أحدث المشاركات
صفحة 3 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة
النتائج 21 إلى 30 من 39

الموضوع: لعنة أبو أنف ...

  1. #21
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Jul 2011
    المشاركات : 24
    المواضيع : 2
    الردود : 24
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    شــكرا.. لكل العـابرين

  2. #22
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Jul 2011
    المشاركات : 24
    المواضيع : 2
    الردود : 24
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    ينهكني أن تكون الذاكرة حيةً إلى الحدّ الذي تتذكر معه التفاصيل ورائحة العطر وشكل الستائرِ وأصوات الضحكات وشكل الدمعِ وهيئة العابرين على أرصفة الأيام، كان بودّي لو تتنكر الذاكرة لهذا كله .. أن تتخلص من الأشياء غير المجدية والمؤلمة دون أن تظل مرافقةً لي .. مخبأة في جيبيّ .. تصطدم بها يديّ كلما طلبتُ دفئًا ما .

    زرتُ نادية بعد أعوام ممتدة، طويلة .. خالية من الحياة، كيف مرتْ ؟ لا أعلم .. تشبه منطقة مقطوعة بين مدينتيْن مزدهرتيْن .. تشبه زمنًا مستقطعًا من العمر .. هامشًا لا يمكن أن يُعتد بذكره، أتذكر كل شيء .. حين سقطت أسناني، حين عاودتِ الظهور بحلةٍ جديدة .. لم تكن كأسنان نادية طبعًا، حين درستُ التاريخ ثم القواعد .. ثمّ كيف كانت تلك المرحلة قاصمة .. سارتْ بي نحو العزلة تدريجيًا، أخذتني إلى الهدوء والاستسلام والضعف والتربص، كيف وجدتني أصطدم بانكسارٍ عميق، انكسار الإناث .. الخيبة الكبيرة والفضفاضة التي تجرجر أحلامهنّ إلى زمنٍ ماضٍ، كيف تحولتُ من الوقاحة للخجل .. للبكاء تحت الأسرّةِ، المراحل المُوجِعة لا يمكننا الحديث عنها بشكل مفصّل هربًا من استحضارها .. هربًا من أن تقف أمامنا التفاصيل كمعلمٍ فظّ يعدد مرات رسوبكَ .. شيء وحيدٌ فقط كان يجعلني أبتسم .. نادية، أسنانها، مازن وأنفه، يا إلهي .. ماذا يفعل بنا بعض البشر ؟ ثمة لعنة يقدموها لنا ثم نحبّهم .. لعنة رأسٍ أو لعنة قلبٍ أو لعنة ما .. ترافقنا على طول الطريق، جاؤوا في زيارةٍ قصيرة حين أنجبت أمي أخي الذي بدأ يستحوذ على اهتمامها، ما كان يعنيني أن تهتمّ بنا كالسابق .. من اللازم أن تعيش ما تبقى من عمرها، كيف وصلتُ إلى هذه القناعة ؟ لم أكن أعلم .. لطالما أشفقتُ على النساء الـ يتزوجن أكثر من مرة، يحتجن لوقتٍ طويل حتى يفهمن الأول وحين يغيب ينتقلن لآخر ويبدأن من جديد، وكم أمقت البدايات .. حين تكون بمفردها، فكيف إن كان يقاسمني فيها رجل ؟!
    نادية لم تأتِ مع والدتها، من المعيب أن ترافق الفتاة والدتها في زيارات كهذه .. ما زالت متعبة ؟ تسأل والدتي فتطمئنها والدتها : حالتها اشتدت فتركت المدرسة لمدة عامين .. والآن عادت وهي أفضل .
    أبتسم، شيء كان يرزح على صدري .. يكتم أنفاسي، يخنق طفل السعادة فيّ ويزمجر في وجهه، هي أفضل .. السنوات تجعل الآخرين أفضل، إلاي .. كلما تقدمتُ سنةً تأخرتُ عمرًا، لكن نادية بخير . تحررتُ من الشعور بالـ .. بالـ ماذا ؟ بالذنب ؟

