أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: إعراب "والصابئون" في المائدة الآية 69

  1. #1
    الصورة الرمزية فريد البيدق أديب ولغوي
    تاريخ التسجيل : Nov 2007
    الدولة : مصر
    المشاركات : 2,698
    المواضيع : 1052
    الردود : 2698
    المعدل اليومي : 0.45

    افتراضي إعراب "والصابئون" في المائدة الآية 69

    إعراب "والصابئون" في المائدة الآية 69
    قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}.
    1- إعراب القرآن لابن سيده
    {إِنَّ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّبِئُونَ وَالنَّصَرَى} وقرأ القراء السبعة: والصابئون بالرفع، وعليه مصاحف الأمصار، والجمهور. وفي توجيه هذه القراءة وجوه:
    أحدها: مذهب سيبويه والخليل ونحاة البصرة: أنه مرفوع بالابتداء، وهو منوي به التأخير، ونظيره: إنّ زيدًا وعمرو قائم، التقدير: وإن زيدًا قائم وعمرو قائم، فحذف خبر عمرو لدلالة خبر إنّ عليه، والنية بقوله: وعمرو، التأخير. ويكون عمرو قائم بخبره هذا المقدر معطوفًا على الجملة من أنّ زيدًا قائم، وكلاهما لا موضع له من الإعراب.
    الوجه الثاني: أنه معطوف على موضع اسم إنّ؛ لأنه قبل دخول إن كان في موضع رفع، وهذا مذهب الكسائي والفراء؛ أما الكسائي فإنه أجاز رفع المعطوف على الموضع سواء كان الاسم مما خفي فيه الإعراب أو مما ظهر فيه، وأما الفراء فإنه أجاز ذلك بشرط خفاء الإعراب. واسم إن هنا خفي فيه الإعراب.
    الوجه الثالث: أنه مرفوع معطوف على الضمير المرفوع في هادوا، وروي هذا عن الكسائي. ورد بأنّ العطف عليه يقتضي أنّ الصابئين تهودوا، وليس الأمر كذلك.
    الوجه الرابع: أن تكون "إن" بمعنى "نعم" حرف جواب، وما بعده مرفوع بالابتداء، فيكون والصابئون معطوفًا على ما قبله من المرفوع، وهذا ضعيف؛ لأن ثبوت "إن" بمعنى "نعم" فيه خلاف بين النحويين، وعلى تقدير ثبوت ذلك من لسان العرب فتحتاج إلى شيء يتقدمها يكون تصديقًا له، ولا تجيء ابتدائية أول الكلام من غير أن تكون جوابًا لكلام سابق.
    وقد أطال الزمخشري في تقدير مذهب سيبويه ونصرته، وذلك مذكور في علم النحو.
    2- التبيان في إعراب القرآن
    قوله تعالى: {والصابئون} يقرأ بتحقيق الهمزة على الأصل، وبحذفها وضم الباء، والأصل على هذا صبا بالألف المبدلة من الهمزة. ويقرأ بياء مضمومة ووجهه أنه أبدل الهمزة ياء لانكسار ما قبلها ولم يحذفها لتدل على أن أصلها حرف يثبت، ويقرأ بالهمزة والنصب عطفا على الذين وهو شاذ فى الرواية صحيح فى القياس، وهو مثل الذى فى البقرة.
    والمشهور فى القراءة الرفع وفيها أقوال:
    أحدها- قول سيبويه وهو أن النية به التأخير بعد خبر إن، وتقديره ولا هم يحزنون والصابئون كذلك فهو مبتدأ والخبر محذوف، ومثله:
    (فإني وقيار بها لغريب) أى فإني لغريب وقيار بها كذلك.
    والثانى- أنه معطوف على موضع {إن} كقولك: إن زيدا وعمرو قائمان وهذا خطأ لأن خبر {إن} لم يتم وقائمان إن جعلته خبر إن لم يبق لعمرو خبر وإن جعلته خبر عمرو لم يبق لإن خبر، ثم هو ممتنع من جهة المعنى؛ لأنك تخبر بالمثنى عن المفرد.
    فأما قوله تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي} على قراءة من رفع "ملائكته" فخبر إن محذوف تقديره إن الله يصلي وأغنى عنه خبر الثانى، وكذلك لو قلت: إن عمرا وزيد قائم فرفعت زيدا جاز على أن يكون مبتدأ وقائم خبره أو خبر إن.
