ويهتم بأمره-ولو شغبًا أو اعتراضًا- ويحب الحديث معه، يتبادلان الضحكات أو الآراء، أو حتى الاتهامات ثم يصفو الجو أو يتكدّر فيتجدد الحب حين يتحرك تيار التواصل، أما الصمت حين يسود يقتل الحب ومن ثم يفنى التفاهم وتنهار الحياة الزوجية .

والسؤال الآن هل يكره الزوج زوجته حين ينقطع الحوار بينهما ولماذا ؟

حاولت عالمة النفس الأمريكية د. سوزان فورودارد الإجابة عليه من خلال العديد من الدراسات التي استمرت 14 عاماً حول الأسباب التي تدفع الزوج لأن يكره زوجته والتي تدفع الزوجة لأن تكره زوجها أيضاً.

وتوصلت د. سوزان إلى أن الأسباب الحقيقية التي تدفع الزوج لأن يعامل زوجته بطريقة سيئة وكأنه يكرهها هي البيئة الحقيقية للزوج، فالزوج الذي يكره زوجته غالباً ما يكون ضحية تعسف عاشه وسط أسرته .

فعلى سبيل المثال عندما يشاهد الطفل أباه وهو يحقر أمه تظل هذه الصورة مطبوعة في خياله حتى عندما يتزوج فيعتقد أن تلك هي الطريقة المثلى للتعامل مع المرأة .

وبالمثل فإن الفتاة التي تشاهد والدتها وهي تخضع لمعاملة والدها السيئة لها تظل هذه الصورة مطبوعة في خيالها وعند زواجها تعتقد أن دور المرأة هو الطاعة العمياء للزوج ومهما فعل حتى وإن كان ذلك على حساب سعادتها.

ويرى علماء النفس أن هناك فرقا بين الكراهية والنفور.. فالشائع أن يكون هناك نفور بين الزوجين في مرحلة أو أخري من تاريخ زواجهما لكن الكراهية هي درجة حادة وشديدة وتنطوي في الكثير من الأحيان على العدوان بشكل أذى بدني أو مادي أو نفسي أو معنوي.

وقد يحدث أحياناً نفوراً بين الأزواج مع طول فترة الزواج نتيجة لأسباب بعضها قد يكون موضوعي كعدم حرص كل طرف أن يضفي معنى جديدا في حياة الآخر ومن هنا تتحول العلاقة الزوجية إلى نوع من الرتابة والملل كما أن إهمال أحد الطرفين في إظهار المودة للطرف الآخر وهذا مطلب ضروري في الحياة الزوجية فكل زوج أو زوجة يريد أن يسمع من الآخر ما يطريه ولكن المسألة تبدو نادرة في الحياة الزوجية وتبدو الحياة صامتة ومحبطة للطرفين وهذا يفسر في بعض الأحيان لماذا تحدث الخيانة الزوجية.

حدد خبراء الاجتماع العوامل التي تؤدي إلى الصمت الزواجي، الذي يؤدي شيئا فشيئا إلى الطلاق العاطفي وبرود المشاعر بين الأزواج في جملة من العوامل، جاء على رأسها عملية الاختيار التي قد تكون غير موفقة أو تمت بطريقة سريعة، وبالتالي لم يفهم كل من الطرفين الطرف الآخر جيدًا، وبعد أن يتم الزواج يحدث الهرب كوسيلة للتخلص من الزواج.

كما أشاروا إلى أن الأنانية بين الزوجين من العوامل المهمة في هذا الصدد أيضًا؛ إذ أن كلا من الزوجين يركز على ذاته، وإشباع رغباته الشخصية دون حساب للآخر، وأضافوا إلى ذلك عاملا مهما متمثلا في غياب الوعي الديني لدى كلا الزوجين، وعدم احترام كل منهما الآخر الذي قد يبدو في إهمال الآخر وعدم سماع متطلباته.


ظاهرة عالمية

ويبدو أن ظاهرة الصمت الزواجي أصبحت شبه عالمية؛ ففي تقرير لمجلة "بونته" الألمانية توضح الإحصائيات أن تسعًا من كل عشر سيدات يعانين من صمت الأزواج، وانعدام المشاعر بين الأزواج المرتبطين منذ أكثر من خمس سنوات. وتشير الأرقام إلى أن 79% من حالات الانفصال تكون بسبب معاناة المرأة من انعدام المشاعر، وعدم تعبير الزوج عن عواطفه لها، وعدم وجود حوار يربط بينهما.