    ثم حين امتدتْ قامتي، ليس كثيرًا .. كنت ما أزال أحتفظ بملامح الطفولةِ، البريق الذي يشبه البراءة والغباء .. في ذلك الوقت .. زرنا نادية، مررتُ من تلك الطريق، لا شيء متغير .. المكان يحتفظ بملامحه بإصرار، يحافظ على هيئته الأولى .. كأنه ينبهنا بضرورة ألا نتغير، أن نعود كما كُنا .. ألا نفجأ الآخرين باختلافنا، في مرحلة انتقالية لا بد أن تتغير أشكالنا، لكن ليس إلى الحدّ المُفجِع .. الحد الذي يصيبنا بالفصام ويحولنا لكائنات أخرى، رأيتُ صديقتي .. أخيرًا، لم تكن تلك .. في فمها سلكٌ حديديّ يحيط بأسنانها، يجمعها ويرتبها ويمنحها جاذبية آسِرة، قامتها طويلة .. نحيلة، تضع في عينيها الكحل .. يداها ذابلتان قليلًا .. يبدو فيهما تعب السنين، تحركهما بتثاقل .. لكنها متحدثة جيدة، رحبتْ بنا كأنثى تحترف استقبال الضيوفِ والترحيب بهم، ابتسمتْ كثيرًا .. انتظرتُ أن أغيب في حضنها، أخبرها كم أنا حزينة وسادرة في يأس ووحيدة .. وحيدة كثيرًا بعدها والحياة بأكملها لا تعني شيئًا، لكنني لم أستطع .. ما زلتُ طفلة، وإن كانتْ والدتي قد نبهتني لضرورة أن أرتدي شيئًا يذكرني بأن عمري خمسة عشر .. شيء يخبر الآخرين أنني كبيرة، يقدمني لهم .. كفتاة، وليس كطفلةٍ منكسرة .
    كنت أراقب شقيقتي وأفعل مثلما تفعل قبل أن تخبرني أنني مغفلة، وأنني لا أعرف كيف أستخدم الكحل .. ولا أحمر الشفاه، لم يكن أحمرَ .. كان بلون الورد، تغسل وجهي بيديها وتمسح عينيّ بحرص ثم تعيد ترتيبي .. ترسم أشياء في وجهي بإتقان، يداها قطنيتان .. باردتان في كل المواسم .

    نادية مبتسمة على الدوام، تسألني عن دراستي .. يُطرق الباب، أكاد – بشعور الطفولة – أقفز لفتحه، هذا مازن .. ثم تستدرك وتنفجر ضحكة من فمها : أبو أنف .
    لكن صوته تغير !
    - نادية ممكن أشوفه من بعيد ؟
    تسحبني من يدي دون أن تجيب وأقف خلف بابٍ ما لأراه، لم يكن هو ! هذا رجل يانادية ! لولا أنه يضع يديه على أنفه .. كأنه يهرشه .. ذات حركته القديمة .. لو أنه لم يفعل لأقسمتُ أنه " مش مازن " !

    ....


    شعورٌ ما .. أسدلَ على أيامي ستائر سوداء، تحولتْ معه الليالي الصيفيّة إلى ساعاتٍ تستطيل وتمتدّ وتجرجر بعضها ببطء ثقيل دون أن أفهم ذلك الشعور، كأن تحتاج النوم ثم لا تريده أو لا يأتي ولا تعلم بالضبط ما الذي يحدث .. تشتاق أن تفعل شيئًا ما .. ولا تعلم ما هو، خـدَرٌ يسكن أصابعكَ وتعتقد أنها بحاجةٍ إلى أن تتحرك، تقبضها ثم تبسطها دون أن يختفي الخدر ودون أن تتحقق رغبتك غير المفهومة .
    شيءٌ يشبه أن تكون سعيدًا .. أن تنطلق روحك صوبَ سماء بيضاء سامقة ثم شعور حزينٌ يتمازج معه، وتبقى ورقةً تحركها مشاعر متناقضة .


