|
هُنَا الشَّآمُ هُنا حِمْصٌ هنا حَلَبٌ |
هُنَا الجِرَاحُ فَهَلْ لِلْجُرْحِ جَرَّاحُ |
هُنَا دِمَشْقُ هُنَا الأشْلاءُ قَدْ سُحِقَتْ |
هُنَا الرَّصَاصُ إِلَى الأجْسَادِ يَنْدَاحُ |
هُنَا النُّفُوسُ تُذَاقُ الموتَ فِي قَدَحٍ |
مِنَ السِّلاحِ ولِلتَّعْذِيبِ أَقْدَاحُ |
كَمْ أُزْهِقَتْ هَا هُنَا رُوحٌ بِلا سَبَبٍ |
وكَمْ تَوَارَتْ عَن الأنْظَارِ أَرْوَاحُ |
هُنَا المسَاجِدُ قَدْ دُكَّتْ مَآذِنُهَا |
والبَغْيُ يُمْطِرُهَا قَصْفًا ويَجْتَاحُ |
هُنَا المنَازِلُ أَرْمَاسٌ لِسَاكِنِهَا |
فَرُبَّ بَيْتٍ بِهِ غَمٌّ وأَتْرَاحُ |
هُنَا الشَّوَارِعُ أَنْهَارٌ وأَوْدِيَةٌ |
مِنَ الدِّمَاءِ وفِيهَا الموْتُ سَبَّاحُ |
هُنَا المذَابِحُ لَوْحَاتٌ مُزَخْرَفَةٌ |
مِدَادُهَا الدَّمُ والأَجْسَامُ أَلْوَاحُ |
هُنَا الْمُرُوءَةُ تَنْعَى اليَومَ بَهْجَتَهَا |
فَهَلْ يُعَادُ لَهَا عِزٌّ وأَفْرَاحُ |
ولِلْكَرَامَةِ أَشْلاءٌ مُبَعْثَرَةٌ |
وجُرْحُهَا بِدِمَاءِ القَهْرِ نَضَّاحُ |
يَا شَامُ أيُّ بَلاءٍ قَدْ أُصِبْتِ بهِ |
وهَلْ لِلَيلِكِ بَعْدَ الضَّيمِ إصْبَاحُ |
وأَيُّ بحْرٍ رَكِبْتِ اليَومَ ذِي لُجَجٍ |
مِنَ المجَازِرِ والملاَّحُ سَفَّاحُ |
وكَمْ سُقِيتِ كُؤُوسَ الذُّلِ مُتْرَعةً |
حَتَّى ذَوَى في حُقُولِ العِزِّ تُفَّاحُ |
واسْتوْحَشَ الرَّوضُ واعْتَلَّتْ خَمَائِلُهُ |
لا الزَّهْرُ زَهْرٌ ولا الرَّيْحَانُ فَوَّاحُ |
لا النَّهْرُ فِيْكِ كَمَا الأنْهَارُ جَارِيَةٌ |
ولا الهَزَارُ بِذَاكَ السَّفْحِ صَدَّاحُ |
أَلَمْ يَكُنْ فِيكِ لِلأَمْجَادِ مَلْحَمَةٌ |
فَالمْجدُ مِنْهَا مَدَى الأيَّامِ يَمْتَاحُ |
أَلَمْ تَكُونِي رُبُوعَ العِزِّ مُعْشِبَةً |
والخَيْلُ مِنْ أرضِكِ الغَرَّاءِ تَنْدَاحُ |
وكُنْتِ عاصِمَةَ الإسلامِ مُشْرِقَةً |
بالحَقِّ ، والعَدْلُ في الآفَاقِ لَمَّاحُ |
بنُو أُمَيَّةَ أعْلَوا فيكِ رايَتَهُم |
فالدِّينُ مُنْتَشِرٌ ، والفَتْحُ وَضَّاحُ |
وشَيَّدُوا " جَامِعًا " يَزْهُو بِرَوْنَقِهِ |
بالعِلمِ مُفْتَخِرٌ ، بالحُسْنِ مَيَّاحُ |
فَكُنْتِ للعِلمِ والآدَابِ مُرْتَبَعًا |
ونَبْعُكِ الثَّرُّ فّيَّاضٌ وفَيَّاحُ |
كَمْ عَلَّ مِنْهُ شُدَاةُ العِلْمِ ، كَمْ نَهِلُوا |
غَدَوا لِعِلمٍ ، وبالتَّعْلِيمِ قَدْ رَاحُوا |
كَمْ عَالِمٍ مِنْكِ جَابَ الأرْضَ يَعْمُرُهَا |
عِلْمًا ،ومَنْهَجُهُ شَرْعٌ وإِصْلاحُ |
عَلَى ثَرَاكِ جَرَى "العَاصِي" إلَى " بَرَدَى " |
هُمَا الرُّوَاءُ ، هُمَا السَّلْسَالُ ،والرَّاحُ |
وتِلْكَ غُوطَتُكِ الفَيْحاءُ مِرْوَحَةٌ |
وفي مَرَابِعِهَا الأطْيَارُ تَرْتَاحُ |
و " قَاسِيُونُ "(1) لَهُ فَخْرٌ بِعِزَّتِهِ |
وخِدْنُهُ " الشَّيْخُ "(2) للعَلْيَاءِ طَمَّاحُ |
يا شَامُ حَالُكِ حَالٌ جِدُّ مُشْجِيَةٍ |
فالظَّهْرُ مُنْكَسِرٌ ، والجُرحُ سَحَّاحُ |
والجَوُّ مُعْتَكِرٌ ، والضَّيمُ مُعتَكِفٌ |
والدَّمْعُ مُنْسَجِمٌ ، والقَهْرُ ذَبَّاحُ |
فَهَلْ تَعُودُ إِلَيْكِ الرُّوحُ عَنْ كَثَبٍ |
لِتَحْضِنَ الطَّيرَ أشْجَارٌ وأَدْواحُ |
ويضْحَكَ الرَّوضُ في زَهْوٍ وفي فَرَحٍ |
إِذَا تَفَتَّحَ نُوَّارٌ وقَدَّاحُ |
ويُصْبحَ الناسُ في أَمْنٍ وفي دَعَةٍ |
ويَنْجَلِي الظُّلمُ والطُّغْيانُ يَنْزاحُ |
حَتْمًا سَيُصْبِحُ هذَا الليلُ فَاعْتَمِدي |
عَلى الإِلَهِ فَإِنَّ اللهَ فَتَّاحُ |
عَلَى رُبَاكِ سَيَلْقَى البَغْيُ مَصْرَعَهُ |
فالجَورُ مَرْتَعُهُ وَخْمٌ وضَحْضَاحُ |
سَيُدْرِكُ الحَقَّ ذُو عَزْمٍ وذُو بَصَرٍ |
بِمَا يَدِقُّ ، وما يَخْفَى ويَلْتَاحُ |
ولا يَعَزُّ على الأقْوامِ مُعْضِلَةٌ |
إِذا تَكَاتَفَ فَيَّاحٌ(3) وشَحْشَاحُ(4) |