أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: قراءة نقديّة في مسرحيّة: (المَلِك هو المَلِك - لونّوس)

  1. #1
    الصورة الرمزية كاملة بدارنه أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2009
    المشاركات : 9,824
    المواضيع : 195
    الردود : 9824
    المعدل اليومي : 1.85

    افتراضي قراءة نقديّة في مسرحيّة: (المَلِك هو المَلِك - لونّوس)

    [SIZE="5]قراءة نقديّة في مسرحيّة "الملك هو الملك" : سعد الله ونّوس
    مدخل:
    مسرحية "الملك هو الملك" هي مسرحيّة توضّح أن تغيير الأشخاص في السّلطة لا يعني تغيير السّلطة نفسها (1)، فأبو "عزّة" – الشخصيّة المتنكّرة والتي لبست ثياب الملك أصبح ملكا أشد بطشًا من الملك نفسه!.
    تبدأ المسرحية بعرض لافتة تقول "الملك هو الملك لعبة تشخيصيّة لتحليل بنية السلطة في أنظمة التنكّر والملكيّة ". يقول " ونّوس" في توضيح لمسرحيته. هذا الإعلان المباشر يكشف قصد المسرحيّة والموضوع الذي تتوخى معالجته. وما يعنيه بأنظمة التّنكر والملكيّة هو المجتمعات الطبقيّة، ولا سيما البرجوازيّات المعاصرة عسكريّة كانت أم لا" (2).
    من خلال هذه اللعبة التنكّرية يسمح للشّخصيات بالأحلام فقط. فالأحلام التي حلمت بها الشّخصيات خلال المسرحيّة هي الطّموحات الخاصّة بها، والتي تمنع من تحقيقها في الواقع. "أبو عزّة" حلم أن يصبح ملكا ولو ليوم واحد؛ كي ينتقم من أعدائه: شاه بندر التّجار والشيخ طه.
    "أم عزّه" تحلم أن تعود حياتها كما كانت؛ كي تزوّج ابنتها من رجل يليق بها. "عزة" تحلم بالزّواج من فارس الأحلام. الملك يحلم أن يتسلّى لأنه ضجر ويعرف أن الشّعب مليء بالطاقات المسليّة. "زاهد وعبيد" – هما قائدا اللعبة التّنكرية – يحلمان بكتم أحلامهما وعدم البوح بها.
    اذن، فالمسرحيّة تعتمد أحداثها على فعل التّنكر. والتّنكر هو تجسيد للأحلام وله أبعاد كثيرة. فالملك، تنكّر هو ووزيره من أجل التسلية، وتنكره يجسّد أقصى حالة من حالات التّنكر، ويمثل الملكيّة الخاصّة والطّبقة الحاكمة (3). تنكّر زاهد وعبيد –تنكّر بهدف التّغيير وهو إزالة الظلم وإنهاء الحكم القائم. وتنكّر بفكر جديد للملكيّة العامّة على عكس تنكّر الملك، وتنكّر "أبو عزة" الذي كان من أجل هدف خاص وهو القضاء على خصومه. ويمكن حصر أحداث المسرحيّة وشخصيّاتها بمثلث على رأسه السّلطة السّياسية، وقاعدته المجتمع والعامل الاقتصادي.