    هل يمكن أن يصيبني مرض اليديْن ؟ ذلك الذي جعل نادية تتأخر في دراستها ثم تسلك طريقًا يودي بها إلى مهلكة المسؤوليات المبكرة والأمومة السابقة لأوانها ؟
    تزوجتْ نادية .. كيف ؟ لا أعلم، لم يكن زوجها أحمد .. بل اين خالتها الثلاثينيّ .. الوحيد الذي أكمل دراسته في الخارج وعاد ليطلبَ زوجة لم تكمل تعليمها !
    لطالما تعجبتُ من شروط الآخرين، تناقضاتهم .. وأُجهدتُ في البحث عن أسبابِ اختياراتهم، دونما جدوى .. نصيب، تقول والدتي : نصيب . ولا أعلم هل تصبح قراراتنا هباءً أمام مقصلة " النصيب " ؟ آمالنا ؟ تصوراتنا ؟ ترتطم بصخرة النصيب التي تحطم بجبروتها كل شيء، هل يمكن أن تنتهي خططي إلى العدم ؟ إلى درجٍ سفليّ أدسّ فيه ما ظننتها إنجازات .. ثم أخنع لواقعٍ ما ؟

    - مستحيل أتزوج يا ماما ..

    تنطلق الجملة المبتورة بيأس، ويضحك عمّي، زوجها الذي أجهد نفسه في تخطي حواجزنا والوصول إلينا .. أنا وشقيقتي، يتحدث نيابةً عن والدتي التي اكتفتْ بالتبسّم :

    - اكبري شوية وأنا أزوّجك أنتِ وأختك أولاد أختي .

    آه .. ما تفعل بنا بعض الصفعاتِ المفاجئة ؟ هذا الرجل يريد أن يستحوذ علينا ! هكذا باغتني شعورٌ بالمقت والرغبة في أن أبصق في وجهه وأخبره أنه سخيف وأنّ لحيته الكثة يمكن أن تكون مكنسة !

    بينما تبسمتْ هذه المغفلة بجانبي، لماذا تخجل من سيرة الزواج ؟! ما المخجل في أن يخبركِ شخصٌ أنكِ على وشك التقييد ؟ أنكِ في غضونِ أيام ستتحولين من طائرٍ طليق إلى ببغاء في قفص يُلقن أبجديات الكلام ؟!

    تنسحب خطواتي إلى غرفتي وتلحقني شقيقتي ثم أخينا ثقيل الدم .. قبل أن نسمع باب غرفتهما ينغلق، وكان كلما انغلق .. انغرز فيّ خنجر، كم خنجرًا زرعته فينا يا ماما منذ تزوجتِ هذا الكائن ؟

    ولا شيء سوى أزيز المكيّف يقطع هذا الصمت .. وأحيانًا .. هدهدة رخيمة تنطلق من حنجرة أختي لينام الصغير، كانت تحبه ! لماذا هذه الأخت مختلفة ؟ لماذا لا يسكنها أي شعور بالانزعاج .. بالحزن ؟ بالرغبة في الانفجار ؟ لماذا لا تتحدث ولماذا تعيش دائمًا على الهامش ؟

    تمددتُ على السرير واستدعيتُ النوم كثيرًا في تلك الليلة لكنه لم يأتِ، والأرقُ مؤشرٌ على أشياء عدة .. ليس من ضمنها أننا سعداء وننصتُ لسكون الليلِ، كنتُ – رغم كل شيء – أغمض عينيّ وأنام مباشرة، ومنذ يوم الأحد - ليس يوم اللعنة – وأنا أكتفي بقدرٍ قليل من ساعات النوم وأقضي بقية الوقتِ في التفكير .. التفكير في أشياء غير مترابطة ولا مفهومة بالنسبة لي، فقط أفكّر .. أتوه .. أنتقل من حالةٍ لأخرى وكأنني أخترق دهاليز مظلمة وأضيّع الطريق، ثم لا أستطيع أن أعود إلى نقطة البداية، أرفع عينيّ إلى السقفِ وأتخيل شيئًا صغيرًا ينتقل من مكانٍ لآخر ويحاول ألا يسقط، ثم تنزلق قدمه ويحطّ على مخدتي ولا أستطيع رؤيته، أتحرك من مكاني باحثة عنه، أرفع الغطاء لأرى أين هو، عمّاذا تبحثين ؟ تطرح السؤال وكأنها لا تنتظر الإجابة .. شقيقتي، ولا أجيبها، ثمّ أقرر أن أتحدث :
    - بنت
    - نعم
    - ناسية، ذكريني .. مين أولاد أخته ؟

