القلق و الاغتراب الروحي
في نص الزمان المر
للشاعر الدكتور / سمير العمري
قراءة سيكولوجية في مفاصل حنظلية العصر
الدارسان : حسين علي الهنداوي – حاتم قاسم

الزمان المر
خَدَعَتْ فَكَانَ مِنَ الأَسَى مَا كَانَا
وَدَعَتْ لِحَفْلِ خِدَاعِهَا الأَضْغَانَا
رَقَصَتْ عَلَى رَجْعِ الأَنِينِ جِرَاحُهَا
وَتَبَسَّمَتْ كَي تَكْتُمَ الأَحْزَانَا
وَاسْتَمْرَأَتْ خَمْرَ الشُّجُونِ وَأَوْهَنَتْ
صَبْرَ الحَلِيمِ وَأَوْهَتِ الوِجْدَانَا
جَارَتْ عَلَى الحَقِّ الضَّلالَةُ جَوْرَةً
تَدَعُ الحَصِيفَ بِحَزْبِهَا حَيرَانَا
لَيْسَ الدِّيَارُ كَمَا عَرِفْنَهَا وَلا
قُطَّانُهَا مَنْ يَعْرِفُ الجِيرَانَا
وَإِذَا بَحَثْتَ عَنِ الرِّجَالِ مُرُوءَةً
فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ تَرَى شَيْطَانَا
مَنْ بَاعَ مَبْدَأَهُ كَأَبْخَسِ سِلْعَةٍ
أَو مَنْ تَنَكَّرَ لِلعُهُودِ وَخَانَا
مَا أَكْثَرَ الإِخْوَانَ حَوْلَكَ فِي الرِّضَا
طُرَّاً وَأَكْثَرَ فِيهُمُ الخَوَّانَا
يَا لَلزَّمَانِ المُرِّ فِي خَطَرَاتِهِ
أَغْلَى المَتَاعَ وَأَرْخَصَ الإِنْسَانَا
نَفَشَتْ بِنَا غَنَمُ الفَسَادِ فَأَهْدَرَتْ
مَجْدًا وَأَغْرَضَ رَأْيُنَا فَدَهَانَا
صَدَفَ الكِرَامُ عَنِ الفَلاحِ وَقَصَّرُوا
فَتَصَدَّرَتْ زُمَرُ الخَنَا الدِّيوَانَا
زَعَمُوا الرَّشَادَ فَقِيلَ مَا بُرْهَانُكُمْ
فَكَفَاهُمُ رَأْيُ الهَوَى بُرْهَانَا
مَالُوا بِمِيزَانِ الحُقُوقِ عَلَى الوَرَى
فَكأَنَّ فِي أَيْدِيِهُمُ المِيزَانَا
مَا أَضْيَقَ الأَزْمَانَ فِي سَعَةِ المَدَى
إِنْ أَرْجَفَتْ بِسِرَابِهَا الأَذْهَانَا
لَمْ يُبْقِ أَهْلُ الغَدْرِ إِلا غصَّةً
فِي القَلْبِ تَسْفِكُ بِالوَفَاءِ قِوَانَا
هَلْ يُعْجِزَ الحَدَثَانِ لَوْ ضَمِنَا لَنَا
يَوْمًا مِنَ الزَّمَنِ المُرِيعِ أَمَانَا
رُمْتُ العِتَابَ فَمَا ظَفِرْتُ بِصَاحِبٍ
يَسَعُ العِتَابَ وَلا وَجَدْتُ بَيَانَا
إِنْ نَابَني بَأسُ الزَّمَانِ أَنَابَهُ
وَتَرَاهُ يَتْعَسُ إِنْ سَعِدْتُ زَمَانَا
وَأَسُومُهُ مَهْمَا تَقَلَّبَ غَالِيًا
وَيَسُومُنِي مِنْ بُخْسِهِ مَجَّانَا
يَا صَاحِبِي ، صِدْقُ المَحَبَّةِ بَلْسَمٌ
يُشْفِي الصُدُورَ ويَصْقِلُ الإِيمَانَا
لَيْسَ الذِي يَأْتِي المَكَارِمَ مُرْغَمًا
يَخْشَى المَلامَةَ كَالذِي يَتَفَانَى
أَو يَسْتَوِي مَنْ لا يَضِنُّ بِجُهْدِهِ
عِنْدَ العَزَائِمِ وَالذِي يَتَوَانَى
مَا عُدْتُ أَعْتِبُ إِنْ تَجَهَّمْنِي الوَرَى
أَو وَافَقُوا الإِرْجَافَ وَالبُهْتَانَا
كَلا وَلا أَزْهُو بِمَدْحِ مُنَافِقٍ
مَهْمَا احْتَفَى أَوْ أَلْبَسَ التِّيجَانَا
قَدْ سِرْتُ دَرْبِي لِلنُّهُوضِ بِأُمَّتِي
أَبْنِي لِرِفْعَةِ عِزِّهَا بُنْيَانَا
أَدْعُو لَهُ الأَحْرَارَ مِنْ أَهْلِ النُّهَى
قَوْمًا تُفَاخِرُ بِالـرُّؤَى الأَزْمَانَا
لَمَّا بَلَوْتُهُمُ رَأَيتُ يَدَ النَّدَى
وَوَجَدْتُ فِيهَا الصِّدْقَ والإِحْسَانَا
نَزَلُوا بِوَاحَةِ مُخْلِصٍ مُتَوَدِّدٍ