    السّلطة السياسيّة تواجه ضغطا من قبل "زاهد وعبيد"، وهما المتسولان اللذان يمثّلان الشعب ويدعوان خفية للتمرد على السلطة، والإطاحة بالنظام القائم؛ وذلك عن طريق سرد "عبيد" ل "عزة" عن التنكر الموجود منذ العصر البدائي حيث أكل الشعب ملكه. والسلطة نفسها تضغط على الشعب حيث تمنع كل شيء عدا الأحلام !. فالضغط متبادل وكذلك السلطة السياسية تواجه ضغطا بسبب الوضع الاقتصادي السيء والذي عكسه حال "أبو عزة"، الذي خدعه شاه بندر التجار والشيخ طه – اللذان يمثلان السلطة التي تضغط على الشعب اقتصاديا.
    لذلك يريد أن يصبح ملكا لينتقم منها. وزوجته تعاني من الوضع المادي السيء؛ لأنها تريد زواجا ملائما لابنتها "عزة". و "عرقوب" أيضا يريد من "أبي عزة" أن يدفع له ديونه.
    هذا الوضع جعل "أبا عزة" ملكا ظالما ينتقم من كل من يذنب؛ حتى أنه حكم على "نفسه" عندما اشتكته "أم عزة" "بالتجريس".
    فالوضع الاجتماعي – الطبقات الفقيرة المتمثلة ب "عبيد وزاهد" والوضع الاقتصادي المتمثل ب "أبي عزة"، كانا عاملين ضاغطين على السلطة السياسية. وبالتنكر وصل "أبو عزة" السلطة و "زاهد" و "عبيد" دعيا إلى "أكل الملك". لكن السلطة السياسية الجديدة أشد بطشا من الأولى وهذا يعني أن تغيير الأفراد لا يغير النظام، ولا بد من تغيير جذري وهذا ما دعا إليه "ونّوس" بعرضه للحالة الفوضوية السائدة.
    اللّغة:
    أ)مستويات اللغة:
    جاءت اللغة في المسرحيّة بثلاثة مستويات: لغة فصحى، لغة مفَصَّحة ولغة عاميّة. مثل هذه الشّمولية لجميع مستويات اللغة، تعكس التّوتر الذي يسيطر على لغة النّص، والذي بدوره يعكس التّوتر العام للنّص وأحداثه أيضا... "عبيد": " التناقضات تنمو، وحركتنا تشتدّ. ينبغي أن نتواقت مع اللحظة المواتية، لا نكبر ولا نتأخر... ينبغي أن ننظم عملنا في الدابغ ... الله يخلي شبابك". (ص 27)
    يبدأ كلامه باللغة الفصحى، فهو يعمل سرّا، والدقّة مهمّة في مهمّته، ويسودها التّوتر. فينهي أقواله بجملة دعائيّة عاميّة متوجّها لشريكه "زاهر": "الله يخلّي شبابك". كان بإمكانه القول، حفظ الله شبابك لكنّه يريد ان يبقى بشكل دائم "يخلّي". في الماضي والحاضر والمستقبل مثلما تعني الكلمة بالعاميّة. وتبقى الظّاهرة متواجدة في كلّ مشاهد المسرحيّة.
    "عرقوب": "ينفطر قلبي حين أراك تلوّثين يديك بأوساخ ذلك الأحدب" (ص 29).
    يتكلم "عرقوب" مع "عزة" عن "عبيد" الذي يتنكر بشخصية متسوّل أحدب و "عزة" ترغب بالزّواج منه، فقلبه "ينفطر" حين يراها معه.
    واستعمال اللغة الفصحى العالية على لسان "عرقوب"، وهو الخادم عند "أبي عزة" يعكس المفارقة في النّص وهول الوضع. فينفطر بمعنى "ينشقّ". هذا يعبر عن مدى عمق جرحه وحبه ل "عزة". ولكنه يكمل كلامه باستعمال اللغة المفصحة : "لم تهضمه معدتي" هذه الجملة مفصّحة، وكان بإمكانه أن يكمل كلامه – "لا يروقني" (والمقصود عبيد) ليحافظ على مستوى اللغة العالي. فالشخصية تارة تتكلم بلغة عالية، وطورا بلغة أقلّ فصاحة. وتكمل حديثها في مواقع أخرى بلغة عاميّة صرفة وبلهجة مصريّة.
    "عرقوب": "أي نعم يا جميل" (ص31) (مخاطبا عزة). ويستعمل الأمثال الشعبيّة: "واطلع من العرس بلا قرص" (ص103). يتكلم هنا بعد أن أصبح وزيرا لسيّده الملك الجديد "أبي عزة" حيث يطلب منه أن ينهي اللعبة.
    جميع مستويات اللغة التي استعملها "عرقوب" تعكس التناقض والتوتر السائد. فهذه الشخصية الانتهازيّة تستعمل كلمات دينيّة: "يا فاطر السموات" أوزع الطاعة بينكما "بالعدل والقسطاس" (ص36) وتستعمل الأمثال الشعبيّة كما ذكر (تناص شعبي). ولغة مفصحة "لا تخضّ عقلي" (ص103) فهو بهذا انتهازي أيضا باستعمال اللغة لتلائم شخصيته والموقع الذي يحتلّه.
    استعمال ثلاثة مستويات لغويّة كان من نصيب كلّ الشخصيات في المسرحية.
    " أبو عزة" يستعمل أسلوب السّجع في كلامه (الآن آن القهر للحساد ما دمت سلطان البلاد، أنقش الختم على بياض فينقضي أمري بلا اعتراض" (ص38)
    وكذلك يقول شعرا:
    أنني ما دمت حيا عاشق الكاسات
    من تعاطى منها شيئا في الدجى ما مات (ص35)

