يَا مَنْ تَسَاءَلَ بِالأَسَى مَذْهُولا
أَنْصِتْ إِلَيَّ لِتَسْمَعَ التَّأْوِيلا
إِنِّي رَأَيتُكَ فِي الوَرَى مُتَفَرِّدًا
وَوَجَدْتُ قَلْبَكَ بِالنَّدَى مَصْقُولا
للهِ دَرُّكَ! مَا لِعَينٍ أَنْ تَرَى
فِي اللَيْلِ إِلا وَحْشَةً وَسُدُولا
مَاذَا تُؤَمِّلُ فِي الضِّبَاع مَتَى ارْتَقَتْ
عَرْشَ السِّبَاعِ وَجَوَّعَتْ مَنْ عِيلا
فَاسْتَعْبَدُوا السُّفَهاءَ مِمَّنْ أَخْبَتُوا
وَالسَّوْطُ فِيهِمْ يَجْلدُ التَّسْوِيلا
بَذَلُوا القَدَاسَةَ هَاتِفِينَ لِقَادَةٍ
خَانُوا الشُعُوبَ وَأَتْقَنُوا التَّمْثِيلا
هُمْ فِي الْخُطُوبِ يَدُ الكُرُوبِ وَفِي الوَغَى
كَانُوا عَلَى مَعْنَى الهَوَانِ دَلِيلا
وَهُمُ الذِّينَ إِذَا تَبَرَّجَ رَأْيُهُمْ
جَعَلَ العَلِيمَ بِمَا يَخُوضُ جَهُولا
طَلَبوا الأَمَانَ وَبِالأَمَانِيَ خَذَّلُوا
لاذُوا بِهَا وَبِعَجْزِهِمْ تَعْلِيلا
مُتَوَسِّمِينَ مِنَ العَدُوِّ سَلامَةً
فَكَأَنَّ فِي ثَبَجِ المُنَى مَا نِيلا
وَيْلٌ لَهُمْ يَوْمَ اللِقَاءِ إِذَا غَدَا
زِنْدُ الفِدَاءِ بِقَيْدِهِمْ مَغْلُولا
وَلَقَدْ أَمَلْتُ بِأَنْ يُحَرَّرَ قَيدُهُمْ
لَمَّا رَأَيْتُ غَدَ الرَّجَاءِ رَسُولا
يَا أُمَّةَ الإِسْلامِ كَيْفَ حَيَاتُكُمْ
تَصْفُو وَقَدْ بَاتَ الْهِلالُ خَجُولا
قَسَمًا بِمَنْ جَعَلَ الشَّهَادَةَ عِزَّةً
لَنْ يَغْلِبَ الشَّرُّ الهُدَى وَيَطُولا
يَا أُمَّةً عَكَفَتْ عَلَى أَهْوَائِهَا
لَمْ تَأْلُ لَهْوًا فِي المَدَى وَعَوِيلا
بِالدِّيْنِ أَنْتُمْ وَالكَرَامَةِ وَالعُلا
كُنْتُمْ قُلُوبًا لِلوَرَى وَعُقُولا
شَهِدَتْ لَكُمْ تِلْكَ السَّوَابِحُ وَالقَنَا
وَنَدَى الْمُرُوْءَةِ وَالقُرُونُ الأُولَى
مَا بَالُكُمْ يُزْرِي البَوَارُ بِعِزِّكُمْ
وَيَسُوْسُكُمْ بِالذُّلِّ جِيلاً جِيلا
خَمْسُونَ عَامًا أَوْ يَزِيدُ وَعِرْضُكُمْ
فِي القُدْسِ يَشْكُو الرِّجْسَ والتَّنْكِيلا
قَامَتْ لَهُ صُهْيُونُ تَهْزَأُ مِنْكُمُ
وَتُذِيقُكُمْ طُغْيَانَهَا الْمَجْبُولا
مِنْ خَلْفِهَا زَحَفَ الصَّلِيبُ بِحِقْدِهِ
