أهديها لمعتنقى الحرية فى دنيانا الوحشية
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
البداية :
ــــــــــ
كان النداء ببدء إقلاع الطائرة يتناهى إلى سمعى بصوت هادىء وبلغات ثلاث .. وكنت ما زلت أحاول إحكام هذا الحزام من حولى بلا فائدة .. وجاءتنى مضيفة حسناء-طبعاً- تحاول نجدتى وقد بدا لى أنها أدركت أنها سفرتى الأولى .. أسلمت نفسى لها ..وأنا أشيح بوجهى للنافذة الضيقة بجوارى ..كنت قد سمعت كثيراً عن جمال القاهرة من أعلى ..و أوصونى كثيراً بألا أفوت فرصة رؤيتها ..وأنا رغم عصيانى الدائم .. أستمع للنصائح .. أحياناً .
بدأت فى محاولة استجداء مشاعر الخوف لكى تقتحمنى .. لأثبت لنفسى أننى انسانة طبيعية مثل باقى البشر .. وأخاف عند انطلاق هذا النسر الضخم بى مقتحماً زخم السحب المنتظرة .. وانتبهت لما أفعله بنفسى ..وقررت للمرة المليار أن أكف عن وضع مشاعرى فى قوالب الاعتياد ..وأن أكون حرة .. ألست ذاهبة لبلاد الحرية ..
آه يا بلاد الحرية ..كان من الممكن أن أقول هذا لو جاءتنى هذه البعثة منذ خمس سنوات عندما تخرجت من كليتى .. ولكن الأمر الآن يختلف ..اذكر حسرتى على ضياع حلمى الكبير بالسفر وقتها بعدما اختطف ابن أستاذى البعثة منى ..وتركنى أحاول جاهدة الحفاظ على كيان هده ضياع الحلم تحت أقدام الواسطة والمحاباة ..لكنى جاهدت بالفعل لكى اكون شيئاً مذكوراً فى مجال عملى الأكاديمى .. إلى أن جاءنى حلمى محمولاً فى نعش كبير .
تابعت الأميال تتزايد فى سرعة على اللوحة الموجودة أمامى حتى تعبت عينى ..فأسندت رأسى لمقعدى ..وأنا أحكم غطاء رأسى .. كم تغيرت خلال هذه السنين ..أنا والحلم والرغبة وثوابت الحياة .. ولا أدرى لماذا تذكرت هذه اللحظة ما حدث فى بيتنا منذ شهر ..عندما عارض أخى سفرى للدراسة ..وجاهد أبى لإقناعه للدرجة التى جعلته يأتى بفتوى تبيح سفرى لطلب العلم مادمت فى صحبة آمنة ..آمنة ..هاها .
ما الذى تعنيه هذه العبارة الآن ..الصحبة الآمنة .. وتأملت الوجوه المحيطة بى .. هل سيهب هذا الأشقر لنجدتى لو صرت رهينة فى قبضة مختطف طائرات .. تأملته طويلاً وراودنى هاجس غريب بأنه سيكون هو مختطف الطائرة .. مازلت أسخر كعادتى ..أسخر من كل مايحدث حولى بلا تفكير ..ألم يكن من الأفضل لى أن أرفض هذا الحلم الموئود مسبقاً ..بدلاً من سلبيتى المؤلمة ..نظرت حولى مجدداً أبحث عن وجه أسمر أحتمى به ..كان هناك كثيرون ..وتذكرت ما ينتظرنى عند بوابة دخول العالم الحر ..سيفتشوننى تفتيشاً ذاتياً .. هكذا سمعت .. ولن تغفر لى بذلتى المستوردة والتى جاهدت أختى لتقنعنى بشرائها ..فهى تتعدى حدود ذوقى وحدود تحفظاتى بأميال .. ولن يغفر لى هذا الكم من المساحيق الذى تختفى ملامحى خلفه .. سيظل غطاء رأسى موحياً لهم بمن أكون ..وأفقت على سؤال بالإنجليزية من الشمطاء المتصابية الجالسة بجوارى : هل أنت مسلمة ؟
آه .. بدأنا .