بسم الله الرحمن الرحيم
أتعرف من هو نبيك يا بنيّ...؟
إنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب خير خلق الله وأحبهم إليه، أسرته أسرة شريفة لها مكانة عظيمة في مكة المكرّمة وبين جميع العرب ، وأما جدّ نبيّنا الأول فهو سيّدنا إسماعيل عليه السلام الذي بنى الكعبة الشريفة مع أبيه إبراهيم الخليل عليه السلام.
قصة عبد المطلب:
كان عبد المطلب جدّ الرسول صلى الله عليه وسلّم شريفا في مكة ومن كبار سادتها, وكانت له مهمّة سقاية الحجيج في موسم الحجّ, ولم يرزقه الله سوى ابن واحد اسمه الحارث, ولمّا كان العمل في سقاية الحجيج شاقا ومتعبا فإنّ عبد المطلب تمنى أن يكون له أبناء كثيرين يساعدونه على أداء هذه المهمة العظيمة.
في إحدى الليالي بينما كان عبد المطلب نائما رأى رجلا في المنام يأمره بحفر بئر زمزم قائلا:
" يا عبد المطلب احفر زمزم.. يا عبد المطلب احفر زمزم.."
وتكرر الحلم ثلاث ليال متواليات, وحدد له الرجل المكان الذي ينبغي أن يحفر فيه, وقد كان بئر زمزم مردوما منذ مئات السنين ولا يعلم أحد مكانه, غير أنّ هناك قصّة يحفظها أهل مكة تقول أنّ الذي ردم البئر خبّأ فيه سيفين من ذهب ورأسي غزالين من ذهب أيضا.
ولما تأكد عبد المطلب أنّ ذلك الحلم ما هو إلا رؤيا من الله قرّر أن يحفر بئر زمزم, فخرج بعد الليلة الثالثة ومعه ابنه الحارث وقصد المكان الذي رآه في الحلم وبدأ يحفر في موضعه, فلما رآه الناس التفوا حوله وأخذوا يسألونه:
ـ ماذا تفعل يا عبد المطلب..؟
فأجابهم عبد المطلب أنّه رأى ذلك في رؤيا منام, فضحكوا منه ساخرين وقالوا:
يبدو أنك كبرت وخرفت يا عبد المطلب، إنّ هذا مستحيل لا يمكن أن تعرف مكان بئر زمزم برؤيا منام ، فدع عنك هذا التعب والعناء غير المجدي.
ولكنّه أصرّ على الحفر وتحقيق الرؤيا فتفرقوا عنه متعجبين وتركوه وحده يعاني مشقة العمل, فيلتفت يمينا ويلتفت يسارا فلا يجد معه غير ابنه الحارث.
إلا أنّ عبد المطلب لم ييأس ولم يفشل بل أصرّ على مواصلة الحفر إلى أن يتحقق الحلم العجيب أو الرؤيا المباركة.
وفي يوم من الأيام وبعد جهد متواصل وتعب شاق اصطدم معول عبد المطلب بشيء صلب فعرف أنه عثر على شيء مكان الحفر فأخذ يزيح التراب بيديه فظهر سيفان ذهبيان، فتأكد عبد المطلب حينذاك من أنّ ما رآه هو رؤيا من الله وليست خيالات شيطان أو أوهام النفس.
وتجدد عزمه على مواصلة الحفر، إلى أن عثر على رأسي الغزالين الذهبيين غير أنه لم يعثر للماء على أثر.
واستمر عبد المطلب مع ابنه الوحيد الحارث في الحفر بكل ما أوتي من قوة وإصرار, وفجأة وبعد ضربات قوية تدفق الماء زخّارا فتهلل وجه عبد المطلب وملأت ابتسامة الفرح وجهه البهي.
وتسامع الناس بالخبر وعلموا أنّ عبد المطلب قد عثر على بئر زمزم والدليل أنّ الماء فيها يتدفق من بين قدميه, وجاء إليه كبار مكة وشرفاء قريش وقد غاضهم أن يفوز عبد المطلب بذلك الشرف وحده فقالوا له:
ـ البئر بئرنا جميعا يا عبد المطلب..
فردّ عليهم عبد المطلب:
ـ ما هي ببئركم ولا تعبتم من أجل حفرها لحظة من نهار.
فقالوا: هي بئر جدّنا إسماعيل فلا يمكنك أن تأخذها لنفسك من دون الناس, وأحاطوا به وأكثروا عليه الكلام فغضب عبد المطلب غضبا شديدا وقال:
ـ ما هي لأحد بملك وإنّما هي بئر الله يسقى منها حجاج بيته وزوّار كعبته ولن آخذها لنفسي أو لابني.
ثم نظر عبد المطلب حوله فوجد نفسه ضعيفا ليس معه سوى ابنه الحارث, ورأى أنّ أهل مكة قد ظلموه فرفع يديه إلى السماء ودعا الله قائلا:
ـ اللهم إن رزقتني عشرة من الأبناء يحمونني ويدافعون عني لأذبحنّ واحدا منهم قربانا لك.
وكان العرب في الجاهلية وقبل الإسلام يهابون ممن له قبيلة كبيرة ورجال كثيرون يدافعون عنه ويحمونه, ويعتدون على الضعيف الذي لا يجد من يحميه أو يدافع عنه.
ومضت الأيام ومرّت السنوات ورزق عبد المطلب بعشرة من الأبناء الأقوياء الأشداء, وسمّى منهم حمزة والعباس وعبد الله وعبد العزة وأبا طالب.
فلما كبروا وغدوا رجالا أشداء قرّر عبد المطلب أن يفي بنذره ويذبح واحدا منهم قربانا لله كما نذر.
وأجرى القرعة بينهم فخرجت القرعة على عبد الله والد الرسول محمد فأخذه إلى الكعبة وهمّ بذبحه، فأتى إليه الناس يجرون فزعين خائفين من كل مكان ومنعوه من فعل ذلك.
فقال لهم:
وماذا أفعل بالنذر الذي نذرت ؟
قالوا:
اسأل الكهنة والعرّافين يجدون لك مخرجا وخلاصا من هذه العقدة، ولا تذبح ابنك فيقلدك الناس وتكون لهم عادة يتقربون بها إلى الله.
وأجرى العراف القرعة فخرج السهم الذي فيه اسم " عبد الله " فزادوا عشرة من الإبل فأصبحت عشرين وأجرى العرّاف القرعة ثانية فخرج سهم عبد الله فزادوا عشرة أخرى وهكذا كلما زادوا عشرة خرجت القرعة على عبد الله إلى أن أصبحت مئة من الإبل فأجرى العرّاف القرعة فخرجت على الإبل ففرح عبد المطلب وفرح أهل مكة جميعا بنجاة عبد الله, وذبحوا الإبل وتركوها يأكل منها الناس جميعا الغني والفقير الصغير والكبير القريب والبعيد المسافر والمقيم حتى الحيوانات يقال أنها أكلت منها دون أن يمنعها أحد...
وتزوج عبد الله بآمنة بنت وهب وبقي معها بضعة شهور ثم سافر في تجارة إلى بلاد الشام وترك زوجته حاملا بمحمد وفي الطريق توفي رحمه الله ولم ير ابنه محمّدا.