تعدد الشفعاء والمشتري ليس واحد منهم
إذا تعدد الشفعاء وكان المشتري للمشفوع فيه ليس واحد منهم فما إن يكونوا متفقين في سبب الشفعة و مختلفين في سببها
1- تعددهم مع اتفاقهم في سبب الشفعة والتملك
وصورة هذا : إذا اشترك ثلاثة أشخاص في شراء عقار غير مقسوم او ورثوه او وهب لهم فباع احدهم نصيبه لشخص أخر ليس منهم ففي هذه الحالة نجد إن الشركاء اتفقوا في سبب الشفعة وهى الشركة في العقار المشاع واتفقوا كذلك في سبب ملكية هذا العقار وهو الشراء أو الإرث أو الهبة
لا إشكال في هذه الحالة إذا كان الشركاء متساوون في الحصص بان كان لكل واحد منهم (مثلا ) الثلث فان المشفوع فيه يقسم بينهم بالتساوي فكل واحد من الشفيعين نصف الثلث1
إما إذا اختلفت حصص الشركاء بان كان الأول يملك النصف والثاني الثلث والثالث السدس فباع صاحب الثلث فهل يقسم المشفوع فيه بالتساوي بين صاحب النصف وصاحب السدس
أم يقسم بينهم بحسب نصيبهم
اختلف العلماء في هذه المسالة على قولين
القول الأول :
ان الشفعة تكون بحسب الحصص
وهو لجمهور الفقهاء من المالكية وهو الأظهر عند الشافعية والراجح عند الحنابلة ورواية عن الحسن البصري وعطاء وبن سيرين واسحق بن راهوية2
وذكر في الشرح الكبير على مختصر خليل (الشفعة مفضوضة عند تعدد الشركاء على قدر الانصباء لا على الرؤوس )2
وجاء في المنهاج وشرحه مغنى المحتاج (ولو استحق الشفعة جمع من الشركاء اخذوا بها في الأظهر على قدر الحصص من الملك ) 4
-------------------------------------
1- تعدد الشفعاء د.عبد الله الناصر ص 13
2- مواهب الجليل 5 /345 /المغنى 7 495
3- الشرح الكبير على مختصر خليل 6/183
4- المنهاج 2/305 روضة الطالبين 5/100

وجاء في المغنى (الصحيح في المذهب إن الشقص المشفوع إذا أخذة الشفعاء قسم بينهم على قدر ملاكهم ) 1
والطريقة في قسمة المشفوع فيه على قدر حصص الشفعاء إن أسهم الشفعاء تجمع وتقسم على العدد الجامع
لها فيخرج نصيب كل شفيع
ففي المثال السابق :نصف وثلث وسدس فنخرج المسالة من ستة نصف =3 أسهم ثلث = 2 سهم سدس = 1 سهم
فباع صاحب لثلث نصيبه وهو سهمان وبقى أربعة أسهم فيوزع الثلث المشفوع فية بين صاحب النصف والسدس 3 سهم الصاحب النصف وسهم واحد الصاحب السدس 2
أدلة أصحاب هذا القول :
الدليل الأول :إن الشفعة حق شرعي يستفاد بسبب الملك فكل على قدرة ويلزم من ذلك إن يتم توزيع هذا الحق في حل تزاحم الشفعاء بقدر حق كل شريك في لملك 3
ويرد على هذا الدليل :
بان السبب في حق الشفعة ليس هو الملك وإنما هو المشركة وهى غير متفاوتة فكذلك ما نتج عنه لا يتفاوت وهو الشفعة 4
الدليل الثاني :
قياس الشفعة على الربح والثمرة والأجرة وهى متفاوتة بحسب حصص صحبه وحقوقهم فكذلك لشفعة تتفاوت بتفاوت حصص الملاك 5
الرد على هذا لدليل :
بان قيس لاستحقاق في الشفعة على الاستحقاق في ربح المال والثمرة والأجرة قياس مع الفارق وذلك إن ربح المال وثمرته متولدة منة فترجع إلية بحسب قدرة
وإما الشفعة فليست ثمرة من ثمرات لملك او عائدة إلية وإنما هي راجعة إلى سبب لاشتراك في العين لمشفوع فيها

