أحبتي هذه رسالتي إلى الدكتور سمير الشاعر والإنسان ، والتي ألقيتها في إحدى الأمسيات الأدبية في غرفة الواحة الصوتية على البالتوك أضعها بين أيديكم ، وأرجو أن تجد طريقها إلى قلوب قارئيها:


إلى الدكتور سمير الشاعر والإنسان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإليك أتوجه في رسالتي هذه إلى من لزم الأدب، وفارق الهوى، وعمل في أسباب التيقظ، واتخذ الرفق حزبا والتأني صاحبا، والدنيا مطية، و الآخرة منزلا.
أتوجه إليك بعد أن أقعدني العجز عن رد الجميل في حينه، وشكر الفضل في وقته، فقد وقعت بين براثن الأيام لا ألوي على شيء..
حاولت أن أصوغ لك في رسالتي حرفا جديدا لم يعهده قلمي من قبل، ولكن الدهشة كانت تقف لي عند كل مفترق شعور، وقررت بعد تفكير طويل أن أقرأك من شعرك ؛ لأنني أطمح إلى الوصول إلى أعلى مراتب الأحلام مستعينا بحرف شامخ ؛ لأنني لا أحب ارتكاب جناية الغياب عن نصوصك..
بالأصدقاء تزين الأيام وتطول في إخلاصهم أعوام
وهم البساتين التي تصفو بها بهم الجمال ومنهم الإلهام
إن الصديق الحق مرآة الفتى يخشى عليه ولا يزال يلام
وأري الصديق مكارمي ومحاسني فيكون منه الصدق والإكرام

هكذا قرأتك- أيها الحبيب- من أبيات تقطرت صدقا، جعلت فيها أصدقاءك بساتين تصفو بها للجمال، وكنت كما قلت مرآتي التي أرى نفسي فيها، تريني مكارمك ومحاسنك ، فيكون منك الصدق والإكرام وليس غيرهما..
أحببتك بكل طهر الحرف الذي يستحوذ على عالم النقاء، وقرأتك فركضت كل خيول الحب إلى تخوم واسعة الجموح..قرأتك كما لم أقرأ أحدا من قبل، وأكاد لا أبرح النور الصادر عن حروفك..وسيبقى سر علاقتي بحرفك في داخلي أضن به حتى على صفحاتي، فهل سأتبخر من ذاكرتك أيها النقي؟؟
وأراك تقتحم فصولي لتوحد مناخاتها في غيثك.. وحدها حروفك قادرة على اقتلاع ما تبقى لدي من ثبات..
أسافر عبر قصائدك..أجوب وجوه الحروف المتألقة؛ لألتقي الوطن الجريح فيها.. ألست القائل:
أعادك العيد أم عادت عوادينا أم استعادت من الذكرى دواعينا
أشجاك من مهجتي نجوى أرددها شعرا يفيض يغير السعد تلحينا
فصرت للألم المكتوب مدمنة وصرت بالأمل المكذوب تغرينا
أعانق الفجر في عينيك مبتسما وألثم الزهر في خديك والتينا
وأعصر الوجد آهات معتقة وأملأ الكأس مما أودعت فينا
إني أموت بهذا البين فاجتهدي أن لا أموت بعيدا عن أراضينا
حبيبة أسكنت قلبي وتسكنني وفي الشغاف أناديها فلسطينا

أواه!!! كم أشجتني هذه الرائعة أيها الفلسطيني المهاجر إليها رغم غربتك على جناح الحرف.. ويبدو أنه في نبضة كل قلم منا جرح يتبرعم مع مصافحة الحرف، نتوزع بين المنافي، نخترع أرصفة للأحلام ، ومقاهي نقرأ عليها حدود ذواتنا ، ونقلب صفحاتها ، ونشرب عصائرها ، ونحتمي بكل ما يشبهنا.
أرغفة الشوق إلى عالم مثالي ما تزال ساخنة؛ لأن حرفك يشعل من تحتها نار الحقيقة، ويكفينا ملامسة الكلمات لنستطعم أعمار المارين في عالمنا، وإذا كان الوطن بعيدا فلنغف معا على وطن نصنعه بالكلمات..
وهل يحلو بعين المرء عيش إذا هو لم يذق عذب التداني
ومن كأس الوفاء سقاه صحب وأسبغ ستره ثوب الزمان
ولي قلب يفيض بكل حب لكل الناس من قاص ودان
دعوني أسعد الدنيا بشعر وأنقش للهوى أحلى المعاني

