قُمْ حَيِّ مِصْرَ وَحَلِّقْ فِي المَدَارَاتِ
وَعَانِقِ المَجْدَ فِي مَهْدِ الحَضَارَاتِ
وَقِفْ عَلَى هَامَةِ التَّارِيخِ مُنْتَصِبَاً
وَحَدِّثْ الكَوْنَ عَنْ مَاضٍ وَعَنْ آتِ
وَاسْتَلْهِمِ الشِّعْرَ مِنْ مَكْنُونِ جَوهَرِهِ
وَرَصِّعِ التَّاجَ مِنْ دُرِّ المُوَالاةِ
يَا قَلْبُ خُذْنِي إِلَى حَيثُ التِي بَهَرَتْ
فِيَّ الحَنِينَ وَحَلَّتْ فِي خَيَالاتِي
أُحِبُّ مِصْرَ وَأَهْوَى أَرْضَهَا وَطَنَاً
لَوْلا انْتَسَبْتُ إِلَى أَرْضِ النُّبُوَّاتِ
صِفْ مَا هُنَالِكَ حَيْثُ الرُّوحُ سَابِحَةٌ
فِي بَرِّ مِصْرَ تُمَنِّي بِالمَسَرَّاتِ
تُمَتِّعُ العَيْنَ فِي حُسْنٍ يَرُوقُ لَهَا
وَتُرْشِفُ الثَّغْرَ مِنْ مَاءِ البَشَاشَاتِ
أَتُوقُ لِلنِّيلِ يَجْرِي فِي جَوَانِبِهَا
فِي الأُمْسِيَاتِ فَأَنْجُو لِلمُنَاجَاةِ
أُخَاطِبُ الدَّهْرَ فِي مَجْرَاهُ مُنْتَشِيَاً
أَسْهُو فَأَذْهَلُ فِي فَحْوَاهُ عَنْ ذَاتِي
وَكَمْ أَتُوقُ إِلَى الأَهْرَامِ شَامِخَةً
تَحْكِي الجَلالَ غُمُوضَاً كَالخُرَافَاتِ
يَا مِصْرُ إِنِّي أَنَا يَعْقُوبُ لَهْفَتُهُ
لِرِيحِ يُوسُفَ قَدْ أَذْكَى الحُشَاشَاتِ
أَلْقِي القَمِيصَ فَفِي عَيْنَيَّ مِنْ وَلَهٍ
هَالاتُ نُورٍ وَفِي القَلْبِ ابْتِهَالاتِي
وَفِي رُبُوعِكِ فِي أَنْشَاصِ دَارُ أَخِي
وَفِي مَدِينَةِ كَفْرِ الشَّيْخِ دَارَاتِي
وَفِي المُقَطَّمِ فِي الفُسْطَاطِ مَأْثَرَةٌ
تُحَدِّثُ النَّفْسَ عَنْ عِزِّ الفُتُوحَاتِ
وَفِي العَرِيشِ لَنَا ذِكْرَى الحَنِينِ وَفِي
الإِسْكَنْدَرِيَّةِ مِنْ أَهْلِ المَوَدَّاتِ
وَفِي البِحِيرَةِ أَخْلاقٌ وَمَكْرَمَةٌ
وَفِي الصَّعِيدِ تَرَى أَنْدَى الرِّجَالاتِ
وَفِي السِّوَيْسِ وَفِي سِينَاءَ مَلْحَمَةٌ
تَحْكِي الصُّمُودَ عَلَى أَرْضِ البُطُولاتِ
يَا مِصْرُ حُبُّكِ مِصْبَاحُ الهُدَى أَبَدَاً
وَقَدْ أَضَأْتُ مِنَ المِصْبَاحِ مِشْكَاتِي
يَا خَيرَ دَارٍ مِنَ الدُّنْيَا وَأَكْرَمَهَا
وَمَوْطِنَ الغُرِّ مِنْ أَهْلِ المُرُوءَاتِ
قَضَيْتُ عُمْرِي إِلَى دُنْيَاكِ حِجَّتُهُ
فَلا قَضَى اللهُ مِنْ دُنْيَاكِ حَاجَاتِى
إِلَى رِحَابِكِ أَرْخَى الشُّوقُ أَشْرِعَتِي
وَفِي بِحَارِكِ أَلْقَى الحُبُّ مِرْسَاتِي
فَكُنْتُ كَالطَائِرِ المَفْتُونِ هِجْرَتُهُ