لَمْ يَدَّخِرْ بِرًّا وَلا عِرْفَانَا
نَسْعَى بِكُلِّ عَزِيمَةٍ نَحْوَ العُلا
وَنَجِدُّ فِيمَا يَرْفَعُ الأَوْطَانَا
هُمْ صُحْبَةٌ سَمَتِ النُّفُوسُ بِصِدْقِهِمْ
صَفَتِ القُلُوبُ فَأَقْبَلُوا إِخْوَانَا
دَعْ عَنْكَ قَهْرِي يَا زَمَانُ فَإِنَّنِي
أَمْضِي وَخطْوِي رَاسِخٌ أَرْكَانَا
أَنَا لَسْتُ ذَا بَطَرٍ وَلا أَنَا بِالذِي
بَدَأَ الصُّدُودَ وَآثَرَ الهِجْرَانَا
مَا كَانَ قَبْضِي القَلْبَ عَنْهُم مِنْ قِلَى
لَكِنْ إِبَائِي يَأَنَفُ الإذْعَانَا
قَدْ تُنْتِنُ الرِّيْحُ الخَبِيْثَةُ حُفْرَةً
لَكِنَّهَا لا تُنْتِنُ البُسْتَانَا
وَتَغَصُّ فِي حَلْقِ الحَقُودِ مَكَارِمٌ
فَيَمَجُّهَا وَهْيَ العَظِيْمَةُ شَانَا
أَنَا مَا غَضِبْتُ مِنَ المُنَاوِئِ بَاغِيًا
لا يَبْلُغُ البَاغِي لَدَيَّ مَكَانَا
وَغَضِبْتُ حِينَ الجَوْرِ غَضْبَةَ نَاصِرٍ
لِلحَقِّ يَأبَى أَنْ يَعُضَّ بَنَانَا
سَأَسِيرُ دَرْبِي مَا حَيِيتُ مُسَدِّدًا
وَمَقَارِبًا كَي أُحْرِزَ الإِتْقَانَا
أَدْعُو إِلَى الحَقِّ القَوِيمِ مُنَافِحًا
عَنْهُ وَأُوْرِدُ نَهْرَهُ الظَّمْآنَا
وَعَلَى الأَزَاهِرِ سَوْفَ أَنْثُرُ حِكْمَتِي
شِعْرًا يَبُزُّ الوَرْدَ وَالرَّيْحَانَا
لا أَرْتَجِي عِنْدَ الأَنَامِ غَنِيمَةً
بَلْ أَرْتَجِي مِنْ رَبِّنَا الرّضْوَانَا

لا شك أن الأدباء في هذا الزمان المر كما أسماه صاحبنا الدكتور سمير العمري يكادون يعيشون حالة من القلق بسبب تفاعلات الحياة مع المواقف التي أخذت تقصي القيم الإنسانية بعيداً عن إنسانية الحياة المعاصرة 0
الشكوى من الزمان و قلق الزمان المر ديدن المفكرين و الأدباء و الشعراء على مر العصور و لئن كان الشعر العربي على مختلف مستوياته ما زال يجتر قضية الشكوى من الزمان فإن الشعر المعاصر يعيش في قلب هذه المرارة الإنسانية التي تكاد تطغى على كل المستويات الإنسانية و لم ينج منها حتى الأطفال الصغار الذين ينوء الزمن بكلكله على صدرهم 0 و لو أردنا أن نستعرض الشكوى الإنسانية من الزمن منذ الصراع القابيلي الهابيلي لتحولنا إلى مؤرخين ينقشون على كل ذرة تراب مأساة إنسانية خلفها الإنسان حفرة عميقة في جبهة أخيه الإنسان 0
و لقد اشتكى الشعراء كثيراً من حوادث الزمن التي عبرت بعجلاتها فوق طموحاتهم ، فالشعر العربي هو الشعر الأعجمي بمختلف جغرافياته يعيش هذه الشكوى بنسب متفاوته و لكن مساحة الزمان المر كما أسماها شاعرنا العمري أكثر ما ترتسم في شعرنا العربي بسبب الارتكاسات و الانتكاسات الفردية و الجماعية التي تعيشها الأمة 0
و إذا أردنا أن نبحث عن عوامل الشكوى من الزمان المر لوجدناها أكثر ما تكون عند الشعراء و المفكرين الذين يطمحون دائماً إلى بناء برج سامق يرتفع في كل يوم حتى يصل إلى عنان السماء و سنقتصر في رؤيتنا لانتكاسات الزمان المر على شاعرين أحدهما دوخ الشعر العربي و رسم لوحة طموحاته في كل حرف من حروفه و لكنه في النتيجة وصل إلى حالة من الخذلان دون أن يدرك أن حوادث الزمان بعضها قدري على الرغم من أنه أشار إلى ذلك في قوله
ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
و لقد حاول هذا الشاعر العملاق أن يستنزف أوكسجينه الزمن في كل لحظة من لحظات حياته و لكنه في النتيجة لم يجد في سماء ذاته إلا سراباً من غاز الكربون خنق طموحاته و ليتنا ننتقل مع الشاعر المتنبي إلى نونيته التي يبرز فيها شكواه هذا الداء الفتاك الذي سرى إلى شاعرنا العمري على الرغم من كونه يعيش حالة من الوعي الإنساني الواعد ولو رجعنا إلى أبيات المتنبي التي يقول فيها :
صحب الناس قبلنا ذا الزمانا و عناهم من أمره ما عنـــانا
و تولوا بغصة كلهم منــــــــــ ـــــه و إن سر بعضهم أحيانا
كلما أنبت الزمـــــــــان قناة ركب المرء في القناة ســنانــا
و مراد النفوس أصغر من أن تتعـــــادى فيه و أن تتفــــانى
غير أن الفتى يلاقي المنايـــا كالحات و لا يلاقي الهوانـــــا
و لو ان الحيـــــاة تبقى لحي لعددنا أضـــــلنا الشجعــانـــا
إذن لو رجعنا إلى الأبيان السالفة الذكر لوجدنا أن المتنبي لم يستطع أن يحقق من طموحاته الحسية المادية ( البحث عن وزارة ) أي هدف اللهم إلا ما حققه فيما سكبه لنا من أبيات متفردة سلبت اللب الإنساني أما شاعرنا العمري فقد أحال شكواه إلى الحياة التي بدت مرتسمة في حروفه مع ( تاء التأنيث الساكنة) في قوله ( خدعت ـ ودعت ـ رقصت ـ تبسمت ـ استمرأت ـ أوهنت ـ جارت ـ ) و كلها إحالات مرضية أحلتها الحياة المرة لنا و للشاعر لتحدث فراغاً نفسياً يتمثل فيما يشبه الصدمة الاجتماعية فالحياة على الحقيقة كما صورها شاعرنا العمري امرأة خداعة لا تبعث في النفوس إلا الأسى و الحزن و لا تعكس في صفحة وجهها إلا الأضغان و لا ترقص إلا على رجع الأنين في نفوس من تعذبهم ببريق أملها و كأنها إذا تكشرت مبتسمة بدا الحزن وراء أنيابها إنها تختزن لنا جمرة الشجون و لكنها في النتيجة تضعف بتلاعباتها حتى الأحنف القيسي الذي تجاوز بصبره و حلمه عصره 0
إذن نحن أمام شكوى من شاعر ( العمري ) يبحث في تيارات العواصف المندفعة عن غيمة يستوطن في خدرها عله يجد استراحة الفارس بعد معارك عظيمة مع قيم عصرية بدأت تتحول إلى مصالح خاصة يؤطرها الناس لأنفسهم و كأن العمري يريد أن يلمح لنا إلى أن الناس في عصرنا يلبسون جلود الأرانب و لكنهم يحنون على قلوب الثعالب 0
فالمروءة بكل معانيها لا تجدها في أي مكان في الزمن الذي نعيشه و إن وجدتها فإنك تجد شياطينَ من شياطين القيم المادية يختبئ وراءها و هذا يحيلنا إلى قول الشاعر العربي :
مررت على المروءة و هي تبكي فقلت عــــلام تنتحـــب الفتـــاة
فقالت كيـــــــف لا أبكي و أهــلي جميعاً دون أهل الأرض ماتوا
إن شكوى شاعرنا العمري من النكوص القيمي الذي حل بالناس يستدعي الكثير من الشكوى الشعرية التي أطلقها شعراء في عصور خلت و انظروا معنا إلى قول العمري :
ما أكثر الإخوان حولك في الرضا طراً و أكـــثر فيــــهم الخوانـــا
يا للزمــــــــــان المر في خطراته أغلى المتاع و أرخص الإنسانا
