من مقدمة تحقيق الدكتور عبد الحميد هنداوى لكتاب "شذا العرف فى فن الصرف"
(1)
هو الأستاذ اللغوى الثقة الحافظ، الشيخ أحمد بن محمد بن أحمد الحملاوى نسبة إلى "مُنْيَة حَمَل" من قرى "بُلْبَيْس" بمحافظة الشرقية. وهو عربى الأرمة، ينمى إلى الدوحة العلوية الكريمة، كما صرح بذلك فى كثير من قصائده فى ديوانه. وقد ذكر على مبارك باشا فى كتابه الخطط التوفيقية (ج 9 ص 77) أنه ولد سنة "1273 هجرية - 1856م" وتربى فى حجر والده، وقرأ وتلقى كثيراً من العلوم الشرعية والأدبية عن أفاضل عصره، ثم دخل مدرسة دار العلوم، وتلقى الفنون المقررة بها. ونال الشيخ إجازة التدريس من دار العلوم سنة (1306هـ - 1888م) فعين مدرسًا بالمدارس الابتدائية بوزارة المعارف. وبعد مديدة أعلنت دار العلوم بحاجتها إلى مدرس للعلوم العربية، وعقدت لذلك امتحان مسابقة كان الشيخ من أوائل المبرزين فيه، فنقل إلى دار العلوم. وفى سنة 1897م ترك الأستاذ التدريس بالمدارس الحكومة، مؤثرًا الإشتغال بالمحاماة فى المحاكم الشرعية، وفى أثناء ذلك أقبل على التحضير لنيل شهادة العالمية من الأزهر فنال بغيته، وكان أول من جمع بين العالمية وإجازة التدريس فى دار العلوم وعلى إثر ذلك عهدت إليه الجامعة الأزهرية فى تدريس التاريخ والخطابة والرياضيات لطلابها وفى سنة 1902م أضيفت إليه مع ذلك نظارة مدرسة المرحوم عثمان باشا ماهر وهى مدرسة حديثة، كان يعلم بها القرآن والتجويد، ثم العلوم الدينية والعربية والعلوم الحديثة، على نحو ما يجرى فى بعض أقسام الأزهر التى نظمت حينئذ تنظيما حديثًا، وكان المنتهون منها يلحقون لإتمام دراساتهم بمدرسة القضاء الشرعى أو دار العلوم أو الأزهر. وقد قضى المترجم فى نظارة هذه المدرسة خمسا وعشرين سنة، انتفع به فيها طلاب كثيرون، كان يمدهم بمعارفه المتفننة الواسعة، ويتعهدهم بالتربية الإسلامية والتربية القومية ويزودهم بنصائحه وتجاربه الكثيرة، إلى أن علت سنه، فآثر الراحة، وترك العمل سنة 1928م. ثم أدركته الوفاة فى (22 من شهر ربيع الأول سنة 1351 هـ = 26 من يوليه سنة 1932م).
(2)
وقد كسب الشيخ معارفه العلمية فى بيئتين: الأولى الأزهر، درس فيه علوم الدين؛ من تفسير وحديث وعقائد وفقه على مذهب الشافعى، الذى خالط حبه شفاف قلبه وتمكن من نفسه ودرس العلوم اللسانية: من نحو، وصرف، وعروض، وبلاغة، ووضع ...إلخ، على شيوخ عصره، وأحرز من كل ذلك قسطا موفوراً، دل عليه تمكنه منها فى كتبه ودروسه، وإحرازه درجة العالمية، بعد تركه خدمة الحكومة.
والبيئة الثانية: دار العلوم، التى أنشأها على مبارك باشا وزير المعارف المصرية، لتخريج معلمين، يحسنون تعليم اللغة العربية والدين لتلاميذ المدارس الابتدائية والثانوية. وكان طلابها حينئذ ينتخبون بامتحان مسابقة من صفوة الطلاب الأزهريين، الذين أنهوا دراساتهم أو كادوا ينتهون منها، وكانوا يدرسون فيها العلوم الدينية والعربية لزيادة التمكن. إلى جانب العلوم التى لم تكن فى الأزهر: من بيداجوجيا، وأدب، ولغة، وكتابة، وخطابة، ورياضيات، وطبيعيات، وتاريخ، وجغرافيا، وخط، ورسم... إلخ. وكانت عناية المدرسين بها تجمع بين المحاضرة والتطبيق العملى.
وكان بين أساتذتها نخبة من علماء الأزهر، أمثال الشيخ حسن المرصفى والشيخ حسن الطويل، والشيخ محمد عبده، والشيخ سليمان العبد، وأضرابهم من الفحول. وكان الجمع فى دار العلوم بين العلوم الإسلامية والعربية القديمة، وبين العلوم المدرسية الحديثة (كما كانوا يسمونها)، ثم بين المنهجين النظرى والتطبيقى خليقا أن يطبع خريجى دار العلوم وقتئذ بطابع وسط بين القديم المتمثل فى الدراسات الأزهرية، والحديث المتمثل فيما يُدَرَّس بالمدارس المصرية الحديثة والجامعات الأوربية. وقد جنت مدارس وزارة المعارف ثمرات هذه المدرسة القديمة الحديثة، التى وصلت ماضى الأمة العربية بحاضرها، فكانت من العوامل فى النهضة الأدبية والعلمية، التى ظهرت بواكيرها فى وادى النيل منذ بدء القرن التاسع عشر. لذلك أقبل كثير من أذكياء الطلاب الأزهريين على دار العلوم، ينهلون من ثقافتها المختلطة، وكان المؤلف من الرعيل الأول الذى استبق إليها، فنهل وعل من معارفها وآدابها. ونال إجازة التدريس منها سنة 1888م كما أشرنا إليه فى صدر هذه الكلمة.
(2)
مؤلفات الشيخ وآثاره العلمية والأدبية:
1- شذا العرف، فى فن الصرف. (طبع أول مرة سنة 1312هـ = 1894م).
2- زهر الربيع، فى المعانى والبيان والبديع (طبع أول مرة سنة 1327هـ = 1909م) بالمطبعة الأميرية.
3- مورد الصفا، فى سيرة المصطفى (طبع أول مرة سنة 1358هـ = 1939م) بمطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بالقاهرة.
4- قواعد التأييد، فى عقائد التوحيد، رسالة صغيرة طبعت بمطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بالقاهرة سنة (1372هـ = 1953).
5- ديوان شعره. تم طبع الجزء الأول منه فى أول يونية سنة 1957م، بمطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بالقاهرة.