ليلة القبض على أبي نؤاس
أوردت أحدى القنوات الفضائية هذا الخبر :
في ساعة متأخرة من الليل بتأريخ 1/5/2010 ,,, أثار سلوك رجل بليحة كثة وفي يده قارورة من خمر وهو يتسكع في شارع الرشيد ريبة شرطيين كانا مكلفين بحراسة المنطقة فتقدما اليه وأمسكا به ولكنه صاح بوجهيهما اِليكما عني اِياكما أن تلسماني صعق الشرطيان باديء ألأمر وضناهُ رئيساً لأحدى الميليشيات التي يعجُ بها البلد ثم سألاهُ عمن يكون فقالَ أنا الشاعر الحسن أبنُ هانيء أبو نؤاس أما تعرفاني أيها الغبيان ؟ أليس هذا الشارعُ الذي خلفكما يحمل أسمي ؟ فقال أحدهما لصاحبه ( يبين الأخ مطوخ ) فأقتاداه ُ الى ضابط الدورية النقيب حازم وكان اِسما ً على مسمى فهو حازمٌ في كل شيء وما أن رآهُ هذا النقيب حتى وقرَ في نفسه أنه مجرم ٌ خطير فأمسكَ به بحزم وأقتادهُ الى آمر قوة حماية بغداد لمنطقة الرصافة العقيد مضر ولم ينسى النقيب أن يوغرَ صدر العقيد على أمثال هؤلاء زاعما ً أنه السب في ما وصل اليه ِ حالُ البلد
فدار هذا الحوار بين الرجل والعقيد
العقيد مضر : ما أسمك يا رجل ؟
أبو نؤاس : لقد قلت لكم أني أبو نؤاس الشاعر المعروف وقد كنت أذرع ُ بغدادَ جيئة ً وذهاباً ولا يجرءُ أحد ٌ أن يستوقفني رغم َ أن هارون َ الرشيد كان َ لا يروق ُ له ُ ما بلغهُ عني من َ التبسط ِوالتفحش فب الحال ِ والمقال
العقيد مضر وقد أخذ عندهُ الأمر ُ طابعا ً آخر فقد أستطاعَ بحسه الأمني أن يعرف َ أن الرجل َ ممن لا تخشى بوائقه ُبل ما هو َ اِلا رجل ٌ مصاب ٌ بأنفصام ٍ في الشخصية فقرر أن يجاذبه ُ أطراف َ الحديث سيما وان حديثه ُ لا يخلو من متعه ويكون ُ بذلك َ قد قضى بضع ساعات ٍ من واجبه ِ في هذا الليل الطويل
العقيد مضر : يا رجل نحنُ نعلم أن أبا نؤاس قد توفي منذُ أكثرَ من 1200 عام فكيف تكونُ أنت َ هوَ
أبو نؤاس : لذلك قصة ٌ طريفة اِن شئتَ أن أسردها عليك َ فعلت ُ
العقيد مضر : كلي آذان ٌ صاغية
أبو نؤاس : أنت تعلم ُ يا أخي أنني كنت ُ صاحب َ مذهب ٍ في الشعر ِ والحياة فأنا كنت ُ أطلق ُ العنان َ لشهواتي ورغباتي تظهر ُ سافرة ً على الملأ قولا ً وفعلا ً لا يكبحها وازع ٌ من حياء ٍ أو خلق ٍ أو دين وكانت بغداد ُ يومها تبسط ُ ظلها على ثلاثة ِ أرباع ِ المعمورة فكانت قبلة العالم ومثابة َ العلماء وكانت مثالا ً للحرية الفكرية وقبول ِ الآخر فكنت َ تجد ُ فيها العابد َ المتبتل َ المشتغلَ بتزكية ِ نفسه ِ وتطهيرها من دنس ِ الذنوب ِ والمعاصي أمثال َ الحارث المحاسبي وبشر الحافي وتجد ُ الى جانبهم المعتزلي الذي يرى في العقل سلطاناً لا يقهر كالجاحظ وأبو الهذيل العلاف وكنت َ تجد ُ لأئمة السنة والحديث أفذاذا ً مثلَ أحمد بن حنبل والشافعي وكذلك تجد ُ لأصحاب العبث ِ والمجون والغلمانيات أمثال َ والب بن الحباب وحمال عجرد ومطيع بن ُ اِياس وأنا على رأس هؤلاء وبقيت ُ على هذه الحال الى أن غزا الشيب ُ مفرقي ووهن َ العظم ُ مني وخمدت شهواتي بحكم السن فتاقت نفسي الى التوبة النصوح والاِنابة الى الله فأجتهدت في الطاعة وأعمال البر ولما توفاني الله وجدت ُ اِلها ً رحيما ً قبل َ توبتي وغسل حوبتي وأدخلني الجنة أتقلب فيها حيث ُ أشاء وبعد فترة ٍ وهي طويلة ُ بالنسبة لكم لكنها عندنا ليست اِلا يوماً وبعض َ يوم تاقت نفسي الى بغداد فطلبت من الملك ِ الموكل بقضاء