|
حمأٌ مسنون |
شعر عمر ابو غريبة |
هذا أنا جسدٌ في الطينِ منجدلُ |
والريحُ في حمَئي تجري وتصطهلُ |
وما تحرّك فيه ساكنٌ خدِرٌ |
ولا تنفّس في أطرافِه شَللُ |
ممدّدٌ وعيونُ الناسِ تُخطئني |
كأنني حجرٌ مُلقىً فما حفلوا |
مستسلمٌ في انتظار النفخِ عبر فمي |
يدبُّ ملءَ كيانٍ هدَّه المللُ |
تلك الشياطينُ في الأنحاءِ ترمقني |
شزْراً وكم سخروا مني وكم ركلوا |
وجنّتي لم أدُسها بعدُ من أمدٍ |
تملّكوا ذُروةً في ساحِها وعلُوا |
من طينتي سرقوا من مائها نهبوا |
وفي دمي ولغوا خمراً به ثمِلوا |
وفي سويداءِ قلبي تلك حربتُهم |
تغور في وسْطِ قاعٍ حَفَّه الأسَلُ |
هم قطّعوا بشِفارِ الغدرِ أوردتي |
وأبدلوا النفطَ بالدمِّ الذي تَفَلوا |
وفوق جثمانيَ المُسجى على رمَضٍ |
غازٍ يمرُّ وغازٍ قام يحتفلُ |
طينٌ وأنفي من الركلاتِ مرتعفٌ |
والدمعُ ملءَ شجونِ العينِ منهملُ |
أرومُ لي نهضةً والعجزُ يثبطني |
ويعقرُ الساقَ يأسٌ ساقَهُ فشَلُ |
مرّتْ عليّ قرونُ الهُونِ مثقلةً |
وحسبُك العامُ منها ليس يُحتملُ |
وتحتيَ المجدُ مثلي هامدٌ أبداً |
والموتُ في جثتينا راح ينتقلُ |
بدرٌ توارى لطولِ المَحقِ منتحباً |
وعينُ جالوتَ لا ماءٌ ولا وشلُ |
وخالدٌ وصلاحُ الدينِ قد هرِما |
أوّاهُ من ميّتٍ في القبرِ يكتهلُ |
كأنّ حطينَ واليرموكَ هاجسةٌ |
في الصدرِ فَنّدها التحقيقُ والجدلُ |
تبرّأتْ كتبُ التاريخِ من نسبي |
وأنكرتْ وجهيَ الأخبارُ والطللُ |
كأنني لم أقُد يوماً أزِمّتَها |
ولم يكن ثَمّ إلا فارسٌ بطلُ |
مُجفَّفٌ ومياهُ المجدِ تلطمني |
أطفو على نهَرٍ ما مسّني بَللُ |
صديانُ والكأسُ من ماضيَّ مترَعةٌ |
وليس يروي شفاهي حاضري المحِلُ |
بيني وبين فتوحاتٍ خلتْ حِقبٌ |
فكيف عقربُ ساعاتي لها يصلُ |
أشتاق بدراً فتغزو خاطري أُحُدٌ |
من كلِّ ناحيةٍ يرمي الأسى جبلُ |
لكنه برقُ كانونٍ جَلا أفقي |
فانزاح عتمٌ عن العينينِ منسدلُ |
تمغّط اليومَ غافٍ نافضاً وسناً |
يلمُّ أطمارَه فجراً ويرتحلُ |
ومِلءَ أوردتي الظمأى يدِبُّ دمٌ |
يضجُّ مصطخِباً فيها ويعتملُ |
أكادُ أشعر بالأطرافِ يُنشِزها |
لحماً وخَلقاً بُعاثُ النصرِ والأملُ |
حدّقتُ في فزعي مستهزئاً ونَضا |
إهابَ رَهبتِه من ليلِه الوجِلُ |
هذا صدى عُقبةٍ في القيروانِ سرى |
لَبّاهُ فُسطاطُ عمروٍ هَزَّه الجَذَلُ |
طوى الصحاريَ والأقطارَ يُرجِعُه |
مَن كان يسمعه فالصوتُ متصلُ |
وكم تعجّل من قبل السماعِ فمٌ |
ونِعم بعد صيامٍ مُفطرٌ عَجِلُ |
من تونسٍ شَعَّ في بردِ الدجى قبسٌ |
تجاذبتْه الصَّبا فالأرضُ تشتعلُ |
لن يبرُكَ اليومَ في صحرائنا جملٌ |
حُلَّ العِقالُ وأنت الحُرُّ يا جملُ |
رميتُ عن جسدي الأكفانَ منبعثاً |
من الثرى فمكاني العُلوُ لا السُّفُلُ |
ومن عباءةِ عرسي أكتسي حُللاً |
لمثلِ يوميَ هذا تُكتسى الحُللُ |
الكِبرُ فيها سَدىً والعزُّ لُحمتُها |
وجلدَ طاغيتي الماموثِ أنتعلُ |
هو الطغى مثلُ خوفي بات منقرضاً |
في متحف الشمع والتاريخ يمتثلُ |
هذا أنا فقَعُوا لي ساجدينَ فقد |
حُقّتْ لنا دولةٌ تعنو لها الدولُ. |