ثمة ضوء هناك ، يتراقص حلماً في عيني ، ويضيء ظلمة اليأس في خاطري. أراه في أعلى العلم الأشم ويراني. أسعى إليه بكل شوق فيدنو مني ويحيط حنايا النفس بهالة من سناء. أقترب ويقترب ولا تزال المسافات تفصل بيننا كأن اللقاء يتوارى حياء واعتذارا.
ما أكبر همتكِ! وما أعظم إصرارك!
قد رعيتك بلا كلل وصحبتك بلا ملل. حملتك على كل ما يجمل فيه الورد وأصدرتك عن ينابيع النقاء والصفاء والخلق الكريم. وهبتك ما يهب الكريم من الحرص ومنحتك بلابل أفنان مزهرة تتغنى بها كل الفصول ولا تغني إلا للربيع. غرست فيك من بذور الحب أزاهر لا تتفتح إلا على أريج الصدق وألوان الوفاء. سكبت في مسمعيك كلمات نورانية تدعو إلى الهدى وتأتمر بالتقى. زرعت فيك مساحات بيضاء جميلة كأنها أقحوان المروج انتشر على أديم الأرض الأخضر. ألقيت في خضمك العميق لآلئ العلم ودرر البيان وزمرداً من خيوط النور حاكتها تجارب الزمن وحنكة الحياة.
أي هم أصابك فأرهق كاهلك؟!
أي عزم هذا الذي يوردك المهالك؟!
وأي حب هذا الذي تحملين في حناياك؟!
أردتك قريبة فإذا بك تسيرين دروب العمر غريبة. تطالعين الوجوه في وجوم تبحثين عن ذلك الحلم القديم. وتتأملين الزمان بحزن وبؤس فكأن الأيام ليست أيامك ولا الليالي لياليك. غريبة أنت عن مكانك ، غريبة في زمانك ، غريبة حتى عن نفسك وإحساسك. أما كفاك ما كلفت به هذا الذي ما عاد يقنع بشيء ولا يسعد إلا بما يسعدك؟ أما كفاك من الليل وجدي ومن النهار جهدي؟ أما كفاك العمر قد رهنته لك قصراً عالي الشرفات ممتد الردهات حصين الأسوار وارف الأشجار معطر الأزهار؟
يا نفسي الحائرة ...
كيف السبيل إلى رضاك؟!
كيف السبيل إلى هناك؟!