|
أَتَيْتُ بَعْدَ ثَمَانٍ أَنْكَرَتْ زَمَنِي |
وُزُرْتُ قَبْرَكِ يَا أُمَّاهُ فَاحْتَضِنِي |
أَتَيْتُ أَهْرَعُ لا أَلْوِيْ إِلَى أَحَدٍ |
إِلا حَنِيْنِي لِدِفْءِ الصَّدْرِ وَاللَبَنِ |
تُسَابِقُ اللَهْفَةُ الحَرَّى عَلَى أَثَرِى |
وَدَمْعَةُ الشَّوْقِ فِي الأَحْدَاقِ تَسْبِقُنِي |
حَتَّى ارْتَمَيْتُ أَمَامَ القَبْرِ أَحْضُنُهُ |
أُقَبِّلُ الرَّأْسَ وَالأَقْدَامَ لَسْتُ أَنِي |
أُمَّاهُ يَا دَمْعَةَ المَحْزُونِ مَا نَضَبَتْ |
وَزَفْرَةَ القَلْبِ مُنْذُ الفَقْدِ لَمْ يَلِنِ |
مَا إِنْ وَجَدْتُ بِرَغْمِ الوَجْدِ فِي كَبِدِي |
وَمَا بَكَيْتُ بِقَدْرِ الشَّجْوِ وَالشَّجَنِ |
مُدِّيْ إِلَيَّ يَدًا حَتَّى تُعَانِقَنِي |
وَتَمْسَحَ البُؤْسَ عَنْ ذَا المُرْهَقِ الوَهِنِ |
مُدِّيْ إِلَيَّ يَدًا حَتَّى أُقَبِّلَهَا |
ثُمَّ اشْمُلِينِي إِلَى عَطْفَيْكِ فِي الكَفَنِ |
أُمَّاهُ يَا قِبْلَةَ الوُجْدَانِ يَا وَطَنِي |
مَا عَادَ بَعْدَكِ مِنْ دَارٍ وَمِنْ وَطَنِ |
مَا عَادَ بَعْدَكِ مِنْ قَلْبٍ أَلُوذُ بِهِ |
دِفْئَاً وَلا سَكَنَتْ نَفْسِي إِلَى سَكَنِ |
مَنْ لِي سِوَاكِ بِتحْنَانٍ يُدَلِّلُنِي |
وَيَسْتَحِثُّ إِذَا مَا أَبْحَرَتْ سُفُنِي |
قَدْ كَانَ حِلْمِيَ عَبْدًا لِي يُطَاوِعُنِي |
حَتَّى فَقَدْتُكِ فَقْدَ الرُّوحِ لِلْبَدَنِ |
فَمَا وَجَدْتُ سِوَى قَلْبٍ بِغَيرِ دَمٍ |
وَمَا وَجَدْتُ سِوَى عَقْلٍ بِلا رَسَنِ |
دَعْ عَنْكَ عَذْلِي أَخِي فَالنَّفْسُ مُؤْمِنَةٌ |
وَالعَيْنُ فِي غَرَقٍ وَالقَلْبُ فِي حَزَنِ |
كَيْفَ اصْطِبَارِي وَإِنِّي لا أَرَى أَحَدًا |
بِفُرْقَةِ الأُمِّ يَوْمًا غَيْرَ مُمْتَحَنِ |
أُمَّاهُ مَنْ لِي إِذَا مَا ضَاقَ بِي قَدَرٌ |
أَشْكُو إِلَيْهِ وَيَحْنُو غَيْرَ ذِي إِحَنِ |
وَمَنْ يُهَدْهِدُ رُوْحِي حِيْنَ تُقْلِقُهَا |
مَعَاوِلُ اليَأْسِ وَالآَلامِ وَالمِحَنِ |
أَحْيَا بِصَوْتِكِ يَدْعُو اللهَ فِي ثِقَةٍ |
لِخَيْرِ نَفْسِيَ فِي سِرٍّ وَفِي عَلَنِ |
وَإِنْ ضَحِكْتِ سَمِعْتُ الكَوْنَ أُغْنِيَةً |
مِنَ السُّرُوْرِ تَصُبُّ الحُبَّ أُذُنِي |
أُمَّاهُ أَنْتِ أَنَا ، دُنْيَايَ آخِرَتِي |
رُوحِي وَنَبْضُ دَمِي ، وَالجَذْعُ لِلفَنَنِ |
لَوْلا احْتِمَالُكِ طِفْلاً مَا اسْتَوَتْ قَدَمٌ |
عَلَى السَّبِيْلِ وَلَوْلا أَنْتِ لَمْ أَكُنِ |
لأَبْكِيَنَّكِ يَا أُمَّاهُ مَا طَرَفَتْ |
مِنِي الجُفُونُ وَمَا جَادَتْ بِهَا مُزُنِي |
لأَبْكِيَنَّكِ فِى صَفْوِي وَفِي كَدَرِي |
وَأَبْكِيَنَّكِ فِي صَحْوِي وَفِي وَسَنِي |
أَشْكُو إِلَى اللهِ مَا أَلْقيْ وَأَسْأَلُهُ |
صَبْرًا أَلُوذُ بِهِ مِنْ غُرْبَةِ المُدُنِ |
أَدْمَى النَّوَى قَدَمِي فِي تِيْهِ غُرْبَتِنَا |
وَخَطَّتِ الشَّيْبَ فِي جِسْمِي يَدُ الزَّمَنِ |
يُرَدِّدُ القَلْبُ أَشَوَاقًا إِلَيْكِ وَمَا |
يُعَلِلُّ النَّفْسَ إِلا الصَّبْرُ فِي السُّنَنِ |
عِلْمِي بِأَنَّ لِقَاءً لَيْسَ يَجْمَعُنَا |
إِلا هُنَالِكَ فِي دَارٍ بِلا فِتَنِ |
سَنَلْتَقِي عِنْدَهَا يَا أُمِّ فَانْتَظِرِي |
فِي رَحْمَةِ اللهِ تَحْتَ العَرْشِ فِي عَدِنِ |