السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
بعد إذن أخي سحبان العموري ، و إذن الإخوة الأكارم ،
أحبُّ أن أتناقش مع أخي "ميسر العقاد" في هذه الملاحظات مُنطلقاً من الفائدة المتبادلة بين أفراد أسرة "الواحة"
أولاً : أتفق مع ملاحظتك في الألف بعد "بنو" ، و أنت قُلْت إنها "سهو كتابي" ، و دعني أُضيف كلمة "شائع"
ثانياً : باقي الملاحظات أحسبُ أنها مردودٌ عليها في ضوء قراءة الشعر
و لنبدأ معاً بمفهومين أحسبهما من الأساس عند القراءة الشعرية
(أ) الضرورة الشعرية : هي مخالفة لغوية يلجأ إليها الشاعر مراعاةً للقواعد العروضية و أحكامها
(ب) الشعراء أمراء الكلام كما قال الخليل بن أحمد و غيره
............
* قولك أيها الكريم:عـَظـُمَتْ و منها باللسانِ ِ مَرارُ
المصدر من مرّ المرارة
نعم المُرار بالضم قد تستقيم لك شيئا ما وهو شجر مرّ من أفضل العشب وأضخمه ... ولكن أراك فتحت الميم
- الشاعر كان يُمكنه ضم الميم كما أشرتَ ، و أُضيف كان يُمكنه كذلك كسر الميم "مِرار" كجمع لـ "مرير" ، و لكن لعلّ الشاعر أراد هنا بكلمة "مَرار" بفتح الميم معنى "كل ما يمرّر به " مثلما كلمة "متاع" تعني كل ما ينتفع به
و هذا أبلغ تصويراً
* وقولك كبار لا يستقيم الرفع فيه فرفعه على النعتية ولكن ينبغي والحالة هذه اقترانه بال ( الكبار) لأن الحلوم معرفة ( بالإضافة) والنعت يطابق المنعوت في أمور أربعة منها التنكير والتعريف نعم تصح كبار هنا حالا بدون أل ولكن تختلف حركة القافية
- كبار هنا مرفوعة باعتبارها فاعل على أساس الجملة "حلم كبارُ بني النفوس" ، و لكثرة ما حلمت به كبار النفوس و الإصرار على تحويلها إلى واقع ، فقد حوّل الشاعر الفعل إلى اسم ، وزاد في الأثر بأن جعله جمعاً
* يا سجنيَ المقدورَ فيكَ أُُضارُ
يجب تشديد راء أضار المبني للمفعول أو لما لم يسمّ فاعله( للمجهول في الاصطلاح الدارج وهو خطأ) فهو من ضارّ
أما أضار بدون التشديد فهو من ضار ( كقال)بلا تشديد وليس مستعملا لغة
- حذف التشديد في الراء للتخفيف مثل قول الشاعر :
فقالوا القصاص و كان التقاصُ ... حقاً و عدلاً على المسلمين
حذف التشديد في صاد "التقاص" للتخفيف
* قولك:فإذا عَزَمْتُ مَسَكتني و إذا قـَنِع=ـتُ أهنتني بالله كيفَ خيَارُ
مسك ليس بمستعمل في اللغة وإنما المستعمل في مثل هذا المعنى أمسك
-الفعل مسك هنا بمعنى قبض أو أخذ أو أمسك بـ .. حيثُ يُقال "مسك الشيءَ" أي قبض عليه ، "مسك بالشيء" أي أخذ به و تعلق
* كيفَ خيَارُ يجب اقتران خيار بأل فلا يقال كيف رجل او كيف ضربٌ إنما يعرف ما بعد كيف ككيف زيد وكيف الرجل ........
- "كيف" اسم للاستفهام يتبعه التعجب ، و حيث أن شاعرنا لم يقصد التعجب و حذف بذلك علامته "!" ، فقد حذف أيضاً التعريف بـ "الـ" ، و كأنه فتح أبواب الخيار ، فلم يُحدّد مثلاً خيار البيع أو خيار الردّ أو في البريد الكتروني خيار التحديث و خلافه ، و اعتبر بهذا التنكير للخيار فتح التأويلات ،كما اعتبر ما بعد "كيف" فعلاً لا اسماً كما في قوله تعالى :"كيف تكفرون بالله"
* قولك:إنسان ُ نحنُ إذِ السنونُ قِصارُ
لقد منعت إنسانا الصرف وهو مصروف والجائز في الاضطرارصرف الممنوع لا منع المصروف كما أنك أخبرت بمفرد عن جمع ( نحن إنسان) و لا يستقيم في مثل هذا
-الجائز صرف الممنوع في الضرورات الشعرية القياسية ، أما هنا الضرورة غير قياسية ، و بالتالي يمنع المصروف كما يشاء .. أليس شاعرنا من أمراء الكلام ؟
أماَّ عن قولك أنه أخبر بمفرد عن جمع ، فهذا إذا أخذت الجملة مستقلة بذاتها و خارجة عن السياق العام للقصيدة ، و لكن بالدخول في القصيدة ستجد أن مجموع الروح والنفس و الجسد (الثلاثة جمع) يكافئ تكوين الإنسان (مفرد) ، و هذا ما جاء في القصيدة بصوت الروح
* قولك:ما كُنتُ بالباقيْ بـِلاكِ براحةٍ
لا يصح قولك بلاك فاصلا حرف الجر عن مجروره الضمير بلا وإنما الصواب بغيرك أو بدونك ...
- الأصل في تركيب الجملة "بلا وجودِكِ" ، و حذف الشاعر لفظة "وجود" لأنها معلومة من اتساق السياق ، و كذلك من مُميزات الشعراء القصْر و الاقتصار ، و ليس القصور
* قولك:فلنـمش ِ دربَ العُمرِ في صِلـَةٍ كمامشى لازم يتعدى بحرف جر ولا يستقيم هنا نزع الخافض لأن مداره على السماع
- الفعل نمشي هنا بمعنى نقطع ، و للشاعر أن يُحملَ عدة معانٍ غير القاموسية ، و بمعنى نقطع يكون الفعل متعدياًّ ، و موقع كلمة "دربَ" مفعولن به منصوب صحيحة
* قولك:وإذا عَزَمتِ أنا لقـَدحِكِ نارُ
يجب اقتران جواب الشرط هنا بالفاء لأنه جملة إسمية ( فأنا لقدحك نار)
- تركيبُ الجملة أصله "و أنا لقدحك نارٌ إذا عزمتِ" و "عزمتِ" هنا بمعنى صبرتِ ، و جملة "أنا لقدحكِ نارٌ من المبتدأ و الخبر و الجار و المجرور كلُّها معطوفة على ما قبله "عطف جملة على جملة"
......
كانت هذه رؤيتي عند قراءتي للقصيدة ، و ليس دفاعاً عن القصيدة أو كاتبها ، و إنما بحثاً عن الجمال كي أستمتع بما أقرأ
* وأعتذر عن التأخر في التعليق فلقد كنت بدأت بالتعليق منذ أن أدرجت القصيدة ثم انشغلت عن ذلك
- بدوري أشكر تأخرك حتى تتاح لي فرصة قراءة القصيدة ، فأفهمها بعيداً عن تأثير ملاحظاتك ، و إلاَّ ما كنتُ استمتعتُ بها أول مرة ،
و أشكر تعليقك الذي أدرجتَ هنا لكي أستمتعُ بالقصيدة للمرة الثانية
و التحية لك أخي ميسر العقاد و لشاعرنا سحبان العموري لما تفضلتما به من إثارة للمتعة بالشعر و النقد معاً
صباحكما إبداع وَ رُقيّ