القضية في شعر سمير العمري - نموذج قصيدة '' الاخوة نهج ''


مَنْ يَدَّعِ الحُبَّ لا يُؤْذِ المُحِبِّينَا = وَلا يُبَدِّلْ بِشَهْدِ الوُدِّ غِسْلِينَا
وَلا يُقَدِّمْ يَدًا بِالعَهْدِ وَاهِيَةً = بِهَا يُقَدِّمُ لِلأَعْدَاءِ سِكِّينَا

الشاعر العربي الكبير شاعر الحكمة و الفكر

سمير العمري

في مثل هذه المواقف لا تسعفنا سوى حكمة الصمت وسمة التفكر

إن دقة البيان و بلاغة القول مع سمو المعنى و مشروعية الغرض و رسالية الوجهة في شعر العمري تمثل مرايا تعكس علو الذوق و جمالية الروح و نبل الأهداف و قداسة القضايا و عزة الإنتماء

سمير العمري
شاعر الحكمة و الرسالة و الإنتماء

أستسمحك أن أسم شعرك ب : الشعر الرسالي

فأكثر مدعي الشعراليوم تزل بهم أيديهم إلى أغراض لا تتعدى مطامح الجسد و النزوات أو غايات الشهرة و الإعلام فتراهم في أوحالهم يتنافسون.

إن قراءة نتاج العمري محاولة للنفاذ إلى عمق القضايا الكبرى التي يعالجها فسمير من المبدعين القلائل الذين صاغوا شعرهم هما و قضايا مثلت رسالتهم في الحياة فالقضية و الرسالة تستمد طاقتها مما تحويه ذات الشاعر المندمجة مع إبداعه في تشكل يمثل الوحدة المستعصية على الذوبان و المقاومة لكل أشكال الانحدار .

تنبني قصيدة '' الاخوة نهج " على علاقة حميمية بين الشاعر و القضية و التي هنا فلسطين وما يلحق بها من قضايا تهم واقعنا العربي و السياسي و المجتمعي.

يمكننا أن نبرز حضور القضية من خلال ثلاتة محاور:

العزة و المقاومة - الإنتماء و الكرامة - الرسالية و الأمانة



العزة و المقاومة :

وهذا العنصر يمتد مع القصيدة و يكاد يكون ملازما لكل بيت ,يمثل مقاومة لمسيرة الذل و الإذلال التي باتت عنوان المدعين للقضية وهو كذلك يوضح أصالة القضية و ضرورة العودة لخط النضال و العزة و المبادئ فهو خط الممانعة

يأتي في مطلع القصيدة :

مَنْ يَدَّعِ الحُبَّ لا يُؤْذِ المُحِبِّينَا = وَلا يُبَدِّلْ بِشَهْدِ الوُدِّ غِسْلِينَا


و يسترسل الشاعر بنفسية الاعتزاز :

يَا لَيتَ شِعْرِي أَلَمْ يَأْنِ اجْتِبَاءُ خُطَى = نَهْجِ الأُبَاةِ وَإِقْدَامِ المُلَبِّينَا؟

وَسطْوَةٌ مِنْ صَهِيلِ السَّابِحَاتِ عَلَى = وَقْعِ الحَوَافِرِ تَأْمِيلا وَتَأْمِينَا؟

مَا قِيمَةُ السَّيفِ فِي غِمْدَينَ مِنْ ذَهَبٍ = حَتَّى نُجَنْدِلَ مَنْ بِالذُّلِّ يَرْمِينَا؟

وَمَا صَلاحُ إِذَا ارْتَدَّتْ فَوَارِسُهُ = عَنِ البُطُولَةِ فِي إِدْرَاكِ حِطِّينَا؟

كُنَّا وَكَانَتْ بِلادُ العُرْبِ دَارَ عُلا = رَقَّتْ نَسَائِمَ وَامْتَدَّتْ بَسَاتِينَا

أَيَّامَ كَانَتْ خُيُولُ النَّصْرِ مُسْرَجَةً = وَكَانَ مَنْبَعُ صَافِي الدِّينِ يَرْوِينَا


العنصر الثاني : الإنتماء و الكرامة

وهي نفسية الشاعر في القصيدة

الانتماء لوطن تربع في ذات الشاعر المغترب الذي أبعدته مسافات الشتات لكنه يحتضن الوطن ليلاه و يحتضنه الوطن احتضان الأم وهي نفسية فداء و تقديس للتراب الذي بات رمزا للإباء و الكرامة

فيقدم نفسه لافتداء الوطن :

نَفْسِي فِدَاءُ فِلِسْطِين التِي نَزَفَتْ = منِهْاَ الكَرَامَةُ مَقْتُولا وَمَسْجُونَا

يصدح الشاعر بقول لا في وجه الخنوع و المساومة و لا بديل عن كرامة النفس ومجد الوطن:

