أحدث المشاركات

نظرات في رِسَالَةٌ فِي الصُّوفِيَّةِ وَالْفُقَرَاءِ» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» برق الخاطر ... قسم جديد لأعضاء واحة الخير» بقلم د. سمير العمري » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» الثعبان الأقرع يداهمني في المنام بقلمي» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» بعض الحزن موت وبعضه ميلاد.» بقلم ناديه محمد الجابي » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» الغاية لا تبرر الوسيلة» بقلم جلال دشيشة » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» أمات العربُ؟» بقلم غلام الله بن صالح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» غار النصر في غزة» بقلم احمد المعطي » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» رواية قنابل الثقوب السوداء .. مسلسلة. التالي» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» الموشحات الكشكية 1'2'3» بقلم محمد محمد أبو كشك » آخر مشاركة: محمد محمد أبو كشك »»»»» في شارع واحد» بقلم عبدالحليم الطيطي » آخر مشاركة: عبدالحليم الطيطي »»»»»

صفحة 2 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 35

الموضوع: إصدار جديد بعنوان: سخف الحداثة وخواء الحداثيين

  1. #11
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.76

    افتراضي

    متابعة نسخ كتاب سخف الحداثة وخواء الحداثيين
    لكاتبه محمد محمد البقاش


    وحين ظهور الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر عصر التنوير كما يسمونه اشتغل الغرب على التصنيع فحصل تقدم غير مسبوق، وهو مشروع مدني لا يمت إلى الثقافة
    والحضارة بصلة، لأنه علمي تجريبي، والعلم التجريبي شأن عالمي إلا ما
    كان تابعا لوجهة النظر الأساسية، ويشترك في العلم التجريبي الإنسان مع
    أخيه الإنسان بصرف النظر عن قيمه ومعتقداته وأفكاره ومفاهيمه وقناعاته
    ومقاييسه، ولما قامت الثورة الفرنسية قعَّدت للمبدأ الرأسمالي وقد حوى
    في منظومته؛ الحداثة والعلمانية والديمقراطية والحريات.. جمع فيه ما
    أنتجه المفكرون والكتاب الغربيون، فهي من حيث الجواب على الأسئلة
    الكبرى قد حلّتها بالعلمانية حين اعترفت ضمنا بالدين دون أن تعيره أي
    اهتمام، ومن حيث نظرتها إلى الكون والإنسان والحياة، فقد حسمتها، وعليه
    فقد صارت فكرا وعقيدة ورؤى وتصورات، كل ذلك اعتمد من خلال التقعيد
    العقدي والفكري، فجاءت بفكرة نبذ الماضي والتنكر له، جاءت بفكرة محوه
    نهائيا متشبثة تشبثا سطحيا بالحاضر، ومتطلعة بشكل أعمى إلى المستقبل.
    ونظرة بسيطة إلى مثال واحد من ذلك تؤكد سخافة وخواء من يعتمد غير ما
    ذكرنا، انظر مثلا إلى غوستاف فلوبير (1821ـ 1880) ومالارمي (1842 ـ
    1898) وخصوصا شارل بودلير وهو إمام الحداثيين (1821 ـ 1867) فقد نادى
    بالفوضى الجنسية والفوضى الفكرية والخلقية، هذه الفوضى تقوِّض الحياة
    ولا أقول المجتمع، شأنها شأن سلوك المثْليين مثلا، فلو سار المجتمع في
    الفوضى الجنسية وفق هوى بودلير وهوى المثْليين لاختلت الحياة وقوِّضت
    من أساسها، لأن الميل الطبيعي بشهوة، والذي تقتضيه غريزة النوع دعما
    لغريزة البقاء المغروزتين في الإنسان وسائر المخلوقات هو من الذكر
    للأنثى، وليس من الذكر للذكر، وعليه فمثل هذه الرؤى والدعوات تدل على
    مرض، والمريض يستحق الإشفاق، وعليه فعلى المجتمعات أن تبادر إلى خلق
    مناخ وإطار خاص بهم يتم فيه معالجتهم من انحرافهم، وإذا نحن سلمنا
    لبودلير بالفوضى الجنسية، فماذا تكون النتيجة؟ النتيجة ضياع القيم
    والمثل، وزوال صفة الإنسانية لتحل محلها صفة البهيمية، انظر إلى أول
    مخلوق وهو آدم، كيف سار في حياته الجنسية؟ وكيف سار أبناؤه، ثم حفدته
    من بعده؟ لقد ابتدأ بتزويج أبنائه الذكور من بناته، وهذا شاذ لأنه لا
    يقعِّد للقيم والمثل، ولا يسعى بالحياة إلى الجمال المنشود، والصفاء
    المحمود، والعلاقات الراقية، والأنظمة الراشدة، كيف تنشأ الأبوة
    والأمومة والبنوة والأخوة والعمومة والخؤولة والحفادة والصهرة في خضم
    الفوضى الجنسية، في خضم الخلط في الممارسات الجنسية دون نظام؟ لقد
    شاهدنا بأم أعيننا من هو متزوج من أخته الشقيقة وقد أنجب منها أبناء
    وبنات، لقد شاهدنا أبا ألمانيا قد أنجب من ابنته أبناء، كيف ننظم هذا
    الخلط؟ هل يأتينا بما هو أرقى من الأبوة والأمومة والأخوة والبنوة
    والعمومة والخؤولة والحفادة والصهرة؟ إن كان كذلك فنِعْم، ولكن الواقع
    ينفي ذلك تماما، وعليه فآدم حين زوج أبناءه بعضهم من بعض كان ذلك شاذا
    أول الأمر، ولكنه كان ضروريا، بل حتميا لاستمرار الحياة، ومع ذلك حرص
    ألا يكونوا قد اجتمعوا في رحم واحد، ومعنى ذلك؛ الارتقاء بالعلاقة
    الشهوانية، علاقة الميل الطبيعي بالشهوة إلى الأنثى لما يزكيها ويجعلها
    أجمل العلاقات لأن فيها استمرارية للحياة، وهكذا حتى ابتعدت العلاقات
    بين ذوي الرحم الواحد لينشأ عن بعدها وهو تنظيمها عينه؛ العلاقات
    الاجتماعية الجميلة، فكيف يأتي سفيه ويطالب بالفوضى الجنسية؟ هل يسير
    بنا إلى ما هو أرقى مما ذكر؟ إن كان كذلك أخذنا به، ولكن أين هو؟ لا،
    ليس إلى الرجعية من سبيل. عفوا لقد وجد وكنت في غفلة عنه، ولكن أخيرا
    اهتديت إليه، وهو أن ينزل الإنسان إلى أقل من درك الحيوان، فقد أنشأوا
    علاقات جنسية بفن دال على عبقرية، أنشأوها مع الإنسان في تنوع متعدد،
    وطقوس راقية، وحين كانوا ما بعد حداثيين خلطوها بالذكور ومع الحيوانات.
    لقد باتت المرأة في النظام الاجتماعي الحداثي الذي نادى به بودلير، وهو
    الفوضى الجنسية، وهو نظام بطبيعة الحال؛ أرقى امرأة تستحق أن تكون قدوة
    لنسائنا، لأن إتيان سلوك خاص وفق معايير خاصة يدل على إعمال عقل، وإذا
    ظهر للوجود كان ذوقا راقيا دل على فن ونظام. وحتى لا نظلم حداثيينا
    دعونا نساير شارل بودلير وكل من يدعو بدعوته إلى الفوضى الجنسية لنرى
    نتائج تلك الدعوة. لنفرض أن الرجل يجامع أمه فتجب منه، ويجامع أخته
    فتنجب منه، ويجامع ابنته فتنجب منه إضافة إلى جماع العمة والخالة
    والحفيدة وابنة الأخ وابنة الأخت.. لنقف عند بعضها وما عليك حضرة
    القارئ المحترم إلا أن تتم ما تبقى بنفسك. الذرية من الأم تعطي نظاما
    يسير على شكل تصاعدي فتنشأ بسببه علاقات ترتبط أصلا بالعنصر الأول، فما
    يكون ذلك النظام؟ الرجل الذي يجامع أمه هو (زوجها وهي زوجته) وابن لها
    بطبيعة الحال، وهي أمه بنفس الوقت، وحين تنجب منه يكون ولدهما على
    الصفات التالية: أولا: يكون المولود ابنها فهي أمه، وحفيدا لها من
    ابنها الذي جامعها، فهي جدته، وولدها (الأب) والد ولدها. ثانيا: يكون
    المولود ابنا لأم الرجل وأخا له. فماذا نسمي هذا النظام؟ وإذا اخترنا
    له اسما دالا على مسمى، فهل هو نظام يرتقي بالبشرية إلى العلى لتتميز
    عن الحيوان الذي له ما ذكرنا؟ لنزد في استنتاج النتائج المترتبة على
    هذا النوع من النكاح، لنفترض أن الذرية صارت ابنا وبنتا، وقد وصلا السن
    الذي يمكنهما من الإنجاب، فإذا قررت الجدة جماع حفيدها، وقرر الجد جماع
    حفيدته فما تكون النتيجة؟ أولا: الجد جد للتي جامعها فهي (زوجته)
    وحفيدته، وولدها ولده وسبطه. ثانيا: الجدة جدة للذي جامعها وأنجبت منه،
    فهو (زوجها) وولدهما ابن لحفيدها وسبط لها. يحصل هذا في الحيوانات
    والبهائم والطيور.. فهل يكون نظامها الاجتماعي أرقى من نظام بني البشر
    الذي ابتدأ منذ آدم ولم يزل معمولا به إلى الآن؟ وإذا خلطت الأنساب،
    ووضعت النطف في الأرحام وفق الفوضى الجنسية، وكان الخلط هو النظام
    المستهدف فسيكون مختلفا تماما عن النظام الاجتماعي الذي يرتضيه الناس
    كلهم إلا العتهاء منهم، فبالنظام الاجتماعي الطبيعي والفطري تحصل
    الأبوة والأمومة والبنوة والأخوة والعمومة والخؤولة والحفادة والصهرة
    وتتحدد وتتميز.. وكذلك الأخوة من الرضاعة التي تميز بتحريمها الإسلام
    وقد ثبت علميا أن الرضيعين يرضعان لبنا به خلايا جذعية سوف تعطى في لبن
    ذريتهما، وبه يكون الرضيع الذي امتص لبنا مع رضيع آخر أخا له، وإذا
    تزوج المرء بأخته من الرضاعة يكون ولده أخاه وهو خاله، وأم الولد أمه
    وهي خالته.. وهذا شاذ خبيث في العلاقات الاجتماعية.. وبغير النظام
    الاجتماعي الطبيعي والفطري لا يحصل ذلك، فما ذكر من نتائج أظهرت صورا
    جديدة لعلاقات اجتماعية جديدة، ولكنها صور لا يمكن أن يقبل بها عاقل،
    وهي لا يمكن أن ترتقي بالإنسان لتميزه عن الحيوان، انظر إلى ملوك
    أوروبا في تشريعهم نكاح (المحارم)، نكاح الأخ لأخته حفاظا على الدم
    النقي والملك، انظر إلى الفراعنة الذين صدقهم الناس وصدقوا أنفسهم أنهم
    آلهة، فقد تزوجوا من الأخوات والمحارم للحفاظ على تلك الألوهية، فلم
    يتحرجوا من جماع الأخ بأخته، وقد ثبت أن هناك فراعنة صغار دفنوا قبل أن
    يتوجوا فيعبدوا، والسبب تلك العلاقة الجنسية الشاذة، هذا ما قال به
    علماء وباحثون، فكيف يدعو من يدعو إلى الفوضى الجنسية وخلط الأنساب وهو
    لن يأتي بما هو أرقى مما هو موجود، ثم يزعم صحة ذلك ورقيه وحداثته؟ حتى
    دعوتهم للحفاظ على العلاقات الاجتماعية في أدغال الأمازون لأناس
    بدائيين لا يتحرجون من جماع الابنة والأخت؛ دعوة خبيثة، لأن الناس
    هنالك جَهَلة بدائيون لا فكر لهم ولا حضارة. يبدو أننا نضيع وقتنا في
    قراءة هذه الزبالة. يبدو أننا لن نجني فكرا يقنع العقل ويوافق الفطرة
    ويملأ القلب بالطمأنينة. أما إذا ذهبنا إلى الاستنساخ الذي هو إيجاد
    نسخة طبق الأصل للذي يراد الاستنساخ عنه ونجحنا فيه، ثم شرعنا نلعب
    بالخلايا غير الجنسية التي تحمل كل واحدة منها 46 كروموسوما خلاف
    الخلايا الجنسية التي تحمل 23 كروموسوما؛ قصد تدمير العلاقات
    الاجتماعية، فمن الأجدى على الأقل أن تأتي تلك الأخلاط وذلك التلاعب
    بما هو أرقى من النظام الاجتماعي التقليدي الرجعي (الطبيعي والفطري)
    كما يصورونه، ولكن لن يأتي بشيء من جمال ذلك النظام أبدا، بل سيأتي
    بإنسان لم يأخذ من الصفات إلا ما هو مبرمج في الخلايا غير الجنسية وبه
    تكون الصورة مطابقة تماما لا تميز فيها، ولا جمال، تبقي على الأمراض
    الوراثية والصفات البنيوية الدميمة، لا يُظهر الاستنساخ قدرة أخاذة ولا
    يدا بديعة، خلاف التلقيح الطبيعي بين خلية الرجل الجنسية وبويضة المرأة
    الذي يأتينا بصفات وراثية من الأب والأم تجعل الحياة جميلة، والعلاقات
    المترتبة عنها أجمل، يضاف إلى ذلك عند الانحراف بالفطرة الإنسانية؛
    فقدان الأنظمة الاجتماعية الجميلة من أُبوّة وأمومة وبُنوّة وأخُوّة
    وعمومة وخؤولة وحفادة وصهرة.. كيف يصير الإنسان المكرم الذي يراد له أن
    يلقي بكرامته؟ هل يراد له أن يكون قردا؟ ولكن القرد إذا حاول بشر فيما
    يحمل من كروموسومات أن يتساوى مع القرد الذي يحمل 48 كروموسوما؛ تشوه،
    وإذا نقص القرد من صفاته الوراثية ليصل إلى مقدار ما لدى الإنسان؛ تشوه
    هو الآخر، فأين الجمال؟.. صارت المرأة في دين بودلير ودين الحداثيين
    تجامع من طرف عدة رجال دفعة واحدة، توطئ في الأندية تحت عدسات
    الكاميرات، وفي رواية: نساء مستعملات إشارة إلى أن الحفر ـ معذرة
    للمرأة التي هي امرأة حقا تمارس فطرتها ـ الموجودة لديها لم تعد كافية
    فشرعوا يحفرون بدنها ليصنعوا من تلك الحفر فروجا جديدة، صارت سيدتهم
    المحترمة تجامع من طرف الكلاب المدربة وهو جماع حقيقي لا شهوة فيه
    للمرأة، بل فيه شهوة للكلب، فما أجمل ثقافة جماع الكلب للمرأة، وما
    أنبل استسلام المرأة للكلب، صار فرج المرأة يعبث به بقضيب الحمير
    والكلاب ولُسْنها وفوّهات القنينات.. بات الرجل في الثقافة الجنسية
    يحاكي المرأة، حتى القبلة السوداء والمطر المذهَّب صارا من تقليد
    المثليين، هذه هي الفوضى الجنسية الجميلة، وهذا هو النضج العقلي لدى
    مفكرين حداثيين يعتاشون على القاذورات فلا ينتجون إلا القاذورات.
    يراودني الشك أحيانا في مثل هذا النتاج الفكري أن يكون من مثْليين، أن
    يكون من مخنَّثين، أن يكون من معتوهين، وإذا لم أحسم في حكمي لا أشك
    مطلقا أنه ممن لم ينضجوا بعد.
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  2. #12
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.76

