إهداء إلى صاحبة الروح الجميلة ( 1 )
إن الروح الجميلة في شبابٍ دائم لا تضعفُ ولا تموت ولا تشيخُ ولا تهرم لأنها آخذةُ بأسباب قوتها
ومنعتها مُتحصنة من أسبابِ ضعفها وهشاشتها ولأنها كشجرةٍ مثمرة حياتها في الأرض لكن
جذورها متأصلةٌ ثابتةٌ في السماء و لأنها لها من صفاتِ الملائكة صفة النور فهي تستمدُ قوة
ضيائه وشعاعه من ورعها و إيمانها بخالقها فهي دائماً مع الله في أيام سعادتها و أفراحها وسنين
أحزانها ومصائبها تحمده إن ابتلاها بفتنِ الدنيا و أكدارها وهمومها وتسمي ذلك الإبتلاء محنة
وتشكره إن أعطاها و أكرمها وتسمي ذلك العطاء منحة , قانونها التسليم بأقدار الله و أقضيته
وتسمي ذلك التسليم الإيمان الذي يجب أن يحترم العقل و أن يُّقر بعجزه عن كشف كُل أو بعض
وجوه الحكمة من مادته الغيبية وغذاؤها ذكرُ الرحمن والتسبيح بحمده وتسمي ذلك الذكر
والتسبيح اللذّة التي يجب أن تستشعر بحلاوتها وعقيدتها أنها ما خُلقت في الدنيا إلا لتعبده
و أنها لن ترحل عنها إلا لتلقاه راضيةَ مرضية قد رضي عنها ورضت عنه ورضي عنها
الناس ورضيت عن الناس وتسمي تلك العقيدة الدستور الذي يجب أن يكون لمواده سمتُ النفاذ
المعجّل تلك هي حقيقة الروح عندم تسمو وتعلو بالإنسانية لتجعها أقرب ما تكون لملائكة
السماء و أبعد ما تكون عن شياطين الأرض وخالتي الحبيبة الطاهرة النّقية البرئية التّقية الذكية
الجميلة الشابة العالمة الصابرة أحبها الله فأمر ملائكته أن أحبوها فأحبوها وقذفوا في قلوب
عباده حبها فما بغضها مبغض ولا حقد عليها حاقد ولا حسد حاسد ولا نمّ عليها واشي ولا
استغابها مُستغيب فكان لها من الناس كل الاحترام والتقدير ومن أهلها كل العاطفة والرحمة
ومن زوجها كل الحب والودّ ومن أبناءها كل الطاعة والبرّ ومن صاحباتها كل الوفاء
والإخلاص وكان لها مني كل الاحترام والتقدير و العاطفة والرحمة و الحب والودّ و الطاعة
والبرّ و الوفاء والإخلاص و إذا كان لكل إنسان في العالم أمُ تنجبه فإن لي وحدي أم ٌأنجبتني
و أعطتني حق الأمومة والرعاية والحرص و أمٌ أدبتني فأحسنت تأديبي وعلمتني أن النفس
الإنسانية الساعيةِ إلى كمالها وتمامها هي مدرسةُ راقية و أن العاقل هو من يسارع في الانتساب
إليها ليكون من خيرةِ طُلابها ومُريديها وليثبت لنفسه أولاً وللعالم ثانيةَ أنه قد جاء إلى الدنيا
إضافةَ فيها لا زيادةَ عليها.
رحلت خالتي عن الدنيا وعلى شفتيها ارتسمت ابتسامةُ طالبٍ قد قرأ للتّو علامة نجاحه فبدأت
أفراح قلبه رحلت خالتي وعلى وجهها نورٌ هو بعضٌ من براهين أهل الجنة على أن صاحبة هذا
الوجه الملائكي ستزورهم قريباً إن شاء الله و يُخيّل إليّ أن ملائكة الرحمة عندما نزلت الأرض
لتقبض روحها الذّكية العطرة قد تنازعت أيُّها يكون له حظوة قبضها وزفها عروساً مُهداةٍ إلى
السماء و أن تُراب المقبرة قد نادى قبرها أن هنيئاً لك بساكنك الجديد المُقبل عليك إقبال المسافر
على المحطة ليس له سوى الانتظار حتى يأتي القطار ليرحل به إلى حيث أراد و أحب و أشتاق أن
يذهب و أن يا قبرُ أوسع من جنباتك لذلك الجسدِ الطاهر وضمه إلى صدرك ضمةَ قلبِ أمٍ
رؤوف رحيم و اتخذ من نفسك سريراً ينام عليه نوم المتلذّذ المُستريح من تعبٍ وكدٍ و ألمٍ وحُزنٍ
وصبر و مصابرة وجهادٍ ومجاهدة لفتن الدنيا و أن يا قبرُ أخبر ساكني تلك القبور من الأرواح
المؤمنة أن جاراَ طيباَ كريماَ قد سكن عندك حتى يأتوا فيسلموا على أختهم المولودة بثوبٍ جديد
فيتسامرون ويتحادثون أحاديثَ العُشاق المتلهفة آذانهم لصوت نفخةِ بُوقٍ تُعلن بدء رحلتهم الخالدة
إلى مكانٍ يسرحون ويمرحون فيه ولهم من كُل شيءٍ كله مما لا عينُ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر
على قلبِ بشر ثم يأتيها نداء ربها مُذكراً إياها بما نسيت ومُبشراً لها أن لدينا مزيد .
