تَهْذِي وَتَحْسَبُ فِيمَا تَهْرِفُ الرَّشَدَا
وَتَجْعَلُ المَيْنَ عَوْنًا وَالمُنَى سَنَدَا
تَخْتَالُ فِي صَلَفِ الطَّاوُوسِ مُنْتَفِجًا
وَمَا بَلَغْتَ مِنَ الصُّرْصَارِ بَعْضَ صَدَى
مَا زَالَ يَدْفَعُكَ الإِسْرَافُ فِي خَطَلٍ
حَتَّى غَدَوتَ مَعَ الإِسْفَافِ حَيْثُ غَدَا
وَبِتَّ إِذْ حَطَّمَ الأَصْنَامَ أَهْلُ هُدَى
كَأَنَّكَ اللاتُ تَسْتَجْدِي الذِي عَبَدَا
أَزَلَّكَ الطَّيشُ حَدَّ البَطْشِ مُجْتَرِمًا
وَغَرَّكَ العَرْشُ حَتَّى خِلْتَهُ صَمَدَا
تُصَعِّرُ الخَدَّ كِبْرًا تَافِهًا سَمِجًا
وَتَرْفَعُ الرَّأْسَ زَهْوًا أَسْقَمَ الصَيَدَا
هُوَ الغُرُورُ عَدُوُّ العَقْلِ يُذْهِلُهُ
فَأَيُّ نُصْحٍ لِمَغْرُورٍ يَضِيعُ سُدَى
وَكَيفَ يُنْصَحُ مَنْ تَعْمَى بَصِيرَتُهُ
وَمَنْ يَرَى شَطَطًا دَرْبَ الضَّلالِ هُدَى
مَنْ عَاشَ يَغْرسُ شَوْكَ الجَوْرِ فِي أُمَمٍ
فَلا يَلُومَنَّ مَا أَدْمَى مَتَى حَصَدَا
خَمْسُونَ عَامًا بَذَرْتَ الجَهْلَ فَاصْطَبَرُوا
وَمَا ارْعَوَيتَ ، وَهَذَا صَبْرُهُمْ نَفَدَا
طَفَقْتَ تُورِدُهُمْ بِالقَهْرِ كُلَّ أَذَى
وَتَنْشُرُ الفَقْرَ وَالإِذْلالَ وَالنَّكَدَا
وَمَا فَرَكْتَ ضَلالا أَنْتَ تَعْرِفُهُ
وَلا تَرَكْتَ مَجَالا لِلهُدَى أَبَدَا
حَتَّى بَلَغْتَ جُنُونَ النَّرْجِسِيَّةِ لا
يُثْنِيكَ عَنْ فِتْنَةِ التَّأْلِيهِ أَيُّ مَدَى
لا المَجْدُ أَنْتَ وَلا التَّارِيخُ لَسْتَ سِوَى
غِرٍّ تَسَلَّلَ فِي الأَجْنَادِ وَانْفَرَدَا
كَالقِرْدِ حِينَ بَدَا كَالجَحْشِ حِينَ أَدَا
كَالهِرِّ حِينَ غَدَا كَالجُرْذِ حِينَ عَدَا
إِذَا اسْتَمَعْتُ فَأُذْنِي غَيرُ وَاعِيَةٍ
وَإِنْ نَظَرْتُ فَإِنِّي لا أَرَى أَحَدَا
مَا انْفَكَّ يَرْبَأُ حَرْفِي عَنْكَ مُحْتَقِرًا
حَتَّى صَبَبْتَ عَلَيهِ الغَيظَ فَاتَّقَدَا
أَتَحْرِقُ الأَرْضَ يَا نِيرُونَ مُنْتَقِمًا
مِنَ الأُبَاةِ وَتُفْنِي المَالَ وَالوَلَدَا؟
أَتَزْعُمُ الزُّهْدَ فِيمَا لَسْتَ تَمْلُكُهُ
وَأَنْتَ مِنْ نِصْفِ قَرْنٍ تَسْرِقُ البَلَدَا؟
مَنْ أَنْتَ مَنْ أَنْتَ حَتَّى تَدَّعِي حَذَقًا
وَتَمْتَرِي فِي الكِتَابِ الأَخْضَرِ السَّدَدَا؟
مَنْ أَنْتَ مِنْ عُمَرِ المُخْتَارِ تَذْكُرُهُ
كَأَنَّكَ الوَارِثُ الأَعْلَى يَدًا وَنَدَى؟
إِنْ كَانَتِ الشَّمْسُ لِلنَّجْلاءِ مُبْهِرَةً
فَكَيفَ يَرْنُو لَهَا مَنْ يَشْتَكِي الرَّمَدَا
مَا أَقْبَحَ الدَّهْرَ يَعْلُو فِيهِ ذُو سَفَهٍ
مِنَ الرِّعَاعِ وَيُؤْذِي الثَّعْلَبُ الأَسَدَا
فَعِشْ كَمَا أَنْتَ مَفْتُونًا وَمُرْتَعِدًا
وَعِثْ كَمَا شِئْتَ إِفْسَادًا وَكَفَّ رَدَى
فَلَيسَ ثَمَّةَ إِلا الخِزْيَ تَجْرَعُهُ
وَلَيسَ ثَمَّةَ إِلا الصَّبْرَ وَالجَلَدَا
وَإِنْ ظَنَنْتَ الذِى أَثْخَنْتَ يُرْهِبُهُمْ
فَإِنَّ لِلرُّوحِ عَزْمًا يُقْلِقُ الجَسَدَا
عُقْبَى الفَسَادِ عَلَيكَ الشَّنْقُ مُنْقَلَبًا
وَيُصْلِحُ اللهُ بِالأَحْرَارِ مَا فَسَدَا
وَلِيبِيَا حُرَّةٌ مَهَمَا سَفَكْتَ دَمًا
سَيُولَدُ النَّصْرُ مِنْ رَحْمِ الصُّمُودِ غَدَا