    باستعمال الجناس والشعر المقفّى نلاحظ ظاهرة "تموسُق" الألفاظ التي تتميز بصوت خاص بها. فاستخدام موسيقى خاصة بالألفاظ فيه دمج بين صوت الكلمة الموسيقي ودلالتها اللغوية؛ لتخترق الواقع الذي يعيش فيه "أبو عزة" إلى واقع أحلامه التي يرتقي منها؛ ليصبح ملكا ويجمّله بالكلمات المسجوعة التي يستعملها. أي يستعمل لغة فصحى عالية. ويستعمل أيضا أسلوب التّشبيه: " الحراس على الجانبين كصفين من شجر الحور وبينما أتهادى بمشية رخيّة كأني أطير... تلك اللحظة جليلة كمن يشرف على الدنيا من فوق رابية" (ص32). تصورالتّشبيهات الواقع الذي سوف يرتقي إليه. فهو سيصبح عاليا مرموقا "كأني أطير" وكأنه مشرف من فوق رابية. تعبر اللّغة هنا عن واقع الشّخصية الحالمة، فهي تستعمل ألفاظا غير عاديّة لظروف غير عاديّة ومميّزة.
    ولكن، هذه اللغة لم تبق عالية طيلة الوقت، فقد إعترتها مواقف خفضت من مستواها لتنزل إلى مستوى العاميّة – "يا غشيم" أبو عزّه (ص32). لم يخاطب "عرقوب" بلغة فصحى "يا جاهل" بل استعمل كلمة "غشيم" بدلالاتها العاميّة التي تمثل عدم المعرفة – "لا تزعل من كلمة الحق" أبو عزه (ص32)، يخاطب "عرقوب" بكلمات تلائم مستواه كخادم عنده.
    فالتّوتّر اللغوي يلائم أيضا لغة "أبي عزّه" المتوترة بين حياته العادية البسيطة المثقلة بالديون، وبين الطموح والوصول إلى العالي:إلى القصور والملكيّة!
    "أم عزّه" تعكس لغتها أيضا، التوتر الخاص في حياتها مع أبي عزه وإبنتها. : "كثر الله أمثالك – بدأ لساني يتلجلج، أيمكن أن أصطحب ابنتي، علّها تسعفني وتمدّني بالقوة" ص48.
    يبدأ الحديث بلغة عاميّة ملائمة لمستوى "أم عزّه"... المرأة العادية البسيطة، لكن مستوى اللغة يرتفع بعد ذلك ويكون فصيحا.هنا لغة متوترة تعكس التّوتر النفسي الذي تعيشه "أم عزّه"، فهي تريد تغيير الواقع الصّعب الذي تعيشه مع زوجها، وتطلب مناصرة ابنتها لها. تفهم واقعها الخاصّ والعامّ جيدا "العيارون واللصوص يحكمون البلاد وينهبون العباد.. العدل نائم... الغش رائج... التعدي سائد... لا سلامة ولا كرامة ولا شريعة (أم عزه ص46).
    اللغة الفصيحة مسجوعة ولها نبرة موسيقيّة خاصّة، وهي بذلك تخترق واقعها الى واقع آخر. هذا يعني أن اللغة بمستوياتها الثلاثة كانت انعكاسا لواقع الشخصيات المتوتّرة التي تعيش حالة من التّنكر، وأصبغت هذه الصفة على لغتها. فنحن لا نستطيع أن نحدد مستوى خاصا للغة كلّ شخصية. فهي تتكلم بلغة تختلط فيها المستويات. وهذا ما يقوّي الواقع الذي أراد (ونّوس) أن يعكسه للمشاهِد، والذي يتمثّل بحب التغيير والتمرّد!. فالطموح بالتّغيير يرقى باللغة إلى مستوى عال فصيح؛ لتتلاءم وحجم الموقف والشخصيّة.

