كتاب العقل العربى ؛ امراضه وعلاجه - مقدمة 1 - فؤاد سلطان

[SIZE="5"]همسات في أُذن القارىء
مدن العار أم مدن الغباء

" ويظل يقيني أننا في هذه المرحلة
من حياتنا امة تحتاج إلى أن تفكر
وان تفكر وان تفكر ! "
أ / محمد حسنين هيكل . كتاب حرب الخليج أوهام القوة والنصر

هناك نظرية علمية تسمى القصور الذاتي ومحتوى هذه النظرية هو " يظل الجسم ثابتا" أو متحركا ، مالم توجد قوة أخرى تؤثر في حركته أو سكونه " بمعنى أن اى شيء أو أمر لا يتحرك من تلقاء نفسه ، بل بفعل قوة أخرى ، وتكون تلك القوة مؤثرة عليه إما بالدفع أو بالسحب.
فلكل شيء سبب ؛ وكذلك أيضا" اى حدث له محدث وفاعل له دوافعه ، كما إن لكل حدث أيضا" نتائج . وعلى ذلك فأن احد أسباب ظهور هذا الكتاب الذي بين يديك ، هو الإحداث التاريخية العربية قديمها وحديثها ، والمجتمع العربي ، والعقلية العربية ، قديمهما وحديثهما ، وما يتعلق بهما مكانيا" وزمانيا" وإنسانيا" واقتصاديا" واجتماعيا" وسياسيا" .
فالأمر العربي بالنسبة لكاتب هذه السطور ، هو أمر شخصي وعلمي وسياسي وعسكري واقتصادي واجتماعي ، بل اننى يهمني جميع الجوانب العربية ؛ فعندما كنت صغيرا" في السن ولم أتعد بعد سنوات الطفولة المبكرة وفى سنوات ما قبل المدرسة ، عندما كان حالي مثل ما قاله أبو القاسم الشابى – رحمه الله – في قصيدته " الجنة الضائعة " :
" قد كنت في زمن الطفولة والسذاجة والطهور
أحيا كما تحيا البلابل والجداول والزهور
لا احفل بالدنيا تدور بأهلها أو لا تدور "
فعندما كانت حالي كذلك، كان أبى – رحمه الله – أبا" طيبا" متواضع الحال ، عندما ينتهي من عمله بالنهار ، ويأتى الليل يفتح مذياعه ويستمع إلى السيرة الهلالية التي كانت تذاع آنذاك ، ثم يخرج أبى وقطاع كبير من رجال قريتي ممن يجاوروننا في البيت ، يتحدثون فيما فعل أبو زيد الهلالي ، ودياب بن غانم ، وكنت بالطبع استمع مع والدي إلى المذياع ، واستمع إلى مناقشاته هو والآخرون . ومن هنا فقد اختلط ونما مع نمو كاتب هذه السطور ، وحفر في صميم وجدانه ، أهمية كونه عربيا" منذ الصغر ، وحفرت كلمات في ذاكرته لن تمحى أبدا" ، ككلمات : عربي – حق عرب _ نبي عربي – الهلايل – الزغابه – الزناتى خليفه – تونس الخضرا .............
ولكن عندما كبر محدثكم ، وأصبح ينطبق عليه قول أبى القاسم الشابى في بقية قصيدته :
" اليوم أحيا مرهق الأعصاب مشبوب الشعور
هذا مصيري بنى الدنيا . فما أشقى المصير "
كان محدثكم قد تلون بألوان كتب المدارس والكثير الكثير من الكتب التي قرأها ، بعد أن أصيب بمرض القراءة، هذا غير نشرات الأخبار التي سمعتها ، فاقتحمت أذني ففغرت فمي ، واجحظت عيناى ، وكادت أحيانا" أن توقف دقات قلبي ، فأدركت موقع العرب كما يقرره الواقع على الخرائط وفى الأحداث؛ فكرهت كتب المدارس ونشرات الأخبار . واحزننى جدا" أن عم جابر أبو حسين ليس هو عمدة الهلايل كما كنت اعتقد وأنا طفل صغير ، وانه مجرد منشد ومؤدى لحكايات العرب ، والتي دخلها الكثير والكثير من الزخرفة و التنميق . لكنني شعرت بالفخر لكون العم جابر ، وعبد الرحمن الابنودى صعيديين ، وضحكت من نفسي أحيانا" بأنني لوكنت اعرف ذلك وأنا صغير لتفاخرت به في صغرى أمام الأطفال الصغار في منطقة عرب المعادى ، ودجله ، فقد كان صغار هذه المنطقة يقولون لكاتب هذه السطور " يا صعيدي روح بلدك لا القطه تأكل شنبك " .
وأصبحت عندما كبرت صديقا" للحزن ؛ لأن ما يقوله الأمر الواقع ، وأطالس الخرائط ، وأخبار التلفازات ، أن العم جابر أبو حسين ، وعبد الرحمن الابنودى قد خدعاني وأنا صغير ، فقد أتضح لي بعد طول بحث في التاريخ ، وتأمل وتحليل لمشاهد الواقع ، أننا نحن العرب لسنا أبطالا" صناديد ، ولسنا كرماء للضيوف ، ولسنا شجعانا" نخوضوا المعامع عن شرف ، ولسنا أوفياء بالعهد فلا نغدر ، ولسنا أمناء فلا نخون ...........!!!
كما أن الأمر يبدو لي سياسيا" ، وعسكريا" ؛ فمن الناحية السياسية ، يرى مؤلف هذا الكتاب الآن ، وقد يرى مستقبلا" إن ظل الحال كذلك ، أن العرب يتفاوضون بينهم لحل مشاكلهم ، ويتفاوضون مع غيرهم لحل مشاكلهم الدولية ؛ منذ هوجة الأخ هتلر وما قبلها ، فلا هم نجحوا في حسم مشاكلهم التي بينهم ، ولاهم أيضا" نجحوا في حل عادل لمشاكلهم الدولية ، دون أن تضيع حقوقهم أو ثرواتهم ، بل أن كل مفاوضات العرب مع الآخرين ، لو نظرنا لها نظرة تأملية تحليلية عميقة شاملة ، لعرفنا أنها كانت خسارة لهم على طوال الزمن الحديث والمعاصر ؛ فالعرب عن طريق التفاوض لم يحققوا انتصارا" واحدا"، بل اُحتلت مدنهم ، وغُيبت دولهم ، وتشرد في دول أخرى وخيم في العراء لاجئيهم.