ثم افتح مذكرة الشعر العربي لتجد أن حسان بن ثابت قد أطلق تلك الزفرة و اشتكى الشكوى نفسها حين قال :
أخلاء الرخــــــاء هم كثير و لكن في البلاء هم قليل
فلا يغررك خلة من تؤاخي فمالك عنـــــد نائبة خليل
حقاً أيها العمري ما أكثر الإخوان حولك في الرضا فإذا ما احتجتهم تطايروا من حولك و صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم حين قال : (( الناس إبل مائة لا تجد فيهم راحلة )) لقد أذقتنا أيها العمري بكلماتك الشفافة ما ذقته من هذا الزمان المر فالفساد قد أهدر المجد و الجهل قد شتت الشمل و الكرام تعاموا عن الفلاح و تصدر مجالس القوم ( الرويبضة ) و ادعى أراذل الناس الحكمة و هم يميلون بميزان الحق و حقاً ما قلت :
ما أضيق الأزمان في سعة المدى إن أضللت شبهاتها الأذهانا
لقد سقط الوفاء و فقد الأصحاب الصادقون و أطبق الزمان بأنيابه على جسد القيم الإنسانية و كأننا بالعمري شاعراً يحمل إلينا ريحانة الصداقة التي مثلها شاعرنا العربي حين قال :
صديقي من يقاسمني همومي و يرمي بالعداوة من رماني
و لو أنا استعرضنا القيم الشهمة و مكارم الأخلاق التي ألمح العمري إلى افتقادها في عصرنا هذا و التي حملها إلينا بمفاهيم جديدة لاحتجنا إلى أن نقرأ النص قراءة ( قيمية ) تفتق كل المعاني الإنسانية الخيرة التي دعا إليها الشاعر و لعرفنا مقدار القيم الصماء السوداء التي نبذها شاعرنا العمري و كأنه يريد ان يؤكد أن للعربية ( لاميتان ونونيتان ) ( اللامية الأولى هي لامية الشنفرى ) و ( اللامية الثانية هي لامية الطاغرائي ) و ( النونية الأولى هي نونية المتنبي ) التي أشرنا إليها في البداية و ( النونية الثانية هي نونية العمري ) التي مثلت طوابع الزمان المر في عصرنا الحاضر 0
إن الأخلاقيات التي دعا إليها الشاعر في هذه النونية تستدعي منا مبحثاً آخر يؤطر للقيمية التي نحن بحاجة إليها في زمن أفلت نجومه المشرقة 0
الذاتية المغرقة في شكوى الشاعر العمري ( حاتم قاسم )
لا نستغرب إذا أطلقنا منذ البداية حكماً نقدياً يشير إلى أن معظم الشعر العربي شعر ذاتي وجداني يحمل هم الشعراء إلى الواقع المحيط بهم و يبرز شكواهم الذاتية مما يحل بهم على مر الأزمان و انظر معي أيها القارئ إلى قول العمري :
دَعْ عَــنْــكَ قَــهْــرِي يَــــا زَمَـــــانُ فَـإِنَّــنِــي أَمْـــضِــــي وَخـــطْــــوِي رَاسِـــــــخٌ أَرْكَـــانَــــا
أَنَــــا لَــسْــتُ ذَا بَــطَــرٍ وَلا أَنَــــا بِــالـــذِي بَـــــــــدَأَ الـــــصُّـــــدُودَ وَآثَــــــــــرَ الــهِــجْـــرَانَـــا
مَا كَانَ قَبْضِي القَلْبَ عَنْهُم مِنْ قِلَـى لَــــكِـــــنْ إِبَـــــائِـــــي يَـــــأَنَـــــفُ الإذْعَـــــانَـــــا
أَنَـا مَــا غَضِـبْـتُ مِــنَ المُـنَـاوِئِ بَاغِـيًـا لا يَـــبْـــلُـــغُ الـــبَـــاغِـــي لَـــــــــدَيَّ مَـــكَـــانَــــا
وَغَضِبْتُ حِينَ الجَوْرِ غَضْبَةَ نَاصِرٍ لِــلـــحَـــقِّ يَــــأبَـــــى أَنْ يَــــعُـــــضَّ بَـــنَـــانَـــا