    التّكرار:
    نلحظ في المسرحية ظاهرة تكرار الجمل مثل جملة "أبي عزه": "أأنا مسحور أم أصاب عقلي أمر من الأمور؟" (ص67 + ص68 مره).
    وتكررت نفس الجملة على لسان مصطفى (وهو الملك الحقيقي الذي تخفّى بشخصيّة مصطفى) ص 87،88،90،92،99... وتكررت ناقصة أأنا مسحور؟ ص85 (مرتين). التّكرار يعني أهمية الجملة. فهي جملة قيلت والشّخصية ليست في موقعها الخاص بها. فأبو عزه قالها وهو ملك. والملك الحقيقي قالها وهو متنكّر. هذا التّكرار يرتبط بقواعد اللعبة التي تعتمد عليها المسرحيّة. فالمسرحيّة هي لعبة واللعبة تحكمها قوانين معيّنة. ومن صفات اللعبة العبارات المتكرّرة حتى إنتهائها. فالتّكرار هو صفة ملازمة لها، وظهر هذا في المسرحية ليؤكد أن فيها من قواعد اللعب!.
    المونولوج: ظهر في موقفين: على لسان محمود: "علامة النهاية أن ينسى الملك شرطه ويعامل بالاستخفاف ثوبه وتاجه. على كل يجب ألا أفلت الخيط. ما يهم أن أنفذ رجائي. أما هو فليبلغ الدرس من الألف إلى الياء. لنفكر بتدبير إحتياطي" (ص60) وكذلك (ص87) محمود: "لن آسف عليك لو إنتهت الحكاية هنا أما أنا فعلي أن أدبّر حيلتي وتدبيري". المونولوج يظهر ويكشف طمع الوزير وإستهتاره بالملك. وما يهمه هو تنفيذ مآربه وتوتره يعكس التوتر العام السائد في المسرحية!
    الوصف التّفصيلي: ظهر في وصف البلاط والملك والأزياء، وجاء ليوضح للمشاهد وليبرز صورة غير مألوفة عن هذه الموصوفات. وكان الوصف ساخرا وما يألفه المشاهِد عرض بشكل غير مألوف وهذا يعكس التناقضية (مبدأ تغريبي : بريخت ) (4)

    "البلاط... مرقاة مكسوة بمخمل ثمين، تنتهي إلى مصطبة يتربع فوقها العرش كرسي ضخم من الأبنوس... ما عدا ذلك ثمة أبهة عارية. أبهة باردة ومنفوخة بالفراغ... الملك كتلة قماشية تجلس على العرش..."ص14.
    يعكس الوصف التّفصيلي الوضع السوداوي، وفي ذات الوقت هو وصف تغريبي بهدف التغيير والتّشكيك بصلاحية الوضع وبقائه. فوصف القصر الملكي يدعو إلى التفكير في إيجاد بديل له وهو ليس حتميّا (5) أي أن الوصف عامل هام أيضا لخدمة المسرح التّسييسي وهدفه.
    التّناص الديني:
    ظهر في المسرحية تناص ديني مع آيات قرآنية مثل: "والحسنة "كحبّة أنبتت سبع سنابل" (عبد: ص25) هذا يذكر بالآية القرآنية: "مثل الذين ينفقون أموالهم... كمثل حبة أنبتت سبع سنابل (البقرة: آية 261).
    التّناص إشارة ايجابية من جانب عبيد لصديقه "زاهد" وإحساس بالتفاؤل لنتائج الأعمال السريّة والتي تمثل ثورة على ما هو قائم، فالعمل ستكون نتيجة مضاعفة، وهذا يدعو المشاهد للتفاؤل والمتابعة.
    ونلاحظ ظهور الآيات القرآنية في مواضيع أخرى: "يا فاطر السموات" (عرقوب ص 91) التّناص يوضح هول الأمر عندما جاءت "أم عزه" وإبنتها إلى القصر أحس أن الأمر سوف يفتضح ويتطلب مساعدة إلهيّة لستره!
    ميمون خادم الملك يقول لأبي عزّة "تبّت يداي" ص63، عندما كان يتحدث معه وحسب أنه قال كلاما أساء "للملك". وهذا يعكس الخنوع والخضوع للملك.

