مِنْ وَاحَةٍ صَدَحَتْ بَلابِلُهَا تَدَلَّهْ
تَسْتَرْجِعُ الشَّدْوَ المَدَى كَي تَسْتَهِلَّهْ
مِنْ نَفْحَةِ الأَشْعَارِ يَعْبقُ زَهْرُهَا
فَيُطِيبُ للأَذْوَاقِ نَرْجِسَهُ وَفُلَّهْ
مِنْ شَهْقَةِ الرُّوحِ الشَّفِيفَةِ حَزَّهَا
سِكِّينُ عُذْرِ الغَدْرِ فِي ذَبْحٍ أَحَلَّهْ
مِنْ عَبْرَةِ الأَحْدَاقِ رَقْرَقَهَا الأَسَى
فِي جَفْنِ مَنْ عَابَ الغَلِيلُ عَلَيهِ عَقْلَهْ
مَلَّ الزَّمَانُ المُّرُّ خِسَّتَهُ وَمَا
مَلَّ المُؤَمِّلُ مِنْ عَسَاهُ وَمِنْ لَعَلَّهْ
مَحَّصْتُ بِالحُبِّ القُلُوبَ لِكَي أَرَى
مَعْنَى الوَفَاءِ فَكَانَ أَكْثَرُهُ أَقَلَّهْ
وَبَلَوتُ أَخْلاقَ الرِّجَالِ فَهَالَنِي
أَنَّ النَّقِيصَةَ أَصْبَحَتْ فِي الطَّبْعِ أَصْلَهْ
وَعَرَكْتُ مَا اغْتَرَفَ الزَّمَانُ وَأَهْلُهُ
فَأَخَذْتُ مِنْهُ قَلِيلَهُ وَتَرَكْتُ جُلَّهْ
هِيَ حِكْمَةُ الأَيَّامِ تَكْتُبُ أَحْرُفِي
بِخُطُوبِهَا وَالشِّعْرُ قَالَ وَلَمْ أَقُلْ لَهْ
كَمْ أَخْرَقِ امْتَلكَ الحَرِيرَ فَإِنْ عَدَا
فَتَلَ الخُيُوطَ تَخَرُّصًا وَأَسَاءَ نَوْلَهْ
وَمُجَرِّبٍ نَسَجَ الخُيُوطَ بِحِرْفَةٍ
مِنْ خَيشِهِ فَإِذَا الحَرِيرُ كَأَنَّ غَزْلَهْ
صِنْفَانِ قَدْ بَرَأَ الإِلَهُ وَثَالِثٌ
بِالبَيْنَ بَيْنَ أَتَى التَّذَبْذُبَ أَيْنَ حَلَّهْ
قَلْبٌ أَلَدَّ بِهِ القِلَى إِبَرَ الأَذَى
وَعَلَى اللِسَانِ أَكَدَّ بِالمَعْسُولِ نَحْلَهْ
أَبِزَعْمِ نُسَّاكٍ وَدَعْوَى رَاهِبٍ
وَقَرِينُهُ فِي آثِمِ النَّجْوَى أَضَلَّهْ
يَسْعَى بِهِ المَدْحُ الرَّخِيصُ رَهِينَةً
حَتَّى وَإِنْ رَشَّ المُخَاتِلُ مِنْهُ طَلَّهْ
وَمُنَاوِئٍ لِلخَيرِ أَبْدَلَ طَيْرَهُ
بُومَ الخَرَابِ إِذَا أَضَاعَ الدَّرْبَ دَلَّهْ
مِنْ كُلِّ مَنْ رَكبَ البِغَالَ يُظُنُّهَا
تِلْكَ الخُيُولَ السَّابِحَاتِ إِلَيهِ قَبْلَهْ
أَوْ مُدَّعٍ صِدْقَ الإِخَاءِ وَكُلَّمَا
عَقَدَ التَّوَدُّدُ عُقْدَةَ المِيثَاقِ حَلَّهْ
إِنْ أَغْمَدَ الغَيْظَ الكَرِيمُ بِحِلْمِهِ