    والقول الثالث: إن {الصابئون} معطوف على الفاعل فى هادوا، وهذا فاسد لوجهين:
    أحدهما- أنه يوجب كون الصابئين هودا، وليس كذلك.
    والثانى- أن الضمير لم يؤكد.
    والقول الرابع: أن يكون خبر الصابئين محذوفا من غير أن ينوى به التأخير وهو ضعيف أيضا لما فيه من لزوم الحذف والفصل.
    والقول الخامس: أن "إن" بمعنى "نعم"، فما بعدها فى موضع رفع فالصابئون كذلك.
    والسادس: أن (الصابئون) فى موضع نصب، ولكنه جاء على لغة بلحرث الذين يجعلون التثنية بالألف على كل حال والجمع بالواو على كل حال، وهو بعيد.
    والقول السابع: أن يجعل النون حرف الإعراب. فإن قيل: فأبو على إنما أجاز ذلك مع الياء لا مع الواو؟ قيل: قد أجازه غيره، والقياس لا يدفعه.
    فأما { النصارى } فالجيد أن يكون فى موضع نصب على القياس المطرد ولا ضرورة تدعو إلى غيره.
    3- الدر المصون في علم الكتاب المكنون
    قوله تعالى: {وَالصَّابِئُونَ}: الجمهور على قراءته بالواو وكذلك هو في مصاحف الأمصار. وفي رفعه تسعة أوجه: أحدها: وهو قول جمهورِ أهلِ البصرة الخليل وسيبويه وأتباعِهما- أنه مرفوع بالابتداء وخبرُه محذوفٌ لدلالةِ خبر الأول عليه، والنيةُ به التأخيرُ، والتقدير: إنَّ الذين آمنوا والذين هادُوا مَنْ آمنَ بهم إلى آخره والصابئون كذلك.
    ونحوه "إن زيدا وعمروٌ قائمٌ" أي: إنَّ زيدًا قائم وعمرو قائم، فإذا فَعَلْنا ذلك فهل الحذفُ من الأول أي: يكونُ خبرُ الثاني مثبتًا، والتقدير: إنَّ زيدًا قائمٌ وعمروٌ قائم، فحذف "قائم" الأول أو بالعكس؟ قولان مشهوران
    وقد وَرَد كلٌّ منهما: قال:
    1769- نحنُ بما عِنْدنا وأنت بما *عندك راضٍ والرأيُ مختلفُ
    أي: نحن رضوان.
    وعكسه قوله:
    1770- ........................ * فإني وقَيَّار بها لَغَريبُ
    التقدير: وقيارٌ بها كذلك.
    فإن قيل: لِمَ لا يجوزُ أَنْ يكونَ الحذفُ من الأول أيضًا؟ فالجوابُ أنه يلزم من ذلك دخولُ اللام في خبر المبتدأ غيرِ المنسوخِ بـ"إنَّ"، وهو قليلٌ لا يقع إلا في ضرورة شعر، فالآية يجوز فيها هذان التقديران على التخريج. قال الزمخشري: "والصابئون: رفعٌ على الابتداء، وخبرُه محذوفٌ، والنيةُ به التأخير عمَّا في حَيِّز "إنَّ" من اسمها وخبرها، كأنه قيل: إنَّ الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى حكمُهم كذلك والصابئون كذلك. وأنشد سيبويه شاهدًا على ذلك:
    1771- وإلاَّ فاعلَمُوا أنَّا وأنتمْ * بُغاةٌ ما بَقِينا في شِقاقِ
    أي: فاعلموا أنَّا بُغاةٌ وأنتم كذلك" ثم قال بعد كلام: "فإنْ قلت: فقوله: "والصابئون"- معطوف لا بد له من معطوف عليه فما هو؟ قلت: هو مع خبره المحذوفِ جملةٌ معطوفة على جملة قوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ} إلى آخره، ولا محلَّ للتي عَطَفَتْ عليها.