أما عسكريا فقد خسر العرب كل معاركهم العسكرية جميعا"؛ فالحرب ضد اليهود منذ أن كانوا مجرد عصابات يقتل بعضهم بعضا" ، وفى الوقت ذاته يقاتلون العرب، إلا أنهم تفوقوا علينا ، وأصبحت الخريطة التي كانت على أيام أجدادنا وآباءنا مكتوب عليها فلسطين أصبحت مكتوب عليها إسرائيل ، وعندما تسال احد الخبراء العسكريين أو احد علماء التاريخ الذين يعملون كمدرسيين أكاديميين في جامعاتنا والمتخصصين في الثرثرة ليس إلا ، تسألهم كيف تم ذلك !!!؟ ، يقولون لك : هذا أمر تم بسبب القسمة والنصيب ، والنصيب غلاب ، والمكتوب على الجبين لابد وان تره العين ، ثم يغمزوك بأكواعهم ويقولون لك : خليك في حالك ، وربى أبنائك ، وكل عيش ، لا شان لك بمواضيع تذهب بك خلف الشمس .
فعندما انهزم العرب أمام اليهود في العام 1948 ، قيل للعرب الذين يسمعون الكلام ويشربون اللبن وينامون مبكرا" : أن الأسلحة كانت فاسدة ، وكأن هذه الأسلحة لم تخرج من صناديقها إلا في ساحة الحرب، وفى وجه العدو مباشرة ، ولم ترها لجان شراء ولجان خبراء !!!. وعندما جاءت هزيمة 1967 ، وأطلقنا عليها اسما" حركيا" ، وأيضا" من اجل أن ندلعها أسميناها نكسة ، حينها ظهرت الخيبة العربية راكبة جملا" !!! ، وللأسف لم يكن هناك ملك كفاروق لنلصق به هذه المرة صفقة الأسلحة الفاسدة !!! .
وجاءت حرب 1973 فقضت على العرب عسكريا" تماما" ؛ فمن يقول أن حرب 1973انتصر فيها العرب انتصارا" حاسما"، يكون مغالطا" لنفسه ومتحايلا على الواقع والعدالة ، وعلى الحكم النزيه الموضوعي ، وبعيد" جدا" عن المنطق ، ولكننا لو شئنا الدقة فلنقل : انه تم النصر على الجبهة المصرية فقط؛ لأنه في حقيقة الأمر كانت هناك جبهات أخرى مشتركة في الحرب إلى جانب الجبهة المصرية ولم تحقق اى انتصار ، بالاضافى إلى أن حرب السادس من أكتوبر لم تقض على مطالب وأهداف إسرائيل من حرب عام 1967 ، بل أن حرب 1973، ومعاهدة السلام وشروطها في عام 1978 حققت لإسرائيل كل ما كانت تستهدفه من حرب 1967 ، كما أن حرب عام 1973 ، كان من أهم نتائجها التي استفادت منها إسرائيل ، هو التفكك العربي ، والنظر إلى المصالح القطرية الضيقة ، التي نعانى منها حتى الآن .
ومنذ تلك الحرب دخل أسد العسكرية العربية قفصه ، وأغلق عليه بابه ، أو بالاحرى تم سجنه ؛ فاجتاح الأعداء ما اجتاحوه من مدن لبنان ، وهُدمت بيوت الفلسطينيين فوق رؤوسهم ، واخترقت طائرات الأعداء جميع الأجواء العربية بلا استثناء تقريبا" ، هذا غير شبكات الجواسيس التي تكتشف على فترات في جميع الدول العربية ، ولان العرب بطبيعتهم كرماء ، فإنهم يعتبرون الصمت العربي تجاه ذلك ما هو إلا نوع من كرم الضيافة !!!.
وبدخول العراق حربا" مع إيران؛ الدولة التي كان من المفترض أن تكون صديقا" وحليفا" للعرب لا عدوا" لهم تمت هزيمة العراق في البداية في معارك كثيرة ، وتم احتلال منطقة الفاو العراقية وأصبح الطريق منها أمام إيران مفتوحا" لاحتلال مدينة البصرة ، وأيضا" الطريق مفتوحا لاحتلال دولة الكويت . لكن تدخل السلاح الامريكى الذي كان يصل إلى العراق وإيران في نفس الوقت ( ) ، والذي كان الغرض منه استنزاف الدولتين عسكريا" واقتصاديا"، والارتماء في الحضن الامريكى ، وليس أن تحتل إحدى الدولتين الأخرى ، وبعد تحرير منطقة الفاو بالأسلحة الكيميائية الأمريكية والأسلحة المحظورة دوليا" ، وقبول الشعب الايرانى وقف إطلاق النار بلا شرط ، وخروج كل من الشعبين متعادلين في الخراب والدمار ، لم يكلف احد نفسه أن يتساءل لمن كان المكسب في هذه الحرب ولماذا كانت !!!
ولأننا عرب لنا الصدر دون العالمين ونحن الذين للسيف وللضيف ...!!! ، استدار العراق بعد ذلك عندما سُدت أذان العرب وعميت بصيرتهم وعجزت عقولهم على استيعاب مشكلة بسيطة كالحدود أو أرقام من حفنات من أوراق البنكنوت ؛ فكانت المصيبة الكبرى والكارثة العظمى ؛ فقد استدار العراق ليغزوا الكويت . ومن ذلك الوقت أصبحت الحدود بين مجمل دول الخليج لغير أهلها ، وأصبحت ثرواتهم تحت تصرف المارد مرجان ؛ ليضمن لأبنه غير الشرعية اللقيطة مقعدا" وثيرا" يأرجحها فيه الجميع ... لكن هيهات ؛ فلأرض العرب أصحاب إن غفلوا اليوم فسينتبهون غدا" ....
جزء من مقدمة كتاب ( العقل العربى ؛ امراضه وعلاجه ) للمفكر والأديب / فؤاد سلطان[/SIZE]

