.. من "نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر" لجمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي

(كتاب الألف)، وهو ستة وخمسون بابا:
(أبواب الوجهين)
(1- باب الاتباع)
الأصل في الاتباع: أن يقفو المتبع أثر المتبع بالسعي في طريقه،
وقد يستعار في الدين والعقل والفعل، وذكر أهل التفسير أنه في القرآن على هذين الوجهين:
فمن الأول قوله تعالى في طه: (فأتبعهم فرعون بجنوده)، وفي الشعراء (فأتبعوهم مشرقين).
ومن الثاني قوله تعالى في البقرة: (إذ تبرأ الذين اتبعوا من
الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب). وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة). وفي الأعراف (لئن اتبعتم شعيبا)، وفي إبراهيم (إنا كنا لكم تبعا)، وفي الشعراء (واتبعك
الأرذلون).
ولا يصح هذا التقسيم إلا أن تقول: إن الإتباع والاتباع بالتخفيف والتشديد بمعنى واحد.
(2 - باب أخلد)
أخلد: على وزن أفعل، وهو بمعنى الاعتماد على الشيء والميل
إليه. قال أبو الحسين بن فارس اللغوي: يقال أخلد إذا أقام،
ومثله خلد، ومنه جنة الخلد. وأخلد إلى الأرض: لصق بها. والخلد: البال. والخلدة: القرط.
وجاء في التفسير قوله تعالى: (ويطوف عليه ولدان مخلدون) مقرطون، ويقال: إنه من الخلد. وذكر أهل التفسير أن أخلد في القرآن على وجهين:
أحدهما: بمعنى الميل، ومنه قوله تعالى في الأعراف: (ولكنه أخلد إلى الأرض).
والثاني: بمعنى التخليد. ومنه قوله تعالى في الهمزة: (يحسب أن ماله أخلده)، أي: خلده من الخلود.
(3 - باب الأذان)
الأذان: نداء يقصد به إعلام المنادى بما يراد منه. ومنه الأذان للصلاة، فإذا أصغى إليه المنادى بالاستماع والاستجابة
قيل: قد أذن، ومنه قوله تعالى: (أذنت لربها وحقت)، يريد
استمعت. وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن يجهر به". أي: ما استمع.
وذكر أهل التفسير أن الأذان في القرآن على وجهين:
أحدهما: النداء. ومنه قوله تعالى في الأعراف: (فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين)، وفي يوسف (ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون)،وفي الحج (وأذن في الناس بالحج).
والثاني: الإعلام ومنه قوله تعالى في براءة: (وأذان من الله ورسوله)، وفي فصلت: (قالوا آذناك ما منا من شهيد).
ويجوز أن يعد هذان الوجهان وجها واحدا، فلا يصح التقسيم
إذن.
(4 - باب الاستطاعة)
الأصل في الاستطاعة: أنه استفعال من الطاعة، فسمي الفاعل
مستطيعا؛ لأن الفعل الذي يرومه ممكن مطاوع، وتسميته بذلك قبل الفعل على سبيل المجاز؛ لأن الاستطاعة من العباد لا تكون إلا مع الفعل.
وذكر أهل التفسير أن الاستطاعة في القرآن على وجهين:
أحدهما: سعة المال، ومنه قوله تعالى في آل عمران: (ولله على
الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا)، أي: من وجد سعة من المال. وفي سورة النساء (ومن لم يستطع منكم طولا)، وفي براءة (لو استطعنا لخرجنا معكم).
والثاني: الإطاقة، ومنه قوله تعالى في سورة النساء: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم)، أي: لن تطيقوا. وفي هود (ما كانوا يستطيعون السمع)، أي: لم يطيقوا أن يسمعوا ذكر الإيمان، وفي الكهف (وكانوا لا يستطيعون سمعا)، وفي الفرقان: (فما تستطيعون صرفا ولا نصرا)، وفي التغابن (فاتقوا الله ما استطعتم)، وفي الذاريات (فما استطاعوا من قيام).