    فإن قلت: فالتقديمُ والتأخير لا يكون إلا لفائدةً فما هي؟ قلت: فائدتُه التنبيه على أن الصابئين يُتاب عليهم إنْ صَحَّ منهم الإيمان والعملُ الصالحُ فما الظنَّ بغيرهم؟ وذلك أنَّ الصابئين أبينُ هؤلاء المعدودين ضلالًا وأشدُّهم عتيا، وما سُمُّوا صابئين إلا أنهم صَبَؤوا على الأديان كلها أي: خَرَجوا، كما أن الشاعر قدَّم قولَه: "وأنتم" تنبيهًا على أن المخاطبين أوغل في الوصف بالبغي قبلهم مع كونِهم أوغَل فيه منهم وأثبت قدمًا. فإن قلت: فلو قيل: "والصابئين وإياكم" لكانَ التقديمُ حاصلًا. قلت: لو قيل هكذا لم يَكُنْ من التقديم في شيء؛ لأنه لا إزالةَ فيه عن موضعه، وإنما يُقال مقدمٌ ومؤخرٌ للمُزال لا للقارِّ في مكانه، وتجري هذه الجملة مَجْرى الاعتراض".
    الوجه الثاني: أن "إنَّ" بمعنى نعم فهي حرفُ جوابٍ، ولا محلَّ لها حينئذ، وعلى هذا فما بعدها مرفوعُ المحلّ على الابتداء، وما بعده معطوفٌ عليه بالرفع، وخبرُ الجميع قوله: {مَنْ آمَنَ} إلى آخره.
    وكونُها بمعنى "نعم" قولٌ مرجوح، قال به بعضُ النحويين، وجَعَل من ذلك قول تعالى: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} في قراءةِ مَنْ قرأه بالألف، وفي الآية كلامٌ طويل يأتي إنْ شاء الله تعالى في موضعِه.
    وجعل منه أيضًا قولَ عبد الله بن الزبير: "إنَّ وصاحبُها" جوابًا لمن قال له: "لَعَن الله ناقة حملتني إليك" أي: نعم وصاحبُها. وجَعَلَ منه قول الآخر:
    1772- بَرَزَ الغواني في الشبا * بِ يَلُمْنَني والومُهُنَّهْ
    ويَقُلْنَ شَيْبٌ قد عَلا * كَ وقد كَبِرْتَ فقلتُ إنَّهْ
    أي: نعم والهاءُ للسكت.
    وأُجيب بأنَّ الاسمَ والخبرَ محذوفان في قولِ ابن الزبير، وبقي المعطوفُ على الاسم دليلًا عليه، والتقدير: إنا وصاحبها معلونان، وتقدير البيت: إنه كذلك. وعلى تقديرِ أن تكونَ بمعنى "نعم" فلا يَصِحُّ هنا جَعْلُها بمعناها؛ لأنها لم يتقدَّمْها شيء تكون جوابًا له، و"نعم" لا تقع ابتداءَ كلام، إنما تقع جوابًا لسؤال فتكونُ تصديقًا له.
    ولقائل أن يقولَ: "يجوزُ أن يكونَ ثَمَّ سؤالٌ مقدر، وقد ذكروا ذلك في مواضع كثيرةٍ منها قولُه تعالى: {لاَ أُقْسِمُ} {لاَ جَرَمَ}، قالوا: يُحتمل أن يكونَ رَدًَّا لقائلِ كيتَ وكيتَ.
    الوجه الثالث: أن يكون معطوفًا على الضمير المستكنِّ في "هادوا" أي: هادوا هم والصابئون، وهذا قول الكسائي، ورَدَّه تلميذه الفراء والزجاج. قال الزجاج: "هو خطأ من جهتين": إحداهما: أن الصابئ في هذا القول يشارك اليهودي في اليهودية، وليس كذلك؛ فإن الصابئ هو غيرُ اليهودي، وإن جُعِل "هادوا" بمعنى تابوا من قوله تعالى: {إِنَّا هُدْنَآ إِلَيْكَ} لا من اليهودية، ويكون المعنى: تابوا هم والصابئون، فالتفسيرُ قد جاء بغير ذلك؛ لأنَّ معنى "الذين آمنوا" في هذه الآية إنما هو إيمانٌ بأفواههم؛ لأنه يريد به المنافقين؛ لأنه وصفُ الذين آمنوا بأفواهِهم ولم تؤمِنْ قلوبُهم، ثم ذَكَر اليهود والنصارى فقال: مَنْ آمنَ منهم بالله فله كذا، فجعَلَهم يهودًا ونصارى، فلو كانوا مؤمنين لم يحتجْ أَنْ يقال: "مَنْ آمنَ فلهم أجرهم".
    قلت: هذا على أحدِ القولين أعني أن "الذين آمنوا" مؤمنون نفاقًا.