    التّناص التراثي (والتأريخي):
    تعتمد أحداث المسرحية في هيكلها العام على قصة من قصص "ألف ليلة وليلة" بعنوان "النائم واليقظان" الواردة في الليلة الثالثة والخمسين بعد المائة (6). وهي تدور حول هارون الرشيد الذي قرر أن يتنكّر هو وسيّافه. وفي إحدى الليالي وهما يقومان بجولة في بغداد. يلتقي برجل يدعى "أبا الحسن" الذي يتمنى أن يكون خليفة بغداد ليوم واحد ليحكم بالعدل والحكمة. ويستسيغ الرشيد أن يلعب لعبته فيضع له المخدر في طعامه وينقله للقص؛ ليستفيق ويجد نفسه خليفة في بغداد. تختلط الأمور على أبي الحسن، وينتهي اليوم دون ان يظهر حكمته وعدله. فيخدر في المساء ويعاد إلى مكانه. ونّوس يستلهم هذه الحكاية ويجردها من زمانها ومكانها ليضعها في زمان ومكان آخرين، حيث استبدلت بغداد بمملكة دون اسم، وأبو الحسين يصبح "أبا عزه" وعلى العكس من أبي الحسن يحكم البلاد ويبقى الملك وتطغى اللعبة على كل الاحداث.
    إستلهام القصة من ألف ليلة وليلة لشخصية تأريخية عربية وبناء أحداث جديدة، يخدم الأغراض التي أرادها ونّوس وهي تسييس مسرحه؛ حيث أسقط على النص التاريخي رؤية جديدة ليشارك الجمهور في الأحداث. وهذا فيه من عناصر التّغريب التي إستخدمها (بريخت) في مسرحياته وتأثر به "ونوس" لتقريب المشاهد من الواقع الذي يعيشه ويسهل عليه فهمه. (7)
    فاستعمال التّناص جاء ليخدم الأغراض الفكرية والسياسية للكاتب مع إنه كان استخداما "إيرونيا" حيث جردت الأحداث من زمانها ومكانها الأصليين، وكذلك غيرت نهايتها وهذا يدل على الحاجة للتغير التي يدعو له ونّوس. ونحن هنا إزاء مسرح داخل مسرح وهو عنصر من عناصر التّغريب. (8)
    ظهر التّناص في موقع آخر، وهو أيضا مع إحدى حكايات ألف ليلة وليلة وهي بعنوان: "الصياد والعفريت" حيث يروي محمود لمصطفى (وهما الملك ووزيره المتخفّيان)قصة:
    "مرّة سحب الصياد شبكته من الماء فوجد في قعرها زجاجة مسدودة، أمسكها فتناهى إليه من جوفها أنين وبكاء" ص 60. ويكمل ص 87: "ثم عرف الصياد أن في الزجاجة التي علقت بشبكته عفريتا محبوسا هو الذي ينتحب. فرق قلبه لتوسلاته وفتح الزجاجة كي يحرره من سجنه، عندئذ اندفع – يا حاج مصطفى – مارد جبار قهقه بصوت دوّت له الفيافي والقفار، وهمّ ليقضي على الصياد الذي انقذه من حبسه".
    هذا التّناص ينطبق، ويرمز لما فعله الملك (مصطفى) مع أبي عزّه فهو الذي خدّره وأوصله للقصر بعد أن سمعه يتولول من الخيانة والديون التي وقع بها فأراد إخراجه من "الزجاجة".

    *حكاية الليلة الثالثة – الصياد والعفريت – ص23، المجلد الأول – منشورات مكتبة الحياة – بيروت.

    بعدما أخرجه ووصل القصر يمكن القول انه قضى عليه حث ادعى انه الملك الحقيقي وعاش اللعبة كواقع وبقي الملك الحقيقي خارج المملكة!
    الحكاية استعملت ايضا استعمالا (ايرونيا). فنهاية الحكاية في الليالي كانت تخلص الصياد من العفريت، حيث أعاده إلى الزجاجة، ولكن الملك لم يستطع إعادة "أبي عزه" إلى زجاجته! وهنا اشارة إلى امكانية تغيير المصائر والحقائق ولا شيء ثابت.
    واستعمال اسلوب التّناص يخدم ثانية الأفكار التي يدعو لها ونّوس وهي التغيير والتمرد!، وقول ونوس "اننا نقتبس او نعد؛ لأننا نبحث عن رؤيتنا العربية المتجاوبة مع واقعنا، أو لأنّنا نحاول ان يكون فعلنا المسرحي واهنا، أي فعلا هنا والآن". (9)

    أسلوب الحكاية والسّرد:

    أستعمل ونوس أسلوب الحكاية. وهو قاعدة وضعها (بريخت) حيث يحل السرد محل الدراما وذلك "لتبديد الوهم الذي يسيطر على مشاهد العرض المسرحي، وأبعاد الأحداث المسرحية لتتاح للمتفرج فرصة الحكم على ما يجري أمامه (10)، يظهر ذلك جليا عندما يحكي عبيد لعزة حكاية تاريخ التنكر وأهميته:
    عبيد: في قديم – قديم الزمان. كانت هناك جماعة من البشر تعيش حياة بسيطة متناسقة كنشيد او أغنية .... ص53+54.
    الحكاية تبدأ على نمط الحكاية الشعبية في قديم الزمان كان... ليشوق المشاهد للإستماع... بإستعمال الحكاية يوجد تفتيت للدراما المسرحية، وونوس بهذا يكسر إندماج المشاهد بالأحداث وتأثيره بها مستعملا عنصرا آخر من عناصر التّغريب. ويتكرر الأمر عندما يحكي محمود لمصطفى حكاية الصياد التي ذكرت سابقا، وفي ذلك تقطيع للأحداث الدرامية، او ما يسمى بالطرفة.(11)

