لطالما بحثت يداي َ عن نبضِ الحقيقةِ تِجُسّانِهِ ، وَلَطَالَمَا حَثّتنِي تلكَ الحَقيقةُ على تقديمِ تَبريراتٍ ، رُبَّما ، سَتبدُو وَاهيةً ، لَكنها ضَرورِيّة ، كِيما تُخرجُنِي من لُؤمِ المَوقِفِ الذي رُميتُ بِهِ .
وَلطالما تَعَالَتْ صَهَوَاتُ جِيَادِ قَلبِي السًّكِر - بِنَشوة ٍ من حُبِّ الآخرين – بِمُطَالَبَات ٍ قَاتِلاتٍ للتَّجاهُلِ وَالمُضِيِّ ، ثُمَّ العَودَةِ للعَطَاءِ وَ مُشَارَكَةِ الآخرينَ بِالخَيرِ فَهم ينبوع حياتي ، و لأجلهم أعيش ، لا بل بهم .
هَذَا مَا عَلَمَنِيهِ جَدي الحكيم " تولّستوي " عِندَمَا كُنتُ طفلة ً في سنِّ السِّتينَ قائلاً بصوته المُرتَجّ :
" لا يمكن أن يصبحَ المجتمعُ كله سعيداً إلا إذا اِستعاضَ الناسُ عن محبةِ أَنفسِهم بمحبةِ الآخَرين ".
أصَخْتُ السَّمعَ نحوَ تلكَ المقولةِ ونحوَ تلك الصهواتِ التي تصرخ بي : لا تُحَاسِبي ، لا تُعَاتِبي ، تَجَاهَلِي مَن لم يَستَطِع الوُصُولَ إلى رؤوسِ القممِ لأنهُ لن يَدَعَكَ تَصِلينَ حَاملاً بصدره أوهى حُجّة وأضعفَ دِفَاع قائلاً :
ما بعد القمة إلا الهاوية ! فَلِمَ تَطلُبينَ السُّقوطَ بِإرادةٍ مُدركةٍ لِعَوَاقِبَ الخُطَى المتهوّرة !!
تلك حجّتهمُ التي رَضوا أَن يُكونوا بها مع الخَوَالِفِ وَ رَضُوا أَن يَكُونُوا لَهَا قَعراً وَبِهَا مُستَقَراً ، وَ لكن ، لن تَستطيعَ أقاويلُ الأغبياءِ تلكَ و التي أزعَجَتنِي أن تَثْنِيَنِي عنِ التَّوحدِ بما أَعتقدُ بِهِ مَاضِيةً على مَا أَنَا عَليه جَازِمَةً به .
بُحْتُ عن توحدي هذا فهبَّت رياحُ العتبِ التي لَفَحَت وَجنَتي ، وَنَارُ العَودة التي لسعتني ، وَأمواجُ الصَّمتِ التي بَاتتْ تَتَلاطَمُ حَولي لتصهَرَ صَرخَتي ، وَالقشعريرةُ الوَاخزةُ التي تَكلّبت أَطرافي ، والصوتُ الذي تناهى إلى مسمعيّ من زاويةٍ عَفنةٍ بأن كُفّي عن اقناعِ الآخرين بما هم قَد قَنعوا بالايمانِ بهِ وَدعيهم وحُجَجَهُم يَسبَحُونَ في بحر ٍ لجي ٍّ مالهُ من قرار.
كنت دوماً أتهيبُ ازعاجَ الآخرينَ بمعتقداتٍ ربما يرونها كفراً ، فأحاول الهرب من مواقف لن تغادر خيالي مطلقاً ، مهما حاولت الجهد في ذلك ، و مهما تعاقبت أيامي بأحداث مغرقة في الاسفاف و الانكار ، ربما ، لأني لا أرغب بلقاء أناس لم ولن أئتلف معهم ، أو لم أتهيأ بعد لركوب سفينة ستصاب بخرق ما في قعر قعرها لتصبح معروفة الختام .
أعلم أنه انقطاع و لكنه انقطاع قسري لأنه يحجب مواسم الوصال والودّ ، و سيكون كذرّ الرماد في العيون ، وكمضغ السعادة بأنيابٍ من حديد ( كما عبرّ بعض الأدباء ) ، ورغم قسرية انقطاعي إلا أني اتـُّهمت بقسوة ٍ ما ، و إثم ٍ ما ، و آخرها جهل و تكبر !
و لكنها المواقف الصعبة - التي تعرضت لها عبر أجيال ٍ و أجيال ٍ مضت من عمر امبراطورية ٍ بحالها – قد أثقلتني بإحساس موجع ٍ مرهف ، احساس جعلني أدري بالنسمة قبل هبوبها ، وبالكلمة في ضمير صاحبها ، احساس جعل معه مرارة الواقع تذيب شمعة ٍ ولدت معي وقاسمتها حياتي ، و لن تنتهي تلك المرارة أو تنطفأ تلك الشمعة إلا بتوقف أنفاسي و لهيب شمعتي ، و لن تراني إلا ألملم الحروف من سطوري و لا أرى سوى الصمت يعبث ببقايا كلماتي التي أحتفظ بها لنفسي و أدع الأجيال الفتية بعدي تحيا دون أن تدركها ، كما ، أدركتها ، أنا ....
بدون أدنى تحفظ