أقامت تجاهد المرض سنوات ست في انتظار لحظة عناق. كانت تردد عبر الهاتف كلمات متهدجة تخالطها الدموع "سأقاوم رغبة الموت حتى تأتيني فأضمك إلى صدري ليكون في حضنك الوداع" ... قلت لها: لا أراك إلا تبالغين. سنلتقي .. سنلتقي حتماً إن شاء ربي. لن تمنعني الغربة من لحظة لقاء.

أخطأْتُ وكانت من الصادقين

وبعد ثمان سنوات من الفرقة شاء الله أن أعود فكان قبرها هو الوطن.

إنها أمي!

أَتَيْتُ بَعْدَ ثَمَانٍ أَنْكَرَتْ زَمَنِي
وُزُرْتُ قَبْرَكِ يَا أُمَّاهُ فَاحْتَضِنِي
أَتَيْتُ أَهْرَعُ لا أَلْوِيْ إِلَى أَحَدٍ
إِلا حَنِيْنِي لِدِفْءِ الصَّدْرِ وَاللَبَنِ
تُسَابِقُ اللَهْفَةُ الحَرَّى عَلَى أَثَرِى
وَدَمْعَةُ الشَّوْقِ فِي الأَحْدَاقِ تَسْبِقُنِي
حَتَّى ارْتَمَيْتُ أَمَامَ القَبْرِ أَحْضُنُهُ
أُقَبِّلُ الرَّأْسَ وَالأَقْدَامَ لَسْتُ أَنِي
أُمَّاهُ يَا دَمْعَةَ المَحْزُونِ مَا نَضَبَتْ
وَزَفْرَةَ القَلْبِ مُنْذُ الفَقْدِ لَمْ يَلِنِ
مَا إِنْ وَجَدْتُ بِرَغْمِ الوَجْدِ فِي كَبِدِي
وَمَا بَكَيْتُ بِقَدْرِ الشَّجْوِ وَالشَّجَنِ
مُدِّيْ إِلَيَّ يَدًا حَتَّى تُعَانِقَنِي
وَتَمْسَحَ البُؤْسَ عَنْ ذَا المُرْهَقِ الوَهِنِ
مُدِّيْ إِلَيَّ يَدًا حَتَّى أُقَبِّلَهَا
ثُمَّ اشْمُلِينِي إِلَى عَطْفَيْكِ فِي الكَفَنِ
أُمَّاهُ يَا قِبْلَةَ الوُجْدَانِ يَا وَطَنِي
مَا عَادَ بَعْدَكِ مِنْ دَارٍ وَمِنْ وَطَنِ
مَا عَادَ بَعْدَكِ مِنْ قَلْبٍ أَلُوذُ بِهِ
دِفْئَاً وَلا سَكَنَتْ نَفْسِي إِلَى سَكَنِ
مَنْ لِي سِوَاكِ بِتحْنَانٍ يُدَلِّلُنِي
وَيَسْتَحِثُّ إِذَا مَا أَبْحَرَتْ سُفُنِي
قَدْ كَانَ حِلْمِيَ عَبْدًا لِي يُطَاوِعُنِي
حَتَّى فَقَدْتُكِ فَقْدَ الرُّوحِ لِلْبَدَنِ
فَمَا وَجَدْتُ سِوَى قَلْبٍ بِغَيرِ دَمٍ
وَمَا وَجَدْتُ سِوَى عَقْلٍ بِلا رَسَنِ
دَعْ عَنْكَ عَذْلِي أَخِي فَالنَّفْسُ مُؤْمِنَةٌ
وَالعَيْنُ فِي غَرَقٍ وَالقَلْبُ فِي حَزَنِ
كَيْفَ اصْطِبَارِي وَإِنِّي لا أَرَى أَحَدًا
بِفُرْقَةِ الأُمِّ يَوْمًا غَيْرَ مُمْتَحَنِ
أُمَّاهُ مَنْ لِي إِذَا مَا ضَاقَ بِي قَدَرٌ
أَشْكُو إِلَيْهِ وَيَحْنُو غَيْرَ ذِي إِحَنِ
وَمَنْ يُهَدْهِدُ رُوْحِي حِيْنَ تُقْلِقُهَا
مَعَاوِلُ اليَأْسِ وَالآَلامِ وَالمِحَنِ
أَحْيَا بِصَوْتِكِ يَدْعُو اللهَ فِي ثِقَةٍ
لِخَيْرِ نَفْسِيَ فِي سِرٍّ وَفِي عَلَنِ
وَإِنْ ضَحِكْتِ سَمِعْتُ الكَوْنَ أُغْنِيَةً
مِنَ السُّرُوْرِ تَصُبُّ الحُبَّ أُذُنِي
أُمَّاهُ أَنْتِ أَنَا ، دُنْيَايَ آخِرَتِي
رُوحِي وَنَبْضُ دَمِي ، وَالجَذْعُ لِلفَنَنِ
لَوْلا احْتِمَالُكِ طِفْلاً مَا اسْتَوَتْ قَدَمٌ
عَلَى السَّبِيْلِ وَلَوْلا أَنْتِ لَمْ أَكُنِ
لأَبْكِيَنَّكِ يَا أُمَّاهُ مَا طَرَفَتْ
مِنِي الجُفُونُ وَمَا جَادَتْ بِهَا مُزُنِي
لأَبْكِيَنَّكِ فِى صَفْوِي وَفِي كَدَرِي
وَأَبْكِيَنَّكِ فِي صَحْوِي وَفِي وَسَنِي
أَشْكُو إِلَى اللهِ مَا أَلْقيْ وَأَسْأَلُهُ
صَبْرًا أَلُوذُ بِهِ مِنْ غُرْبَةِ المُدُنِ
أَدْمَى النَّوَى قَدَمِي فِي تِيْهِ غُرْبَتِنَا
وَخَطَّتِ الشَّيْبَ فِي جِسْمِي يَدُ الزَّمَنِ
يُرَدِّدُ القَلْبُ أَشَوَاقًا إِلَيْكِ وَمَا
يُعَلِلُّ النَّفْسَ إِلا الصَّبْرُ فِي السُّنَنِ
عِلْمِي بِأَنَّ لِقَاءً لَيْسَ يَجْمَعُنَا
إِلا هُنَالِكَ فِي دَارٍ بِلا فِتَنِ
سَنَلْتَقِي عِنْدَهَا يَا أُمِّ فَانْتَظِرِي
فِي رَحْمَةِ اللهِ تَحْتَ العَرْشِ فِي عَدِنِ