إِلَى رُبَاكِ لَهَا يَطْوِي المَسَافَاتِ
مَنْ قَالَ إِنَّكِ أُمُّ الكَوْنِ مُجْتَهِدٌ
لَولا الحَيَاءُ لَقَالَ الكَوْنُ: مَوْلاتِي
أَرْضُ الكِنَانَةِ أَرْضُ اللهِ قَدْ جَمَعَتْ
مَفَاخِرَ الدَّهْرِ فِي كُلِّ المَجَالاتِ
خُلِقْتِ فِي الأَرْضِ كَالفِرْدَوسِ فِي عَدِنٍ
فَطَالَ طُهْرُكِ آفَاقَ السَّمَاوَاتِ
أَعَزَّكِ اللهُ بِالإِسْلامِ فِي قِيَمٍ
وَذَلَّ غَيرُكِ بِالعُزَّى وَبِاللاتِ
يَكْفِيكِ ذِكْرُكِ فِي القُرْآنِ مَفْخَرَةً
فَالكَونُ لِلأَمْنِ يَتْلُو فِيكِ آيَاتِ
وَأَلْفُ مِئْذَنَةٍ فِي حِضْنِ قَاهِرَةٍ
نَادَتْ بِحَيَّ عَلَى خَيرِ العِبَادَاتِ
عَلَوتِ رَغْمَ خُطُوبِ الدَّهْرِ صَامِدَةً
وَحُزْتِ دَهْرَكِ بِالأَيْدِي العَلِيَّاتِ
وَشِدْتِ بِالعِلْمِ وَالأَخْلاقِ صَرْحَ عُلا
حَتَّى غَدَوتِ لَهُ أَعْلَى المَنَارَاتِ
كَمْ رَامَ قَهْرَكِ عَاتٍ مَدَّ كَفَّ رَدَى
وَأَنْتِ أَنْتِ فَأَيْنَ المُجْرِمُ العَاتِي
هَلْ دَامَ بَعْدَكِ لِلهُكْسُوسِ مِنْ أَثَرٍ
وَهَلْ لِرُومَا نَصِيبٌ فِي مُجَارَاةِ
وَلِلمَغُولِ أَمَا حَطَّمْتِ شَوْكَتَهُمْ
وَلِلصَّلِيبِ أَمَا نَكَّسْتِ رَايَاتِ
سَلِ الفِرِنْجَةَ عَنْ آَثَارِ مَوقِعَةٍ
صَبَّتْ عَلَيهِمْ حَمِيمَاً مِنْ إِغَارَاتِ
فَهَلْ أُتِيحَ لِنَابِلْيُونَ مِنْ سُبُلٍ
إِلا الفِرَارَ عَلَى وَقْعِ المَنِيَّاتِ
يَا مِصْرُ أَنْتِ عَرُوسُ الشَّرْقِ قَدْ لَبِسَتْ
ثِيَابَ عِزٍّ مِنَ الحُمْرِ القَشِيبَاتِ
فِيكِ الإِبَاءُ وَفِيكِ الفَخْرُ فَارْتَفِعِي
فَوقَ الكَوَاكِبِ عَنْ جَوْرٍ وَإخِبَاتِ
فِيكِ الذِي إِنْ يَقُلْ حِضْنُ الرَّخَاءِ لَهُ
خُذِ الحَيَاةَ بِذُلٍّ لَمْ يَقُلْ هَاتِ
وَنَسْرُكِ القَيْدُ فِي الرَّايَاتِ أَرْهَقَهُ
فَأَطْلِقِيهِ إِلَى رَحْبِ الفَضَاءَاتِ
لا يُصْلِحُ الحَالَ إِخْلادٌ وَأُمْنِيَةٌ
وَلا تُغَيَّرُ إِلا بِالمَشِيئَاتِ
وَأَنْتِ مِصْرُ عَلَى الأَيَّامِ شَاهِدَةٌ
فِي كُلِّ أَمْرِكِ مِنْ نَقْضٍ وَإِثْبَاتِ
لَيْتَ الزَّمَانَ يُلَبِّي فِيكِ أُمْنِيَتِي
بِأُمِّ كُلْثُومَ تَشْدُو فِيكِ أَبْيَاتِي
وَلَيْتَ بِالحُبِّ دُنْيَانَا تَطِيبُ بِنَا
فَنَعْصِمَ النَّفْسَ مِنْ وِزْرِ الدَّنِيَّاتِ
وَنْعْصُرُ الليَلَ زَيْتَاً مِنْ إِرَادَتِنَا
لِيَسْطَعَ الفَجْرُ مِنْ تِلكَ الإِرَادَاتِ