دائماً حضورك قوي أستاذتي الفاضلة ، إضافة قيّمة بارك الله في علمك وزادك من فضلهأولئك علماء السلاطين، وهم جنس من العلماء موجود فعلا، وإن حاولنا لبشاعة صورتهم إنكار وجودهم، وهم كثر وإن تمنينا لو كانوا قلّة، وهم مدانون ويحملون وزر هذا الواقع ، وسيحملون في أعناقهم وزر الملايين ممن ساءهم ما يفعلون حتى ساءت في أعينهم صورة العلماء وأحدثت بينهم وبين دينهم الحنيف جفوة يعلمها الله ويطلع على بعضها من يحدثهم
وما يكون هكذا أهل العلم أبدا ولا يصح ان يكونوا، فقد جاءنا في الأثر عن العلماء ما يرقق القلوب ويقوي الايمان
ومنه مثالا لا حصرا
• عاش ابو حنيفة فى العصرين الأموى و العباسى ، وكان فيهما إماما عالى الشأن والصيت ، ولذا أراد الوالى الأموى على العراق وهو ابن هبيرة أن يولى أبا حنيفة القضاء على الكوفة ، فرفض أبو حنيفة ، وصمم على موقفه ، فضربه ابن هبيرة مائة سوط وعشرة أسواط كل يوم عشرةفلما رآه لا يفعل تركه. لم يكتف ابو حنيفة برفض العمل مع الدولة الأموية بل شارك فى الثورة ضدها ، ولكى ينجو منهم فقد هرب الى مكة وغيرها حيث عاش متنكرا ، ثم قامت الدولة العباسية لتحقق أمل العدل الذى كان يحلم به الفقهاء والمثقفون أمثال أبى حنيفة ، وأحاط العباسيون أبا حنيفة بالتكريم ، ولكن ما لبث أن أدرك أبو حنيفة أن الحكام الجدد على سنة الأمويين يسيرون ، فكانت محنة أبى حنيفة الثانية وهو فى شيخوخته والتى انتهت بموته مسموما فى السبعين من عمره . وكان من أسباب محنته أنه رفض تولى القضاء . يقول ابن الجوزى فى تاريخه ( ثم إن المنصور أراده على القضاء فأبى ، فحلف ( الخليفة ) ليفعلن فحلفأبو حنيفة أن لا يفعل . ) ( المنتظم 8 / ـ 144 وفيات 150 )
• يقول وكيع :" قدمناعلى هارون فأقعدنا بين السريرين فكان أول مَنْ دعا به أنا فقال: أهل بلدك طلبوامني قاضيًا وسمّوك لي فيمن سمّوا وقد رأيت أن أشركك في أمانتي وصالح ما أدخل فيه من أمر هذه الأمة فخذ عهدك أيها الرجل وامض .فقلت: يا أمير المؤمنين أنا شيخ كبير وإحدى عيني ذاهبة والأخرى ضعيفة .فقال هارون: اللهم غفرًا خذ عهدك أيها الرجل وامض .فقلت: يا أمير المؤمنين واللّه إن كنت صادقًا إنه لينبغي أن تقبل مني ولئن كنت كاذبًا فما ينبغي أن تولي القضاء كذابًا . فقال: اخرج .فخرجت."
• وتستمر القصة على لسان وكيع بخبر الرجل الثاني ممن كانوا صحبة في ذلك الأمر وهو ابن أدريس فيقول : "ودخل ابن إدريس، وكان هارون قد وسم له من ابن إدريس وسم - يعنيخشونة جانبه - فدخل فسمعنا صوت ركبتيه على الأرض حين برك وما سمعناه يسلم إلاسلامًا خفيًا فقال له هارون: أتدري لِمَ دعوتك .فقال له: لا .قال: إن أهل بلدك طلبوا مني قاضيًا وإنهم سمّوك لي فيمن سمّوا وقد رأيت أن أشركك في أمانتي وأدخلك في صالح ما أدخل فيه من أمر هذه الأمة فخذ عهدك وامض .فقال له ابن إدريس: لست أصلح للقضاء، فنكت هارون بإصبعه وقال له: وددت أني لم أكن رأيتك قال له ابنإدريس: وأنا وددت أني لم أكن رأيتك
• أما ثالثهم وهو حفص بن غياث فقبل عهده وخرج . فلما صاروا إلى الياسرية حضرت الصلاة فنزلوا للوضوء ، وهناك قال ابن إدريس لحفص " يا حفص قد علمت حين دخلت إلى سوق أسد فخضبت لحيتك ودخلت الحمام أنك ستلي القضاء لا واللهّ لا كلمتك حتى تموت ... ويقول وكيع في هذا " فما كلمه حتى مات "
بل ويرفضون عطايا السلطان ومنحه مخافة الغواية ، وفي هذا قال وكيع في معرض حديثه عن تلك القصة "فأتانا خادم معه ثلاثة أكياس في كل كيس خمسة آلاف .فقال: إن أمير المؤمنين يقرئكم السلام ويقول لكم قد لزمتكم في شخوصكم مؤونة، فاستعينوا بهذه في سفركم .قال وكيع: فقلت له: أقرىء المؤمنين السلام وقل له قد وقعت مني بحيث يحب أمير المؤمنين، وأنا عنها مستغن، وفي رعيّة أمير المؤمنين من هو أحوج إليها مني فإن رأى أمير المؤمنين بصرفها إلى من أحب . وأما ابن إدريس فصاح به: مر من هنا . وقبلها حفص وخرجت الرقعة إلى ابن إدريس من بيننا: عافانا الله وإياك سألناك أن تدخل في أعمالنا فلم تفعل ووصلناك من أموالنا فلم تقبل فإذا جاءك ابني المأمون فحدثه إن شاء اللهّ . فقال للرسول: إذا جاءنا مع الجماعة حدثناه إن شاء الله "
شكرا للنص الرائع والفكرة البليغة الطرح
دمت بألق
أخلص التحايا لك