    وتبدأ في وصفهم، الشيء الذي يضحكني في هذه الشقيقة أنها حين تصف فإنها ستذكر أدقّ الأشياء، لون الحذاء والمسافة الفاصلة بين الذقن والشفتيْن .. وطريقة تصفيف الشعر، وتفاصيل .. لا يمكن أن أهتم بها، ولن تتوقف عن الوصفِ .. كمعلم لا بد أن يستوعب جميع طلابه الدرس .. حتى الأغبياء منهم !

    لم أكن أعرفهما جدًا، رأيتهما في مناسبات كبيرة ومن بعيد .. كعاداتنا الأنثوية نتلصص على الشبابِ من خلف الأبوابِ أو من النوافذ وكلّ تختار من يروق لها لتكتب عنه في دفتر خواطرها، هنا .. الشكل وحده الحكم، ولأن الذائقة تختلف .. فلن يعجبني وشقيقتي شخصٌ واحد، من المستحيل أن يحدث هذا، فحين راق لها ذو البشرة البيضاء والقوام الطويل .. أعجبني الأسمر المائل للقصر ورغم هذا كنت أرى ذا الأنف الكبير أجمل منهما وبمجرد تذكره كان شعورًا غامضًا يختبيء فيّ حتى أنسى .. وثمة خدرٌ في يديّ !






  3. #23
    الصورة الرمزية د. مختار محرم شاعر
    تاريخ التسجيل : Feb 2011
    الدولة : في بيتٍ ما
    المشاركات : 3,219
    المواضيع : 139
    الردود : 3219
    المعدل اليومي : 0.67

    افتراضي

    ما هذا السحر يا سمراء؟
    رغم قراءتي لها أكثر من مرة إلا أنني كلما عدت أعيد القراءة
    كم أنت رائعة..

  4. #24
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Jul 2011
    المشاركات : 24
    المواضيع : 2
    الردود : 24
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    في المدنِ الحارّة المزدحمة .. يصبحُ الصوت المرتفع ضرورةً، ليس من المفيد لك أن تتحدث بصوت منخفض .. لن ينصت إليك أحد، ستحتاج ربما لمكبرات صوت حتى تُسمع أنفاسك، وأنا .. صاحبة الصوت الخفيض، المتكسّر ببحةٍ تغيّر مخارج الحروفِ .. عانيتُ كثيرًا وصدمني السؤال المتكرر : ايش ؟ ارفعي صوتك ..
    أصابتني خيبة أملٍ كبيرة ونوبة خجلٍ طويلة .. طويلة جدًا .. جعلتني أكفّ عن الحديثِ وأكتفي بالتبسّم أو العبوس كتعبيرات مقتضبة عن انفعالاتي، وكم كانت تزعجني الأسئلة التي لا يمكن أن أجيب عليها بـ نعم أو لا .. كأن يُقال : كيف الحال ؟
    هذا السؤال المملّ والمقيت .. ليس لأنه يجعلني أنطق كلمتيْن وحسب، بل لأنه مجاملة مكررة تدفع الجميع لارتكاب الكذب، ما معنى أن نسأل الآخرين عن حالهم ونحن نعلم – يقينًا – أنهم سيقولون : بخير .. وقد لا يكونوا بخير أبدًا لكنه اعتيادُ الكذب ؟

    في يومٍ ما – لا أذكره بالضبط – حدثتْ مواجهة حادّة بيني وبين والدتي، لم أكن أعلم أن على الإنسان التخلص من عُقدهِ بالشدّة وبالأوامر القاسية : لا تخجلي .. تحدثي .. استقبلي الضيوف .. لا تعقدي حاجبيْك أمامهم، أنتِ متكبرة .. شوفي أختكِ ..

    هل ثمة " زرّ " ينفذ مطالب ماما ويحمي شعوري من نوبات غضبها ؟

    أنتِ لستِ أمًا، قتلتني أنانيتك وتظنين أنه على الحياة وعلى الآخرين أن يكونوا كما تريدين، تعتقدين أن بإمكان الآخرين التحوّل والتبدل حسب هواكِ .. أنا ابنتك لكن هذا لا يعني أن أكون مثلكِ، أبدًا لن أكون مثلكِ .. اتركي لي حياتي، سأعيشها بالشكل الذي أريد .