    افتراضي

    متابعة نسخ كتاب سخف الحداثة وخواء الحداثيين
    لكاتبه محمد محمد البقاش

    وإذا أردنا وضع الإصبع على الأخطاء الفادحة في الفكر الغربي والحضارة الغربية نجد أن هناك الكثير منها،من ذلك مثلا فكرة القيادة الجماعية والديمقراطية والمجتمع والحكم.. ـ
    انظر كتابنا: التفكير بالنصوص (بحث أكاديمي). ولا يقال أن الكاتب قد
    ساق أقوالا شاذة لأدباء قد خدموا الثقافة العربية والإسلامية
    والإنسانية، فكان الأجدر به أن يخرج ما لديهم من إيجابيات، ويغض الطرف
    عن السلبيات، والجواب على ذلك أنه ليس هناك إيجابيات في فكرهم، ذلك أن
    ما ينتجون في الأدب والإبداع تجريد لغوي، والتجريد اللغوي يأتي به حتى
    العامي بلهجته والأدب الشعبي غني به، وعند النظر إليه تجد منه ما هو
    أرقى بكثير مما كتب من طرف من كتبوا ويكتبون بالفصحى، أضف إلى ذلك أن
    الانتشاء بالنص الأدبي يتعلق بالذوق، والذوق ينبع أولا من صاحب النص،
    فإذا كان صاحب النص لا يملك فكرا وهو ما أسجله عند حداثيينا في العالم
    العربي لأنهم أبواق، فلا ينتج لنا إلا نصوصا ببصمة فكرية منحطة وسخيفة،
    وإذا أطربت في ذاتها عند سماعها أو أثناء قراءتها، فالمسألة وإن كانت
    مسألة ذوق غير أن هذا الذوق يجب أن يساير المنظومة الفكرية لصاحبها،
    ومادام أعزاؤنا لا يملكون منظومة فكرية إذ هم مذبذبون لا إلى هؤلاء ولا
    إلى هؤلاء فقد أثر ذلك على نتاجهم فجاءونا بالزبالة الأدبية، والخور
    الفكري، والسقط المعرفي والغث الثقافي، فأنا أضيع وقتي في قراءتهم لأن
    لدي مما ينتظرني من نصوص تخدمني كإنسان ما لا أقدر على قراءتها ولو عشت
    القرون الطوال، وعليه فالاختيار حاليا بات لغير الحداثة، بل بات لفكر
    وأدب يساير الكون في استهدافه الغاية التي خلق من أجلها.. إن النظرية
    المَمْدَرية قد قعدت للحياة وأنظمة الحياة وفق محاكاة الكون والطبيعة
    والذرة والخلية، وتأمُّلُ الخلية تحضُّر وارتقاء، انظر إلى الخلية في
    جسم الإنسان فهي مختلفة في مكوناتها، فالخلية الجنسية تحتوي على 23
    كرموسوما خلاف الخلايا الأخرى، فلماذا لا تكون جميعها متساوية؟ لن تكون
    كذلك، ولو كانت لكان الاستنساخ قد قضى على جمال الحياة، وشوه الإنسان،
    فافرض أن الزوجين بخلايا متساوية فسيكون السبق دائما لأحدهما في نقل
    الصفات الوراثية، ومعنى ذلك استنساخ صور لا تتنوع في جمالها؛ الشيء
    الذي يظهر قلة قدرة، وقصور إبداع.. ولحسن حظ البشرية أن الخلية الجنسية
    مختلفة عن باقي خلايا الجسم، كما من حسن حظها أيضا أن لها ربا مبدعا.
    صارت الممدرية بديلا للحداثة والديمقراطية وكل أشكال النشاط العقلي عند
    الإنسان، فهي تنتج اليوماوية، واليوماوية زمن لا يغتدي ماضيا أبدا، وقد
    أخذت سبب الحياة من زمن واحد لا ماضي لديه ولا مستقبل، إنه الحاضر
    والحاضر فقط، وهو يوماوي دائما وأبدا، ومعنى ذلك أن الحياة بالممدرية
    حياة في العلاقات، حياة في تبادل المصالح، حياة يوماوية وباليوماوية،
    انظر إلى الحداثة فهي حداثة وشيء حديث، والحديث ما دام يستند على ماض
    سيغتدي قديما، فهي حداثة تقليدية رجعية لابد أن تصير في الماضي؛ الشيء
    الذي يؤكد عمى الحداثيين حين لم يتنبهوا إلى مصير حداثيتهم، بينما
    اليوماوية إذا أريد لها أن تصير في الماضي تحاجج بواقعيتها، فهي اليوم
    في الآن، وهي اليوم في المآل، فالغد يوماوي وهو الحاضر في الغد،
    والماضي يوماوي وهو في الماضي يوماوي وهكذا..
    ..............

  3. #13
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.76

    افتراضي

    متابعة نسخ كتاب سخف الحداثة وخواء الحداثيين
    لكاتبه محمد محمد البقاش


    الثقافة المَعْضِدية والثقافة الرمادية


    المَعْضِدِيّة والمَعاضِدِيّة كلمتان مركبتان من معاً، وضداً، أو معَ،
    وضدَّ. وصاحبها مثقف مَعْضِدي ومعْضادي ومعاضدي، وأصحابها مثقفون
    معاضديون ومعضديون، وثقافتهم ثقافة معاضدية ومعضدية، وهم المعاضدة
    بثقافتهم المتميزة، وهذه الأخيرة ثقافة المَعْضِد.
    الفكر المعضدي والأدب المعاضدي والمعرفة المعضدية نظرية معرفية تخص
    نوعا خاصا من البشر، تخص الوجوه الرمادية، تخص المتلونين من الداخل،
    تخص المتقلبين في كل الجهات، المرتمين في كل الأحضان، المتبنين لكل
    الأيديولوجيات والديانات، المتحررين من قيد كل فكر أو معرفة تلزمهم
    بقيمها وأحكامها وقوانينها، تخص المنافقين الذين لا يثبتون على دين أو
    مبدأ، هم دائما على استعداد لاستبدال القميص كلاعب كرة القدم؛ متى ما
    تم بيعه إلى فريق آخر فسيلعب له ولو في الغد ضد من كان ينتسب إليه دون
    حرج، وهو كذلك عند الثاني والثالث والرابع على استعداد دائما وأبدا
    لاستبدال قميصه حتى يستغنى عنه وعن خدماته، فكذلك المثقف المعضدي،
    المثقف الذي يقوم بدور العاهرة التي لا تتحرج من أي حضن، ولا تتبرم من
    أي راكب، وهكذا حتى يستغنى عنها وعن خدماتها، وربما تظل عاملة أبدا
    قوادة، كما يظل اللاعب مدربا لفريقه، أو ينتقل إلى التدريب مع فريق
    آخر..
    المثقف المعضدي مثقف يحمل ثقافة رمادية، مثقف اجتراري لا يفتأ يجتر ما
    التقم من حشيش في الحقول كالبقرة، لا يفتأ يتبنى التناقضات.
    فإذا كان مع اليميني أعلن عن يمينيته وتبجح بها، وإذا كان مع اليساري
    أعلن عن يساريته وتبجح بها أيضا.. يتعبد في الأديرة والكنائس
    والمساجد.. يتنقل في اعتقاده كالذبابة الزرقاء لا تفتأ تبحث عن
    القاذورات لتقتات عليها.
    وما يملك من ثقافة ليست ثقافة بقدر ما هي معلومات يوظفها بحسب الحاجة
    والمصلحة، فهو أخبث من المنافق، إذ لا لون له، يستطيع خداعك بتلونه
    كالحرباء.
    المعاضدة جيش ضخم من المثقفين والجهال والأميين، جيش عريض من البشر،
    فيهم المثقف والعالم والأديب والمفكر والكاتب والصحفي والمهمش والأمي
    والجاهل والحاكم والمحكوم..
    فيهم أصحاب المستويات المختلفة في الفكر والعلم والمكانة الاجتماعية..
    لقد صاروا عبر التاريخ بالملايين، وهم اليوم بالملايين أيضا، والسبيل
    إلى معرفتهم ركوب القاعدة الفكرية الأساسية التي تبني عليها تصوراتك
    للكون والإنسان والحياة، التزام وجهة النظر الكلية التي تتبناها لتعرف
    المعاضدة من هذا الجانب أو ذاك، فالمعاضدة موجودون في الفكر الماركسي،
    وموجودون في الفكر الرأسمالي الديمقراطي، وموجودون في الفكر الإسلامي
    وهكذا.
    والثقافة الرمادية نسبة إلى الرماد الذي يهتز لأتفه الأسباب، لا يثبت
    في حياة كوكبنا، قد يثبت في القمر، ولكن القمر خراب يباب لا حياة فيه.
    وعليه فهذا النوع من الثقافة قد تعود إلى قراءته مرة أخرى فلا تجده
    لأنه لا يثبت.
    ولا يقال أن الرماد قد يحتوي على نار، والنار دفء وحرارة وسيف على
    الثقافة الغثائية والثقافة اليابسة، لا يقال ذلك، لأن الرماد الذي
    يتضمن نارا لا يأخذ حكمها وصفتها، لأنه ميت، والميت نوعان، النوع الأول
    هذه الثقافة الرمادية، والنوع الثاني أصحابها، وكلاهما موات، فلا هذا
    يقوم بذاك، ولا ذاك يقو م بهذا، وعليه فالثقافة الرمادية ثقافة عابرة
    وقد لقيت حتفها على يد الممدرية، والوجه الرمادي عابر مثلها قد لقي
    حتفه على يد الممادرة أيضا، وما يرى من حركة لهما فما هي إلا حركة
    المذبوح سرعان ما تتوقف.
    والوجه الرمادي نسبة إلى اللون، ومعلوم أن اللون الرمادي لون الموت،
    انظر إلى أي وجه بشري قد تغير لونه فصار رماديا فإن ذلك يعني علميا
    توقف القلب عن الخفقان، وتوقف الرئتين عن التنفس في وقت واحد، وهو ما
    يعني الموت المحقق، فكذلك الوجه الرمادي ذو الثقافة الرمادية، إن صاحبه
    ميت لولا انخداع الناس به، ينخدعون له كما انخدعت الجِنَّة لموت
    سليمان..
    وبمناسبة الحديث عن الفكر الماركسي والفلسفة المادية ظهر بعد سقوط
    الاتحاد السوفيتي معاضدة رماديون من حكم العقيدة الشيوعية، فقد
    استبدلوا رقاعا من قمصانهم، صاروا مسلمين ورأسماليين، وهم مستعدون
    للتلون كالحرباء، وهؤلاء كثيرون بيننا، منهم من قضى فترة طويلة في
    السجن السياسي مناضلا ضد الرجعية والإمبريالية والملكية، ثم خرجوا
    السجن بعد أن قضى رفاقهم فيه تحت التعذيب، وصاروا معضديين رماديين، لم
    يعودوا مبدئيين كما كانوا، بل صاروا مسلمين ورأسماليين يحتفظون
    بالعقيدة الشيوعية، ويروجون لموقفهم بمبرر استحالة حمل الشعب على
    التحول إلى التقدمية وقد قضى في العرف والتقليد قرونا، لا يمكن تحويله
    إلا بعد قرون أيضا، إنهم ينتظرون نضج الشعوب حتى تتخلى عن الرجعية
    والتقليدية والماضوية، حتى تتخلى عن التدين والأعراف والتقاليد.
    ولست أدري كيف لا يتساءلون مع أنفسهم عن رجعية تقدميتهم وحداثيتهم.
    وهناك آخرون لم يسلكوا مسلكهم، تحولوا عن الشيوعية، تخلوا بثقافة عن
    ثقافة ولم يسقطوا في المعضدية، منهم مثلا فؤاد حداد الذي بدأ مسيحيا،
    ثم شيوعيا، ثم انتهى مسلما، وصاحب كتاب: السيرة النبوية أباطيل وأسمار
    عبد الرحمان بدوي، ووجيه كوثراني، وعادل حسين، ومحمد عمارة وغيرهم.
    ولقد غاظني نقاشي مع صديق ماركسي ظل يتخفى حرجا حتى أطمعته في
    الكلاسنوست فكشف عن كونه ماركسيا حقيقيا، ولكنه يردد مع المسلم ما
    يردده، يصلي مثلا على النبي محمد في قوله: صلى الله عليه وسلم، ويردد
    مع الرأسمالي ما يردده من تبنٍّ للحريات، ثم هو أولا وأخيرا ليس مسلما
    ولا رأسماليا، وهو في سعة من أمره لا يكرهه أحد وهو في بلد (الحريات)
    غرناطة، هذا النوع من المثقفين تحار في البحث عن موضع تموقعهم فيه
    لولا الممدرية التي معْضَدَتْهم ورمَّدتهم.
    فالممدرية نظرية (فبرية) تفعل فعل الهاتف النقال الذي يهتز فيرنّ، أو
    يهتز دون أن يرن، تنبه للطارئ والطارق.
    والإسراع في الاستجابة لها مسألة ملحة جدا، فهي تغري دون غش بتبنيها
    حتى يتم تقمص المستقبل قبل أوانه، حتى يتم العيش في الحاضر بتجلياته
    المتفائلة، حتى تتم الاستفادة من الماضي بحقائقه التي لا تتغير أو
    تتبدل، تنبه إلى عطل عظيم أصاب البشرية جراء بعدها عن الممدرية، ولا
    أقول جراء بعدها عن الإسلام، فالإسلام لا يقارن بالممدرية لأن الممدرية
    نتاج بشري خلاف الإسلام الذي هو عطاء ربوبية كالحياة وأسباب الحياة،
    بينما الممدرية قامت على محاكاة الكون والذرة والخلية، وهذه الأشياء
    تعكس مطلقيه الكمال فيها، كما توقع على اعتراف صريح بأن عدم الاستجابة
    للإسلام حمق ما بعده حمق، ولا نستغرب ما ذهب إليه بعض العقلاء ممن لا
    يتبنون الإسلام ولكنهم أنصفوا الناس حين اعترفوا بتفوقه على العقل
    البشري في تنظيم الحياة وتحقيق السعادة.
    لقد انخفض مستوى الذكاء عند الشعوب، وتقلص حجم العلم والثقافة، بحيث
    بات متوقعا الانغماس أكثر وأفظع في الأوضاع الشاذة اجتماعيا وسياسيا
    وثقافيا وحضاريا.. وبات أمر الفطرة والإنسانية في مهوى البطوطي ينذر
    بالكوارث والشذوذ الحضاري.
    .............

