سـلام مـن الله و ود ،
الله الله الله ...!!
يا لــجـــــمـــ التخطير ـــال بنبض حرفكم ...!!

هذا النص إنموذج في بناء الخاطرة المركبة على مستوى البناء ، وفي فن بوح الرسالة ( المضامين ) على المستوى الإنساني .....
تمهيد للرؤيا :
...فقد تداخلت هذه الخاطرة مع الشعرية و السردية المشوقة ، على أنها حددت الهدف الخاطر منذ البداية ؛ و أحسسنا بلغة أو أسلوب إنزاح عن قوانين الخاطرة الكلاسكية ، من خلال سؤال يبث في كل سطر / مقطع على أنه رسالة أدبية إنسانية ، تعنى بخطاب الآخر و دعوته للتصالح على طبق مراد الناصة ؛ و هو في بعدين :
1- ذاتي خاص دونما إفصاح أو هيمنة مشاعر البوح على الناصة ...
2- إنساني عام إتضحت معالمه في إلحاح إعادة السؤال لهدف إنساني سامٍٍٍٍٍٍٍ... فكيف كان ذلك ؟
البداية كانت بدعوة من خلال الفعل ( تعال ) الذي تكرر تسع مرات قبل قفلة النص ، فماذا يعني ذلك ؟
لو نظرنا و دققنا في اللفظ الذي يلي الفعل ( تعال ) لوجدنا فعلا مضارعا ، دالا على الاستمرارية ، ويحمل دعوة بدأت بـ : تعال نفكك ... ودلالة الفعل هنا توطئة الإصلاح و اللقاء ...الخ و عندما نبدأ بالمقطع الثاني نجد الصورة نفسها ، تتمحور و تلح على ذهن الناصة ، فهي لا تمل من هذه الدعوة ، الأمر الذي حقق الدورة الأولى من الإيقاع الخفي غير الصوتي / غير السمعي فجاءت بصورة مركبة ارتداتية إلى بداية التجربة التي تتوق إليها :
( تعالَ نُفكِّكْ أزرارَ هذا الليلِ الممتدِّ فينا سوادُه، لأطرِّزَكَ فرحاً على نمارقِ التّوْقِ بحجمِ هذا الكون، ولأمنحَكَ من لدُنّي عشقاً توَلّدَ مُذْ صَبَّ ذِروتَهُ على مِعراجِ لهفتِكَ يومَ أنْ أسريتَ بحبِّكَ إليّ..) ــــــ> الدورة الأولى ـــــ1

2- الدورة الثانية جاءت بصورة أخرى مع إضافة جديدة ( تعالَ نُبخِّرْ سحابَ ذاك الحزنِ السابحِ في العيون، ونُمزِّقْ غُلالةَ حيرتِنا الداكنةِ بِيأسِنا المنفوشِ بالظنون.. ) و هذه الإضافة سيكون لها دلالة إن نجحت الناصة في تكرار الصور بمعان و إضافات جدد )

3- الدورة الثالثة جاءت لتطور الصورة السابقة ( تعال نرشُقْ مرسومَ الآهِ بالآهِ عند ازدِلافِ مشاعرِ الوله، ونعانقْ جيدَ وصْلٍ زمُرُّدَ حلمٍ مُشِعٍّ على عمرِنا الراكضِ حتى يفقعَ لونُ التوتِ باللمى زهيّا، على الخدِّ الأسيلِ يغدو قطرُه شذيّاً عسلِيّاً، يثرعُ بالصبابةِ عند أساريرِ الدهشةِ الحُبلى بوهَجِ الصَّفْوِ والأمل.. ) نلحظ وجود الصورة المفصلية الأساسية ، وننتبه للإضافة الجديدة هنا ؛ فثمة خيط خفي يحيك هذه الصورة و يتنامى بها ...

4- الدورة الرابعة تنامت الصورة نفسها بإضافة ما يمكن أن يكون ملموسا أو محسوسا في اللقاء ( تعال نُرَطِّبْ أنفاسَنا بزخّاتِ الرغبةِ الولهى، ونُسْعِفْ هديرَ الشغفِ الممتدِّ فينا وخزُهُ بحريرِ قربٍ حالمٍ يتسوَّرُ عند مشاتل الفرح..) وأيضا الصورة الأساسية موجودة مع إلحاح أكثر على الآخر ....