    هذا الغضبُ الثائر .. هذه الكلمات الآتية من جهنمٍ ما .. احتفظتُ بها في داخلي واكتفيتُ بدمعاتٍ مُكابرة، ثم لم أنسَ وانصرف قلبي عن حبّها .

    قررتُ ألا أقدم للآخرين شيئًا أكثر من الواجبِ وليس الحبّ من ضمن الواجبات، لا أحبكِ ماما .. خذي مني هذا الاعتراف الصامت، اقرئيه في عينيَّ إن شئتِ، في خطوط يدي .. اسمعيه منّي حين أصمتُ في حضرتكِ، أو حين تستقبلين زوجكِ أو تودعينه .. ابنتكِ هذه التي تشبهكِ تمامًا .. لا تحبكِ .

    وكأنني انتصرتُ، ابتسمتُ .. رسمتْ سبابتي في الهواء قلبًا ثم مسحته أصابعي .

    في ذاتِ اليوم دخل عمي غرفتنا، كانت المرة الأولى التي يفعل وقد اعتاد – سابقًا – على إطلالةٍ خجولةٍ من الباب، جلس في المنتصفِ تمامًا وخلع ثوبه ثم بدأ في تركيب أبواب مكتبة رمادية .. وبجانبه وضعتْ والدتي ثلاثة كراتين ملأى بكتبٍ ذات أحجام مختلفة.. بعضها قديم والآخر جديد .. كانت هدية نجاحنا، احتلتْ – في النهاية - جدارًا بأكمله من جدران غرفتنا وألقتْ عليها نوعًا من الرهبة والظلام .. والضيقِ أيضًا، تساءلتُ في سرّي : من أين لوالدتي بهذه الكتب ؟
    أذكر فقط كتابًا خبأته تحت سريرها وكنتُ أحلم بالوصول إليه، رُسِم عليه قلبٌ تتوسطه أنثى .. عرفتُ لاحقًا إنها إحدى روايات عبير .
    توزعت الكتب في المكتبة بطريقةٍ أثارت ريبتي ثم فضولي، بعضها رفِع للأعلى والبعض كان في الأسفل .. لفت انتباهي أن والدتي كانت تقرأ اسم الكتاب ثم تقرر أين تضعه، في النهاية .. قالتْ بحزم : اقرؤوا اللي تحت .. اللي فوق هذي خاصة بالكبار .. طيب ؟!

    حين يكون الحديث عن " الكبار " و " الخاص بهم " تتورد وجنتيّ ولا أعلم لمَ، أتبعثر وأشعر أنني ضائعة .. ليس بين ملابسي طبعًا؛ بل في صحراء مترامية .. حارّة .. لا نهاية لها .

    طرحتُ سؤالًا آخر على نفسي – ليس ثمة من يجيب هنا - : ما دامتِ الكتب العلوية مخصصة للكبار فلمَ تُقحم في غرفةٍ ( للصغار ) ؟

    رغم كل الأسئلة التي ترتدّ إليّ بطرفٍ كسير .. قررتُ أن أبدأ في قراءة الكتب التي بالأعلى، يخطيء الكبار حين يعتقدون أن أوامرهم وتنبيهاتهم تحظى بالاحترام والتنفيذ، كان على والدتي أن تكون أكثر ذكاءً وتصمت .. لم أكن لأفكر في قراءة الكتب ذات الحجم الكبير ولم يكن ليلفتني ما رُسِم عليها .

    ومع أول ليلةٍ وحين تأكدتُ من أن شقيقتي نائمة .. رفعتُ يدي لأبحث عن كتابٍ قد أقرأ فيه شيئًا ممنوعًا، شيئًا لا يُراد لي معرفته .. كأن يكون العنوان : خاص بالكبار .. ممنوع الاقتراب .. لمن هم فوق الثامنة عشر .. أي عنوانٍ يمكنه أن يهدي لي معرفة ما .

