مَا الأَمْرُ يَا دُنْيَا أَشَكْتِ طَرِيقِي
وَمَلأْتِ مِنْ صَابِ الأَذَى إِبْرِيقِي
جَاءَتْكِ أَيَّامِي تَجُودُ بِرَبِّهَا
تُهْدِيكِ صِرْفَ زَبَرْجَدٍ وَعَقِيقِ
فَأَخَذْتِ مَا أَبْقَيتِ إِلا وَاجِمًا
أَسَرَ الوَقَارُ دُمُوعَهُ فِي المُوقِ
أَشْقَيتِ حَتَّى قَالَ غَاضِبُ عِزَّتِي
مِنْ ذَاتِ كَأْسِكِ ذَاتَ بَأْسِكِ ذُوقِي
قَدْ حِرْتُ أَبْتَدِرُ الأُمُورَ مُسَدِّدًا
وَأَنَا الحَفِيدُ البَرُّ لِلفَارُوقِ
هَلْ أُذْهِبَنَّ العُمْرَ بَيْنَ حُثَالَةٍ
فِي غَيرِ شَرٍّ غَيرِ ذَاتِ عُرُوقِ
وأَعِيشُ أجْتَرِعُ الجُحودَ بِصُحْبَةٍ
سَدُّوا عَلَى الإِخْلاصِ كُلَّ طَرِيقِ
لِلخَالِقِ المَوْلَى المُهَيْمِنِ قَدْ عَصَوا
وَتَسَابَقُوا فِي طَاعَةِ المَخْلُوقِ
هَيْهَاتَ ، لا عَيْشٌ يَطِيبُ عَلَى القَذَى
فِي حُلَّةِ التَّزْيِينِ وَالتَّنْمِيقِ
وَرَكِبْتُ صَهْوَةَ هِمَّتِي مُتَعَفِّفًا
ذُلَّ السُّؤَالِ أَحُثُّ صَوبَ شُرُوقِ
أَمْضِي عَلَى حَسَكِ الوَفَاءِ مُذَمَّمًا
أَنِّي الغَرِيبُ أَسِيرُ دُونَ رَفِيقِ
وَلَقَدْ أَصَابَ القَوْمُ إِنَّ خَلائِقِي
تَأْبَى اجْتِبَاءَ الصَّاحِبِ المَمْذُوقِ
مَاذَا اتِّخَاذُ الصُّفْرِ حِينَ تَزَيُّنٍ
وَصَدَى سَرَابِ الوُّدِّ حِينَ وُثُوقِ
خَيرٌ لَكَ الحِرْمَانُ مِنْ مَنِّ الأَذَى
وَعَدَاءُ حُرٍّ مِنْ وِدَادِ صَفِيقِ
فَالوُدُّ إِلا مِنْ حُشَاشَةِ صَادِقٍ
يِفْنَى ، وَيَقْضِي الدَّهْرُ بِالتَّفْرِيقِ
وَرَأَيتُ عَبْدَ الخَالِقِ العَفَّ الذِي
مِنْ يُوسُفَ الكَحْلُوتِ خَيرُ صَدِيقِ
فَعَلِمْتُ أَنَّ البِّرَّ يَرْفَعُ أَهْلَهُ
وَعَلِمْتُ أَنَّ القَلْبَ غَيرُ طَلِيقِ
مَا زَالَ فِي جَنْبِي يُحَلِّقُ خَافِقًا
بِالوِّدِّ حَتَّى جَدَّ فِي التَّحْلِيقِ
وَتَبَسَّمَتْ عَينُ الرَّضَا فَتَلَتْ عَلَى
طِرْسِ ابْتِهَاجِي عَهْدَ ذِي تَوثِيقِ
يَا أَيُّهَا الهَرَمَانِ أَيْنَ لِشَاعِرٍ
قَصَدَ الثَّنَاءَ يَراعَةُ التَوفِيقِ
الصَّوتُ بَاتَ أَمَامَ قَدْرِكُمَا صَدَى
مِنْ وَامِقٍ وَالشِّعْرُ غَيْرُ مُطِيقِ
زَانَتْ خِلالَكُمَا الصُّرُوفُ تَرَفُّعًا
وَتَوَاضُعًا فِي المَنْصِبِ المَرْمُوقِ
وَغَدَا الرُّقِيُّ عَلَى الشَّمَائِلِ مِنْكُمَا
كَالشَّهْدِ يَسْرِي سَائِغًا فِي الرِّيقِ
إِنْ قُمْتُمَا لِلأَمْرِ قَامَ وَإِنْ أَبَى
وَأَقَمْتُمَا لِلحَقِّ خَيرَ فَرِيقِ
وَأَصَبْتُمَا بِالرُّشْدِ رَأيَ مَحَنَّكٍ
وَبِعَزْمِ مَنْ يَسعَى إِلَى التَّحْقِيقِ
وَبَلَغْتُمَا بِالعِلْمِ أَشْرَفَ رُتْبَةٍ
نَهَضَ الحَسُودُ لَهَا بِغَيرِ لُحُوقِ
أَنْبَتُّمَا رِيشَ الفُؤَادِ فَرَفْرَفَتْ
مِنِّي المَشَاعِرُ فِي سَمَاءِ سُمُوقِ
وَهَبَبْتُمَا الرِّيحَ النَّسِيمَ بِمُهْجَةٍ
خَالَتْ جَمِيعَ الوُّدِّ غَيرَ حَقِيقِي
نَزَلَتْ بِنَا بَرْدًا بِأَكْرَمِ صُحْبَةٍ
ثُمَّ انْثَنَتْ عَنْ خَافِقٍ مَحْرُوقِ
فَالقَلْبُ صَفَّقَ ، إِنْ يَبِنْ عَنْكُمْ يَجِدْ
وَإِنِ التَقَاكُمْ بَاتَ كالمَسْرُوقِ
لَكَأَنَّ قَانُونَ التَّجَاذُبِ قَدْ جَرَى
بِتَجَاذُبِ الأَشْبَاهِ دُونَ عُقُوقِ
تَحْلُو بِمِثْلِكُمَا الحَيَاةُ لِسَالِكٍ
دَرْبَ العُلا وَتَزُولُ زَفْرَةُ ضِيقِ
وَعَلَى دُرُوبِكُمَا الرِّجَالُ تَنَكَّبَتْ
بِنَقَاءِ أَفْئِدَةٍ وَصَفْوِ رَحِيقِ
مَا انْفَكَّ يَدْفَعُنِي الفُؤَادُ إِلَيكُمَا
وَلَعَلَّهُ بِالدَّفْعِ غَيرُ خَلِيقِ
لَكِنْ لِمِثْلِكُمَا تُشَدُّ رَوَاحِلٌ
مِنْ كُلِّ فَجٍّ فِي البِلادِ عَمِيْقِ