  4. #14
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.76

    افتراضي

    متابعة نسخ كتاب سخف الحداثة وخواء الحداثيين
    لكاتبه محمد محمد البقاش

    أدونيس


    أدونيس هو علي أحمد سعيد إسبر المعروف بـ أدونيس شاعر من سوربا ولد في
    سنة 1930 بقرية قصابين بمحافظة اللاذقية في سوريا، ترك اسمه وتسمى باسم
    صنم من أصنام الفينيقيين، تبنى اسم أدونيس تيمناً بأسطورة أدونيس
    الفينيقية الذي خرج به على تقاليد التسمية العربية منذ العام 1948.
    في كتابه: الثابت والمتحول 3 صدمة الحداثة، صفحة: 178 – 179 يقول:
    ((الأخلاق التقليدية هي التي تعيش الخوف من الله، وتنبع من هذا الخوف،
    الأخلاق التي يدعو إليها جبران هي التي تعيش موت الله )).
    الأخلاق صفات، وهي منوطة بالإنسان من حيث هو إنسان سواء كان تقليديا
    بنظر أدونيس أو حداثيا بنظره أيضا. الخُلُق صفة، والصفة لا تظهر في
    الموصوف هكذا دون مقدمات، دون شروط، فالكلب من صفته الوفاء لصاحبه،
    ويظهر وفاؤه معه، فلا ينتقم لنفسه إن ضربه صاحبه، ولا ينفر منه، بل
    يعود إليه.
    وذلك الكلب الذي فاجأه صاحبه يدخل عليه البيت لأنه كان متعجلا يجلده
    المطر والثلج، وكان يلبس لباسا لم يعرفه به كلبه، وحين فاجأه في البيت
    وثب عليه، وظل يعضه من ثيابه وصاحبه يصيح به حتى دخل سمعه صوته فعرفه،
    عندها توقف ووقف مطأطأ الرأس ذليلا وكأنه يعتذر لصاحبه منكّسا، ثم خرج
    الدار، ورغم محاولة صاحبه إدخاله لم يفلح. بات خارجا، وفي الصباح فتح
    له الباب ليدخله فوجده ميتا، فهل مات مخلا بوفائه؟
    والنملة التي عثرت على طعام ثقيل وكان رِجْل جرادة عجزت عن جرها،
    فتركته وغابت، ثم ظهرت مع جمع من جنسها وكان المراقب قد حمل رجل
    الجرادة وهو يتأمل النملة ويتابعها، فشرع النمل يبحث معها دون جدوى، ثم
    راح، وعادت نفس النملة تجوب المنطقة، فوضع لها نفس الرجل، وحين تحسستها
    تركتها وفعلت مثلما فعلت من قبل، أسرعت تنادي على بني جنسها لمعاونتها،
    فقدم النمل ليساعدها على حمل الطعام، فرفع المراقب الرِّجْل عنها مرة
    أخرى وتركها تدور باحثة والنمل يبحث معها، وحين يئسوا لم يرجعوا هذه
    المرة إلى قريتهم مسرعين، بل انقضوا على النملة وقطعوها إربا إربا،
    قتلوها، ثم غادروا، فهل عاقبوها لصفة الكذب الذي اتصفت به وهي لم تكن
    كاذبة؟ هل عوقبت لأخلاقها التقليدية؟ لا يظهر الخلق إلا بعد ظهور
    العمل، فالعمل يبدو منتجه، وبدون عمل ليس هناك خلق. وانظر إلى موصوف
    بالأمانة لم يأتمنه أحد على مال أو عرض أو سر، فهل تظهر عليه صفة
    الأمانة؟ كلا، وهكذا، وإذن فالأخلاق صفات، وكونها تقليدية لا يقدح
    فيها، وكونها حداثية لا يثني عليها، لأنها كما قلت صفات تظهر بظهور
    العمل، والعمل سلوك تأتيه الجوارح وفق رؤى ومفاهيم يتبناها المرء، فإذا
    كان الخلق صدق وعفة وأمانة ومروءة وشهامة وإجارة وعهد وأنفة وإيثار إلخ
    فهي صفات قديمة، وبالتالي فهي تقليدية بمنطق أدونيس، ولكنها صفات تحيا
    بالإنسان وللإنسان ومع الإنسان فكانت بذلك يوماوية ممدرية، فهي ماض
    وحال واستقبال، فماذا يضيرها أن تنعت بالتقليدية؟ لا يضيرها ذلك علما
    بأنها ليست تقليدية، ليست للماضي ومن الماضي وإلى الماضي فحسب، بل هي
    للآن وللاستقبال، وإذن أضحت يوماوية، وأضحى الفكر المتغير باسم التطور
    متقلبا، تارة يأتيها ويتبناها، وتارة يتنكر لها، وبذلك يكون هو
    التقليدي الجامد غير اليوماوي، وتكون هي تقليدية يوماوية، وما أروعها
    من يوماوية حين ثبتت لجميع الأزمنة، وعاشت في جميع الأمكنة.
    هذه التقليدية تعيش الخوف من الله، تعيشه لأنها تعتمد فكرة الائتمار
    بأمر الله، ولولا ذلك لفسدت الحياة، انظر إلى مال اليتيم وهو في يد غير
    أمينة، ماذا يفعل بماله؟ وانظر إلى ماله وهو في يد الأمين الذي يعتمد
    التقليدية، يخشى الله ويتقه في مال اليتيم، فهل يسعد به اليتيم فيرى
    معه مرفوع الرأس محفوظ المال؟ وكونها تنبع من الخوف من الله معناه تنبع
    من الائتمار بأمره، فالذي يخاف الله لا يجرؤ على ظلم الناس في مالهم
    وذاتهم وحقوقهم، الخوف من الله خلق عظيم لا يقدر عليه أدونيس، لأنه لا
    ينبت في الثقافة الرمادية، ولو كان أدونيس مع الذي يخاف الله، فسيكون
    آمنا مطمئنا، وإذا كان مع الذي لا يخافه، فلن يكون كذلك، وإذن
    فالتقليدية والماضوية والظلامية وغيرها كلمات توضع في غير محلها،
    موضعها حيث الناعتون بها غيرهم، وحين تسوّق وتغلّف بدعاية خبيثة ينطلي
    على الناس ما وراءها من فكر وثقافة لا تخدم الإنسانية، ولا تعمل إلا
    لبهْمَمَة الإنسان، ثم إنه ليست هناك أخلاق تعيش موت الله، بل هناك
    أخلاق الوجوه الرمادية مثل وجه جبران وأدونيس وبوجدرة وسميح القاسم
    والماغوط والسياب وأنسي الحاج وأمل دنقل ونزار قباني ومعين بسيسو
    وتوفيق زياد وعبد العزيز المقالح.. الأخلاق الحداثية هي التي تعيش
    الرعب المجسد فيمن يخاف الله، وتنبع من ذلك الخوف، وجبران لا يدعو إلى
    أخلاق تعيش موت الله، بل يدعو إلى أخلاق تعيش الرعب من الله. ويقول في
    نفس المصدر صفحة: 136 ـ 137: ((الله والأنبياء والفضيلة والآخرة ألفاظا
    رتبها الأجيال الغابرة وهي قائمة بقوة الاستمرار لا بقوة الحقيقة،
    والتمسك بهذه التقاليد موت والمتمسكون بها أموات، وعلى كل من يريد
    التحرر منها أن يتحول إلى حفّار قبور، لكي يدفن أولا هذه التقاليد،
    كمقدمة ضرورية لتحرره)). الله، الأنبياء، الفضيلة، الآخرة ألفاظ رتبتها
    الأجيال الغابرة. التمسك بالتقاليد. الموت بسبب التمسك بالتقاليد.
    المتمسكون بالتقاليد أموات. إرادة التحرر. التحول إلى حفار القبور. دفن
    التقاليد. المقدمة الضرورية للتحرر.. أليست هذه ألفاظا ركبت منها جمل؟
    هل ستصبح في المستقبل بمنطق أدونيس تقليدية هي الأخرى؟
    معلوم بداهة أن كل لفظ يحمل معنى وضع له، فلفظ الجلالة، الله تعالى
    يحمل معنى يدركه من يؤمن به، ولا يدركه من لا يؤمن به، بينما الخالق
    يدرك معناه المؤمن وغير المؤمن؛ ولو أن يكون الخالق الكون أو الطبيعة..
    ولو أن يكون ظهور أشياء واختفاء أشياء خلقا وموتا بمنطق الماديين
    والشيوعيين..
    الأنبياء لفظ يحمل معنى له واقع في الذهن، وواقع خارج الذهن، ولو أن
    يكون النبي زعيما مجرد زعيم كمسيلمة الكذاب مثلا. الأنبياء في التاريخ
    رجال شهد لهم التاريخ فأنصفهم، وشهد لهم تاريخ آخر فظلمهم، فكثير منهم
    في التوراة فسّاد فسّاق. لوط في التوراة مثلا زنى بابنتيه بعدما سقتاه
    خمرا بحجة تعمير الأرض نظرا لفناء الجنس البشري كله بالزلزال المدمر
    الذي لحق قرية سدوم بالأردن ونجا منه فقط لوط وابنتاه.. بينما هم في
    القرآن أطهار أبرار أخيار.. المهم أن النبوة واقع وليست لفظا مجرد لفظ،
    وهي ليست قائمة بقوة الاستمرار، بل قائمة بقوة الحقيقة. إن حاجة الناس
    إلى رسل يبلغون الناس دين الله تعالى مسألة بديهية تعني العدل والرحمة
    من الله لعباده؛ بحيث لم يتركهم هكذا دون أن يبين لهم ما ينفعهم وما
    يضرهم، وبه كانت مسألة بعثة الأنبياء والرسل عقلا واجبة باستقراء واقع
    الإنسان..
    إن التحرر بمنطق أدونيس يقضي الكفر بالله، أو بالأحرى حتى لا يغضب
    علينا من يسعى إلى إيجاد معان وأبعاد جديدة لكلمات الكفر والإلحاد
    والشرك، وكذلك الإيمان والإسلام والتطرف والاعتدال والأصولية بهدف أن
    لا تكون عامل تفرقة بين أصحاب الأديان، وأن يعتمد الانفتاح على العالم
    والتجديد والحضارة الإنسانية والمعارف العالمية وضرورة التعايش السلمي
    والعولمة وغيرها من وسائل التضليل والخداع الممارس ثقافيا وفكريا
    وحضاريا، أقول: حتى لا يغضب علينا أدونيس فإن إنكار وجود الله ورفض
    النبوات والآخرة والفضيلة لهو السبيل إلى التحرر. طيب ليكن ما يزعم
    أدونيس، ولكن ما نوعية التحرر هذا؟ ما شكله؟ ما نظامه؟ ما ثقافته؟ ما
    مقاييسه وقناعاته؟ ما أفكاره ومفاهيمه؟ ما عقائده وأحكامه؟ أليس إنكار
    وجود الله تعالى عقيدة في حق من يعتقد ذلك وكذلك إنكار النبوات
    والآخرة؟ لماذا يسمحون لأنفسهم باعتقاد معين سيتحولون عنه حتما
    كديدنهم؛ ولا يسمحون للناس باعتقاد يخالفهم؟ إن من يتثقّف بالرمم لا
    ينتج إلا رمما. البشرية محتاجة إلى الإقرار بوجود الله تعالى، وهناك في
    الغرب مفكرون وفلاسفة يقرون بأن الإيمان بالله مغروز في الإنسان،
    فبوجوده (أي وجود الله تعالى) تحل لديها عقدة العقد وتطمئن قلوبها. وفي
    الإيمان بالآخرة ضبط السلوك العدائي خوفا من سوء العاقبة في الآخرة،
    ولو كان لنفس المفاهيم كيان تنفيذي فسيكون لها حسنيين: الأولى انضباط
    وفق المقاييس والقناعات بالوازع الداخلي أو الضمير بتعبيرهم والذي يكون
    مشبعا بمعالجات لمشاكل الحياة يتقيد بها. والثانية نظام وقانون ينفذ
    على المخالفين فيمنع ظلمهم للناس، ويكون ذلك بدرجات، لأن الذي يفعل ذلك
    من الناس يجوز عليه ما يجوز على غيره وهو ليس بملاك لا يخطئ.. إن الذي
    يجدر به أن يحفر القبور للثقافة الرمادية هو نفس أدونيس. والذي يسعى
    إلى التحرر يجب أن يعرف أولا ما التحرر؟ ما صورته؟ ما كيفية الوصول
    إليه؟ وهذا ليس من اختصاص الأدب، هذا عمل الفكر والمفكرين إلا أن يكون
    الأدباء يحملون تلك الصفة وهي نادرة جدا، فإن كان أدونيس مفكرا يرغب في
    التغيير ليجسم تحرره في القلوب والأذهان والجوارح والواقع، فعليه أن
    يبين لنا أولا الكيفية التي بواسطتها يتغير السلوك الإنساني للفرد
    والجماعة، عندها يمكن مفاتحته بشأن ذلك، ولا أظنه يملك من تلك الثقافة
    شيئا. ويقول في ديوانه صفحة: 474: (( هذا غزال التاريخ يفتح أحشائي،
    نهر العبيد يهدر لم يبق نبي إلا تصعلك، لم يبق إله… هاتوا فؤوسكم نحمل
    الله كشيخ يموت نفتح للشمس طريقا غير المآذن، للطفل كتابا غير الملائك
    للحالم عينا غير المدينة والكوفة هاتوا فؤوسكم )). كلام كله متابعة من