رحلت الحبيبةً الشهيدة زهرة تاركة وراءها ثلاُثُ زهراتٍ صغيرات وغصنُ أخضر هوأجمل من كل الورود
رحلت تاركة طفلها ذلك الغصن الطرّي في عامه الثاني في الحياة الأول في اليُتم وهو الذي لم يتعلم من ألفاظ الدنيا
إلا لفظ اسمها أمي فكل الأشياء التي تضحكه وتبكيه اسمها أمي ليشير بالفطرة أن للطفولة في
بداياتها قانون واحد ترجع كل قواعده لتنطوي تحت ظلال لفظة ......أمي
و أما بنتها الصغرى فكانت تسعدُ بدلال أمها لها قائلةً......يا كبد ذلك الكبد الذي استوطن
السرطان به فكان به موتها واليوم هي تبحثُ بعد أمها عمن يُسمعها ذلك الغزل الجميل أن
يا.......كبد لم تكن تعلم خالتي رحمها الله أن ذلك الكبد سيموت في جسدها ليحيا مرةَ أخرى في
حياة دلوعتها...........كبد
و أما بنتها الوسطى فقد كانت مع أمها كالتلميذة النجية مع أستاذتها الجهبذ كلتاهما تفهمُ من أول
لحظة و إيماءة رأس ما تريد من الأخرى فخالتي أرادت منها صحة الفهم لما تريد ةغرسه في
قلبها وعقلها و هي أرادت من أمها صحة الشرح و أسلوبه فكانت إمرأة في جسد طفلة و أما بنتها
الكبيرة فكانت مشروع أُمٍ ُولد منذ الطفولة فأخذت من أمها أساليب التربية والتهذيب فكانت في
حياة امها أمُ ثانية لبقية أخوتها .
رحلت خالتي الحبيبة ولها زوجٌ عظيمٌ بخلقه كبيرٌ بإنسانيته كريمٌ بطبعه رحيمٌ بقلبه شهمٌ بأصله
مرضت خالتي وتحمّل هو آلام المرض و أوجاعه فكان في أيام مرضها كالأم تقضي الليل بأسره
تهز سرير طفلها الرضيع حتى يكف عن الصراخ وينام .
رحلت الحبيبة والقلبُ يسابقُ العين في الدمع والنفسُ تتمنى لو أن أحداُ يوقظها ويُخبرها أن ما
سمعت هو كابوس و أن خالتي في البيت تنتظر وتعد طعام الإفطار والروح لا تدري أين لها أن
تذهب كيف لا والعينُ العاشقة ترى في كل شيءٍ جميل شيءٌ منها فترى الزهر فتذكر أن اسمها
زهرة ترى المساجد والمآذن فتتذكر أنها كانت عابدةً ساجدة ترى المدارس فتذكر أنها كانت
مربيةَ فاضلة ترى صناديق الإحسان فتذكر أنها كانت مُزكية متصدقة ترى وجوه الصائمين فتذكر
أنها كانت صوامة قوامة .
ماتت حبيبتي فباتت ُشوارع مدينتي الأدهمية مُظلمة هل حقاً قد قطعوا الكهرباء عنها أم أن عيناي
لم تعد تبصر غير اللون الأسود وما لي أرى البحر تتصارع أمواجه متمايلةَ مضطربة باكية أتراه
قد سمع أن عيون زهرة لن تبصره ثانيةً فذرف الدمع أمواجاً وما لي أرى الشجر والحجر والحدائق
والطرقات كلها حزينة تسألُ بحرقة عن زهرة فهل ثمت من أوصل لها الخبر ...؟؟!!!
ليت شعري من يُفهم العالم أن لفُراقِ الأحبةِ لوعةُ ونارٌ تضطرم في القب ثم لا يطفئها إلا الإيمان
بأن لله ما أخذ و و أن لله ما أعطى وليت شعري متى سندرك أن الروح بأمر الله قد استودعها
أمانة ووديعة عندنا وأن حقٌ لصاحب الأمانة والوديعة أن يسترد أمانته ووديعته
ماتت زهرة عمري و قلبي وروحي ونفسي وكُل الرجاء أن يملأ الرحمن خزائن أفئدتنا بالصبر فالخطبُ
جلل تضيقُ به الصدور وتضعف به القلوب وتبكي من أوجاعه العيون وكُل الدعاء أن يا ربي ارحم تلك
الفقير العابدة المسكينة و ألبسها من ثياب الجنة و أطعمها من موائد الجنة واسقها من أنهار
الجنة و أجمعها مع من أحبت لقاؤه و أنت تعلم يا إلهي أنها ما أحبت لقاء أحد كحبها للقاءك ولقاء
حبيبك محمد عليه أفضل الصلوات و أتم التسليم وكُل الأمل أنها رحلت لأنها تنتظرنا هناك
و أنها ماتت لنحيا معها هناك فألف سلام عليك يا خالتي و ألف رحمة و ألف تحية و ألف و ألف و ألف
فاتحةٍ تُقرأ على صاحبة الروح الجميلة وألف و ألف و ألف .......ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
رحمك الله يا خالتي زهرة و أدخلك فسيح جنانه..........آمين........آمين
هذا وما الفضل إلا من الرحمن
بقلم...........ياسر ميمو
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاطمه عبد القادر