حَاضَتْ إِنَاثُ غُرُورِهِ جَهْلاً فَسَلَّهْ
وَإِذَا أَرَادَ مِنَ المَحِيضِ تَطَهُّرًا
تَرَكَ الفُرَاتَ وَمَاءَهُ وَاخْتَارَ بَوْلَهْ
هِيَ هَكَذَا نَفْسُ اللَئِيمِ ذُبَابَةٌ
حَطَّتْ عَلَى قَذَرِ الرُّبَى وَالوَرْدُ حَوْلَهْ
لَكِنَّ نَفْسَ الحُرِّ مِثْلُ فَرَاشَةٍ
حَامَتْ تُعَانِقُ عِطْرَهُ وَتَضُمُّ شَكْلَهْ
أَوْ أَنَّهَا فِي وَاحَةِ الإِنْسَانِ قَدْ
وَهَبَ الثِّمَارَ غِرَاسُهَا وَأَمَدَّ ظِلَّهْ
هِيَ لِلنَّقَاءِ السَّمْتُ لِلأَمَلِ النَّدَى
لِلخَيرِ يَنْبُوعُ الوَفَاءِ أَفَاضَ بَذْلَهْ
هِيَ نَفْسُ كُلِّ مُكَرَّمٍ قَصَدَ الذُّرَى
أَبْدَى جَبِينَ فُرُوضِهِ وَأَسَرَّ نَفْلَهْ
فَمِنَ الحَصِيفِ إِلَى الشَّرِيفِ إِلَى الذِي
جَعَلَ السَّمَاحَةَ كَفَّهُ وَالعَزْمَ خَيْلَهْ
وَمِنَ الحَلِيمِ إِلَى الحَكِيمِ إِلَى الذِي
حَسُنَتْ سِمَاتُ وَقَارِهِ وَأَبَرَّ قَوْلَهْ
وَالأَرْيَحِيُّ الأَلْمَعِيُّ وَكُلُّ مَنْ
أَقْرَى المُرُوءَةَ جُهْدَهُ وَأَقَلَّ عَذْلَهْ
السَّابِقُونَ إِلَى الفَضَيلَةِ فِي الوَرَى
الوَاثِقُونَ بِنَفْحَةِ التَّوفِيقِ بِاللهْ
السَّامِقُونَ تَفَضُّلاً وَتَرَفُّعًا
الوَامِقُونَ لِكُلِّ ذِي أَرَبٍ أَبَاً لَهْ
يَا صُحْبَةَ الدَّرِبِ الرَّشِيدِ عَلَى المَدَى
فِي رِحْلَةِ الطَّيرِ المُهَاجِرِ عَافَ ذُلَّهْ
قَدْ طِرْتُ فَرْدَاً يَوْمَ أَنْ نَكَصَ الوَرَى
وَاليَوْمَ طَارَ السِّرْبُ فِي أُفُقٍ أَجَلَّهْ
يَا صُحْبَةً سَمَتِ النُّفُوسُ بِقُرْبِهَا
مِنْ كُلِّ فَذِّ القَدْرِ حَازَ الفَخْرَ كُلَّهْ
اللَيلُ طَالَ وَفَجْرُهُ فِي أَعْيُنٍ
حَلَمَت بِمِرْوَدِ عِزِّهَا تَشْتَاقُ كُحْلَهْ
وَالنَّفْسُ أَرْهَقَهَا الحَنِينُ لِدَولَةٍ
أَسْمَى مَبَادِئِهَا وَفَاءُ الخِلِّ خِلَّهْ
هَيَّا نُحَلِّقُ فِي الفَضَاءِ وَنَجْتَبِي
عَهْدَاً يَرَاكُمْ لاجْتِبَاءِ الفَضْلِ أَهْلَهْ
هَيَّا فَقَدْ قَهَرَ التَّخَاذُلُ مَجْدَنَا
إِنْ لَمْ يَكُنْ أَنْتُمْ لِنُصْرَتِهِ فَمَنْ لَهْ