من شعري القديم منقحا


رِفْقَاً بِقَلْبٍ بِالصَّبَابَةِ ذَابَا
رَشَقَتْهُ سَهْمَاً لِلهَوَى فَأَصَابَا
لا تَعْذِلُوا فَلَقَدْ تَمَرَّدَ وَالذِي
بَرَأَ القُلُوبَ فَما يَرُدُّ جَوَابَا
فَتَنَتْهُ يَا وَيْحَ الْهَوَى كَمْ حَنْظَلٍ
غَرَسَتْ يَدَاهُ وَبِالمَحَبَّةِ طَابَا
أَشْقَى وَأَسْقَى مِنْ كُؤُوسِ مِزَاجِهِ
مَا فِيهِ يَمْزُجُ بِالنَّعِيمِ عَذَابَا
يَا نَفْسُ مَا لَكِ وَالتَّقَلُّب فِي الجَوَى
وَأَنِينُ غَيْرِكِ قَدْ أَطَارَ غُرَابَا
إِنِّي عَهدْتُكِ فِي الغَرَامِ عَصِيَّةً
فَخُذِي المَهَابَةَ وَالوَقَارَ حِجَابَا
أَرَأَيْتِ إِلا العِشْقَ إِنْ سَكَنَ الحَشَا
لَمْ يُبْقِ إِلا أَعْظُمًا وَإِهَابَا
وَإِذَا تَمَكَّنَ فِي الشِّغَافِ أَذَابَهَا
وَأَرَابَ أَحْصَفَ أَهْلِهِ وَأَشَابَا
يَا نَفْسُ صُدِّي القَلْبَ عَنْ كَأْسِ الهَوَى
فَالعِشْقُ خَمْرٌ يَسْلبُ الأَلْبَابَا
وَعُيُونُهُ مِنْ سِحْرِ هَارُوتَ انْبَرَتْ
تَرْنُو لِنَبْعٍ لا تَرَاهُ سَرَابَا
يمْتَاحُ مَا يَنْأَى فَيَعْذُبُ فَيْضُهُ
وَيَصِيرُ مَا يَدْنُو إِلَيكِ يَبَابَا
يَا رَجْفَةَ القَلْبِ المُعَانِدِ شَفَّنِي
مِنْكِ الحَنِينُ فَأَنْضَجَ العُنَّابَا
أَوَكُلَّمَا كَفَرَ اسْتِيَاؤُكِ بِالهَوَى
خَرَّ اشْتِيَاقُكِ رَاكِعًا وَأَنَابَا
تَشْكِيْنَ مِنْ فَجْرٍ تَرَقْرَقَ كَالنَّدَى
أَغْرَى الفُؤَادَ وَغَلَّقَ الأَبَوَابَا
أَلْقَى إِلَيكِ شُؤُونَهُ وَفُتُونَهُ
حَتَّى يَكَاد العَقْلُ مِنْهُ ذَهَابَا
وَأَرَاكِ مِنْ أَمَلِ اللِقَاءِ تَأَسِّيَاً
وَأَرَاكِ مِنْ طُولِ الفِرَاقِ عُجَابَا
وَأَثَارَ فِيكِ الذِّكْرَيَاتِ عَنِ الْهَوَى
وَأَذَلَّ دَمْعَاً عَزَّ أَنْ يَنْسَابَا
أَوَّاهُ يَا هَذَا الفُؤَاد أَسَرْتَنِي
بِحَنِينِ مَنْ ذَاقَ النَّوَى أَحْقَابَا
أَوَّاهُ مِنْ شَوْقٍ تَمَلَّكَنِي فَمَا
حَسَبَ الرَّزِينُ لِمَا يُرِيدُ حِسَابَا
وَاللهِ لَولا أَنْ يُسَفِّهَنِي الهَوَى
لَجَنَيتُ مِنْ نَحْلِ الحَبِيبِ رِضَابَا
أَحْبَبْتُهَا مُنْذُ الشَّبَابِ وَلَمْ أَزَلْ
فِي رَوْضِهَا أَتَنَشَّقُ الأَطْيَابَا
وَتَرَبَّعَتْ فِي مُهْجَتِي أَحْلامُهَا
طَيْفًا عَلَى عَرْشِ الوَفَاءِ مُهَابَا
فَغَدَوْتُ لا أَجِدُ الْحَيَاةَ بَدِونِهَا
وَغَدَوْتُ أَسْتَجْدِي الزَّمَانَ شَبَابَا
وَرَأَيْتُ فِي لَحْظِ العُيُونِ مَعَابِدًا