    الخطاب التّعليمي المباشر:

    الخطاب التعليمي ورد على لسان زاهد وعبيد، حيث يروي عبيد لعزه حكاية عن تاريخ تشكل أنظمة التنكر والملكية، وعن كيفية التخلص منها. (53)
    زاهد وعبيد يعملان سرا ويدعوان للتخلص من الملكية عن طريق الثورة، وكأن المشاهد أمام طروحات ماركسية تدعو للقضاء على الملكية.
    يقسم عبيد الشخصيات حسب الانتماء الطبقي؛ لتخوض صراعا بين المسموح والممنوع حتى تروق الحياة. حيث يروي عبيد لعزه أن "كتب التاريخ تروي عن جماعة ضاق سوادها بالظلم والمجاعة والشقاء فاشتعل غضبها، وذبحت ملكها، ثم أكلته. "في البداية شعروا بالمغص وبعضهم تقيأ، ولكن بعد فترة صحت جسومهم. تساوى الناس وراقت الحياة. ثم لم يبق تنكر ولا متنكرون" ص 54.
    وعرقوب أيضا تظهر التعليمية في أقواله، "الحرب بين المسموح والممنوع قدم البشرية.
    الدهماء. الرعاع. العامة. ولنا من الأسماء ما لا يحصى، لا نشبع من طلب المسموح". "المهم إستقرت أخيرا بلادنا الميمونة على الحكمة القديمة المـأمونة. المسموح على قدر الممنوع" ص7.
    الخطاب المباشر يخدم الهدف السياسي للمسرحية ويحرض على التمرد والثورة ضد الطبقية والأنظمة غير المرغوب فيها، وهذا عنصر هام من عناصر التغريب حيث يتوجه الكاتب مباشرة للجمهور أو القرّاء بآراء وأفكار تعليمية. (12)
    الكشف عن اللعبة والمسرحيّة:
    تعلن الشخصيات للجمهور منذ البداية أنهم سيرون لعبة.
    عبيد: هي لعبة !
    أبو عزه: هي لعبة !
    الملك: نحن نلعب (ص5)
    وفي نهاية المسرحية يعلن الممثلون أن اللعبة إنتهت.
    مصطفى: "قولوا – كانت لعبة – والملك هو الملك – أنا هو أنا" ص 109

    استعمال اللافتات :
    استعمال اللافتات جاء ليقاطع تتابع الاحداث، حيث قدمت هذه اللافتات فكرة عن المعروض قبل العرض حيث ظهرت اللافتة ملخصة وموضحة ما سوف يراه المشاهد. "الملك هو الملك – لعبة تشخيصية لتحليل بيئة السلطة في أنظمة التنكر والملكية". ص5، تبدأ المسرحية بهذه اللافتة لتعلم المشاهد ماذا سيرى، مثال آخر "الواقع والوهن يتعاركان في بيت مواطن أسمه "أبو عزه". وتأتي الاحداث موضحة العراك القائم بين أبي عوه وزوجته وأحلامه بالوصول إلى القصر.
    استعمال اللافتات يمنع اندماج المشاهد مع المشهد، حيث يبقى واعيا ومفكرا كي يتخذ موقف الإنسان الناقد والمحايد وعدم الاندماج في المشهد. وهذا عنصر هام من عناصر التغريب أيضا وهو كسر الإيهام المسرحي ومنع المشاهد من الاندماج ونسيان الواقع. (13)