تالله لقد فعلتها- أيها السامق-، فقد بت أناسمك من عبير حروفك، ولم تعد تعنيني الأمكنة؛ لأنني اخترت حروفك ملاذا آوي إليه عند اشتداد الحياة، لأقبض على حرف خشية أن يتفلت من بين أصابعي..
أما وصلك- يا مالئ حقائب أيامي- فإنني أعيشه ، حتى بات سليل الوجد لحرف نقي أعتصر جماله، وأخيط الأحلام من سلافته، وأداعب ظلالك مع نسائمك العذاب..
عانقيني قبل أن تمضي السنون وامسحي بالحب إشفاق المنون
وسم الدهر حياتي بالأسى يا أماني العمر يا سحر العيون
إنني مازلت طفلا ظامئا لابتسام الثغر للصدر الحنون

نعم – والله- إنك لطفل تسكن الحروف؛ فأية حروف ندية تلك التي تنقلنا إلى عالم الذكريات، وتتسلق الشموخ لتصيح على وطن يشرق من نبضات حرف..؟؟
يا لقلب قد تردى من شجن كتب الشوق سطورا والزمن
كل ما حولي سراب بائس كل ما حولي وجوه من وسن
غربة طالت وما زالت بنا نزعة الحب شوق للوطن

عندما أقرأك أتذكر قول مالئ الدنيا وشاغل الناس الذي وعدتني بمساجلة قصيدته ( واحر قلباه) .. أتذكره وهو يقول:
وهكذا كنت في أهلي وفي وطني إن النفيس غريب حيثما كانا

أما أنا- يا صاحبي- فإنني ألملم قوتي وضعفي، حلمي وواقعي، وأجمّع بعضي إلى بعضي لأسابق الريح إلى الدخول في حنايا عالمك؛ لأقدم تقرير وفاء لحرف عشقته .. أتدري لماذا؟؟!!
لأنني أقرأ في شعرك أشياء تشبهني، فكم من شاعر يحسن احتواء محبيه؟؟!!
الحبيب الدكتور سمير: يا بقايا الصدق في أرض كاذبة .. تحية لك تطاول شموخك، وأنت هناك بين حروفك في مدائن الأحلام..
كتبت لك رسالتي هذه ؛ لأنني عشتك نقاء، وعذوبة الروح المشتركة بيننا تدفعني لأحدثك بكل اللغات، حتى بلغة الصمت التي أراها أبلغ في التعبير عني..
أرتدي أمام نصوصك وجه عاشق للحرف، لم تبخل عليه بالجواهر، وأتقاسم معك الأحزان والذكريات والأيام المعتقة بالطهر، وأشرع لاستقبال حرفك بألف شوق، فأشعر بأنه بريد دافئ..
غنى الربيع فكان منه نجواك أسر الوجود بسحرك الفتاك
النحل يعمل والفراش مداعب يسقى الرحيق الحلو من ريّاك
إن الربيع إذا تنفس عطره واختال بالزهر الذي حاكاك
أو غردت شفتاه شدوا هامسا بلسان طير ضاحك متباك
يا ظبيتي أنت الربيع لمهجتي بكت الزهور فما الذي أبكاك

أية لغة تلك التي يصوغها قلمك أيها الرائع؟؟.. لكأنك أنا ، مع الفارق بأنك أكثر قدرة مني على التعبير ، فنحن نقتات على بقية أوراق عمر يدعونها الذكريات.. يرحل حرفنا بين شرايين من يقرأ لنا، ونعيش معا في دهاليز الشوق، ألا ترى أنك أنطقت الطبيعة في قصيدتك السابقة؟؟
أعلم – أيها السامق- أنني لست ندا لحرفك، ولا خصم بيان ، ولكنني أعيش الحرف لأحتسي سلافته من كرمة الآخرين..أشربه حتى التيه، وأشعر برعشاته ، واشتعل جمرا لا يتقن الانطفاء..
أما أنت أيها الشاعر الإنسان .. فتصبح على وطن يشرق من حروفك..
أخوك المخلص دائما: سلطان الحريري