سأســــير دربي ما حييت مســـــددا و مقارباً كـــي أحرز الإتقـــانــا
فما قاله الشاعر في
الأبيات السابقة لو رحنا نبتسر منه كلمة ( قهري – خطوي – لست ذا بطر – لكن إبائي – أنا ما غضبت – سأسير دربي )
لوجدنا أن شكوى الشاعر هي شكوى تنبع من حناياه و تخص
ذاته أولاً و إن كانت هذه التجربة الذاتية هي تجربة موضوعية من حيث إن الزمان لم يحقق للطامحين إلا
النزر القليل و هذا ما جعل الشاعر يصر على تحقيق أهدافه و متابعة مسيره
سأســــير دربي ما حييت مســـــدداً و مقارباً كـــي أحرز الإتقـــانــا
أدعوا إلى الحق القويـــــــم منافــحاً عنه و أورد نبعه الــظمــآنــــا
حقاً إن الشاعر يتوق إلى أن ينهل من مبادئ الحق القويم الذي ينافح عنه مبتغياً رضا الله و جافياً رضا الناس
لا أرتجي عند الأنــــــام غــنــيمــــة بل أرتجي من ربـنـا الرضوانــا
القيم التصويرية و التعبيرية في نص العمري ( حسين الهنداوي )
لا شك أن المتقري لنص الزمان المر للشاعر سمير العمري يكتشف منذ العبارة الأولى و حتى أخمص العبارة الأخيرة أن شاعرنا متجذر في ساحة التراث متأبط ٌ له بحيث أنك لا تستطيع أن تفرز الشخصية العمرية عن العبارة التراثية فتراثنا الشعري العربي يحمل في طياته سبائك من الذهب الكلامي الذي يجعل بلاغة العرب في الصف الأول من البلاغات الأدبية العالمية فكل عبارة في هذا النص تعبيرية كانت أم تصورية تغترف من معين شعراء التراث بعضاً من جمالياتها و هذا ما جعل النص يختزل بلاغة أكثر الشعراء الذين سبقوه فالحياة في قيم الشاعر التعبيرية امرأة خداعة ترقص على رجع الأنين و هذه قيمة تصويرية و تبتسم لأبناها بخداع و هي مستمرئة لخمرة الشجون و هذه عبارات كلها مستقاة من معين التراث و كأن شاعرنا العمري في نصه صنه ما صنعه صاحب الألفاظ الكتابية ذاك الذي جمع جماليات العربية في كتيب صغير 0
فالنص الذي بين أيدينا نص يحمل جماليات العبارات الشاعرية العربية منذ القديم و حتى يومنا هذا فــ ( الزمان مرٌ يغلي المتاع و يبخس الإنسان ) و ( الكرام يصدفون عن الفلاح و يميلون بميزان الحق ) و ( الزمان نفسه ضيق ) و كأننا بالشاعر يصوغ ديباجته على طريقة البحتري مرة و المتنبي مرة أخرى و ابن زيدون تارة ثالثة و لكنك حين تمعن في القيم التصويرية لهذا النص تجد أن الخيال فيه استقل حافلة ضيقة و أسر نفسه بعربة صغيرة تحمل من مكنونات القيم التعبيرية و العواطف الجامحة الصادقة أكثر مما تحمله من التشبيهات و الاستعارات و ليتني بالشاعر يطلق العنان لذائقته الإبداعية و يترك لحصان شعره أن ينطلق فاتحاً جناحيه و عابراً حدود المسيسبي إلى المتوسط فالمحيط العربي لينقل لنا جماليات الزمن المر الذي أذاقنا بعاطفته ما لم يذقنا إياه بصوره 0
للشاعر أن يقف في مصاف شعراء التراث الذين حملوا على كواهلهم أن تبقى صكوك النقد اللفظي العربي كما صنعها شعراء العصر الجاهلي أو كما أرادها شعراء العصر الأموي 0