من "الوجوه والنظائر في القرآن الكريم" للدكتور سليمان بن صالح القرعاوي

إذا أردنا أن نوضح الفرق بين التفسير بالوجوه والنظائر، والتفسير المألوف للمفردات يمكن أن نقول:
أولًا: أن التفسير بالوجوه والنظائر يختص بنوع واحد من المفردات، فيذكر عدد الوجوه التي دلّ عليها اللفظ في جميع ما ذكر من آيات، مستعينًا على ذلك بما يرشده إليه موضعها في الآية، ثم يذكر لكل وجه جميع الآيات أو بعضها مما ورد بها اللفظ ودلّ عليه.
ثانيًا: التفسير للمفردات يأتي باللفظ الوارد في القرآن الكريم، فيذكر معناه أو معانيه في اللفظ على طريقة أصحاب المعاجم مستعينًا باللغة أو ما فسره المفسرون دون أن يذكر لفظ ((الوجوه)).
إذًا فالتفسير بالوجوه والنظائر نوع من علوم القرآن الكريم، إذْ يبحث في ألفاظ القرآن، ويوضح ما ورد في أكثر من آية، وكانت دلالته على معناه في واحدة منها غير معناه في الآيات الأخرى التي ورد فيها - أي أن التفسير الذي يختص به هذا النوع يقوم بالنظر في معنى كل لفظ ورد متكررًا في آيات القرآن، وكانت دلالته في آية أو بعض الآيات التي ورد فيها مباينًا لدلالته على معناه في الآية أو الآيات الأخرى، ثم يقوم بحصر تلك المعاني المتعددة، ويجعلها وجوهًا للفظ الواحد.
ولتوضيح ذلك نذكر مثالًا لكل منهما:
لقد ورد في القرآن الكريم مادة لبس في آيات متعددة منها قوله تعالى: "وَلاَ تَلْبِسُواْ الحَقَّ بِالبَاطِل"[البقرة:42] وقوله: "لِمَ تَلْبِسُونَ الحَقَّ بِالبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الحَقَّ"[آل عمران:71]. وقوله: "الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلمٍ"[الأنعام:82]. وقوله: "هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُم لِبَاسٌ"[البقرة:187]. وقوله تعالى: "وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا"[النبأ:10]. وقوله: "قَد أَنزَلْنَا عَلَيْكُم لِبَاسًا يُوَارِى سَوْءَاتِكُم"[الأعراف:26]. وقوله: "يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإسْتَبْرَقٍ"[الدخان:53].
وقوله: "وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ"[الأعراف:26]. وغيرها.
فلو تأملنا اشتقاقات هذا اللفظ في هذه الآيات لوجدنا أن معناه ليس واحدًا فيها، إذ أننا نجد معناه في الآيات الثلاث الأولى ((الخلط))، ومعناه في الرابعة والخامسة (السكن) ومعناه في السادسة والسابعة (الثياب) ومعناه في الثامنة (العمل الصالح) فنعلم أن للفظ (اللباس) أربعة وجوه[37].
أما مثال التفسير للمفردات، فلنأخذ لفظ: ((بيع)).
قال الراغب الأصفهاني في المفردات ((البيع)) إعطاء المثمن وأخذ الثمن، والشراء إعطاء الثمن وأخذ المثمن، ويقال للبيع الشراء، وللشراء البيع وذلك بحسب ما يتصور من الثمن والثمن، وعلى ذلك قوله عز وجل: "وَشَرَوهُ بِثَمَن بَخْسٍ"[يوسف:20].
وقال عليه السلام: "لا يبيعن أحدكم على بيع أخيه" أي لا يشتري على شراه. وأبعت الشيء عرضته للبيع نحو قول الشاعر:
................. فرسًا فليس جواده بمباع
والمبايعة والمشاراة تقالان فيهما، قال الله تعالى: "وَأَحَلَّ اللهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَى"[البقرة:275]. وقال: "وَذَرُواْ البَيْعَ"[الجمعة:9]. وقال: "لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَل"[إبراهيم:21]. وقال: "لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ" [البقرة:254].
وبايع السلطان إذا تضمن بذل الطاعة له بما رضخ له، ويقال لذلك بيعة ومبايعة، وقوله عز وجل "فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم" [التوبة:111]. إشارة إلى بيعة الرضوان المذكورة في قوله تعالى:
"لَّقَدْ رَضِىَ اللهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ"[الفتح:18].
وإلى ما ذكر في قوله تعالى: "إِنَّ اللهَ اشتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ" [التوبة:111] الآية.
وأما الباع فمن الواو بدلالة قولهم: "باع في السر بيوع إذا مد باعه".
فلو تأملنا هذين المثالين لوجدنا الفرق واضحًا بين العلمين: ((علم الوجوه والنظائر، وعلم التفسير بالمفردات))، إذ أن الأول يذكر اللفظ وعدد وجوهه، ثم يضع كل وجه مع اللفظ الدال عليه في الآيات القرآنية. بخلاف التفسير بالمفردات، فهو يأتي ابتداء بالكلمة المفردة، ثم يذكر معناها لغة والاستشهاد عليها بكلام العرب المحتج بقولهم، أو كلام الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم يذكر بعض الآيات التي ورد بها اللفظ في مورد الآية كذا.