لَمْ يَجْزِ غَزَّةَ فِي الحَالَينِ غَيرَ دَمٍ = أَجْرَوهُ خَنْقًا وَتَجْوِيعًا وَتَوهِينَا

فَلا وَرَبِّكَ لا صُلْحٌ عَلَى ضَغَنٍ = وَلا ابْتِسَامٌ يَرَى التَّقْطِيبِ مَدْفُونَا

وَلا تَنَازُلَ لا تَفْرِيطَ فِي وَطَنٍ = سَمَا عَلَى الدَّهْرِ تَقْدِيسًا وَتَثْمِين

نُرِيدُ كُلَّ أَرَاضِينَا التِي انْتُهِبَتْ = النَّهْرَ وَالبَحْرَ وَالزَّيتُونَ وَالتِّينَا


ويفصح الشاعر عن حلمه و حلم غيره من المغتربين عن الوطن :

وَحَقَّ عَودَةِ شَعْبٍ مَلَّ غُرْبَتَهُ = وَحَقَّ دَمْعَةِ أُمٍّ أُهْرِقَتْ هُونَا

الوطن عند سمير فوق الكراسي و المطامح الواهية يتحدد هذا العنصر بقوة في ذيل القصيدة

يَا مَنْ جَعَلْتُمْ إِلَى الكُرْسِيِّ هِمَّتَكُمْ = خُذُوا الكَرَاسِي وَأَعْطُونَا فِلِسْطِينَا

وهي رسالة انتماء لمن تاجر بفلسطين و دماء الشهداء الزكية ليكسب جاها أو مالا


العنصر الثالت : الرسالية و الأمانة

وهو مؤشر على أن الشاعر لا يلقي كلاما سائبا من غير مطمح نبيل و غاية وجيهة
عنصر الرسالية يشكل جوهر القضية بحملها رسالة و أمانة
يمكننا تتبع الرسائل المباشرة و غير المباشرة في القصيدة على النحو التالي :


رسالة حب صادق مقاوم للنفاق :

مَنْ يَدَّعِ الحُبَّ لا يُؤْذِ المُحِبِّينَا = وَلا يُبَدِّلْ بِشَهْدِ الوُدِّ غِسْلِينَا

وَلا يُقَدِّمْ يَدًا بِالعَهْدِ وَاهِيَةً = بِهَا يُقَدِّمُ لِلأَعْدَاءِ سِكِّينَا


رسالة لعودة جوهر الأخوة و صدق العهد بدل الفراق و الطعن :

مَاذَا اعْتِبَارُ أَخٍ دَسَّ الفِرَاقُ لَنَا = يَأْتِي التَّخَاتُلَ حِينًا وَالأَذَى حِينَا؟

لَمْ يَأْلُ عَهْدُ صَحِيحِ الوُدِّ مُنْتَهَكًا = حَتَّى تَرَدَّى بِكَفِّ العَفْوِ مَطْعُونَا

رسالة طهر تواجه النجس لتتعالى عن السفاسف و تسمو للمعالي :

أَمَّنْ تَوَضَّأَ طُهْرَ القَولِ مِنْ نَجَسٍ = وَقَالَ إِنِّي إِمَامٌ لِلمُصَلِّينَا

رسالة مبدأ راسخ ممكن كما العقيدة وهو تصوير غاية في الإحكام و الجمال و المعنى :

حَقُّ المَبَادِئِ فِي الأَحْرَارِ رَاسِخَةً نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي كَمَا العَقِيدَةُ فِي الأَحْشَاءِ تَمْكِينَا

و أخيرا رسالة حق و نداء فطرة و دمعة أم :

وَحَقَّ عَودَةِ شَعْبٍ مَلَّ غُرْبَتَهُ = وَحَقَّ دَمْعَةِ أُمٍّ أُهْرِقَتْ هُونَا

هَذَا نِدَاءٌ لِمَنْ يَأْتِي الحِوَارَ جَدًا = بِصَوتِ كُلِّ مُصَلٍّ قَالَ آمِينَا



لم تكن هذه سوى بعض مما يلمه شعر سمير العمري من معاني و أفكار تمثل خطا في صف الممانعة و المقاومة لكل أشكال الضعف و الوهن الذي بات سمة لمدعي قضايانا و في مقدمتها قضية فلسطين فهي التاريخ و الأمل


كما لا يمكننا المرور السريع من غير الإشارة إلى أن شعر العمري هو شعر حكمة و معان يكون بها مفخرة للشعر في زمن بات التسابق فيه لمن يكون أكثر جرأة في الفحش و انسلاخا عن القضايا و المعاني.

و أخيرا أوجه دعوتي لأهل الأدب و الفكر أن يكملوا الدراسة و التحليل للشعر الرسالي العمري فهو معين لا ينضب .