    حقود لمحقود، لا غرابة، فذلك ديدن الحقدة. يظل الحاقد يتبع المحقود حتى
    يقبره، حتى يزيل عنه النعم، حتى يتشفى منه، حتى يشمت به، لا يرتاح، ولا
    يفكر إلا في ضربه، في إيذائه، في الإيقاع به، في رميه بما ليس فيه، حتى
    أحلامه تأتي مترجمة لما في نفسه من ظعائن، ولكن هل ينفع ذلك الحاقد
    الذي يحقد على شيء عقلا لن يبلغه؟ وإذا أقر بهذه النقيصة، فهل يكون
    عاقلا إن هو تابع نفسه المريضة فيما تريد؟ الجواب عند العقلاء، كلا،
    وإذن لا يختار الله تعالى لصب زيت الحقد عليه، وعلى ذاته العلية، لا
    يختار الحليم الرحيم للنيل منه، لا يفعل ذلك، وكيف يفعل والنتيجة
    العقلية هراء. صحيح أن ذلك ينعكس على المؤمنين به جلا وعلا، ولكن
    المؤمنين من فصيلة نفس الذين لا يؤمنون به، وعليه ماداموا يحيون في
    كوكب مشترك وجدوا أنفسهم يحيون فيه مرغمين وجب عليهم جميعا عقلا أن
    يتعايشوا؛ كل وفق ما يعتقد، والطريق الأسلم لميل هذا إلى مذهب هذا،
    واعتناق هذا لدين ذاك، وتبني ذلك لحضارة أولاء مسألة مشروعة عقلا، لأن
    البشر من أصل واحد، كانوا غير مختلفين، وعليه وجب سلوك طريق التَّبْكيت
    بالعمق والاستنارة، سلوك الترفع والتكبر على الناس غير مجد، سلوك سماع
    هذا لذاك وقراءة ذاك لهذا مفيد، ثم إن نفس الذي يسيئون إليه سبحانه
    وتعالى لم يرتض لهم أن يتبعوا أهواءهم ويسايروا غرائزهم وينساقوا خلف
    شهواتهم، بل ارتضى لهم تنظيما لما جبلوا عليه وفق ما شرعه لهم وبعث به
    رسله، فإن لم يرتض ناس هذا؛ فإن غيرهم يرتضونه، وإذن فهم بعقيدتهم
    يستحقون الحياة رغم مخالفتهم لغيرهم.. كلام أدونيس كلام تجريدي وقح
    بمنظور المؤمن بالله ورسوله، وجميل بمنظور من يقابله ممن افتقدوا
    لمقياس الجمال الحقيقي، ويبدو أن سلوك السب والشتم ليس من فعل العقلاء،
    فليس عزيزا على من يسبون لهم ربهم ورسلهم أن يأتوا بأفظع مما أتوا به
    هم من سخيف الكلام وبذيء القول، فهذا ليس عبقرية، يستطيع كل إنسان أن
    يأتي بمثله وبأقبح منه، وعليه لا يكون الارتفاع إلى مقام الإنسانية
    بهذا الأسلوب، الارتفاع يكون بسلوك الحجة والبرهان وملك ما يفيد الناس
    وينفعهم، وليس بملك ما يضرهم ويهينهم ويحقرهم.. الله يُحمل كشيخ يموت.
    الله الحي الذي لا يموت ينزله أدونيس منزلته، فهل يعقل أن تتساوى منزلة
    أدونيس ومنزلة من لا يموت؟ التشبيه بأداة التشبيه مما يزين الكلام
    وينمقه ويضفي عليه رونقا وجمالا، ولكن بشرط إتقان ركوب التشبيه.
    وللتشبيه أركان معروفة هي: المشبه، والمشبه به، وأداة التشبيه، ووجه
    الشبه. وطرفا التشبيه وهما: المشبه، والمشبه به وسواء حذف في التشبيه
    الأداة كالكاف وكأن ومثل ويشبه، أو ظلت، وسواء حذف وجه الشبه أو ظل،
    وسواء حذفا معا، فإن المقصود يظل متعينا عند المتكلم بركوبه اللغة
    العربية بالتركيب السليم. وانظر إلى جملته هذه ولا أقول عبارته؛ لأن
    العبارة في أصلها تدل على معنى: ((.. نحمل الله كشيخ يموت..)). الجملة
    بها كاف التشبيه وهي أداة كما تقدم، فالله تعالى، (أي هو، مشبه)
    والشيخ، مشبه به، ووجه الشبه، الموت، (أي يموت) فهل تسلم الجملة لغة؟
    كلا. لو كان بها لفظ الرب أو الإله، والإله هو المعبود مطلقا، واللفظ
    مشترك يستعمل لله تعالى كما يستعمل للحجر والصنم والناس والهوى..؛
    لجاز، انظر إلى أناس نصبوا أنفسهم آلهة وهم بشر قدسهم الناس وعبدوهم؛
    ماتوا كالفراعنة، فلو غاب لفظ الجلالة لسلمت الجملة لغة، لأن لفظ
    الجلالة ليس لفظا مشتركا، ليس لفظا يصلح للتشبيه، لأنه مستقل معنى
    وواقعا، لا يلصق به غيره من الألفاظ التي تنزله منزلة لا يستحقها،
    فالله اسم الذات، اسم للخالق الحقيقي الذي يخلق الشيء من لاشيء، يظهر
    الشيء من عدم، ومن يشترك معه في هذه الصفة؟ لا أحد. انظر لفظ السلام
    مثلا، من يستطيع زعم السلام لنفسه سواء كان كونا أو طبيعة أو إنسانا؟
    لا يمكن، لأن السلام مشتق من السلامة، والسلامة ليست كائنة في أي
    مخلوق، في أي شيء، وعليه لا يمكن أن يتصف بالسلامة أي كائن غير الله
    تعالى؛ لأنه الوحيد الخالي من النقص والعيب وهكذا.. وانظر إلى جملة:
    نقرأ أدب أدونيس كما نقرأ تعبير صبيان. أو انظر إلى نص: عند نوم أدونيس
    يجمع أدبه ويذهب به إلى عرّافة طنجة، تستلمه في صُرّة جافة تكاد تهترئ،
    ثم تضعها تحت بطن كلبها وتوقظه ليشغر عليها طلبا للحياة كما يطلب للحَب
    نماء بالماء الأجاج. هذه الكلمات ونظيراتها هي التعابير التي تخلق صورا
    شاعرية مقرفة، أو مطربة، صورا جميلة أو قبيحة؛ لأنها تعتمد التشبيه كما
    هو مقرر لغة، ومن أراد الخروج على أركان التشبيه في اللغة العربية
    فليكتب بغيرها، وعندها نترجم ما كتب، ننقل معناه إلى اللغة العربية،
    وفي ذلك هروب من محاسبة اللغة له على ضعفه، أو استهتاره بها. ويقول في
    الثابت والمتحول صفحة: 2/ 214: ((لقد نقد الرازي النبوة والوحي
    وأبطلهما، وكان في ذلك متقدما جدا على نقد النصوص الدينية في أوروبا في
    القرن السابع عشر، إن موقفه العقلي في نفي الديني الإيماني، ودعوته إلى
    الإلحاد يقيم الطبيعة والمحسوس مقام الغيب.. يرى في تأملهما ودراستهما
    الشروط الأوّل للمعرفة، وحلول الطبيعة محل الوحي جعل العالم مفتوحا
    أمام العقل! فإذا كان للوحي بداية ونهاية فليس للطبيعة بداية ونهاية،
    إنها إذن خارج الماضي والحاضر، إنها المستقبل أبدا)). إبطال النبوة
    والوحي ليس نقدا لهما، ونقد النبوة والوحي ليس إبطالا لهما؛ ولكل مقام
    مقال، هذا ما يعتمده المدقق في النصوص، الموضوعي في تناولها، البصير
    بما تدل عليه. إن إقامة الطبيعة والمحسوس مقام الغيب قول تنقصه الدقة،
    وفيه مغالطة فظيعة. فالطبيعة مجموعة الأشياء والأنظمة. والمحسوس ملموس
    أو موجود أثره في العقل والنفس، مثال ذلك في المحسوس هذه الكلمات وهذا
    الخطاب، ومثاله في الذي يوجد أثره في المعنوي والروحي، فالإهانة شعور
    ذاتي يقع بعد تفسير داخلي في النفس البشرية لما هو خارجي، فإذا مدحتك
    وقع مني ما سيدخل على سمعك ويهز شعورك فتحس إحساسا تجده وحدك وهو جميل
    كالسرور والفرح. وإذا سببتك وقع لك مثل ما وقع من حيث الشعور، ولكن في
    النقيض تماما. وإدراكك الصلة بما تعبد شعور روحي بصرف النظر عما تعبد،
    تجده وحدك ولا يشترك معك فيه إلا المؤمن المعتقد بما تعتقد، وهكذا يتم
    تفصيل المحسوس، فأين موقعه؟ هل ما أجده من إهانة لي بتناول الله تعالى
    بكلام بذيء ساقط يحس به أدونيس؟ كلا. وهل هو غيب عنه؟ أجل. إن الغيب
    غيب في الكون والإنسان والحياة والطبيعة.. وهو غيب يختلف عن الغيب الذي
    يوجد فيما وراء الكون والإنسان والحياة والطبيعة. هل يغيب عن أدونيس
    وعنك حضرة القارئ المحترم مكان جلوسي الآن بألبايسين Albaicin وأنا
    أكتب ردا على كلام ما نضج بعد؟ أجل. وهل سر الحياة الذي فيك وفي غيرك
    من الكائنات الحية بما فيها النباتات وتجد أثره فيها غيب عنك ماهيته
    وحقيقته أم لا؟ أجل. وهل أنت سليل مئات وآلاف وملايين الناس وهم أجدادك
    وهم غيب عنك؟ أجل. الأسئلة تتناسل، ولن يعقم رحم من نسلها، تحتاج إلى
    إعمال عقل صبور على مخالفة ما يجد لمعتقداته حتى تنفتح له آفاق ربما
    ظلت مسدودة عنه فأعمته وأضلته عن معرفة الحقيقة. تأمّلُ الطبيعة
    والمحسوس ودراستهما ليسا شروطا أولية للمعرفة. الشروط الأولية للمعرفة
    هي الإحساس والواقع والدماغ السليم والمعلومات السابقة، وهذه الأخيرة
    عظيمة عظمة الكون والطبيعة، فبها عقل الإنسان الأول وعرف، بها أنتج
    العلم والمعرفة والثقافة، بها استطاع استغلال الطبيعة وما بها من
    كائنات وجمادات ولم يزل. بها ظل الإنسان إنسانا ولم يتحول إلى قرد أو
    بغل. بها سكن الله قلوب كائناته. بها عقل أدونيس.. انظر إلى حالك كيف
    تصل إلى العقل والتعقل تجد أن شروط ذلك هي المذكورة. فهب أنك دون
    معلومات ستظل كطفلة الذئاب، أو المنغوليان، وإذن تدبر حالك وواقعك هذا
    وأمعن النظر جيدا تجد أنك تلقيت المعلومات للعقل والتعقل من أبويك أو
    مربيك، من مدرستك، من مجتمعك، من كتاب وفلاسفة خلفوا لك نتاجهم، ثم
    انظر إلى كل فرد فردا فردا وانزل به إلى الماضي تجد ذلك قائما في كل
    فرد، في كل جنس بشري، واستمر في النزول تجد أنك أمام أول إنسان وهو
    عاقل أيضا، بل أعقل من أدونيس وتساءل عن حصول شروط العقل والتعقل
    عنده، فستجد أنها هي نفس الشروط عندنا، عندها لا يسعك إلا الإقرار بأن
    الله الذي خلقه هو الذي أعطاه المعلومات السابقة ليعقل بها نفسه
    ومحيطه، هذا الذي تتطاول عليه هو الذي أكرمك ونعّمك وأكرم جدك ونعّمه..
    لو قدر للرازي الاطلاع على معارفنا وما أنتجناه في مجال الفلك
    والفيزياء والطب.. لغير رأيه وتركك تندب حظك مع الجِعْلان الذين داست
    أقدام الفيلة بيوتها. ليس للطبيعة بداية ونهاية، هذا قول لم يعد يقول
    به إلا ماركسي سطحي، أو مثقف ظلامي، أو حداثي تقليدي.. الطبيعة مجموع
    الأشياء والأنظمة. النظام فيها محتاج إلى أشياء ينظمها، والأشياء فيها
    محتاجة إلى نظام ينظمها، والظاهر فيها لكل ذي لب الدقة والروعة
    والجمال.. وبذلك ظهر الانتظام، ومجرد وجود حاجة في شيء إلى شيء آخر يدل
    على عدم الاستغناء، وبه تستند في وجودها إلى غيرها، والمستند في وجوده
    إلى من يستند في وجوده هو الآخر إلى غيره لا يظهر الاستغناء، وهكذا حتى
    الاصطدام بالحقيقة التي هي وجود مستغن بذاته، تستند الطبيعة في وجودها
    إليه، يستند الكل في وجوده إليه، فيكون هو الذي بلا أول ولا آخر، وتكون
    طبيعتك كما تدل هي على نفسها غير مستغنية، وبذلك تكون لها بداية
    ونهاية. انظر إلى رواية: انتفاضة الجياع الطبعة الأولى سنة 1999
    منشورات الجيرة، طنجة، انظر إلى الحوار فيها فلعله يفيدك في إثبات
    وجود الله بالدليل العقلي.
    وانتظر قليلا رواية: نساء مستعملات، فربما يفتح ذهنك الحوار والمحاججة
    بين ذلك الصهيوني الرجعي وبطل الرواية.
    ...................

