رن الجوال يحمل بشرى حصول الأخ الصديق د. موسى أبو دقة على درجة الأستاذية في الأدب والنقد ، وكنت عرفته مجتهدا للتفوق في الوصول إلى آفاق مختلفة والعناية بنقد الأدب المميز في عصرنا الحالي على غير عادة جل النقاد فكانت هذه القصيدة مهداة إليه ولكل من يصدق المعالي.

صِدَاقُ المَعَالِي صِدْقُ مَا فِي الضَّمَائِرِ
وَسُقْيَا الليَالِي مِنْ مَآقِي المُثَابِرِ
وَعَزْمَةُ ذِي هَمٍّ وَإِدْرَاكُ عَارِفٍ
وَرُؤْيَةُ أَبْصَارٍ وَرُؤْيَا بَصَائِرِ
يَقُومُ لَهَا المِقْدَامُ مِنْ غَيرِ فَتْرَةٍ
وَيَسْعَى إِلَيهَا قَبْلَ سَعْيِ الخَوَاطِرِ
فَيعْرُكُهَا بِالفَهْمِ وَالحِلْمِ وَالتُّقَى
وَيُدْرِكُهَا بِالعَزْمِ فِي مَتْنِ شَاكِرِ
وَمَا الفَخْرُ إِلا فِي النُّهَى قَبْلَ جَهْلِهَا
وَنَدْبِ العَطَايَا قَبْل نَشْبِ الأَظَافِرِ
وَلًوْ بَاتَ ذُو هَدْيٍ سَوَاءً وَذُو هَوَى
لَسَاوَى البَرَايَا بَينَ بَرٍّ وَفَاجِرِ
وَقَدْ يَسْتَوِي فِي الوُدِّ قَوْمٌ وَإْنَّمَا
أَوَائِلُ مَنْ يَلْقَاكَ غَيرُ الأَوَاخِرِ
وَلَيسَ الذِي بِالقَوْدِ يَغِلِبُ دَهْرَهُ
كَمِثلِ المُسَجَّى بِالجُدُودِ العَوَاثِرِ
وَإِنَّ لأَهْلِ الفَضْلِ فِي النَّفْسِ حُظْوَةً
تَفُوقُ بِهِمْ بَينَ النُّجُومِ الزَّوَاهِرِ
وَلَكِنَّ مُوسَى فَاقَ فِي القَدْرِ غَيْرَهُ
كَمَا فَاقَ زَهْرٌ فِي الغُصُونِ النَّوَاضِرِ
يُعَدُّ مِنِ الأَقْرَانِ أَوَّلَ أَوَّلٍ
إِذَا عُدَّ أَهْلُ الفَضْلِ عِنْدَ المَفَاخِرِ
كَرِيمٌ وَإِنْ فِي الكَفِّ إِلا كَفَافُهُ
حَلِيمٌ وَإِنْ فِي العَفْوِ إِغْراءُ غَادِرِ
سَمَا مُشْمَخِرًّا لِلعُلا غَيرَ عَاذِلٍ
وَغَيرَ مُقِلٍّ جُهْدَهُ غَيرَ عَاذِرِ
مُكِبًّا عَلَى الآدَابِ يَنْأَى عَنِ السُّهَا
إِلَى فَرْقَدٍ فِي الأُفْقِ فَوْتَ النَّوَاظِرِ
يُبَادِرُ لا يَرْضَى مِنِ الصَوتِ بِالصَّدَى
وَلا يُدْرِكُ العَلْياءَ مَنْ لَم يُبادِر
تَرَاهُ إِلَى الإٍبْداَعِ أَحْصَفَ نَاقِدٍ
وَعَنْهُ إِلَى الإِمْتَاعِ أَنْصَفَ نَاثِرِ
وَكَمْ حَائِزٍ عِلْمًا عَلَى ظَهْرِ رِقْعَةٍ
وَقِيمَتُهُ فِي الصَّدْرِ لا فِي الدَّفَاتِرِ
وَلَكِنَّهُ البَحْرُ الخِضَمُّ لِطَالِبٍ
صَقِيلَ اللآلِي أَو نَفِيسَ الجَوَاهِرِ
يَجُودُ عَلَى الطُّلابِ مِنْ فَيضِ عِلْمِهِ
وَيَشْرَحُ مَا يُفْضِي بِحِرْفَةِ مَاهِرِ
وَإِنَّ لِسَانَ الحَمْدِ يَسْعَى بِذِكْرِهِ
وَيَسْرِي كَنَشْرِ المِسْكِ فَوقَ المَنَابِرِ
وَإِذْ غَرَّدَ الجَوَّالُ يُزْجِي بِشَارَةً
بدَتْ فِي عُيُونِ الوُدِّ خَيرَ البَشَائِرِ
تَقُولُ هُوَ الأُسْتَاذُ فِي النَّقْدِ قُلْتُ بَلْ
هُوَ السَّيِّدُ الأُسْتَاذُ فَذُّ النَّظَائِرِ
هَنِيئًا لأَهْلِ العِلْمِ مَا أَنْتَ فِيهُمُ
فَإِنَّكَ يَا مُوسَى مِدَادُ المَحَابِرِ
وَإِنَّكَ بَدْرُ الدَّهْرِ يَنْبُوعُ نَهْرِهِ
جَدِيرٌ جَلِيلُ القَدْرِ وَابْنُ الأَكَابِرِ
خَلَعْتَ بِطَوْدِ النَّقْدِ نَعْلَيكَ مُبْدِعًا
تَرَى بَاطِنَ الأَشْعَارِ قَبْلَ الظَوَاهِرِ
وَحُزْتَ عَصَا مُوسَى تَهُشُّ عَلَى النُّهَى
إِلَى حَيث نُبْلِ القَصْدِ نَيْلِ المَآثِرِ
وَمَا زِلْتَ مَا أَلْقَاكَ بُسْتَانَ بَهْجَةٍ
طَلِيقَ المُحَيَّا أَلْمَعِيَّ النَّوَادِرِ
كَأّنَّ عَذَارَى المَجْدِ شَاءَتْكَ رَبَّهَا
تَوَضَّأُ كَي تَرْضَى بِطُهْرِ السَّرَائِرِ
لَهَا فِي رَوَابِي الشَّامِ فِي مِصْرَ نَفْحَةٌ
وَيَسْرِي شَذَاهَا فِي رُبُوعِ الجَزَائِرِ
وَمَا يَجْتَبِي ذُو الرَّأْيِ إِلا نَظِيرَهُ
وَمَا يَجْتَنِي إِلا لَطِيفُ المَعَاشِرِ
لَكَ الوُدُّ يَا مُوسَى عَصَرْتُ سُلافَهُ
وَذَلكَ حَمْدُ القَلْبِ لا مَدْحُ شَاعِرِ
وَبَاتَتْ لَنَا بَينَ السُّويدِ وَغَزَّةٍ
تَبَارِيحُ مُشْتَاقٍ وَدَمْعَةُ حَائِرِ
وَكُنْتُ بِكُمْ وَاللهِ وَدَّعْتُ وَحْشَتِي
وَكُنْتُ بِكُمْ وَاللهِ قَرَّتْ مَشَاعِرِي
وَإِنِّي وَإِنْ فَارَقْتُ قَسْرًا لَحَافِظٌ
وَجَاعِلُ هَذَا الوُدَّ خَيرَ ذَخَائِرِي