    ورَدَّه أبو البقاء ومكي ابن أبي طالب بوجهٍ آخرَ وهو عدم تأكيدِ الضمير المعطوفِ عليه. قلت: هذا لا يلزمُ الكسائي؛ لأنَّ مذهبه عدمُ اشتراط ذلك، وإن كان الصحيحُ الاشتراطَ، نعم يلزم الكسائي من حيث إنه قال بقولٍ تردُّه الدلائلُ الصحيحة، والله أعلم. وهذا القولُ قد نقله مكي عن الفراء، كما نَقَله غيرُه عن الكسائي، وردَّ عليه بما تقدَّم، فيحتمل أن يكونَ الفراء كان يوافق الكسائي ثم رجَع، ويحتمل أن يكون مخالفًا له ثم رجع إليه. وعلى الجملة فيجوز أن يكونَ في المسألة قولان.
    الوجه الرابع: أنه مرفوعٌ نسقًا على محلِّ اسم "إنَّ"؛ لأنه قبل دخولها مرفوعٌ بالابتداء، فلمَّا دخلَتْ عليه لم تغيِّر معناه بل أكَّدته، غايةُ ما في الباب أنها عَمِلَتْ فيه لفظًا، ولذلك اختصَّتْ هي و"أن" بالفتح، ولكن على رأي بذلك دون سائر أخواتها لبقاء معنى الابتداء فيها، بخلافِ ليت ولعل وكأن، فإنه خَرَج إلى التمني والتَّرَجي والتشبيه، وأجرى الفراء البابَ مُجرى واحدًا، فأجاز ذلك في ليت ولعل، وأنشد:
    1773- يا ليتني وأنتِ يا لميسُ * في بلدٍ بها أنيسُ
    فأتى بـ "أنت"، وهو ضميرُ رفعٍ نسقًا على الياء في "ليتني"، وهل يَجْري غيرُ العطف من التوابع مَجْراه في ذلك؟ فذهَبَ الفراء ويونس إلى جوازِ ذلك وجَعَلا منه قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} فرفعُ "عَلاَّم" عندهما على النعت لـ "ربي" على المحلِّ، وحكوا "إنهم أجمعون ذاهبون"، وغَلَّط سيبويه مَنْ قال مِنْ العرب: إنهم أجمعون ذاهبون"، فقال: "واعلم أنَّ قومًا من العرب يغْلَطون فيقولون: "إنهم أجمعون ذاهبون". وأخذ الناس عليه في ذلك من حيث إنه غَلَّط أهل اللسان، وهم الواضعون أو المتلقُّون من الواضع. وأُجيب بأنهم بالنسبة إلى عامة العرب غالطون.
    وفي الجملة فالناسُ قد رَدّوا هذا المذهبَ، أعني جوازَ الرفعِ عطفًا على محلِّ اسم "إنَّ" مطلقًا، أعني قبلَ الخبرِ وبعده، خَفِي إعرابُ الاسمِ أو ظهر. ونقل بعضُهم الإجماع على جوازِ الرفعِ على المحلِّ بعد الخبر، وليس بشيء.
    وفي الجملةِ ففي المسألةِ أربعةُ مذاهبَ: مذهبُ المحققين: المنعُ مطلقًا، ومذهبُ بعضهم التفصيل؛ قبل الخبر فيمتنع، وبعده فيجوز، ومذهب الفراء: إنْ خَفِي إعرابُ الاسم جاز ذلك لزوال الكراهية اللفظية، وحُكِي من كلامهم: "إنك وزيد ذاهبان"، الرابع: مذهب الكسائي: وهو الجوازُ مطلقًا، ويَسْتدل بظواهرِ قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ} الآية، وبقوله [وهو ضابئ البرجمي]:
    1774- فَمَنْ يَكُ أمسى بالمدينةِ رحلُه * فإني وقَيَّارٌ بها لغريبُ
    وبقوله:
    1775- يا ليتنا وهما نَخْلُو بمنزلةٍ * حتى يَرى بعضُنا بعضًا ونَأْتَلِفُ
    وبقوله:
    1776- وإلاَّ فاعلموا أنَّا وأنتمْ * ..................
    البيت.