  5. #15
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.76

    افتراضي

    متابعة نسخ كتاب سخف الحداثة وخواء الحداثيين
    لكاتبه محمد محمد البقاش

    نوال السعداوي


    بشأن حديث نوال السعداوي عن معضدي رمادي وهو حفيد لطفي السيد وتزعمه
    لمجموعة من المعاضدة الرماديين محاولة منه إنشاء حزب سياسي مصري يبعد
    البند المتعلق بالدين الإسلامي بصفته الدين الرسمي لدولة مصر،
    وانسلاخها عن بعدها العربي تجيب السيدة المعضدية قائلة: "أنا من أشد
    المعارضين للدولة الدينية، فربنا لا دخل له في السياسة". جريدة الأحداث
    المغربية. صفحة: 8. تاريخ: 28 شتنبر 2003م. ونحن هنا لا نحاول تقويل
    الرماديين المعاضدة ما لم يقولوا، أو تفسير مقولاتهم بما لا يكون، أو
    بما لا يريدون، فالبعد العربي لمصر، وإن لم يكن حقيقة، لأن بعدها
    الحقيقي إسلامي، وليس عربيا، ولأن إبعاد الدين عن دولة مصر يوحي
    بمغالطة فظيعة، وهي وجود الدين في الدولة المصرية، والسياسة المصرية،
    وهو مخالف للواقع قطعا، فمصر دولة علمانية كسائر الدول العربية، وهذه
    المغالطة إما أنها جهل مركب يقع فيه المثقف المعضدي، أو هو جهل ركوب لا
    يكاد يتحسس المعضدي مطيته. إذا كان المقصود هو الإسلام، (وهو المقصود
    فعلا)، فإنه لم يتدخل بعد في سياسة مصر منذ فصلها عن دولة الخلافة من
    طرف محمد علي حتى تتم المطالبة بإبعاده وإزالته، ولكنه في البداية
    والنهاية يقوم (أي الإسلام) على عقيدة سياسية، الشيء الذي يجعل جميع
    أحكامه سياسية. ولا أدري هذه التي تزعم أنها أعلم في القرآن من
    الشعراوي، ماذا تقول في الآيات والأحاديث التي تجعل الاشتغال بالسياسة
    فرض على المسلمين، بل إن المطالبة في القرآن بإنشاء حزب سياسي في قوله
    تعالى: "ولتكن منكم أمة (جماعة) يدعون إلى الخير (إلى الإسلام) ويأمرون
    بالمعروف وينهون عن المنكر (أمر الناس والحكام ومحاسبتهم)" سورة: آل
    عمران، الآية: 104. وحديث الرسول عليه الصلاة والسلام: "من أصبح لا
    يهتم بأمر المسلمين (شؤون المسلمين داخليا وخارجيا) فليس منهم (أي هو
    من غير المسلمين إن لم يفعل، وهذه قرينة تؤكد وجوب الاشتغال بالسياسة)
    رواه ابن ماجة في سننه". هذان مثالان من بين آلاف الأمثلة وليس المئات
    المتعلقة بالسياسة، والاشتغال بالسياسة. وحياة المسلمين قبل سقوط آخر
    دولة لهم عاشوا السياسة، ومارسوها مسترشدين بحديث الرسول صلى الله عليه
    وسلم:" كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء (اليوم يسوس الناس ويتولى
    أمورهم الرئيس والملك والأمير..) كلما هلك نبي خلفه نبي، إلا أنه لا
    نبي بعدي، وسيكون خلفاء (أي حكام ورؤساء الدولة الإسلامية يرعون شؤون
    الناس)" رواه البخاري. فما معنى أن يسود مبدأ، ويطبق نظام يشمل
    العلاقات كلها، اقتصادية واجتماعية وتعليمية وقضائية وجزائية إلخ ولا
    يكون سياسيا؟ هذا الكلام لا يقول به من كان أجهل من الشعراوي، فكيف
    بالأعلم؟ فالسياسة رعاية. السياسة فن الممكن. السياسة اهتمام ومتابعة
    ومحاسبة. فساس يسوس لم تتغير معانيها، بل لم يحدث أن أعطيت للسياسة
    معاني خارجة عن التي ذكرت، إنها الرعاية والاهتمام والمحاسبة والنقد
    والأمر والنهي والتقويم والمنافسة على الحكم وفق برامج متبناة من طرف
    أحزاب، وهيئات، ومنظمات.. هذا هو الذي نحسبه سياسة، وعليه فهذه التي
    تزعم غير ذلك لا تقف في صف الثقافة المنبثقة والمبنية على عقيدة
    الإسلام السياسية، العقيدة التي تجعل حياة المسلمين سياسية حتى في
    دورهم وعزلتهم مع أهلهم وذويهم، فما معنى أمر الحاكم ونهيه؟ وما معنى
    محاسبته وعزله؟ وما معنى أمر الناس للناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر؟
    وما معنى التحليل والتحريم والإباحة والندب والكراهة ؟ وما معنى نهج
    الإسلام وسيادته في العلاقات الدائمة بين الناس فيما كان يعرف سابقا
    بدار الإسلام منذ رسول الله عليه الصلاة والسلام حتى سنة 1924؟ ما معنى
    استعمال الإسلام لمحاربة الإنجليز وحث المصريين باسم الإسلام وبأحكام
    الإسلام، ثم في النهاية تصبح السياسة ملعونة على لسان تمعضد هنا، وهو
    لسان الشيخ محمد عبده الذي لعن السياسة في الجزائر في خطبة له مشهورة،
    وهو الذي اشتغل بالسياسة في مصر لـ(طرد) الإنجليز؟ إن العقيدة
    الإسلامية عقيدة سياسية، لأنها فكرة كلية عن الكون بما فيه من إنسان
    وحياة، فهي سياسية، وأحكامها سياسية. انظر إلى قوله تعالى: "وما آتاكم
    الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا". سورة: الحشر، الآية: 7. وقول
    الرسول صلى الله عليه وسلم: "أيما أهل عرصة بات بينهم امرؤ جائع إلا
    برئت _ قرينة على الوجوب – منهم ذمة الله تبارك وتعالى" مسند أحمد: 3/
    33، وإسناده صحيح، المستدرك: 2/ 14، مسند أبو يعلى: 10/ 115. إن الخوض
    في هذا المجال مضيعة للوقت، ولكن لا بأس، فالمرأة تجهل، أو تتجاهل، إذن
    فربنا يا سيدة في الإسلام يتدخل في كل شيء، يمنعك من الكلام البذيء،
    والقذف الساقط، فهو يتدخل في كل شيء، فالاجتماع سياسة، والاقتصاد
    سياسة، والتعليم سياسة، والعقوبات سياسة، والداخلية والخارجية سياسة..
    بينما في النصرانية لا يوجد فكر حتى يتبادل الناس بواسطته المصالح،
    وينظمون به العلاقات، ومن هنا جاءت العلمانية لتحصر ما لقيصر في أيدي
    الساسة والحكام، وما لله في أيدي رجال الدين في الكنائس، وهكذا. ولا
    يقال بأن الله تعالى لم يبعث محمدا بمجلدات ضخمة تحوي أحكام الناس إلى
    يوم القيامة، لا يقال ذلك؛ لأن القرآن الكريم وما أرشد إليه قد حوى
    فعلا تلك المجلدات، ولكنه حواها بخطوطه العريضة ومعانيه العامة حتى لا
    يحتج أحد بزعمه أن الله لم يترك للعقل شيء؛ فكان أولى أن ينزع عن
    الإنسان عقله ويحيله إلى آلة أو جماد.. لحسن حظ البشرية أنها حظيت
    ببعثة محمد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وآله بمبدأ عظيم، ينظم
    علاقة الإنسان بربه، وتشمل العقائد والعبادات، ليعتقد فيمن يستحق
    الاعتقاد، وفيم يصح. ليشبع غريزة التدين فيه، ليشبع مظهر الاحترام
    والتبجيل والتقديس والعبادة، فلا يذهب به بعيدا عن وجهته، فلا يعبد
    الخشبة كما يفعل النصارى، ولا البقرة كما يفعل الهندوس، ولا المادة كما
    يفعل الشيوعيون، والرأسماليون، بل يعبد رب العالمين وحده، فالإنسان تاه
    مرارا ولا يزال، ولكن ربه وخالقه يريد له الخير والسعادة، لا يريده أن
    يقدس البشر، ولا أي مخلوق كائنا من كان، وكائنا ما كان. ولا يقال بهذا
    الصدد أن الممدرية تقدس محمدا كمخلوق عاقل، وتقدس الكعبة كمادة، أو
    جماد، لا يقال ذلك، لأن ما ارتضاه خالق العالمين لنوال رضوانه يفعل،
    ويستهدف بملء الرضا والحبور، بملء الحماس والحرص، ففي رضا الخالق تكمن
    سعادة الإنسان، ولو أن يطالبه بتعظيم الكعبة، والأقصى، وتعظيم حرمة
    الأم، وحرمة الإنسان الممدري؛ والرسول.. وجاء الإسلام أيضا لينظم علاقة
    الإنسان بنفسه وتشمل المطعومات والملبوسات والأخلاق. وينظم علاقة
    الإنسان بأخيه الإنسان في الإنسانية وتشمل المعاملات. ويكفي ما ذكر
    دليلا قاطعا على كون الإسلام سياسيا، وهذا الأخير لا يقبل مني أو من
    غيري أن يدافع عنه، لأن الذي يدافع عنه يكون متورطا، أو واقعا في تهمة،
    وهو ليس كذلك، فبه يدافع، وليس العكس، بل إن الهجوم على مخالفيه أصل
    فيه. وهذا الإسلام غير مجسد في حياة الناس والدول. وشعب مصر، ودولة مصر
    لا يسودهما الإسلام حتى تتم المطالبة بإزالته وفصله عن الدولة، ولا
    داعي للإتيان بمثال أو اثنين عن بعض التطبيقات في العالم العربي
    والإسلامي، فذلك قصور فظيع إن أريد به نفي الأصل والواقع، بل إن الذين
    يقطعون الأيدي في السودان، والذين يرجمون الناس في نيجيريا لا حق لهم
    في ذلك، وليسوا مؤهلين حتى لمعرفة مناط حكم القطع، وحكم الرجم.
    فالمرأة التي اعترفت بالزنا تحت ضغط وليدها لم تقدم نفسها، بل سيقت
    إليه سوقا، فلا قيمة إذن لاعترافها، لأنها دفعت إليه دفعا، لا قيمة
    لذلك مادامت المرأة لم تعترف إلا مكرهة، ولم تقر إلا تحت ضغط وليدها..
    لا قيمة لكل ذلك لاحتمال أن تحمل المرأة في وضع ما كالحمام الذي يتناوب
    عليه الرجال والنساء، وفي ذلك احتمال بقاء نطف الرجال على أرضيته،
    وتعلمون أن المني يعمر حيا بالساعات، يعرف طريقه إلى الرحم، فلو وضعته
    فوق الفرج فسيهبط إليه، وإذا وضعته تحت الفرج فسيصعد إليه وهذا ما يؤكد
    احتمال أن تجلس المرأة مستحمة وهي لا تدري ما خلفه رجل ما في المكان
    الذي تجلس على أرضيته، فيعلق حيوان منوي في رجلها ويتحرك صاعدا قاصدا
    فرجها تمشيا مع فطرته التي فطر عليها مثلا، أو تلقح المرأة من حيث لا
    تدري، أو.. هناك من الشبهات الكثير مما يدفع بها فعل الرجم خصوصا في
    غياب شروط الرجم غير المتوفرة.. نحن نتحدث عن مبدأ تقوم عليه دولة،
    ويسود شعبا وأمة مثلما هو موجود في الصين وكوريا الشمالية بالنسبة
    للمبدأ الاشتراكي (الآن تتعكز الصين على الرأسمالية)، ومثلما هو موجود
    في العالم الغربي قاطبة، والعالم العربي، وكثير من البلدان في العالم
    الإسلامي بالنسبة للمبدأ الرأسمالي الديمقراطي، ولا نتحدث عن جزئية
    واحدة، أو جزئيات.. ولنفس المرأة في روايتها: سقوط الإمام، صفحة: 75،
    قول يدل على قلة نضج، ويدل على انغلاقية ذهنية خطيرة ترجع بالعقل
    المعتقد بما تعتقد إلى البدائية المتجاوزة، فقد ورد فيها: ((.. وإذا
    سأله المدرس سؤالا تلفت حوله متحيرا وبدأ بتهتهة، وحين يضحك التلاميذ
    يقول: لو كانت هناك عدالة في الكون لما خلقني الله، أتهته وجميعهم لا
    يتهتهون، وهمس في أذني بصوت خافت: الله غير موجود لأن العدالة غير
    موجودة، وهمست في أذنه بدوري: لو كان الله موجودا لما كان الوفاء
    يقابله الخيانة والخيانة يقابلها الوفاء، وكنت يا أمي تلميذا في
    التاسعة من عمري وهو زميلي وربط بيني وبينه الإيمان العميق بعدم وجود
    الله، وظلت قدرتي على الإيمان بالله مرتبطة بقدرتك على خيانة أبي..)).
    ويحضرني في هذا المقام ما وقع لي في السبعينيات من القرن الماضي بسبب
    قلة علمي وغياب نضجي الثقافي. فقد كان فهمي يحتاج إلى استناد على
    معلومات وفيرة ومعارف راقية افتقدتها حينذاك، ومع ذلك لم أيأس رغم
    خطورة ما لقيته؛ إذ كان يمكن أن يكون ما لقيته سببا في انغماسي في
    الجهل بدل الارتقاء والتطلع إلى العلم والمعرفة. حدث أن زارنا في طنجة
    العالم أبو بكر جابر الجزائري، ألقى محاضرة بقصر البلدية (قصر مرشان)
    بعنوان: منطلق الفكر الإسلامي. استفدت من محاضرته، وكنت مهووسا بالسؤال
    والقراءة والملاحظة وإبداء ما يعن لي، وحين نزل إلى المسجد الكبير
    (المسجد الأعظم) تبعته أستفيد منه، ولما انتهى من إلقاء درسه فتح باب
    النقاش فطلب من الحضور كتابة الأسئلة، فكتبت سؤالي ومنحته للذي يليني
    ثم منحه للذي يليه حتى وصل يد الشيخ. أخذ سؤالي وتمعن فيه قليلا، ثم
    رفع رأسه وقال: ((يقول السائل: لماذا فضل الله بعضنا على بعض في الرزق
    مع – سؤالي وضعت فيه: بدليل – أن الله عادل ولا يوصف بالعنصرية)). أطرق
    هنيهة، ثم رفع رأسه وقال: (هذا سؤال حيواني). ضج المسجد وصار هناك همس
    والتفات يستنكرون على السائل سؤاله وأنا أنظر وألتفت مستطلعا حركة
    الناس، وكنت أنتظر منه ما بسببه أظهر شخصي وأزيد في السؤال والاحتجاج،
    فقد كان سؤالي دون خلفية، كان سؤالا حيرني الجواب عنه فأملت الجواب في
    الشيخ، ثم خاب ظني، ولكنني لم أهتم له، ولم يثبط همتي في البحث
    والدراسة. هكذا كنت أنظر بسطحية إلى حوادث لم أكن لأفقهها لولا حمل
    نفسي على قبول صفة المتعلم والمستفيد حتى الممات، انظر كيف كنت حائرا
    في شأن المفاضلة في الرزق. انظر إلى اعتبار ذلك ظلما دون أن تدرك قاعدة
    السخرية من الإنسان للإنسان حتى تستقيم الحياة وتسير. انظر إلى العالم
    وكيف تصرف مع شاب مراهق تتجاذبه الماركسية واللينينية.. إن ربط
    التهتهة بغير ما يجب أن تربط لهو منتهى السطحية، فالعدالة شيء لا
    يستطيع الإنسان إدراكه، ما يدرك منها سوى ما يحس به من ميل إليها، كما
    ينفر من الظلم طبيعيا وهو ميل في المقابل، ولكن العدالة والظلم شيئان
    من غير اختصاص العقل البشري بالنسبة للحكم عليهما، فما يكون عندك عدل،
    يكون عندي ظلم، وما بات اليوم ظلما يصبح غدا عدلا، وما أصبح غدا عدلا
    يمسي ظلما وهكذا، وإذن فالأمر مرتبط بما يعتقد الإنسان، وليس بما يصيب
    الإنسان، أضف إلى ذلك أن التهتهة مسألة مرضية، تصيب النفس البشرية لعدة
    أسباب منها قسوة الأبوين أو أحدهما، أو المربين.. فكم شاهدنا متهتهين
    ينطبق عليهم ما ذهبنا إليه، ثم عند نضوجهم زالت تهتهتهم، فهي إذن
    مصاحبة للخوف، والخوف يزول عند تلقي الفكر والثقافة، أو يبقى، ولكنه
    يهذب
    ويشذب ويقنن ويصرف في الوجه الذي يجب أن يصرف إليه كالخوف من الله
    والخوف من ظلم الناس.. وأما الاعتقاد في الخالق جل وعلا فهو عمل
    العقلاء وليس عمل الجهال، الكون يسير، وأبداننا تعمل، والحياة تتجدد،
    والمخلوقات تتحرك، والذرات تتفاعل، والخلايا تبني وتهدم وكلها تعلن في
    ذاتها وسلوكها وجود الخالق، فوالله لو نطقت خلايا لسان نوال لأعلنت
    وجود الخالق، فالله تعالى موجود وقيوم على ملكه لن ينال منه شيء. وأما
    كون الوفاء يقابله الخيانة واستشفاف الرغبة في غياب ذلك كشرط لتحقيق
    العدالة، فإنه كلام ما كان ليقول به شيطان جرعوه مسكرا أو ناولوه قرصا
    مهلوسا. كيف تكون الحياة بغير تناقضات؟ لن تستقيم بشروطها الحالية، فهي
    بالتناقضات تقوم وبغير التناقضات لا تقوم، ثم إن ربط القدرة على
    الإيمان بالله بالقدرة على الخيانة الزوجية التي لم تعد موجودة في
    قاموس نوال، فإنه قول يضع صاحبته لوضاعة تفكيرها، فتسويق مثل هذه
    الرماديات ظلم لنفس التلاميذ الذين تتحدث عنهم في روايتها، فكان أولى
    بالقيمين على أمر تعليم الناشئة أن ينتبهوا، ففي مثل هذه الثقافة مسخ
    للجانب المضيء في إنسانيتهم، وإلهاء لهم عن استهداف غاية الغايات..
    وتتطلع إلى حظوة تتمناها فتقول في نفس المصدر صفحة: 9 ((ألا تكون ابنتي
    هي بنت الله يسمونها المسيحة وتصبح واحدة من الأنبياء)). هذا كلام
    رمادية معضدية من نوع خاص، فليست هي مثل الماغوط وبوجدرة أو غيره، هي
    بخلفية ثقافية مسيحية، تمردت عليها ومن حقها التمرد، لأن المسيحية ليست
    فكرا، ما هي إلا تهيؤات ظهرت لأناس كتبوا أكثر من 73 إنجيلا يضرب بعضه
    بعضا، كتبت بعد غياب عيسى بمدة تزيد عن اثنين وثلاثين سنة، وهي مدة
    ضئيلة جدا بالمقارنة مع أسفار التوراة التي كتبت بعد وفاة موسى بحوالي
    ست مائة سنة، ولذلك لا غرابة من قولها بنت الله، ونبية الله. إن
    السخرية التي تصب زيتها على المسيحية ليست بنفس الكمية التي تصبها على
    الإسلام والملتزمين به، ليس للكلب طبيعة الجُعَل، وليس للجُعَل طبيعة
    الكلب، هذا يدهده النتن أنفه، وذاك يلحس القاذورات. السخرية لا توجد في
    قاموس المفكرين، توجد في قاموس الأدباء الذين بغير وصف المفكر، ولذلك
    لا يستغرب أن يأتي منهم كلام لا دقة فيه ولا ارتفاع، لا عمق فيه ولا
    استنارة، ولكن لا بأس، فهم مجرد مفروشات تداس، ونعال تنتعل، ما هم إلا
    مقدمة للفلكلور الرمادي.