    دلالات الأسماء:
    أسماء الشخصيّات تحمل دلالات ايجابية لحامليها ودلالات سلبية في نفس الوقت. وأحيانا إما دلالات ايجابية أو سلبيّة – كلا على حده – من الأسماء التي رمزت وعكست صفات الشخصية هي "أبو عزه" وعزه. "فعزة" هي مؤنث الكلمة "عز" والتي تعني القوة (المنجد في اللغة والإعلام (عز)). فهي بالنسبة لعبيد الذي يحبها تمثل القوة التي هو بحاجة لها في عمله السري الفوري ضد الملكية والسلطة؛ حيث يروي لها قصة التنكر والملكية لأنه يعتبرها مصدر ثقة والثقة تمنح القوة.
    "أبو عزه" لم يعرف أسمه إنما كنيته. فهو ايضا أبو القوة حيث استغل ما حلم به ليصبح واقعا واعتبر نفسه الملك الحقيقي الذي يملك القوة والسيطرة على البلاد والعباد.
    عبيد – هو المتنكر بزي متسوّل والذي يعمل سرا كما ذكر. عبيد تصغير لكلمة "عبد" والتصغير في اللغة إما للتعظيم او للتحقير.
    وهو يعني الدلالتين في المسرحية. فعبيد متسول أقل درجة من العبد .فالعبد يعطيه سيّده كل ما يلزم، ولكن عبيد لم يجد ذلك فإحترف التسول مهنة. هذا يوضح الدلالة السلبية (التحقير) وفي الوقت ذاته "عبيد" هذا (الأقل) من العبد بإمكانه فعل الكثير فهو يعمل في الخفاء منتحلا شخصية متسول للتمرد وللثورة على الأنظمة المالكة. إذا، الاسم يعكس ازدواجية الشخصية المتنكرة سلبا وإيجابا.
    زاهد: الاسم زاهد إسم فاعل من الزهد. والزهد – "الإعراض عن الشيء احتقارا له"
    (المنجد في اللغة والإعلام – (زهد). في عمله كمتسول لم يبد زاهدا إنما العكس من ذلك؛ رغبة منه في الحياة والتغيير. تنكر وإشترك في اللعبة مع عبيد من أجل التحريض والثورة. فالاسم هنا دلالته عكس الواقع الذي تريده الشخصية.
    مصطفى: الاسم مصطفى يعني الشخص "المختار" المميز، هو الملك الذي تنكر باسم مصطفى اعتقادا منه أن الشعب راض عنه ولكن هذا "المصطفى" لم يعرفه الناس، عندما إنتهت اللعبة التي قرر أن يلعبها. حتى زوجته الملكة لم تميز بين الملك الحقيقي والملك المزيف "أبي عزه" فلم يعد هو المصطفى! ولذلك يعطي الاسم هنا دلالات سلبية ويعكس عدم الرضا الذي أراد ونّوس أن يخبرنا به عن الملكية والملك.
    محمود: (مرضي فعله وتصرفه) هو وزير الملك الذي رافقه في تنكره. أي أن الملك راض عنه وواثق منه ولكنه في النهاية لم يعد محمودا حيث يبعث رسالة إلى أبي عزه ليخبره أنه ليس الملك، ويجب خلع ردائه. ولكن ما يهمه أكثر أن يستبدل ثوبه أولا، ويخبر السياف أن الملك يعني "أبو عزه" قد ضمه إلى الخدمة أي أنه تخلى عن الملك الحقيقي.
    للإسم هنا أيضا معنى ساخر ومزدوج فهو محمود ما دام خاضعا للملك ولكن ليس محمودا – بالنسبة للملك – عندما يتركه وينضم للملك الجديد.
    فدلالات الأسماء عكست التوتر السائد في النص، فلا شيء حقيقي، الأحداث لعبة، ودلالات الأسماء تخدم هذه اللعبة.[

    كاملة بدارنه

    قائمة المراجع:
    1. علي الراعي ،الملك هو الملك، تعريف وتقديم – (مقالة ملحقة بالمسرحية) ص126.
    2. سعد الله ونوس ، الملك هو الملك: إيضاحات – 113 (المسرحية – الطبعة الرابعة 1982)
    3. سعد الله ونوس – م.س. ص118.
    4. عواد علي ،غواية المتخيل المسرحي، مقاربات لشعرية النص والعرض والنقد. ص77 المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء – ط، 1997.
    5. ن.م.ص79.
    6. إسماعيل فهد إسماعيل ،الحكاية الفعل في مسرح سعد الله ونوس، دار الآداب بيروت. ط،1981ص167.
    7. إسماعيل فهد إسماعيل . م . س . ص 168.
    8. عواد علي – م.س.ص78
    9. سعد الله ونوس ،"ملاحظات حول الاقتباس أو الاعداد المسرحي"، مجلة الحياة المسرحية، عدد 6 ص 112.
    10. صبحة أحمد علقم ،المسرح السياسي عند سعد الله ونوس، عمان 2002ص 110.
    11. عواد علي – م.س.ص78
    12. صبحه علقم – م.س.ص 122
    13. صبحه علقم – م.س.ص 120.
    التعديل الأخير تم بواسطة كاملة بدارنه ; 03-07-2011 الساعة 06:57 PM سبب آخر: حجم الخطّ

  2. #2
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.72

    افتراضي

    قراءة حكيمة متأنية ومحيطة لنص ثقيل وجدير فيما بدا لي من قراءتها بالاهتمام
    ولأني لم أتشرف بقراءة المسرحية ، فسأكتفي هنا بمرور تحية للنناقدة الكبير وقراءتها والنص المقروء
    ولي عودة بعد اطلاع أوسع قليلا

