اكتساب اللغة بين العرب والغرب
بقدر لغات المرء يكثر نفعه --------------------------- وتلك له عند الشدائد أعوانُ
فبادر إلى حفظ اللغات مسارعاً ------------------------- فكل لسانٍ في الحقيقةِ إنسانُ
صفي الدين الحلي
يعد موضوع اكتساب اللغة من أهم حقول اللغويات التطبيقية . يعتبره بعض العلماء والدارسين حقلاً مستقلاً عن اللغويات التطبيقية لأهميته و غزارة المواضيع التي يشملها. يجد المُتابع لموضوع اكتساب اللغة أن الدراسات بدأت بالظهور في أوائل القرن العشرين و لقد أولى العلماء أهمية كبيرة لدراسة اكتساب اللغة وبيان هذه العملية و دراستها بشكل مُفصل .
إن المُتابع والدارس لهذا الموضوع يجد أن الغرب قد برعوا في شرح وتوضيح هذا الموضوع وتوسعوا في بيان وشرح التفاصيل الدقيقة لاكتساب اللغة :كتوضيح دور الجهاز العصبي في هذه العملية و طريقة عمل الدماغ في اكتساب اللغة . لقد وضع علماء الغرب العديد من النظريات المتعلقة باكتساب اللغة , من أهم هؤلاء العلماء :نعوم تشومسكي, و بلومفيلد, و وين ريك او وين ريخ ,و فويغوت. تناول كل عالم منهم جانباً مُعيناً من الموضوع ودرسه بدقة و أسس نظرياتٍ لشرحه.
يتبادر إلى الذهن تساؤل مؤرق عن دور العرب في دراسة اكتساب اللغة .ألم يتبادر إلى عقول هؤلاء العباقرة الذين ملؤوا الدنيا علوماً أن يدرسوا هذا الموضوع؟ ؟ سأُحاول الإجابة عن هذا التساؤل في هذه الدراسة بحيث يتم طرح الموضوع على شكل حلقات مُتتالية تتناول كل حلقة نظرية غربية واصلها في اللغة العربية .
إن أول ما نزل من القرآن الكريم على الرسول عليه الصلاة والسلام هو سورة العلق قال تعالى في محكم تنزيله : " اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، اقرأ و ربك الأكرم ، الذي علم. بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم " و قوله تعالى في سورة البقرة " وعلم آدم الأسماء كلها" فسر علماء التفسير مثل ابن عباس و الضحاك بن عباس الآيتين الكريمتين بأن الله سبحانه وتعالى قد علم الإنسان مسميات الأشياء و المخلوقات . قال عز وجل في سورة الرحمن " خلق الإنسان علمه البيان" فقد قرن الله سبحانه وتعالى الخلق باكتساب اللغة وتعلمها . بالنظر إلى الطرف الآخر نجد أن الغرب قد وضعوا نظريات تتحدث عن الاستعداد الفطري لاكتساب اللغة Innateness . نجد أن القرآن الكريم قد تحدث عن الاستعداد الفطري لاكتساب اللغة في عدة مواضع قبل قرونٍ من النظريات الغربية وهو ما يؤكد اعجاز القرآن و روعة ما حواه من علوم .
تحدث تشومسكي عن الاستعداد الفطري لاكتساب اللغة Innateness و بين أن هناك جزءاً في الدماغ وظيفته اكتساب اللغة يسمى:
”LAD “Language Acquisition Device. هذه النظرية تنسف ما قاله علماء الانثروبولوجيا بأن الإنسان الأول لم يكن يستخدم لغة منطوقة لكي يتواصل بها مع من حوله . بالنظر إلى جهاز النطق الذي وهبه الله سبحانه وتعالى للإنسان ندرك مدى دقة ذلك الجهاز و تعقيده و تكامله فهو مكونٌ من رئتين و شفتين و أحبال صوتية و لسان يحتوي وحده على سبع عشرة عضلة مشعبة . فكيف لمخلوق يمتلك هذا الجهاز البديع أن لا يستخدمه ؟؟
لقد أوضح تشومسكي في كتاباته مصطلحين هامين في حقل اكتساب اللغة وهما Competence أي المعرفة أو الكفاءة اللغوية (توجد في دماغ المتحدث) فكل انسان يحتوي دماغه على هذه المعرفة بحيث تتم تغذيتها لاحقاً من خلال المُحيط الذي يعيش فيه .و مصطلح Performance أي القدرة اللغوية على إنتاج اللغة ( أو الأداء اللغوي) فبعد ان يتم اضافة المُدخلات اللغوية التي اكتسبها المُتحدث من بيئته الى الكفاءة اللغوية يصبح الانسانُ قادراً على انتاج اللغة . وقد نال هذان المصطلحان اهتماماً كبيراً من الدارسين . ولكن ابن خلدون تحدث عن هذا الجانب قبل تشومسكي بمئات السنين . وقد سماه ابن خلدون ب "مَلكة اللسان " . وضح ابن خلدون الفرق بين الكفاءة اللغوية والأداء اللغوي فقال " «وكذلك نجد كثيراً من جهابذة النحاة والمهرة في صناعة العربية المحيطين علماً بتلك القوانين، إذا سئل في كتابة سطرين إلى أخيه أو ذي مودته أو شكوى ظلامه أو قصد من قصوده، أخطأ فيها الصواب وأكثر من اللحن، ولم يجد تأليف الكلام لذلك والعبارة عن المقصود فيه على أساليب اللسان العربي. وكذلك نجد كثيراً ممن يحسن هذه الملكة ويجيد الفنين من المنظور والمنثور، وهو لا يحسن إعراب الفاعل من المفعول، ولا المرفوع من المجرور ولا شيئاً من قوانين صناعة العربية». المقدمة 1082 .إن توضيح ابن خلدون للفرق بين هذين المفهومين كان أوضح من تعريف تشومسكي فقد تطرق إلى ما سماه هايمز بالكفاية اللغوية الاتصالية (communicative competence) وبالتالي جمع بين نظرية تشومسكي و نظرية هايمز فكان شرحه شاملاً .
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ربيحة الرفاعي