    ............

  6. #16
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.76

    افتراضي

    متابعة نسخ كتاب سخف الحداثة وخواء الحداثيين
    لكاتبه محمد محمد البقاش

    رشيد بوجدرة


    وهذا رشيد بوجدرة في رواية: ألف وعام من الحنين صفحة: 11 – 12 يقول:
    ((المنامة … بلدة تعودوا أن يقولوا عنها بأن الله تبرزها في يوم من
    أيام الغضب)).
    مرض رشيد بوجدرة مرضا لم يظهر بعد، سيظهر عند أكلة لحوم الخنازير في
    إسبانيا خاصة. يخلط الأسبان للخنزير في علفه أكثر من ثمانية أنواع من
    المضادات الحيوية، يتناولها الإنسان بتناوله لحوم الخنازير، فإذا مرض
    لم ينفع معه المضاد الحيوي الذي يقوم بلحم الخنزير؛ لأن الجسم البشري
    يكون مشبعا به، يحتاج الأمر عندها إلى مضاد حيوي آخر، فإذا افتقد هلك
    الإنسان. كان هذا المرض هو الذي أصاب رشيد، حار الأطباء في إيجاد مضاد
    حيوي لحقنه به، فقد تعفن مخه وقلبه، ماتت في جزء من مخه خلايا استحالت
    معها حركة إنتاجه للثقافة الرمادية إلى نتن حمل نزلاء المستشفى إلى
    الهروب منه..
    استفحل مرضه حتى هرب من المستشفى الأطباء والممرضون.. ظل رشيد وحيدا
    يعاني الوحدة، ويقاسي آلام الداء اللعنة، شاع أمره فانبرى يشفق عليه
    شارون، قدم سرا بشِقٍّ معوَّج بجره ككلب دهسته سيارة، يرتدي بذلة بيضاء
    يزعم مهنة الطب، دخل عليه غرفته، حياه تحية سنغالية وقبله من يديه شكرا
    له على ثقافته التي تثلج صدره، ويشمت بها على الذين تعنيهم، مده على
    سدة إسمنتية وأخذ سكينا شق به بطنه وهو يقول له:
    ـ القلب المقفل الذي في صدرك لا يصلح لك، سأنزعه وأرمي به إلى من في
    الباب.
    فقال بوجدرة:
    ـ ومن بالباب؟
    قال شارون:
    ـ الرماديون .
    ـ وماذا سيفعلون به؟
    ـ سيوزعونه على بعضهم البعض تبركا به.
    شق شارون صدر بوجدرة ونزع منه قلبه فانتزع متورما قد عته به عتها، ثم
    أمعاءه، كانت الأمعاء بطول بضعة أمتار وتزيد ببضعة أخرى، فاستنكر
    بوجدرة لفعال شارون وقال له:
    ـ ماذا أنت فاعل بأمعائي؟
    ـ سترى، اصبر قليلا.
    عرضها للشمس في صحراء الماغوط حتى جفت، ثم قدمها إلى حيث النزيل وشرع
    يديرها على كل بدنه كما لو كانت ضمادة حتى أتى على عنقه وترك منها مترا
    أو مترين، ثم شرع يجره منها، رشيد يصيح، وشارون لا يبالي، يقصد مصبات
    المياه الحارة؛ يرشه بمياهها، ثم استقر به المقام عند البحر الميت، جمع
    شيئا من ملحه ورشه به، تناول حجرا يسع كفه وشرع يحكه به كما تفعل
    النساء بجلود الأضاحي وهو يصيح، عندها يبس جسم رشيد على قدر قلب شارون
    ولم يبرأ من مرضه، فحمله على ظهره، وعندما ناء بحمله ساقه إلى ساحة
    سماوية تسمى باسم الساحة المراكشية جامع الفنا، فعلقه على عود يابس
    وتركه هناك خالدا بهيئته..
    أشفق عليه الماغوط فحرره، أحس رشيد بالإهانة فقرر الانتحار، أقسم
    لصديقه، وأغلظ الأيمان تقليدا لثقافة موروثة كما يقول، ولكنه ربط
    انتحاره بحبل من ستة أمتار، فإن زاد أو نقص احتفظ بحياته.
    جاب الأسواق بمعية رماديي المغرب والجزائر وتونس ومصر عله يعثر على حبل
    بطول ما اقترح، وكلما سأل بائعا إلا وجد عنده الحبل، ولكن لا أحد يعرض
    حبلا بستة أمتار، استمر في البحث وهو خائف، ليس لأنه قارئ لمستقبل
    البشرية بعد الموت، فذلك غائب عنه وعن ذهنه كلية، بل رغبة في الحياة
    ورفضا للموت..
    يتعلق رشيد بالحياة فيمارس طبيعته، الحياة أصل والموت مجرد حالة،
    التعلق بالحياة فطرة، وطلب الموت طلب حياة، يطلبها المرء وفق أفكاره
    ومفاهيمه.
    نبت في يوم بحثه دراويش رماديون، بينهم مستنسخ عن صورة جحا، تلبسه شيء
    من دهائه وغبائه فاستوقفه عند مدخل نادي الخصيان وقال له:
    ـ بوجدرة أيها العملاق، أيها الأديب الفذ لماذا تريد الانتحار؟
    فأجابه:
    ـ لا، لا أريد الانتحار، فأنا أعلم أن ما اقترحته كشرط لانتحاري لن
    يوجد.
    ـ سيجدونه فاحذر، خبرك قد انتشر، فربما وجد من قص الحبل بطول ستة أمتار
    ووضعه في رف من حانوته ينتظر مرورك عليه لإفحامك.
    سبقه خبره وخشي على نفسه، اهتز كيانه لكلام جحا، لا بد أن يُتربص به،
    لا بد أن يُدبَّر أمر الحبل، لا ينوي السؤال عنه خشية وجوده بنفس
    المواصفات، ولكن ما السبيل إلى تغيير رأيه، وتذكر جحا وركض نحوه، ألفاه
    على ضفتي وادي العدم يصطاد سمكا يأتي إلى حتفه طواعية قد حيره أمره
    وأقلقه الظن به، فهل ينتحر هو أيضا؟
    ترجاه أن يشير عليه حين استنصحه، فقال له جحا:
    (( عليك بحبل من جسمك)).
    فقال بوجدرة.
    ـ وكيف؟
    ـ لا بد أن يكون من أحشائك.
    ـ من أحشائي؟
    ـ أجل.
    ـ وكيف أحيا بلا أحشاء؟
    ـ من يحيا دون قلب لا يبتئس لما بعد ذلك.
    ـ طيب.
    ـ الحبل يجب أن يكون من أمعائك الدقيقة فقط، لا يضاف إليها المعي
    الغليظ.
    خطا ببطن خاوية يحمل أمعاءه المالحة في يده ويقول:
    (( ما سأشنق به نفسي هو هذه الأمعاء، ولكن بنفس الشرط الذي اشترطته )).
    تحلق الناس حوله وشرعوا يعبرون الأمعاء بقياس الطول فكانت ستة أمتار،
    عندها تغير وجه بوجدرة إلى اللون الرمادي وسقط أرضا، حملوه لتنفيذ
    وصيته، ساروا به نحو موطن الغراب، ولما كانوا عند الساحة العمودية
    حاروا كيف يعلقونه حتى يبدو مشنوقا، فتنحوا عنه وتركوه تحت أحذية
    الديدان العجيبة.
    ـ هلاّ وجد بوجدرة ما يلمع به نفسه ويلفت النظر إليه غير إنزال الله
    تعالى في غير منزلته؟ ـ كم هناك من الحكام العرب وغير العرب يتبرزون
    فعلا، فهلا صلح وصفهم يتبرزون في مراحيض ذهبية؟ أم أن ذلك من اختصاص
    الكتاب الأجانب في كشفهم عورات الحكام العرب وفضح سلوكياتهم؟
    ـ هل إذا تبرزت أمه على فم وليدها، ثم لحقها بوجدرة وشرع يدهن برازها
    على وجه الصغير وبدنه تبركا بما يصنعه المعمل في أمعاء أمه ودبرها؛
    يكون كشفا جديدا؟
    ـ هلاّ تبرز أبوه قيئا وقيحا فجمعه بوجدرة في وعاء منتظرا آذان المغرب
    ليفرق به صيامه؟
    ـ لماذا لم يتحسس بوجدرة الروائح التي تحسسها الناس وهي مقرفة منتنة
    تخرج من ثقافته الرمادية؟
    ................