    وبقوله:
    1777- يا ليتني وأنتِ يا لميسُ
    وبقولهم: "إنك وزيدٌ ذاهبان" وكلُّ هذه تَصْلُح أن تكونَ دليلًا للكسائي والفراء معًا، وينبغي أن يوردَ الكسائي دليلًا على جوازِ ذلك مع ظهور إعراب الاسم نحو: "إنَّ زيدًا وعمروٌ قائمان". وردَّ الزمخشري الرفع على المحل فقال: "فإنْ قلت: هَلاَّ زَعَمْتَ أن ارتفاعه لعطف على محل "إنَّ" واسمها؟ قلت: لا يَصِحُّ ذلك قبل الفراغ من الخبر، لا تقول: "إنَّ زيدًا وعمرو منطلقان" فإنْ قلت: لِمَ لا يَصِحّ والنيةُ به التأخيرُ، وكأنك قلت: إنَّ زيدًا منطلق وعمرو؟ قلت: لأني إذا رفعته رفعتهُ على محل "إنَّ" واسمِها، والعاملُ في محلهما هو الابتداء، فيجب أن يكون هو العاملَ في الخبر؛ لأنَّ الابتداءَ ينتظم الجزأين في عمله، كما تنتظِمُها "إنَّ" في عمِلها، فلو رَفَعْتَ "الصابئون" المنويَّ به التأخيرُ بالابتداء وقد رفَعْتَ الخبرَ بـ "إنَّ" لأَعْمَلْتَ فيهما رافعين مختلفين". وهو واضحٌ فيما رَدَّ به إلا أنه يُفْهِمُ كلامُه أن يُجيز ذلك بعد استكمال الخبر، وقد تقدَّم أنَّ بعضَهم نَقَل الإجماعَ على جوازِه.
    الخامس: قال الواحدي: "وفي الآية قولٌ رابعٌ لهشام بن معاوية: وهو أَنْ تُضْمِرَ خبرَ "إنَّ" وتبتدئ "الصابئون"، والتقدير: "إنَّ الذين آمنوا والذين هادوا يُرْحَمُون" على قولِ مَنْ يقولُ: إنَّهم مسلمون و"يُعَذَّبون" على قولِ مَنْ يقول: إنهم كفار، فيُحْذَفُ الخبرُ إذ عُرِف موضِعُه، كما حُذِف مِنْ قوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِالذِّكْرِ} أي "يُعاقَبون".
    ثم قال الواحدي: "وهذا القولُ قريبٌ من قولِ البصريين، غيرَ أنَّهم يُضْمِرون خبرَ الابتداءِ، ويَجْعلون "مَنْ آمن" خبرَ "إن"، هذا على العكس من ذلك؛ لأنه جَعَل "مَنْ آمَن" خبرَ الابتداء وحَذَفَ خبرَ "إنَّ". قلت: هو كما قال، وقد نَبَّهْتُ على ذلك في قولي أولًا: إنَّ منهم مَنْ يُقَدِّر الحذفَ مِن الأول، ومنهم مَنْ يعكس.
    السادس: أنَّ "الصابئون" مرفوعٌ بالابتداء وخبرُه محذوفٌ كمذهب سيبويه والخليل، إلا انه لا يُنْوي بهذا المبتدأِ التأخيرُ، فالفرقُ بينه وبين مذهب سيبويه في التأخيرِ وعدمه. قال أبو البقاء "وهو ضعيفٌ أيضًا؛ لما فيه من لزومِ الحذف والفصلِ" أي: لِما يلزمُ من الجمع بين الحذفِ والفصلِ، ولا يَعْني بذلك أنَّ المكانَ من مواضع الحذف اللازمِ؛ لأنَّ القرآنَ يلزمُ أَنْ يُتْلى علة ما أُنْزِل، وإنْ كان ذلك المكان في غيره يجوزُ فيه الذكرُ والحذفُ.
    السابع: أنَّ "الصابئون" منصوبٌ، وإنما جاء على لغةِ بني الحرث وغيرهم الذين يَجْعَلون المثَّنى بالألفِ في كل حال نحو: "رأيت الزيدان ومررت بالزيدان". نقلَ ذلك مكي بن أبي طالب وأبو البقاء، وكأنَّ شبهةَ هذا القائل على ضَعْفِها أنه رأى الألفَ علامةَ رفعِ المثنى، وقد جُعِلَتْ في هذه اللغة نائبةً رفعًا ونصبًا وجرًا، وكذا الواو هي علامةُ رفعِ المجموعِ سلامةً، فيبقى في حالةِ النصب والجر كما بَقيت الألف. وهذا ضعيف بل فاسدٌ.