1- المغنى 7/497
2-الأدلة على ذلك شرح الزر قاني 3 /479
3- مغنى المحتاج 2 /305
4- بدائع الصنائع 5/6
5- مغنى المحتاج 2 /305
6- البناية في شرح الهديةذ10 /351
الدليل الثالث :
إن الشفعة شرعت لدفع الضرر عن الشريك والضرر متفاوت بتفاوت حصص الملاك فصاحب النصيب الكثير يخصه من الضرر كثر من صاحب النصيب القليل فوجب ان يراعى ذلك بان يكون ستحققهم لدفع هذا الضرر بقدر حصصهم 1
ويرد على هذا الدليل :
بان استحقاق الشفعة لدفع الضرر عن الشريك سواء كان نصيبه قليلا و كثيرا ولا يلزم ان يكون صاحب النصيب الكثير اشد ضررا من صاحب النصيب القليل بل قد يكون صاحب القليل اشد ضررا من صاحب الكثير
القول الثاني :
إن الشفعة تكون على عدد الرؤوس
وهذا قول الأحناف وهو قول للشافعية ورواية عن الإمام احمد قال بها بعض أصحابة وهو مذهب الظاهرية ومروي عن ابن سيرين وابن أبي ليلى والشعبي والنخعي وسفيان الثوري وشريك وعثمان البتي 2
جاء في المنهاج وشرحه مغنى المحتاج (وفي قول على الرؤوس واختار هذا جمع من المتأخرين بل قال الاسنوي إن الأول خلاف مذهب الشافعي )3
وجاء في المغنى ( وعن احمد رواية ثانية إن يقسم بينهم على عدد رؤوسهم ) 4
وجاء في المحلى ( ومن باع شقص من الشركاء فكلهم سوء في الأخذ بالشفعة )5


1- بداية المجتهد 2 /196
2- المحلى 8/28 بدائع الصنائع 5/5 المجموع 14/326 المغنى 7/497
3- المنهاج 2/305 روضة الطالبين 5/100
4- المغنى 7/497
5- المحلى 8/27





أدلتهم
الدليل الأول:
حديث جابر بن عبد الله(رضي الله عنة ) قال قضى رسول الله ( صلى لله علية وسلم ) بالشفعة في كل شرك لم يقسم ربعة و حائط لا يحل له ن يبيع حتى يستأذن شريكة فان شاء خذ وان شاء ترك1
وجه لاستدلال : أنة يستفاد من قولة (حتى يستأذن شريكة ) التسوية بين جميع الشركاء في مقدر ما ياخذه كل واحد منهم ولو كان هناك مفضلة لبينها رسول الله ( صلى الله علية وسلم )2
يرد على هذا الدليل :
بأنة ليس هناك ما يفيد التسوية بين الشركاء عند تعددهم واستحقاقهم للشفعة من هذا الحديث فالرسول ( صلى لله علية وسلم )بين وجوب استئذان البائع شريكة أو شركائه في البيع وليس في ذلك بيان مقدر ما ياخذة الشريك من هذا الحق 3
الدليل الثاني :
إن الواحد من الشفعاء إذا انفرد استحق المشفوع فيه كله فكذلك إذا اجتمع الشفعاء فأنهم يتساوون فيما ياخذونة من المشفوع فيه 4
يرد على هذا الدليل :
بان الواحد عند استحقاقه للمشفوع فيه فأنة لا يوجد من يزحمه لذا استحقه جميعا ولكن اذا زاحمه غيرة ومن هم كثر نصيبا منة فأنهم يتشاحون في حقوقهم فتعين قسمة المشفوع فيه بينهم على حسب حصصهم
الدليل الثالث :
قياس تزاحم الشفعاء مع تسويهم في سبب الشفعة والملك على البنين في الميراث فكما ان البنين يتساوون في حصصهم في الميراث فكذا الشفعاء إذا تعددوا وتساووا في سبب الشفعة والملك فأنهم يتساوون في حصصهم في المشفوع فيه 5
---------------------------------------------------------------------------------
1- مسلم في باب الشفعة من كتاب المساقاة رقم 1229
2- المحلى 8 /28
3- مغنى المحتاج 2/306
4- البناية شرح الهداية 10 /350
5- البناية شرح الهداية 10 /349