فَجَعَلْتُ فِيهَا لِلهَوَى مِحْرَابَا
فَإِلَى مَتَى بِالحُلْمِ تَنْتَهِبُ الخُطَى
أَمَلا وَيُوقِظُكَ المَشِيبُ فَتَابَى
وَإِلامَ تَجْعَلُ فِي التَّعَلُّلِ عِلَّةً
وَاللُّدْنَ فِي الغُصْنِ الرَّطِيبِ صِلابَا
يَا أَنْتِ يَا بِنْتَ الخَيَالِ عَلَى المَدَى
قَمَرًا يُسِيلُ سَنَا الجَمَالِ لُعَابَا
يَا بَهْجَةَ الإِحْسَاسِ زَهْرَةَ جَنَّةٍ
تَصْبُو لَهَا كُلُّ القُلُوبِ طِلابَا
فَالدُّرَّ مَا تَهْوَى النُّفُوسُ بَرِيقَهُ
وَالْحُرَّ مَنْ يَرْجُو الوَرَى إِعْجَابَا
لَكِنَّ أَكْثَرَهُا هُيَامًا زَهْرَتِي
قَلْبٌ يَرَاكِ عَلَى تُقَاهُ ثَوَابَا
قَلْبِي وَمَنْ يَغْنَمْ بِقَلْبٍ مِثْلِهِ
يَغْنَمْ بِأَنْهَارِ الغَرَامِ عِذَابَا
يَا زَهْرَتِي إِنِّي أُرِيدُ نَضَارَتِي
مِمَّنْ سَمَا خُلُقَاً فَسَارَ سَحَابَا
قَدْ عِشْتُ فِي أَمَلِ الوُصَالِ وَمَا أَرَى
إِلا الوُصَالَ وَلا سوَاهُ جَوَابَا
إِنِّي أُحِبُّكِ يَا مَلِيكَةَ مُهْجَتِي
حُبًّا أَنَابَ فَمَ الحَنِينِ وَحَابَى
أَنَا لَسْتُ مِمَّنْ يَخْدَعُونَ لِيَحْتَسُوا
شَهْدَ الْهَوَى أَو عَابِثًا يَتَصَابَى
شَرَفٌ عَظِيمٌ أَنْ يَكُونَ لَنَا الرِّضَا
فَنَكُون فِي كَفِّ الزَّوَاجِ خِضَابَا
إِنْ شَاكَ بَعْضُ الشَّكِّ قَلْبَكِ فَاسْمَعِي
شَكْوَى الهَوَى إَنْ يَسْتَطِعْكِ خِطَابَا
النَّوْمُ عَزَّ لِقَاءُهُ وَتَقَرَّحَتْ
مِنِّي الْجُفُونُ وَنُورُ فَجْرِكِ غَابَا
وَالقَلْبُ مِنْ غَيْرِ ابْتِسَامِكِ عَابِسٌ
يَذْوِي إِذَا مَا فَارَقَ الأَحْبَابَا
وَالعُمْرُ أَيَّامٌ تَمُرُّ وَتَنْقَضِي
إِلا زَمَانًا كُنْتِ فِيهِ صَوَابَا
وَلَقَدْ رَأَيْتُكِ لِلْمَكَارِمِ رِفْعَةً
فَجَعَلْتُ حُبَّكِ لِلطُّمُوحِ رِكَابَا
إِنِّي أُعِيذُ الصَّدَّ أَنْ أَسْعَى بِهِ
نَحْوَ الْهَلاكِ عَلَى عُلاكِ عِقَابَا
فَنَوَاكِ أَظْمَأَ بِالشَّقَاءِ حُشَاشَتِي
مَا ضَرَّ لَو جَعَلَ الهَنَاءَ شَرَابَا
لَوْ كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ مَنْ أَشْكُو لَهُ
هَذَا الْحَنِينَ بِحُرْقَةٍ مُرْتَابَا
مَا قُلْتُ مَا سَفَحَ الفُؤَادُ مِنَ الأَسَى
وَلَصُنْتُ جَنْبِي مِنْ رَجَاءٍ خَابَا
لَكِنَّ أَسْبَابَ السُّرُورِ تَعَذَّرَتْ
فَلَعَلَّنَا أَنْ نُدْرِكَ الأَسْبَابَا
هَذَا ابْتِهَالِي فِي جَنَابِكِ حَاسِرًا
وَرَجَاءُ قَلْبِي أَنْ يُعَزَّ جَنَابَا