    شعرتُ باليأس وقررتُ أن أقرأ الكتاب الأحمر : همس الجنون .. خطر لي أنه يتحدث عن الجنّ، وأنه الكتاب الذي لا تريد لي والدتي قراءته .. اختبأتُ تحت اللحاف وبدأت في البحث .. اتجهتُ للصفحات الأخيرة بحثًا عن فهرس، لا شيء .. قرأتُ الصفحات الأولى .. لا أفهم شيئًا، ينفتح البابُ بهدوء .. أحاولُ أن أبدو نائمة .. أخبيء رأسي تحت اللحاف ثم .. ترفعه ماما وترى الكتاب بجانبي :

    - أشوف ايش تقرأي
    - ....

    بصمتٍ .. تسحبه من بين يديّ ثم تذهب .

  5. #25
    الصورة الرمزية أحمد عيسى قاص وشاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : هـنــــاكــــ ....
    المشاركات : 1,961
    المواضيع : 177
    الردود : 1961
    المعدل اليومي : 0.31

    افتراضي

    منذ الحرف الأول نعرف أننا أمام قاصة قديرة وقلم واعد يبشر بالكثير
    أسلوب راق ، وحرف متميز ، وقدرة أنيقة على السرد

    مستعدين لقراءة المزيد
    فلا تبخلي علينا

    أهلاً بك كاتبة مبدعة في ربوع الواحة
    أموتُ أقاومْ

  6. #26
    الصورة الرمزية أحمد عيسى قاص وشاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : هـنــــاكــــ ....
    المشاركات : 1,961
    المواضيع : 177
    الردود : 1961
    المعدل اليومي : 0.31

    افتراضي

    على فكرة
    كان ذكاء منك ان بدأت في القصة مباشرة ، دون أي تنويه أننا أمام رواية ، هذا جعل المتلقي يدخل ليقرأ قصة قصيرة سريعة تناسب وقته وايقاع عصره
    هنا ، وجد نفسه أمام سرد آسر ، وابداع يحاصرك من كل جانب ، وحروف تتبعثر أمامك فتقرؤك قبل أن تقرأها
    لم يكن في مخططاتي الصباحية أن أقرأ فصولا من رواية قبل الذهاب الى عملي في أول يوم من أيام رمضان

    أبدعتِ في كل شيء حتى في طريقة العرض
    أحييك ، وأنتظر التتمة بكل شوق

  7. #27
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Jul 2011
    المشاركات : 24
    المواضيع : 2
    الردود : 24
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    د. مختار .. أشكر متابعتك وكلماتك وشهرك مبارك
    أستاذ أحمد عبد اللطيف ..
    لا أعرف هل ستكون رواية كاملة؟
    هي قصة لم تكتمل بعد وأغلب الظن أنها لن تكتمل أسوة بسابقاتها
    لكنني سأكون هنا حتى ينضب حبري
    تقديري

  8. #28
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Jul 2011
    المشاركات : 24
    المواضيع : 2
    الردود : 24
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي



    كم هو شهيٌّ الموت في اللحظاتِ الحرجة،
    يا إلهي اجعلها تنسى، اجعلها تستيقظ على فجيعةٍ ما – كأن تكتشف خيانة زوجها لها – تنسيها خطيئتي
    ولوث ما اقترفه عقلي حين همّ بقراءة الممنوعات،
    أعرفها عند الغضب .. ستقول إني سيئة وبحاجة للزواج، ستفضحني نظراتها و تلميحاتها ولن أقف بعد العثرة أبدًا .

    في الوقتِ الذي كنتُ فيه أتضرّع إلى الله ..
    انبعثتْ آهةٌ من أقصى الغرفة، اعتدتُ أن أسمعها تبكي .. أو تكرر : لا .. بهلع ، قبل أن تعود لنومها العميق،
    لكنها هذه المرة تبكي من ألمٍ ما، أقتربُ منها :

    - بنت ايش فيك ؟!
    - ......
    تهذي بصوت مختنق .. تتقطع أنفاسها وكلماتها وأفهم فقط أنها تريد ماما وأنها مختنقة،
    كم مرّ من الوقتِ وأنا أجري إلى غرفتهما .. وأنا أطرق الباب بشدة .. وأنا أعود ؟! لا أعلم ..
    كان الزمن متباطئًا متماديًا في التمدد والاستطالةِ ..
    كانت الثواني ثقيلة، ثقيلة جدًا .. وكفيلة بأن تخنق شقيقتي في سريرها قبل أن نصل إليها، ثم تموت بأزمةٍ ربوٍ حادّة !