ويرد على هذا الدليل :
بان البنيين تساووا في السبب وهو البنوة فتساووا في الإرث بة ونظيرة تساوي الشفعاء في حصصهم فان المشفوع فيه يقسم بينهم بالسوية
إما إذا اختلف الشفعاء في مقدر حصصهم فنظيرة الجد مع الإخوة والابن مع الأب او الجد والفارس مع الراجل وأصحاب الديون اذا نقص المال عن دين احدهم 1
الدليل الرابع :
إن الشفعاء استووا في سبب استحقق لشفعة وهو الاتصال بينهم بالشركة فتساووا في استحقاق الشفعة وذلك لان ملك أي جزء من العقار الذي بيع جزء منة علة تامة لاستحقاق جميع المبيع بالشفعة سواء كان هذا الملك قليلا و كثيرا غير أنة تجمع في صاحب الملك الكثير علل وصاحب الملك القليل علة واحدة أو علل اقل والمساواة تتحقق بين العلة الواحدة والعلل والترجيح يكون بقوة الدليل لا بكثرته كما لو أقام احد المدعين شاهدين وقام الأخر عشرة شهود فأنهم سواء في الإثبات 3









1- المغنى 7 /497
2- البناية شرح الهداية ج10ص 349





الترجيـح : 1
من خلال العرض السابق للخلاف يتبين أن لكلا القولين وجاهته ، فالذين ذهبوا إلى قسمة المشفوع فيه بحسب حصص الشركاء وأنصبتهم – وهم الجمهور من المالكية والأظهر عند الشافعية والصحيح عند الحنابلة - نظروا إلى أن السبب الذي أدى إلى الأخذ بالشفعة هو الملك ، إذ بدونه لا ثبوت للشفعة فكانت حق الشفعة على قدر ملك الشريك .
والذين ذهبوا إلى أن الشفعة تكون على عدد الشفعاء بالسوية بدون تفريق بين صاحب النصيب الأكبر والأقل – وهم الحنفية والظاهرية ومن وافقهم - نظروا إلى أن الشفعة إنما ثبتت بسبب المشاركة وهي متحققة بين جميع الشركاء سواءً كانت بقليل أو كثير .
والذي تميل إليه النفس هو قول جمهور الفقهاء رحمهم الله من قسمة المشفوع فيه بين الشركاء بحسب أنصبتهم لما يأتـي :
1- أن الشارع أثبت حق الشفعة للشريك مطلقاً ولم يفصّل مقدار ما يأخذه كل شريك في حالة التعدد والتزاحم ، فنرجع في تقدير ذلك إلى مقدار نصيب كل شريك في الشركة وهو مرجح معتبر .
2- أن الشفعة حق شرعي مالي ( أي يؤول إلى المال ) يثبت للشريك في الملك ، وحيث إن حقوق العباد مبنية على المشاحة وعدم التسامح فيكون تقسيم المشفوع فيه بين الشركاء بحسب أنصبتهم أقرب إلى قاعدة العدل المقررة في الشريعة الإسلامية .
3- أن توزيع المشفوع فيه على عدد رؤوس الشركاء قد يؤدي إلى عدم استطاعة صاحب النصيب القليل الأخذ بالشفعة ، ويظهر ذلك فيما إذا كانت قيمة العقار مرتفعة لا يستطيع عليها مما يؤدي إلى تركه للأخذ بالشفعة فيتضرر بذلك .



1-تعدد الشفعاء د عبد الله الناصر