بسم الله الرحمن الرحيم
أحبائي الأكارم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته و بعد
عندما كنت صغيرا و انتقلت أمي رحمها الله إلى الرفيق الأعلى كتبت لها رسالة
و بينما كنت أفتش في أوراقي القديمة وجدت هذه الرسالة و قد اصفرت الورقة و تثنت فأعدت قراءتها من جديد و سقطت من عيني دمعة على فراقها .
لم أتردد في أن أخرجها من مكانها و أول ما طرأ ببالي هو أن أنشرها لتقرأوها
و لتفرأوا كيف كنت أكتب صغيراً قبل أكثر من ثلاثين عاماً .
و هذا نص الرسالة :
أمي الحبيبة
تحياتي
تحياتي أرسلها إليك عبر الأكوان
للقاء لا أدري يا أمي في أي زمان
عفواً سيدتي متأسف
عشرة أعوام قد ولّت من غير رسائل
من غير سؤال .
لكن معذرة يا أمي
فالدنيا تتغير في لحظةْ .
و تغير في الحال الحال .
الدنيا زنبقةٌ ذبلت بعد الإصباح
الدنيا صخب يا أمي الدنيا زحام
و ضجيج الحركة في الشارع يعطينا شعورا بالفوضى
يعطينا شعوراً بالغوغاء .
ينسينا أن نكتب يا أمي حتى الأسماء .
أو نرسم وردا و عروساً
أو نكتب أي مكاتيب .
***
ما هو حالك يا أمي بعد الهجران
أعلم أنه لك تخدعك الدنيا
فبحثتي عن أرض أخرى
و خرجتي من غير استئذان
لتجيبي نداء الرحمن .
أعرف أن البشر هناك مختلفون .. مختلفون
أعرف أن الجنة يا أمي تحت الأقدام .
لكنك يا أمي سافرتي و السن صغير
و الوجه الناعم لم تدركه تجاعيد
حتى الأسنان ، كانت يا أمي ناصعةً
لم ينخرها السوس .
كانت عيناك تدعونا للقاء غذاء
و لقاء عشاء
من بعدك يا أمي بعثرنا في كل الأنحاء.
لم يبق منا يا أمي إلا الأسماء .
***
نحن هنا يا أمي لا ينقصنا إلا رؤياكِ
ما زال المتجر تحت المنزل
ما زالت أزهارك بالدار
ما زالت كل الأطيار
تشدو في حزن يا أمي
ما زالت كل الوردات باكية باكية يا أمي
***
أختي بالخارج يا أمي و لها طفلان
و أخي من زمنٍ لم نرهُ ..
و الباقي مثل الجرذان
و أبي ليعيش على الذكرى
لم تتغير فيه السنوات
ما زالت روحه تتعبد في معبد حبك
يبكي لما يتذكر أنك غادرتي الدار
و الأطفال صغار
و الكبار صغار .
***
أما يا أمي عن حالي
لست على خير مرام
الصحة يا أمي هزيلة
و غزاني الشيب غزاني الحب .
لم تبق سيدتي لي حيلة إلا الأفكار
دليني يا أمي و اهدي قلبي الحيران
فأنا لحنانك يا أمي ظمئٌ عطشان .
حاولت كثيراً أن أرحل .
حاولت كثيراً أن أقسو
حاولت كثيراً أن أتحول عربيداً
لكني لم أقدر يا أمي
كانت كلماتك في قلبي مثل البركان
مثل الإعصار
تقتلع الخيبة من ذاتي
تلقي لي أطواق نحاة و حدائق أزهار .
***
و ختاماً إني يا أمي مشتاقٌ مشتاق .
لخطاب منك يدعوني
يعطيني جرعة أشواق
يغرقني في بحر حنان
في بحر أمان
في بحر ما له عنوان
مثلك يا امي سافرتي عبر الأكوان
وأراكِ دوماً بمنامي
ساكنةً جنة رضوان .
رحم الله أمي و جميع موتى المسلمين و أسكنها و إياهم فسيح جناته
و دمتم بخير