    بدتِ الدنيا سوداء .. عويل، ضجيج .. والدتي متهاوية على الأرض، وشقيقتي ممددة بهدوء على سريرها .. على نفس هيئتها حين تنام،
    لا شيء يوحي بأنها غادرتنا .. سوى أنها لا تستجيب لنداءاتنا، صامتة .. وديعة، بيضاء .. وحزينة .

    لم أبكِ، هل البكاء تعبيرٌ بليغٌ عن الحزن ؟ لكنني لم أبكِ ..
    وحين كان عمي مهتمًا بزوجته ويحاول أن يكذب عليها بأملِ أنها قد تكون على قيد الحياة،
    وحين استيقظ أخي الذي كان نائمًا بجانبها على الجلبة والصراخ وشاركهم البكاء دون أن يفهم السببَ ..
    وحين كانت الأرض تبكي .. والسماء والملائكة و الكائنات جميعًا .. وقفتُ أنا في المنتصفِ بشعورٍ صامت لكنه مزلزل، قبل أن أقرر الهرب ..
    ليس إلى وجهةٍ معينة، لا شيء حولي .. لا شيء هنا، الحياة بأكملها جامدة ..
    تمثال صخريّ يحدق فينا ولا ينزّ وجهه عن شعور، هل من مكانٍ يستقبلني بكلّ حزني ؟! بكل الخوف والفجيعة العميقة الممتلئة بهما ؟!

    توقفتُ في الفناء الخارجي، اتجهتُ للخلف .. أكثر الأماكن المهجورة، لن يكون هناك أحد ..
    مكاني المناسب حيث لا أحد، جلستُ بتهالكٍ ثم بكيتُ، ليس كما يبكي البشر .. ليس بهدوء .. وليس بضجيج،
    بكاءٌ شعرتُ معه أن حنجرتي ممزقة وأن ذاكرتي ممزقة وأيامي .. ، وأن أحدًا ما يعيث فيَّ بخنجر .. يجرّح وجهي وقلبي وظهري وعينيَّ،
    وأنني أريد أن أموت لكن هذا غير مُجدٍ .. وأن كل الأشياء بلا قيمة .. بلا قيمة أبدًا .

    نمتُ ؟
    لا أعلم، نظرت للسماء فقط فوجدتها مائلة للزرقة، فقدتُ وعيي ؟ لا أعلم أيضًا ..
    تذكرتُ ما حدث قبل ساعات ثمّ عاودني البكاء، لمَ فعلتِها يا نجلاء ؟! لمَ لمْ تخبريني لنغادر معًا ؟
    لمَ ولمْ نتبادل الأسرار بعد ؟! كنت أريد أن أخبرك بأشياء كثيرة .. برأسي الذي حلتْ عليه اللعنة منذ سنوات،
    بقلبي حين استقبل اللعنة أيضًا وحوّلها إلى شعورٍ غريب .. بالأشياء التي أخبروني عنها صديقات المدرسة،
    بالأحلام والأمنياتِ والمخاوف والأشياء الصغيرة أيضًا، كنت محمّلة بأسئلة جمّة يا نجلاء ..
    هل أنتِ حزينة، هل تكرهين الحياة .. هل تشعرين بشيء ما في أصابعكِ .. يدفعكِ للخربشة على ورقة فارغة، والأسئلة الخجلى أيضًا ..
    هل يؤلمك بطنكِ في أيامٍ ما من الشهر ؟! هل تتقيئين؟! هل تلعنين أنوثتكِ مثلي ؟! هل تشتاقين لـ (أبو أنف) ؟!
    لمَ تركتِني بلا إجابات ورحلتِ ؟
    هل كنتِ تعلمين مسبقًا أنكِ راحلةٌ مبكرًا لذلك كففتِ عن الكلام ؟!
    هل كنتِ تعتقدين أن الحزن عليكِ سيكون أقل وطأة ؟!