أما د.كارل جيك المتخصص في علاج المشكلات الزوجية، فيحلل أسباب عزوف الرجال عن التحدث عن مشاعرهم لزوجاتهم: بقوله "إن ذلك ميراث طويل؛ فقد كان الرجل في القديم مسئولا عن العالم الخارجي من تأمين الأسرة، وتوفير الغذاء لها، وكان يحقق ذاته من خلال الفعل والعمل؛ أي عن طريق أشياء مادية يمكن للجميع رؤيتها. واليوم يتحدث الرجال ويتناقشون عن كيفية زيادة العائدات في العمل والتغلب على المنافسة".

أما بالنسبة للمرأة فإنها على مرّ تاريخها كانت المسئولة عن رعاية المكان والأسرة والمشاعر، أي أن مسئوليتها تتركز في العالم الداخلي، وكانت تستخلص شعورها بذاتها فقط من خلال مدى انسجام الحياة الأسرية وتوافقها، وظل الرجل لعهد طويل يحتل داخل الأسرة المكانة الرئيسية كمسئول، وبالتالي فإنه ليس لديه شريك يتحاور معه في ندِّيَّة.

وكانت المرأة تجري مثل هذه الحوارات مع الصديقات، واكتسبت المرأة طوال آلاف السنين الخبرة والتدريب على الأحاديث الخاصة بالمشاعر والتعبير عنها، ويعتبر ذلك مجالا جديدًا على الرجل.

ويمضي د. جيك موضحًا أن شكوى المرأة من صمت الرجل وانعدام الحوار هو نتيجة مترتبة على تغير التوقعات في العلاقة الزوجية؛ فقبل جيل أو جيلين كانت المرأة تشعر بالرضا في زواجها إذا وفر الزوج دخلا معقولا ولم يُسئ معاملتها أو يضربها أو لم يدخل في حياتها امرأة أخرى.

والمسألة تختلف اليوم؛ فتوقعات السعادة غير محددة ولكنها كبيرة، وملخصها أنه ما لم تسعدني وترضِني من جميع الجوانب فإنك تكون شريكًا سيئًا وفاشلا..


الرجل الصامت

حالة الصمت الزواجي التي نحن بصددها لها مجموعة من الآثار الخطيرة التي لا تهدد الزوج والزوجة فقط، ولكنها تطال الأبناء أيضا؛ حيث أكدت الدراسات النفسية أن الطفل الذي ينشأ في أسرة تفتقد عنصر التواصل الكلامي (الحواري) هو في الغالب طفل لا يستطيع التعبير الجيد عن نفسه، كما أنه ربما يكون في بعض الأحيان انطوائيًا لا يسهل عليه إقامة علاقة مع الآخرين في يسر. كما أن انعدام الحوار بين الزوجين وكثرة الصدمات بينهما يؤدي إلى نشوء أطفال فاقدي الإحساس بالأسرة ومدلول حضورها؛ فيهرب بعضهم من المنازل تخلصًا من مشاكل الأبوين. الحياة الزوجية شأنها شأن أي علاقة سامية قائمة على الشراكة ومراعاة حقوق الطرف الآخر الذي من وجهة نظري لا أعتبره آخرًا، ولكنه "أنا" أخرى؛ ما يسعدها يسعدني، وما يؤذيها بالضرورة يؤذيني. وليكن لنا في رسول الله أسوة حسنة، فلم يكن يمنعه حمل الدعوة وتحمل مسئوليات أمة بأَسْرها من أن يكون خير زوج وخير مؤنس لأهل بيته، فليتنا نقتدي به!.


الزوجات أكثر تضررًا

كشفت دراسة حديثة أن الزوجات هن الأكثر تضررًا بسبب غياب الأزواج، وبخاصة في حال الغياب للسفر للخارج؛ إذ يصبن بعدد من الأعراض المرضية، ويتخذ موقف الزوجة في شكله المرضي المتطرف صورة أعراض نفسية تتمثل في الاكتئاب، والتوتر، والنسيان، والمخاوف المرضية، أو أعراض سيكوسوماتية، تظهر في شكل اضطرابات في الجهاز المعوي، والتنفسي، وضغط الدم، وقد تكون هذه الأعراض متفاعلة مع ظروف أخرى راجعة إلى معاناة الزوجة من افتقاد الزوج .