    الثامن: أنَّ علامةَ النصبِ في "الصابئون" فتحةُ النون، والنونُ حرفُ الإعراب كهي في "الزيتون" و"عربون". قال أبو البقاء: "فإنْ قيل: إنما أجاز أبو علي ذلك مع الياءِ لا مع الواوِ قيل: قد أجازه غيرُه، والقياسُ لا يَدْفَعُه". قلت: يشير إلى مسألة وهو: أن الفارسي أجازَ في بعض جموع السلامة وهي ما جَرَتْ مَجْرى المكسِّر كبنين وسنين أن يَحُلَّ الإعرابُ نونَها، بشرطِ أن يكونَ ذلك مع الياءِ خاصةً دونَ الواوِ فيقال: "جاء البنينُ" قال:
    1778- وكان لنا أبو حسن عليٌّ * أبًا بَرًّا ونحنُ له بنينُ
    وفي الحديث: "اللهم اجْعَلْها عليهم سنينًا كسنينِ يوسف".
    وقال:
    1779- دعانيَ مِنْ نجد فإنَّ سنينَه * لَعِبْنَ بنا شِيبًا وشَيَّبْنَنا مُرْدَا
    فأثْبَتَ النونَ في الإضافة، فلمَّا جاءت هذه القراءةُ ووجِّهت بأن علامة النصبِ فتحةُ النونِ، وكان المشهورُ بهذا القولِ إنما هو الفارسي، سأل أبو البقاء هذه المسألةَ. وأجاب بأنَّ غيرَه يُجيزه حتى مع الواو، وجعل أنَّ القياسَ لا يأباه.
    قلت: القياسُ يأباه، والفرقُ بينه حالَ كونه بالياء وبين كونه بالواوِ ظاهرٌ قد حَقَّقْته في "شرح التسهيل" نعم إذا سُمِّي بجمعِ المذكرِ السالمِ جاز فيه خمسةُ أوجه: أحدُها: أَنْ يُعْرَبَ بالحركاتِ مع الواوِ، ويصيرَ نظيرَ "الَّذُوْن" فيقال: "جاء الزيدون ورأيت الزيدون ومررت بالزيدون" كـ "جاء الذون ورأيت الذون ومررت بالذون" هذا إذا سُمِّي به، أمَّا ما دام جمعًا فلا أحفظُ فيه ما ذكره أبو البقاء، ومن أَثْبَتَ حجةٌ على مَنْ نفى لا سيما مع تقدّمِه في العلم والزمان.
    التاسع: قال مكي: "وإنما رفع "الصابئون"؛ لأن "إنَّ" لم يظهر لها عملٌ في "الذين" فبقي المعطوفُ على رفعه الأصلي قبل دخول "إنَّ" على الجملةَ". قلت: هذا هو بعينه مذهب الفراء، أعني أنه يجيز العطف على محل اسم "إنَّ" إذا لم يظهر فيه إعراب، إلا أن عبارة مكي لا توافق هذا ظاهرًا.
    احرص على أن تنادي أشياء حياتك الإيمان وشريعة الله تعالى!

  2. #2
    الصورة الرمزية آمال المصري عضو الإدارة العليا
    أمينة سر الإدارة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : Egypt
    المشاركات : 23,786
    المواضيع : 391
    الردود : 23786
    المعدل اليومي : 4.14

    افتراضي

    جوزيت خيرا أديبنا الفاضل على الإفادة الكبيرة والثراء النحوي الذي وجدته هنا
    تحيتي وجل احترامي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3

المواضيع المتشابهه

  1. إعراب سورة "العصر" .. من "الجدول في إعراب القرآن" محمود بن ع
    بواسطة فريد البيدق في المنتدى النَّحوُ والصَّرْفُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 16-06-2011, 07:46 PM
  2. إعراب سورة الفيل .. من "إعراب القرآن وبيانه" للدكتور درويش
    بواسطة فريد البيدق في المنتدى النَّحوُ والصَّرْفُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 10-06-2011, 08:09 PM
  3. إعراب سورة الفلق .. من "إعراب القرآن وبيانه" للدكتور محيي ال
    بواسطة فريد البيدق في المنتدى النَّحوُ والصَّرْفُ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 10-06-2011, 08:06 PM
  4. إعراب الفاتحة .. من "إعراب القرآن الكريم" قاسم حميدان دعاس
    بواسطة فريد البيدق في المنتدى النَّحوُ والصَّرْفُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-05-2011, 10:02 PM
  5. إعراب سورة الكوثر .. من "إعراب القرآن وبيانه" للدكتور درويش
    بواسطة فريد البيدق في المنتدى النَّحوُ والصَّرْفُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 11-01-2011, 07:03 PM