5- ثم يستمر خيط البناء في الدورة الخامسة بتطوير الصورة نفسها مع إضافة جديدة : ( تعالَ نُعتِّقْ غَضَارَةَ القلبِ بِنَعيمِ الروح، نضمِّدْ عندَ شفاهِ الوردِ لحناً تشنَّجَ بالجروح..) و ما أجملها من إضافة و صورة حيث الروح تناجي الروح ...

6- و ما أجمل توقيت ومكان هذه الصورة الإنسانية بما فيها من إضافة البعد العام الإنساني في دورة النص السادسة : ( تعال نُعرِّشْ للأُنسِ مناراً وللصبوةِ داراً وأيّارا، نعانقُ على مدارِ الفلِّ وهمسِ الياسمينِ جُلَّنارَ ربيعٍ لا تزالُ الروحُ تعشقُهُ وتتنَشَّقُهُ، حتى إذا عبقتْ لوصلِنا الأزاهيرُ همى الليلُ ليصبحَ توقَ لهفةٍ تسافرُ إلى عوالمِ ذاك المدى المُنسابِ في الوريد، تُهفهفُهُ بيادرُ حلمِنا الساجي بأعماقِنا من جديد.. )

7- وهنا نلمس الصورة في البعد الخاص في دورة النص السابعة : ( تعالَ لأزفَّني لذاذةً بين يديك، ولأعلنَك في كلِّ الدنيا سيّدَ قلبٍ توليْتَ أنت أمرَه وسلطانَه
فاستكان عند سُلافِ شفتيْك.. ) فهل الآخر في غياب عن هذا الشوق و المواجيد ...؟

8- في الدورة الثامنة دعوة للتغلب على اليأس والحزن و الحيرة : ( تعالَ نُبخِّرْ سحابَ ذاك الحزنِ السابحِ في العيون، ونُمزِّقْ غُلالةَ حيرتِنا الداكنةِ بِيأسِنا المنفوشِ بالظنون.. ) لتضيف معنى يزيد البناء متانة و قوة و منعة ...

9- في الدورة التاسعة والأخيرة الصورة نفسها تتنامى مشحونة بالثقة : ( تعالَ لتَتَلألأَ شمسُكَ بسمائي وتتوهَّجَ بوجودِك قسماتُ صبحيَ النّائي، وتترنَّحَ بقربِكَ كلُّ أجوائي وأنفاسُ انتِشائي.. ) والقفلة الرائعة تتناغم مع هذه الثقة ، لا بل تحولها لشموخ ويقين لقاء ؛ لمعرفتها التامة بأحواله ....
.... و بهذا ترابط النص في جوانيته بإيقاع خفي / غير صوتي / سمعي ؛ من خلال الحركة الخفية التي كانت تضيفها الناصة عند كل تكرار بعد الفعل ( تعال ) و مثل هذه التقنية في فن الكتابة ، و في الأجناس الأدبية المختلفة ، لا يتقنها إلا مبدع خبير ...
ثم ركبت الخاطرة بالسرد القصصي ، لكن ليس على مبدأ حكى و حكيت لا بل عن طريق الإيحاء الإشاري ، في مجموعة الأنساق اللغوية في كل دورة ، بحيث يتكفل كل مقطع بطريقة بنائه ، وبلغته الخاصة ، بسرد حكاية من نوع خاص ، من ضمن حكاية طويلة ...لا بل راحت بنا الناصة في تركيب آخر فقرأت القفلة ومضة نثرية بلورية و بكل جمال :
فأنتَ لن تتوبَ عن جمالِ روحِك الوادِعة،
وأنا لنْ أتوبَ عن رحيلي إليكَ ،
عبرَ حرفٍ تفتَّقَ حسنُه بالبوحِ الشافي في الشغاف،
يا بَلسَمَ الرّوح ،
وسربالَ العُمرِ ،
وإكسيرَ الحياة..

فأي جمال بعد هذا الجمال ....؟!
و ثمة ما يقال عن هذا النص ؛ فعذيركم تقصيرنا..
أكثر من رائعة أنت...
أنعم بكم و أكرم ...!!
محبتي