  7. #17
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.76

    افتراضي

    متابعة نسخ كتاب سخف الحداثة وخواء الحداثيين
    لكاتبه محمد محمد البقاش

    محمد الماغوط


    في الآثار الكاملة لمحمد الماغوط صفحة: 265 قوله:
    ((إنني أعد ملفا ضخما عن العذاب البشري لأرفعه إلى الله فور توقيعه
    بشفاه الجياع وأهداب المنتظرين، ولكن أيها التعساء في كل مكان جل ما
    أخشاه أن يكون الله أميا)).
    ويقول أيضا عن الله تعالى:
    ((لماذا خلقني؟ وهل كنت أوقظه بسبابتي كي يخلقني؟)) المصدر السابق.
    أستسمحك حضرة القارئ المحترم، فأنا أعد ملفا ضخما بعدد ذرات الكون من
    خلايا جافة تعيش في بدن مجياف لأرفعها إلى نوال السعداوي لتبول عليها،
    ففي بولها بركة يستعطي نفعها الماغوط.
    وحين أنجزت العمل ورفعته إلى نوال بخلت عليه ببولها، لأنه كان ثمينا لا
    يستحقه الماغوط، ولكنها إشفاقا منها عليه أذنت في التبرز على جمجمته،
    أشفقت أن تجعل منها مبولة، ففي برازها رطوبة قد تحييه مرة ثانية وتشكله
    بثقافة أشد رمادية من الرمادية التقليدية.
    إن الملف الضخم الذي يكتبه الماغوط عن العذاب البشري يدل على تحسس واقع
    الظلم والمعاناة، يدل على تحسس التظلم الذي ما فتئ يظهر على الجياع
    والمظلومين، وهذا جميل من كاتب مهتم بواقع الناس السيئ، لا يرضاه لهم،
    يريد زواله وتخليصهم منه، ولكنه عند رسم وجهته لتخليص الناس من ظلم
    الناس انحرف فضل عن العلاج، إنه لا يدرك أن أي مبدأ لا يقوم إلا على
    سواعد الناس، وأن أي نظام لا يطبق إلا بسواعد الناس، فكان أولى له أن
    يمحص الفكر الذي بواسطته يتخلص الناس من العذاب والظلم، وكان أولى لو
    سلك ما أذكره أن يبحث عن فكر يقنع العقل ويوافق الفطرة ويملأ القلب
    بالطمأنينة ويكون مشروطا بشرط يقطع الخلاف حوله، وذلك كأن يشترط أن
    يكون ممن لا يلحقه عجز أو يعتريه نقص أو يبدو عليه احتياج، لأنه بهذه
    الصفات ينتج فكرا لا يتأثر بالبيئة، ينتج فكرا للناس ولكنه ليس من
    الناس، ليس من عقول عاجزة محدودة متأثرة بالبيئة، ولن يكون ذلك إلا من
    الله العالم الذي خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه، الله الذي
    يتطاول عليه الماغوط ويظلم بتطاوله نفس الجياع ونفس المنتظرين لأن الله
    ربهم، وإذا لم يكن الله رب الماغوط، فهو رب من خلق الماغوط..
    وقوله: (( لماذا خلقني )) كاف للدلالة على حقارة هذا المخلوق واعتراف
    بالخالق وقدرته جل وعلا، ولكن تساؤله عن علة خلقه وهل كانت بتحريك
    سبابته يعني التالي:
    ـ انطواء نفسية الماغوط على حقد مبالغ فيه على الله تعالى، والحاقد
    متربص بالمحقود لا تنفلت منه فرصة للإيقاع به، وهذا في حق الله تعالى
    محال، وبناء عليه يكون له فعل الرجع مثل عمل السحاب؛ والغلاف الجوي
    للأرض، فكان لا بد من إبقائه ثابتا في قلبه، لأنه عداء، وعند اليأس من
    الإيقاع بالله تعالى إلا في كلمات حقودة لا تؤثر فيه سبحانه وتعالى؛
    وجب ما يلي:
    ـ نقل حمولة الحقد على الله تعالى إلى كل من يؤمن به وبوحدانيته، فنتج
    عن ذلك التالي:
    ـ هزّ الناس وزعزعة قناعاتهم بغير حجة أو برهان.
    ـ استغفال الناس واستحمارهم وخلخلة قناعاتهم ومقاييسهم باعتماد عدم
    يقظتهم، بركوب انحطاطهم، بالتسلل إلى إفساد رشدهم فيما يعتقدون عبر
    جهلهم وتخلفهم وأميتهم..
    ـ تحقيرهم وإهانتهم بالتطاول على قيمهم ومثلهم ومعتقداتهم.
    ـ غشهم بأدب وفكر أمثال الماغوط.
    ـ هذيان ودوران يفقد الإنسان التركيز فلا ينتج إلا الهراء.
    ـ استحالة نضج العقل بخلفية الحقد للخالق جل وعلا.
    ـ إيذاء الناس بقيادتهم من طرف هؤلاء.
    وله في نفس الآثار صفحة: 233:
    (( فأنا نبي لا ينقصني إلا اللحية والعكاز والصحراء )).
    مثل هذا الكلام كمثل ما يلي:
    ضاق جحا ذرعا بنفور الناس منه، كدّ وجدّ في محاولة استقطابهم
    لاستغلالهم فلم يفلح، وكان له صديق داهية، فعرض عليه حيلة تمكنه من
    استحمارهم.
    أسر بها إليه فطفق جحا يسلك سلوكا لافتا. كلما خرج من بيته يقصد
    المدرسة ريء مرافقا كلبه، يربطه من عنقه من نفس ربطة عنقه، أرخاها على
    قدر حبل كلب كرمين.
    يسير إلى التعليم والناس حوله، تارة يسألونه كما لو كان شخصية عمومية،
    وتارة يحجمون للاستمتاع بالضحك.
    يدخل قسمه مع كلبه، فإذا تناول قضيبا نبح الكلب على تلميذ من تلاميذه،
    عندها يستدعيه إلى السبورة فيملي عليه ليكتب فيها درسا لزملائه، ويتوقف
    الكلب عن النباح، ويبدأ جحا في إملائه:
    ـ أنا لست نبيا لهذا الكلب، فكلبي لا نبي له. لحيتي تحت سرتي. عكازي
    حبل كلبي، وصحرائي جمجمة الماغوط.
    يرفع تلميذ يده مستفسرا عن الصحراء وكيف يكونها الماغوط، فيرد عليه
    جحا:
    ـ كلما ذكرت الصحراء إلا ريئ لذكرها اليباب والخراب، ريئ لذكرها الجفاف
    والسراب، ولكنها مليئة بالحياة، حتى إن مترا مربعا واحدا منها يحوي من
    أسباب الحياة ما لو ماتت كل نباتات الأرض لوسعتها إنباتا وجنانا، بها
    من البذور ما لو انعدمت من الأرض كلها لكفتها إحياء من جديد، وإذن
    فإطلاق لفظ الصحراء وقرانه بالموت ظلم للصحراء.
    ـ وإذن؟
    ـ الصحراء هي ذهن الماغوط وجمجمته.
    رن جرس المدرسة وخرج جحا مفيدا مستفيدا.
    مر على نادي الرماديين فنعاهم إلى أنفسهم.
    راح يتبعه كلبه وعلى ظهره كتابة لافتة تقول:
    كلب جحا أستاذ لا يستحمر الناس، والماغوط قرد المهرج في ساحة جامع
    الفنا.
    فهم الأدب سواء كان شعرا أو نثرا يعني تذوقه، ومن لا يتذوق نصا من
    قصيدة أو قصة أو إبداع لا يستمتع بالأدب، وصديقنا العزيز يتمغَّط ليطال
    فهما فلا يلحقه، وإذا اقترب من الذوق ثم طعم نصا كان نصه كالماء
    الغليظ، أما في إبداعه فهو منتج للزبالة التي يقتات منها، وهي طعامه
    المفضل، وهو طعام خلال.
    مليخ مسيخ علفه، خثر اللسان والخلد، فاسد القلب والذوق نتن الخلد.
    من يسب للناس ربهم ويؤذيهم في معتقداتهم لا يكون نذلا ولا رذلا، وإذا
    لم يكن كذلك، فكيف يكون؟
    الماغوط رضيع لم تفطمه الثقافة الساقطة بعد، يتلمظها منتشيا، ويتمطقها
    لإسماع من لا ذوق له، لم تفطمه الحداثة التقليدية لتعلقها به، فلا يحيا
    السقط، ولا ينتعش الرديء إلا به وبأمثاله، سخي أريحي مع الثقافة
    المتورمة التي تسقى بحموضة الزبل فينشرها على قومه متشفيا بهم ساخرا من
    معتقداتهم..
    الماغوط كاتب كبير بقامة تكاد تصل كعب الكلب، ولكنه مقبوض اليد عن
    الخير لأمته، قصير العنان، إذا أبدع وكان في إبداعه كرم وتعقُّل تبعته
    نفسه..
    ....................

  8. #18
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.76

    افتراضي

    متابعة نسخ كتاب سخف الحداثة وخواء الحداثيين
    لكاتبه محمد محمد البقاش

    بدر شاكر السياب


    وهذا بدر شاكر السياب في ديوانه: ديوان السياب صفحة: 147 يقول:
    ((وأبصر الله على هيئة نخلة يبيض في الظلام أحسه يقول: يا بني يا غلام
    وهبتك الحياة والحنان والنجوم)).
    ويقول أيضا:
    (( فنحن جميعا أموات أنا ومحمد والله وهذا قبرنا أنقاض مئذنة معفرة
    عليها يكتب اسم محمد والله )) المصدر السابق، صفحة: 395.
    لقد أبصرت السياب يخرج وليدا من غير ما يخرج منه الولد، لم تجر لأمه
    عملية قيصرية، ولم ينبت في زجاجة، بل استنسخ من كلبة جرباء، واحتضنته
    مشيمة تفيض بقيح قلوب الحَقَدَة، ثم خرج من موضع طالما هامت به قرية
    سدوم؛ يغشاه لون الأنفاق، ويفوح منه طيب السلوثة.. وعندما مات قام على
    قبره كلب شارون وشغر عليه ولم يزل، تمد مثانته بالبول أمعاء تصنعها
    الثقافة الرمادية، لا يزال على حاله يموت ويموت، والله حي لا يموت.
    قضى السياب منذ زمن وها هو رفاته معفّر في الدونية، دونية يحتج عليها
    الفيلسوف الحبابي لأنه يؤذى بها رغم بعد قبريهما، ثقافته لم تقبلها أي
    مزبلة، وحين احتالوا على مزبلة التاريخ ليلحقوها بها فطنت لها فلفظتها
    وتركتها للجعلان يدهده نتنها أنوفها، يمرغها في الوضاعة كل متأذ بها..
    لقد بخر فم السياب بالروائع الشعرية، هذا البَخْر الصادر عن البدر
    المظلم ينبغي ألا ينعت صاحبه باللؤم النفسي، والخواء المعرفي، فهو أشرف
    من السقط الثقافي، وأنبل من الرمم الفكري، فالقيم عنده قيم زبلية
    تُستقذر طبيعيا عند كل نتاج سافل، وإبداع أكزم من الخنصر والإبهام، ليس
    هو ممن تلفظه الآماق وتبذأه النواظر وتنبو عن منظره الأحداق ولا يقف
    عليه الطرف فحسب، بل هو في سقطه المعرفي وريح إبداعه أشنع وأبشع وأفظع،
    فدمامته الفكرية وشتامته المعرفية، وسماجته التخييلية، وجهومته
    الإبداعية أنتن من قيح الضباع وخراء القطط.
    أشباه المثقفين مضبوعون بمن قصر نظرهم عن رؤية أسمى الجمال وأرقى
    الكمال في النفس البشرية وخلف الكون والطبيعة، ولذلك طفقوا يرقصون
    لمجرد أن شرع أرباب الحداثة يضربون بالدفوف لهم.
    هؤلاء الحداثيون وَلَدٌ، هم فعلا وَلَدٌ يعبدون أنفسهم، ومن كان كذلك
    فهو عند المتنبي عبد يجب أن ترافقه العصا الفكرية والثقافية لتقييم
    اعوجاجه، لأنهم ولد سفهاء يحملون وصفا في كلمة وردت للمتنبي قبل قوله:
    مناكيد.
    ..................

  9. #19
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.76

    افتراضي

    متابعة نسخ كتاب سخف الحداثة وخواء الحداثيين
    لكاتبه محمد محمد البقاش

    معين بسيسو



    ويقول معين بسيسو في الأعمال الشعرية صفحة: 341:
    ((لم يبق سوى الله يعدو كغزال أخضر تتبعه كل كلاب الصيد ويتبعه الكذب
    على فرس شهباء، سنطارده، سنصيد لك الله، من باعوا الشاعر يا سيدتي
    سيبيعون الله)).
    ويقول في نفس المصدر صفحة: 440-441: ((وطرقت جميع الأبواب أخفتني عاهرة
    كان الله معي لكن الله هناك يدلي بشهادته في مركز بوليس:
    فتح المحضر.. ما اسمك؟ كم عمرك؟ مهنتك.. وكانت مهنته الله. صبغوا
    بالحبر أصابعه أخذوا بصمات الله والتقطوا صورته كان الله معي لكن الله
    ورائي كان هو المخبر آلة تسجيل قد غرست في قلبي آلة تسجيل قد غرست في
    قلب الله)).
    هذا الرجل ينعت المسلمين بالكلاب، لأن الله ربهم قد أوجب عليهم طاعته
    وفي ذلك تبعية من قبلهم له، وبهذه الصفة يكونون كلابا في نظر بسيسو،
    فهل قائل هذا القول يستعدي المسلمين عليه، أم القول غير ما قال صاحبه؟
    لقد تمخضت حمارة جحا فولدت بغلة، عانى منها لعلفها، لم يكن يقدر على
    جلب التبن لها كل يوم، فشكا إلى صديقه ذلك فنصحه باستبدال علفها بعلف
    آخر، استنكر جحا وغضب على صاحبه لظنه أنه يسخر منه فقال له:
    ـ تمهل يا جحا فما قصدت الهزل، هناك فعلا علف يصلح لبغلتك. فقال له:
    ـ وما هو؟
    ـ اذهب إلى مصب قنوات المياه الحارة وضع عليها شباكا بمسام دقيقة يمنع
    تصريف غير المياه إلى البحر، ثم اجمعها، فهي خير علف لبغلتك.
    ـ ثكلتك أمك أأطعم بسيسو ما تنتجه أمعاء الناس؟
    ـ هل تريد أن ينتفع الناس ببعر بغلتك؟
    ـ كلا.
    ـ إذن ليكن ما قلت، عندها لن ينتفع أحد ببعرها، بل سيتأذى الناس وتتأذى
    البيئة منها، ولكن مهما يكن؛ يظل الأمر يسيرا ما لم يطعمه إنسان.
    ـ أطعمها قاذورات الرماديين فينتج عنه أقذار ولن ينتفع بقذرها أحد..
    هذا جميل والله، ولكن ستكون معاناة؟
    ـ ما هي؟
    ـ سيتبعني الذباب.
    ـ أوما تعرف كيف تصرفه؟
    ـ لا.
    ـ إذا تبعك الذباب ارتاح الناس منه، فأنت ذكي بصير تستطيع صرفه إلى
    الجيف، تستطيع إرشاده إلى النتن الذي يخرج من جمجمة بسيسو والسياب
    وبوجدرة والماغوط ونوال ودنقل وقباني وزياد والمقالح.. فذلك مستقره
    ومستودعه.
    ـ هل سيتبعني الذباب وحده؟
    ـ ستستأنس بثقافة مرذولة وفكر ساقط يتبع ريح الجِيَف.
    ـ وهل منها ثقافة القرن السادس عشر التي أنتجت الثقافة الرمادية؟
    ـ لا تخف، سيتبعك كل كلب. سيلحق بك كل خنزير. سينقاد لك كل خنفس،
    وسيقتدي بك كل جرذ… سيكون يومك مهرجاني تحضره الأمم وقد ابتسمت
    لانتفاضة عقلها الذي أدرك حقارة وسخافة ما ينشره الرماديون.
    ـ هل ستسير مربوطة مكبلة حتى لا تنجو من الذهاب إلى حتفها؟
    ـ كلا، ستتبعك ككلب مُجوّع مجرد أن ترح عليها ريح علف بغلتك، فهي عاشقة
    للقاذورات، لقد صادتها الروائح وضبعتها. انطلق واحذر بيع شيء منها، فلن
    تجد مشتريا واحدا، لقد مات تجار الفكر الرمادي، استبدلوا مهنهم كما
    يستبدل القميص، تمترسوا خلف فكر لا يثبت لنفخة ديك جحا، أجروا عمليات
    جراحية على جنسهم، يتخفون خلفها، فقد أوهموا الناس أنهم من جنس
    الإنسان، زرعت لهم فروج تفوح قرفا يأتيها ليلا الرماديون..
    .....................

  10. #20
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.76

    افتراضي

    متابعة نسخ كتاب سخف الحداثة وخواء الحداثيين
    لكاتبه محمد محمد البقاش

    نزارقباني

    وهذا نزار قباني في الأعمال الشعرية لنزار صفحة: 1/ 493 يقول:
    ((إني أحبك من خلال كآبتي وجها كوجه الله ليس يطال)).
    وقوله في نفس المصدر صفحة: 2/ 442. 2/ 442:
    ((لأني أحبك يحدث شيء غير عادي في تقاليد السماء يصبح الملائكة أحرارا
    في ممارسة الحب ويتزوج الله حبيبته)).
    نصوص تبدو فيها المتاجرة باسم الجلالة. فالإساءة إلى الله واضحة. العزف
    على وتر ما يحب الناس ويقدسون لتسويق بضاعة ما أمر لا يخفى على طفل
    جحا. فقد اتهموا جحا بإنجاب ولد بليد لا يحسن فعلا، أو يتقن قولا،
    فانبرى يدافع عن ذكاء ولده ونبوغه في حكايته معه. قال:
    كنت عطارا أحمل بضاعتي على ظهر ولدي فيظل طول يومه ينوء بها، ينقاد إلي
    معطلا دماغه، أوهمته أنه حمار، والحمار حمار وكفى، لم أكن أهتم لنقد
    الناس، يستوي عندي لامزهم وهامزهم، وفي العام الموالي كسدت تجارتي
    فأشفق علي ولدي وأشار باستبدالها، ظننت أنه يريد التخلص من عمل الحمير
    فقلت: لا، ثم عاد إلى نفس القول مستعلنا سريرتي فقلت: يأتيه شيطان
    يخبره بما أفكر به، هذا ولد مسكون بجنيّ، لم لا أستغله، فظهر لي أن
    أوافق، فقلت له: ما البديل؟ فقال: ألم تخبر الناس أني حمار. قلت: بلى.
    قال: هل صدقوك؟ قلت: لا أدري. قال: أعلن فيهم أن حمارك يغني.
    ضحك جحا حتى سقطت من فمه عيدان الدفلى، صنعها على شكل أسنان حيث لم يكن
    قد ظهر بعد طاقم الأسنان، ثم طاف معلنا ذلك، فاجتمع الناس إليه فقالوا
    له:
    ((قلت أن ابنك حمار فصدقناك، والآن تقول أنه يغني، وهل يغني الحمار؟)).