قَرَعَوا وَبَعْضَ الْخَائِنِينَ طُبُولا
شَاءُوا بِدَعْوَى العَالَمِيَّةِ دَوْلَةً
لا تَقْبَلُ التَّدْوِيلَ والتَّبْدِيلا
وَأَتَتْ عَلَى أُسُسِ العَدَالَةِ حِينَمَا
خَافَتْ عَلَى هَذَا النِّظَامِ أُفُولا
كَابُولُ وَالأَقْصَى عَلى طُغْيَانِهِمْ
"حَكَمًا أَسُوقُ وَشَاهِدَينِ عُدُولا"
وَاليَوْمَ قَدْ عَادُوا إِلَى مَا أَسْلَفُوا
أُمَمًا تُعَرْبِدُ بُكْرَةً وَأَصِيلا
طَلَعَت عَلَى بَغْدَادَ تَهْتِكُ سِتْرَها
وَفَسَادُهَا مُتَأَهِّبٌ لِيَصُولا
قَدْ سَيَّرَتْ دُجَجَ السِّلاحِ وَظَنُّهَا
أَنَّ السِّلاحَ لَهُ الأَيَادِي الطُولَى
حَتَّى قَطَعْنَ إِلَى العِرَاقِ بُحُورَنَا
وَأَذَقْنَنَا وَبِمَالِنا التَّقْتِيلا
يا أُمَّتِي هَابِيلُ يَقْتُلُهُ أَخٌ
هَلا حَفِظْتَ الرَّحْمَ يَا قَابِيلا
أَيْنَ الغُرَابُ يُرِي الذِينَ تَجَهَّمُوا
سَوْءَاتِهِمْ وَيُفَسِّرُ التَّنْزِيلا
أَيْنَ السَّفِيْنَةُ فَابْنُ نُوْحٍ قَدْ عَصَى
وَطَغَتْ ثَمُودُ بِنَاقَةٍ تَضْلِيلا
أَيْنَ الأُخُوَّةُ فِي عَقِيدَةِ مُؤْمِنٍ
فَرْضًا يُحَرِّمُ أَنْ يَكُونَ خَذُولا
يَا أُمَّتِي إِنِّي رَأَيْتُ شَتَاتَكُمْ
سَبَبَ البَلاءِ وَعَيْشَكُمْ تَأْمِيلا
مَنْ كَانَ يَحْلُمُ بِالسَّلامِ فَإِنَّمَا
دُونَ السَّلامِ المَوتُ يَقْبَعُ غُولا
وَلَئِنْ طَغَى فِي الدَّهْرِ حُكَّامُ الرَّدَى
فَلأَنَّهُمْ قَدْ صَادَفُوا الإِجْفِيلا
يَا أُمَّتِي إِنَّ الشَّهَادَةَ عِزُّةٌ
فَخُذِي إِلَيكِ عُلا الحَيَاةِ ذَلَولا
مَنْ شَاءَ نَصْرًا باسْتِطَاعَةِ مُخْلِصٍ
فَاللهُ يَكْفِي الصَّادِقِينَ رَعِيلا
وَيَحُضُّ فِينَا الجِيلَ وَهْوَ مُدَجَّجٌ
حَتَّى يَقُودَ الْجَيْشَ وَالأُسْطُولا
إِنَّا لَيُنْجِدُنَا الرُّجُوعُ إِلَى التُّقَى
فَبِهِ نَعِزُّ وَنَسْتَقِيمُ سَبِيلا
وَبِهِ نَرُدُّ إِلَى الْخِلافَةِ دَوْلَةً
فِيهَا نُعِيدُ الزَّيْتَ وَالقِنْدِيلا
قَدْ قُلْتُ مَوْعِظَتِي وَحَسْبِيَ أَنْ أَرَى
وَعْدَ المُهَيمِنِ فِي الوَرَى مَفْعُولا