رغباتي أن يرجعني اليها وقال لي ليس َ الى ذلك َ من سبيل فقد قضى الحق ُ تعالى (وأنهم اليها لا يرجعون ) فقلت ُ اِني لا أريد ُ أن أرجع َ اليها بلحمي وشحمي ولكن بالروح فهل لك َ أن تدلني على رجل ٍ يحتضر لكي البس َ جثته ُ وأجوب َ بغداد َ من جديد فقال َ الملك : اِ ذا كان َ الأمر ُ كذلك فلم َ الحيرة اِن َ بغداد َ يُحتَضَر ُ فيها كل َ يوم ٍ المئات فهذا قد أنفجرت عليه عبوة ٌ ناسفة وذاك سيارة ٌ مفخخة وآخر يقتل ُ على الهوية وهناك َ من يذبح ُ على أيدي العلاسة وووووووووووو
وهكذا هبطت ُ بروحي في شارع ِ الرشيد فرأيت ُ رجلا ً يصوب ُ مسدسا ً الى رأسه ِوهو َ يقول ( الله أكبر ) لا تقاعد لا شغل لا تعيينات لا حصة تموينية ... وصدقني يا صاحب الشرطة هذه هي الكلمة الوحيدة التي لم افهمها وما أن ضغط َ الرجل ُ الزناد حتى بادرت ُ بالولوج ِ الى جسده ِ وأخذت ُ أمشي في طرقات ِ بغداد الى أن قبضَ علي َ الشرطيان ِ
العقيد مضر : ( لكن والله يا ابو نؤاس أنت مقصر ) هل ضاقت عليك َ الدنيا كلها لتختار بغداد ألم يكن لك َ في باريس َ اِرب ( والله يا أبو نؤاس لو نازل بالصومال أحسن )
أبو نؤاس ممتعضا ً : وهل تعد ُ باريس َ اِلا كومة ً من القمامة أمام بغداد ؟ لقد تركت ُ بغداد َ وهي عروس ُ الأرض وسرتها وحاضرتها فكيف َ أفكر في الهبوط ِ الى غيرها ... على أية ِ حال هذا ما جرى ولكني أريد ُ أن اسالك َ في أي يوم ٍ نحن
العقيد مضر: نحن اليوم في 1/5/2010 وهو عيد للعمال في كل العالم
أبو نؤاس : وهل هو عيد للعمال في العراق
العقيد مضر بمرارة : كلا فالعراق ليس فيه عمال فالشعب ُ بأكمله ِ ( عطالة بطالة )
بكى ابو نؤاس بكاءا ً مرا ً وأنشأَ يقول [/SIZE]
كفاك ِ صدا ً لقد أسرفت ِ بالغنج ِ مـمن تعلمت وقد َ النار بالمهج ِ ألست ِممن اِذا ضاقت مذاهبنا زرناك ِ غبا ً لنرعى قلبك ِ الثبج ِ حتى وثقت ِ بأني عاشق ٌ دنف ٌ منعت ِ وصلي بلا اِثمٍ ولا حرج مهلا ً فذلك َ شأن ُ الخود محتمل ٌ مع الخلي ولكن من جفوت ِ شجي رفقاً حنانيك ِ لا أقوى على جلد ٍ أفرغت ُ وسعي من صبر ٍ بلا فرج ِ كيف َ التصبر ُ عن بغداد َ لا وطن ٌ يفوح ُ من دونها بالعطر والأرج ِ ولا حواضر ُ كل الأرض ِ مغنية ٌ عن السراياِ وباب ُ الشرق ِ والأزج ِ سقيت ِ غيث َ الندى بغداد ُ لست ُأرى اِلا خلالك ِ ضوءَ الشمس ِ والسرج غامت بعيني الرؤى حتى كأن يدا ً خفية ً أطبقت عيني عن الوهـج ِ فصرت ُ أُبصر ُ معروفا ً فأجهله ُ والرست ُ ما عاد ُ يغري السمع َ بالهزج ولا عيون ُ المها في الجسر ِ جالبة ً سر الهوى عابق ِ الأنسام ِ بالبلج ِ ولا النظامية ُ الترجى اِجازتها حيث ُ الغزالي ُّ فيها سيد ُ الحجج ِ والقصر ُ والدجلة ُ الخضراء ُ أقفرتا ولست ُ أدري أترجى أم يخيبُ رجي يا وحي بغداد من ألهمت َ حاذقها أُعجوبة َ الدهر يرويها لكل نجي هلا عطفت َ على عي ٍ لتلهمه ُ ما ذا يقول ُ ببدر ٍ غاب َ في اللجج ِ يا وحي بغداد قد أوغلت ُ في لغتي وها أنا الآن بين العدل والعرج ِ ولست ُ أوفيك حقا ً رغم َ ما أعتلجت في خافقيَّ من الذكرى لمبتهج بغداد لا تدعي وصلا ً على أمــل فليس َ شاعرك ِ الولهان بالسمج ِ لكنني ناظر ٌ أن القطاف دنا وأن شاردة الغربان في حرج
وقبل أن يمسح َ العقيد مضر دموع َ أبي نؤاس سمعت ُ ( عنومي ) وهو َ يقول ( بابا شغلنه المولد نطفت الكهرباء) .