    تحيتي أيتها الكاملة

    دمت بألق
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  3. #3
    الصورة الرمزية صفاء الزرقان أديبة ناقدة
    تاريخ التسجيل : Mar 2011
    المشاركات : 715
    المواضيع : 31
    الردود : 715
    المعدل اليومي : 0.15

    افتراضي

    دراسة باذخة بتفاصيلها الرائعة .
    يمثل المسرح اداةً للتغير و صوتاً يُسمِعُ الكاتب من خلاله الجمهورَ ما لم يسمعوه فينقل لهم رسالته بأسلوب مُبطنٍ ذكي باستخدام تقنيات غايةٍ في الدقة. ما تطرقتِ له في دراستكِ عن اللغة و مستوياتها يعكس الحالة النفسية للشخصيات فاللغة بمستوياتها و توظيفاتها في العمل وفرت مصدراً قيماً للتحليل النفسي و هو ما يسمى بتحليل الخطاب النفسي Psychoanalysis. وجود اكثر من مستوى للغة يعكس الصراعات والتناقضات التي كانت تعيشها الشخصيات و حالة التقلب لدى كل شخصية .
    اما الاحلام فهي تعكس اللاوعي في كل شخصية و ما يعتمل في قلب و قرار كل شخصية من شخصيات المسرحية و كأن الاحلام كانت ملاذاً للشخصيات كي تحقق ما عجزت عن تحقيقه في الواقع . فكان المونولوج ايضاً عاكساً لما بداخل الشخصيات فالمونولوج او ما يسمى Soliloquy من اهم ادوات التعبير التي تستخدم في المسرح لتعبر عن حقيقة ما بداخل الشخصيات .
    استخدام الاقنعة كان لعكس ما تُخفيه كل شخصية . جميل ما قلتهِ عن الاسماء واللغة و ما توصلتِ له من تحليلاتٍ بديعة عن طريق اللغة وهذا يسمى stylistics وهو اسلوب تحليلي يعتمد على دراسة النص الادبي من منظور لغوي و اثر استخدام الاساليب اللغوية على النص .
    ان اطلاع ونوس على المسرح الغربي و تقنياته من خلال تواجده في فرنسا لم يدفعه الى اقحام هذه التقنيات قسراً في نصوصه و انما وظفها توظيفاً رائعاً يرتقي بالنص كي يتم ايصال الرسالة بطريقةٍ بديعةٍ مواكبةٍ لتطورات المسرح . فقد الف عدة كتب تهتم بالمسرح منها " بيانات لمسرح عربي جديد " و " هوامش ثقافية "كما اسس مجلة ( الحياة المسرحية ) ، وساهم في إنشاء معهد لتدريس المسرح في سوريا .

    ابدعتِ استاذة كاملة
    دراسة بديعةٌ قيمة

  4. #4
    الصورة الرمزية كاملة بدارنه أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2009
    المشاركات : 9,824
    المواضيع : 195
    الردود : 9824
    المعدل اليومي : 1.85

    افتراضي

    فسأكتفي هنا بمرور تحية ..
    فخر لي هذا المرور وهذه التّحيّة عزيزتي الأخت ربيحة
    أنصحك بقراءة هذه المسرحيّة للكاتب السّوري سعد الله ونّوس
    تقديري وتحيّتي

  5. #5
    الصورة الرمزية كاملة بدارنه أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2009
    المشاركات : 9,824
    المواضيع : 195
    الردود : 9824
    المعدل اليومي : 1.85

    افتراضي

    شكرا لإضافاتك النّقديّة عزيزتي صفاء والتي تعكس تمكّنا في مومضوع النّقد الأدبيّ ... دائما لديك ما يثري
    بوركت
    تقديري وتحيّتي

المواضيع المتشابهه

  1. مات الملك .. عاش الملك
    بواسطة اشرف نبوي في المنتدى الحِوَارُ المَعْرِفِي
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 06-07-2012, 01:06 PM
  2. قراءة في مسرحية«ماذا قالت اليمامة؟» لعلي منصور
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 12-08-2006, 06:56 PM
  3. قراءة في مسرحية «الغائب والبركان» لمحمد سعد بيومي
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 20-05-2006, 07:15 PM
  4. قراءة في مسرحية«المضحكة» لعلي الغريب
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 02-05-2006, 11:35 PM
  5. مسيح الشرق(الملك الفيصل بن الحسين ) الملك الصالح
    بواسطة نعيمه الهاشمي في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 26-12-2003, 05:25 PM