    ها أنا حزينة يا نجلاء بقدرٍ يكاد يلحقني بكِ، ها أنا أرتعش ..
    تعاليْ ولو لمرةٍ فقط .


  9. #29
    الصورة الرمزية د. مختار محرم شاعر
    تاريخ التسجيل : Feb 2011
    الدولة : في بيتٍ ما
    المشاركات : 3,219
    المواضيع : 139
    الردود : 3219
    المعدل اليومي : 0.67

    افتراضي

    وحين كان عمي مهتمًا بزوجته ويحاول أن يكذب عليها بأملِ أنها قد تكون على قيد الحياة،
    وحين استيقظ أخي الذي كان نائمًا بجانبها على الجلبة والصراخ وشاركهم البكاء دون أن يفهم السببَ ..
    وحين كانت الأرض تبكي .. والسماء والملائكة و الكائنات جميعًا .. وقفتُ أنا في المنتصفِ بشعورٍ صامت لكنه مزلزل، قبل أن أقرر الهرب ..
    ليس إلى وجهةٍ معينة، لا شيء حولي .. لا شيء هنا، الحياة بأكملها جامدة ..
    تمثال صخريّ يحدق فينا ولا ينزّ وجهه عن شعور، هل من مكانٍ يستقبلني بكلّ حزني ؟! بكل الخوف والفجيعة العميقة الممتلئة بهما ؟!

    توقفتُ في الفناء الخارجي، اتجهتُ للخلف .. أكثر الأماكن المهجورة، لن يكون هناك أحد ..
    مكاني المناسب حيث لا أحد، جلستُ بتهالكٍ ثم بكيتُ، ليس كما يبكي البشر .. ليس بهدوء .. وليس بضجيج،
    بكاءٌ شعرتُ معه أن حنجرتي ممزقة وأن ذاكرتي ممزقة وأيامي .. ، وأن أحدًا ما يعيث فيَّ بخنجر .. يجرّح وجهي وقلبي وظهري وعينيَّ،
    وأنني أريد أن أموت لكن هذا غير مُجدٍ .. وأن كل الأشياء بلا قيمة .. بلا قيمة أبدًا .


    يا الله يا سمراء
    يا لهول الألم المتكدس في هذا المشهد
    حروف يقطر منها الوجع .. أنت حقا ماهرة في تصوير الحياة بحروفك
    دمت قلما راقيا مبدعا

  10. #30
    الصورة الرمزية رفعت زيتون شاعر
    تاريخ التسجيل : Aug 2008
    الدولة : القدس
    المشاركات : 2,334
    المواضيع : 136
    الردود : 2334
    المعدل اليومي : 0.41

    افتراضي

    .

    نتمنى أن لا ينضب حرفك أختاه

    كنت أقرأ وزاد اهتمامي هذه التعليقات من أدباء الواحة

    وهذه الشهادات التي لا تعطى إلا لمستحق وعن جدارة

    وهنا أتساءل هل هذه أولى محاولاتك الأدبية

    وأظنّ أن الجواب "" لااااااا "

    لأني أظنّ أننا أمام روائية كبيرة وربما أن لها إصدارات في السوق

    فإن كان كذلك وأتمنى أن يكون وأن نضعه ذات يوم في أنشطة وإصدارات أعضاء الواحة

    تابعي أختاه ونحن معك

    .

صفحة 3 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. رغم أنف الزوبعة
    بواسطة تبارك في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 19-08-2022, 12:14 PM
  2. أنفٌ مكهرب
    بواسطة علي قنديل في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 25-05-2017, 08:16 PM
  3. النصرُ آتٍ رغمَ أنفِ الكارهين
    بواسطة زاهية في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 22
    آخر مشاركة: 13-08-2013, 06:25 PM
  4. أنفٌ واعتراب!/للشهيد صدام حسين.
    بواسطة فوزي الشلبي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 02-06-2013, 09:42 PM
  5. عملية بطولية رغم أنف الكثير
    بواسطة د. سمير العمري في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 06-03-2003, 02:12 PM