المفكر السيد فؤاد سلطان ،

مرحبا بك في واحتك ، و يسعدنا أن يكون أول تعرفنا عليك من خلال هذا التقديم لكتاب لا شك أن موضوعه

من أهم ما يمكن أن يثار في قضايا الفكر و هو العقل ( آلة ) التفكير ووسيلته التي إن صلحت صلح ما بعدها .

سننتظر المزيد من مادة كتابك .

تقبل مروري .

الأخت الكريمة الشاعرة والأديبة / نادية بو غرارة
اشكرك لترحيبك النبيل ، وشرف لى ان اكون بينكم
واشكرك على التعريف بى فى منتداكم الرائع وبأعمالى
وكل الود لحضرتك

أهلا ومرحبا بك أيها الكريم.

لعلني هنا وجدتني أقترب من طرحك حينا وأبتعد أحيانا ذلك أنك برغم رصدك الدقيق للحالة وتوصيفك الحقيق للحالة إلا أن السبر في أعماق التحليل دارت حول هذه الظواهر دون النظر إلى شمولية الطرح والربط بين أهم هذه العوامل المشتركة لحدوث هذا في الأمة منذ عقود طويلة.

ولعلني وأنا أشكر لك إسهامك المميز في الحديث عن صورة المشهد العربي من الناحية السيسية عموما لأؤكد لك أن المشكلة التي تعاني منها الأمة مشكلة أخلاقية في المقام الأول ، وللعلني أكتب بعض مقالات قريبة تتناول هذا الأمر بكل أكثر دقة من ردي هذا وأكثر شرحا.

أرحب بك مجددا وأشكرك على ما أفضت به.

دمت بخير ورضا!

وأهلا ومرحبا بك دوما في أفياء واحة الخير.


تحياتي