    ـ أجل إذا كان مطرب النساء.
    اجتمعوا إلى جحا في ساحة البلدة وقد غطى ولده بثوب يخفيه عن أنظارهم،
    ثم رفع الثوب عنه وقال: من هذا؟
    قالوا:
    ـ حمار جحا.
    ـ وأنا؟
    ـ أبو الحمار.
    غضب لقولتهم وأقسم ألا يغادروا حتى يحضر الشُّرَط لإشهادهم.
    ولما حضروا أعاد عليهم سؤاله، فأعادوا جوابهم، عندها أشهد الشرط على
    مقولتهم وقاضاهم على ذلك.
    حضر الناس ووقف جحا وولده وسط قاعة المحكمة، ثم أعيد سيناريو التظلم،
    فقال القاضي للناس:
    ـ من هذا؟
    يقصد ولد جحا.
    فقالوا:
    ـ حمار.
    ـ ومن ذاك؟
    يقصد جحا.
    ـ أبو الحمار.
    ثم التفت إلى جحا وقال له:
    ـ من أنت؟
    قال:
    ـ أنا رجل من جنس الناس وليس من جنس الحمير.
    ـ وأنت من تكون؟
    ـ أنا ابن جحا، فإذا كان والدي إنسانا، فلا يعقل أن أكون حمارا، فأنا
    كما ترى سيدي إنسان له كرامة.
    استشار القاضي، فحكم لجحا بغرامة مالية تكفيه مؤونة سنة كاملة تأديبا
    للناس الذين يتقوَّلون عليه.
    هذه حيلة جحا قدمها له ولده البليد. فما حيلة نزار ليقدمها إلى غيره
    نصيحة للمتاجرة في اسم الله تعالى، أم أنه حمل معه نصيحته يستهزئ بها
    في عالم الأموات؟
    كسدت تجارتهم فاستغفلوا الناس على جهلهم وغياب شهامتهم فعادوهم بمعاداة
    ربهم وخالقهم، ولكنها عداوة لن تتركهم ينجون من العقوبة، ولن تكون
    عقوبة قاضي جحا، وليست هي عقوبة الترشح لدخول مزبلة الأدب، فقد دخلت
    ثقافتهم وأقعدتهم معها، بل عقوبة من نوع آخر، مثل محاكمة رفاتهم
    مستقبلا.
    التشبيه في علم البلاغة يغدو جميلا ورائعا بخصوصياته، فتشبيه المخلوق
    بالخالق؛ وإن جاز، غير أنه لا يكون في كل شيء، لا يكون في كل شيء شرعا،
    فهذا معلوم من الدين بالضرورة، بل لا يكون لغة. فقوله: ((..وجها كوجه
    الله ليس يطال)) وإن قصد أنه لا يطال في جماله مثلا، أو بهائه، ـ وهو
    ما لا نراه ـ أو ما إلى ذلك، فإنه شاذ لا يستقيم لغة باعتماد الأداء
    العقلاني، والحس الجمالي، فالجمالية في النصوص الأدبية وإن كمنت في
    التراكيب، غير أنها لا تكون كيفما اتفق، فاللغة بتراكيبها المصيغة
    للأدب تسلك مسلك التعبير وفق معاييرها ومقاييسها، فلو تمثلت قبحا
    بتشبيه الوردة والزهرة؛ فلن تكون مُوفَّقاً. ولو تمثلت جمالا بتشبيه
    قرد أو خنفساء؛ فلن تكون موفقا أيضا، فكذلك الشأن في تشبيه وجه حبيبته
    بوجه الله. الله تعالى فوق المثل والنظير، منزه عن النقص، قدوس في قلوب
    خلقه، في خلايا أجسام كل عباده بما فيهم الساخرون منه والمنكرون
    لوجوده، فهو سبحانه وتعالى فوق قدرة تصور خلقه، وفوق أقصى ما يدرك عقل
    خلقه، صحيح أنه يمكن أخذ بعض صفاته واستعمالها قراءة وكتابة، غير أن ما
    يؤخذ يراعى فيه الجانب اللغوي، ولا أقول الشرعي، فالشرعي مفروغ منه عند
    المؤمنين به، ولكن اللغوي شأن الكَتَبَة والأدباء، فلكي ينتجوا أدبا
    يتماشى وسلطان اللغة وجب التقيد بما تشترطه في تراكيبها حتى ينتجوا
    نصوصا جملية، وإذا لم يتقيدوا بذلك أنتجوا سخافات مثل ما أنتجه نزار في
    تشبيهه المذكور.
    ثم إنه حين شبه وجه حبيبته بوجه الله قضى بذلك أن يأخذ من وجه الله
    شيئا، قضى بتجزيئه وهو غير مقبول عقلا لأن إطلاق الكل ليدل على الجزء
    معروف لغة وقد استعمله القرآن الكريم لأنه عربي كما في قوله تعالى:
    "إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله"
    البقرة، الآية: 173، أي تحريم الخنزير كله لحمه وشحمه وجلده وطحاله
    وكبده.. وإطلاق الجزء ليدل على الكل معروف لغة أيضا كما في قوله تعالى:
    "ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله" النساء،
    الآية: 92. أي تحرير الإنسان كله وليس الرقبة فقط التي هي جزء من
    الإنسان، وهذه فلسفة راصدة لانتفاء الشبه بين الله تعالى وبين خلقه،
    وفلسفة لغوية عميقة سامية لست الآن بصددها، غير أن المهم في كل هذا هو
    أن الذي ليس يطال في تشبيهه هو وجه الله الذي لا يتجزأ عن ذاته العلية،
    ولا يتبعض عنها لأنه بذلك (أي بالتجزيء) يقتضي التركيب، والله تعالى
    غير مركب حتى يكون كليا، وغير كلي حتى يكون جزئيا، لأن الكلي ناقص،
    وكذلك الجزئي، المركب ناقص، والله تعالى هو الكمال المطلق، نفترض
    الافتراض الخطأ أنه وجه الله بحسب ما تقرره اللغة العربية بالفهم
    السقيم الذي ساقه نزار ولو أنه من حيث الانطباق قطعا على غير الله
    تعالى والذي أقحمه قباني تعسفا على اللغة العربية، ولا نفترض وجه
    حبيبته، لأنه قد يكون هناك وجه بهي وسيم جميل منير يفوق في حسنه وجه
    حبيبته فيكون وجه هذه الأخيرة يطال بهذه التي افترضناها، ولكن من جهة
    أخرى يتقرر أن وجه حبيبته ليس يطال بالتي ذكرناها، ذلك أنه في
    الاستعارة من وجه الله أخذ جزءا من صفته، اقتعد موقعا طاله الوصف
    وطالته حبيبته، فكانت حبيبته لوحدها مع الله ليس يطالان من أي كان،
    وهذا غير سليم لغة، كما أنه سخيف عقلا، فحبيبته لا بد أن تعزل من
    التماثل بالله..
    وعندما يعلل حبه بأحداث لولا حبه لما نتجت؛ وهي ممارسة الحب من طرف
    الملائكة الأحرار، وزواج الله من حبيبته يكون بذلك غير موفق في
    تراكيبه، فلا جمالية فيها ولا طعم لها، كلام تافه، وتصوير أتفه، تراكيب
    لا تستقيم معانيها في الذهن الرشيد، وتصوير لا يستطرب له قلب، أو يهتز
    له خلَد.
    فلو علل حبه بشيء غير عادي يحدث في السماء بما يلي لكان طريفا ومقبولا
    وهو:
    (لأني أحبك يحدث شيء غير عادي في تقاليد السماء) الأمر تجريدي لا شيء
    فيه وهو جميل (يصبح الملائكة أحرارا في ممارسة الحب) تجريد آخر لا
    يحدد به نوع الحب ولا كيفيته، وهو خيال لا إهانة فيه، علما بأن الإهانة
    لمن يستحقها جمال أدبي وهي لنزار مستحقة بقوله: (الله يفتش في خارطة
    الجنة عن لبنان) الأعمال الشعرية لنزار، صفحة: 2/ 323 و 3/ 587 - فالذي
    يفتش لا يحيط بكل شيء علما، وبتعبيره هذا يكون مهينا لله تعالى -
    ويتزوج المحبوب حبيبته، أما أن يتزوج الله حبيبته، فهذا ليس كلاما
    أدبيا، أي جمال فيه ولو أن يكون تجريديا؟ التجريد اللغوي جمال لا ينتجه
    التركيب الشاذ المخل بالجملة والفقرة والنص، بل ينتجه التركيب السليم،
    فإذا سلم التركيب سلمت معه المعاني، لأن الأديب يبحث أولا عن التراكيب
    وليس عن المعاني، ومن ركب كلماته وجمله وفقراته ونصوصه تحت سلطان
    اللغة، أنتج جمالا أدبيا، ومن لم يفعل ذلك اضطرب تركيبه فاختلت جمله
    وفقراته ونصوصه، وليس الأمر منوطا بوجود قراء أو نافخين في مثل هذا
    الهراء، فذلك سيزول بمجرد ارتقاء الذوق الأدبي عند القراء والمتلقين،
    بل هو منوط بغياب أدب راق يستهدف رفع أذواق الناس وتكريم إنسانيتهم..
    وله في نفس المصدر صفحة: 3/ 132 – 133: ((وأنبياء الله يعرفونني عليهم
    الصلاة والسلام ـ الصلوات الخمس لا أقطعها ـ يا سادتي الكرام ـ وخطبة
    الجمعة لا تفوتني ـ يا سادتي الكرام ـ من ربع قرن وأنا ـ أمارس الركوع
    والسجود ـ أمارس القيام والقعود )). ويقول أيضا في نفس المصدر:
    ((وهكذا يا سادتي الكرام ـ قضيت عشرين سنة أعيش في حظيرة الأغنام ـ
    أعلف كالأغنام ـ أنام كالأغنام ـ أبول كالأغنام ـ أدور كالحبة في مسبحة
    الإمام ـ لا عقلي لي لا رأس لا أقدام ـ أستنشق الزكام من لحيته ـ والسل
    في العظام ـ قضيت عشرين سنة ـ مكوما كرزمة القش على ـ السجادة الحمراء
    ـ أجلد كل جمعة بخطبة غراء)).
    يذكرني قوله هذا بما يلي:
    كنت مرة مع قوم سَمْرٍ في بيت جحا.
    أقام بيته في السماء، وزينه بمجلدات ضخمة؛ بها من كل علم وفن، يجتمع
    إليه الأدباء والشعراء فيخصص لكل لون ثقافي مجلسا، لم يكن ما بعد
    حداثي، وحين كانها جمعهم في غرفة واحدة، خلطهم كما يخلط التراب بالشعير
    علفا لحماره الأجرب، ينهي علفه ويستعمل التراب لحك جلده.
    سألته عن أدباء افتقدتهم في مجلسه، فطمئنني بقرب حضورهم.
    انشغلت عنه بقراءة، وبينما أنا عند قول نزار: أبول كالأغنام؛ حضر جحا
    مغاضبا وأنهضني وسار بي إلى حيث نزار، دخلت الزريبة وتقدمت إليه فإذا
    بكبش أصلع يمارس طقسا من طقوس جِبِلَّته، فقلت: لماذا يصنع الكبش ما
    يصنع؟ فقال: لا تخف نعجتك عاقر، فلن تنسل مسْخا، فأنا هنا في نادي
    الخصْيان أخصي كل رمادي.
    خلصته من انبطاحه وقلت له: قلتَ في الأسفل أن أنبياء الله يعرفونك.
    فقال:
    ـ لا يعرفني منهم أحد، إنما استغفلت المغفلين حتى يروجوا لحماقاتي.
    ـ قلتَ أنك تعيش في حظيرة كالأغنام.
    ـ أجل ها أنذا فيها أعلف وأنام وأبول.
    ـ أي علف تنتشي له وتسمن به؟
    ـ فضلات جحا.
    ـ فضلات جحا؟
    ـ لم يستقدمني جحا من مرقدي في زبالة الأدب إلا ليتبرز علي، فأنا
    كنيفه.
    ـ وماذا يفيده في ذلك؟
    ـ يعاقبني، وما يخفيه أكثر.
    تقدمت كلاب صيد جحا، عوّدها على سلوك تأتيه بصعوبة، ولولا احتياله
    عليها بقِطع من الحلوى لما أتته، تركني نزار وجرى إلى وسط الزريبة
    وانبطح خوفا وهلعا، استغربت لذلك، فتقدم جحا يتبعه أكْلُبه النجباء
    وجلس في ركن مرتفع من زريبته وشرع ينطق أسماء أدباء وشعراء، اقتربت منه
    وسألته عن علة مناداته بأسماء أعرفها. فقال: هي للممسوخين، الآن كلاب،
    وغدا نعاج والدور على من لحق. تقدم الكلب الأول حتى لامس نزارا فشغر
    عليه، تقدم الثاني فشغر، ثم الثالث فالرابع وهكذا.
    أسررت إلى جحا أن يعاقبهم من جنس عملهم، فعاتبني قائلا: أنت تشفق على
    من استقدمته من الأسفل نحو الأعلى وهو سافل، فماذا تشير علي؟
    ـ اتركهم لشأنهم.
    ـ لا.
    ـ ردَّهم إلى الأسفل، فمجرد الاعتلاء بهم رفع لمقامهم ولو أن تمسخهم
    مرة كلابا ومرة نعاجا.
    جمعهم جحا غير مقلد لئام سجن أبو غريب، سار بهم دفعة واحدة نحو باب
    ناديه، ثم فتح لهم فدفعهم دفعا نحو الأسفل، يدفعهم أولا بأول بأخمص
    قدميه الذهبيتين، يهوون منه ويهوون، يهوون وما يزالون إلى قاع ليس له
    قرار.
    ..................

صفحة 2 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. إصدار جديد اسطوانة الموسوعة الإسلامية الكبرى للكتاب الالكتروني 250 كتابا
    بواسطة آمال المصري في المنتدى المَكْتَبَةُ الدِّينِيَّةُ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 30-08-2020, 04:37 PM
  2. أزمة الحداثة الغربية وإبداع الحداثة الإسلامية
    بواسطة سامح عسكر في المنتدى الحِوَارُ المَعْرِفِي
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 03-03-2012, 10:41 PM
  3. تقاسيم : إصدار شعري جديد للشاعر والكاتب الفلسطيني د . لطفي زغلول
    بواسطة لطفي زغلول في المنتدى أَنْشِطَةُ وَإِصْدَارَاتُ الأَعْضَاءِ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 26-09-2011, 03:25 AM
  4. إصدار جديد
    بواسطة حسن كريم في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 24-02-2010, 01:04 AM
  5. إصدار جديد للأديب المغربي حسن كريــــم
    بواسطة أحمو الحسن الإحمدي في المنتدى أَنْشِطَةُ وَإِصْدَارَاتُ الأَعْضَاءِ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 18-03-2007, 08:19 PM