أخي الحبيب د. مصطفى عطية جمعة:

أعود هنا لأشكرك على ردك الكريم ولأرد عليك باقتضاب على ما ورد في ردك الأخير توضيحاً للأمر.

أنا أوضحت أنني تطفلت على مائدتكم النقدية العامرة لا عن مشاركة لمحاورة بل عن رغبة في أن أؤكد لك الود والتقبل للرأي دون التأثر باختلاف الرؤى فالناس بخير ما تباينوا. ولست هنا لأتناول نصوصي بالنقد بل طمعت في تفهم الجميع في حقي في التوضيح والتوضيح فقط لبعض ما رأيته يحتاج أن نلفت له عنايتكم كي لا يكون الحكم غير مستدرك لشمولية الحالة وأن لا يكون الرأي مبتسراً بحكم عام قائم على قراءات محدودة.

أنني ممن لا يشعر بنكهة ما يكتب إلا من خلال رأي ورؤية أهل ثقة وإنصاف ، ولا أزال غير راض على مستوى عطائي ولا أحسبني يوماً أرضى. ولعلك تسأل مثلاً الأخ الحبيب د. سلطان الحريري عن قصيدة شهد الجميع لها بالتميز والتفوق حين سألته عن مدى صلاحيتها للنشر بما يوافق قدر المقصود بها فلما أكد لي أنها تستحق وأكثر أعدت السؤال عليه عدة مرات أبحث عن النصح غير المجامل فما زال بي حتى أقنعني بنشرها وبالفعل حازت على إعجاب كل من قرأها رغم أنني ما شعرت بهذا التميز شخصياً. قصيدتي هذه أدعوك لزيارتها فربما ترى فيها غير ما رأوا وهي قصيدتي "يا مصر" على هذا الرابط:
https://www.rabitat-alwaha.net/molta...ad.php?t=14406
وهذا أمر يتكرر معي أخي الكريم فلا أراني مخولاً لنقد قصائدي وكتاباتي بنفسي وما كنت أفعل أنا هذا هنا ولكن من غير الإنصاف أن يتم تقييمها بناء على مرتكزات وقواعد نقدية غير منطبقة ، ولعل في إشارتك لمحمود دوريش ما يكفي ليبين سبب هذه الرؤية وهذه القراءة.

تأويل ما أكتب حق لك ولكل قارئ فهذا أمر لا مناقشة فيه ، ولكن أخي أنا سقت لك التفسير بعد أن سقت أنت التبرير بأن هذه القصة تمثل المباشرة والخطابية وهذا مما غالط الحقيقة وقلب الحالة ، وهنا لا يكون في التأويل الشخصي تبريراً لحكم عام.

لا يمكن لعاقل اعتبار الإبداع مرادفاً لحالة المخالفة والتمرد ؛ هذا ما لا نؤمن به على الأقل ، وتعريف الإبداع عندنا هو ما يحدد ما نكتب شعراً أو نثراً ، ولعله من ترف القول أن نؤكد أن الإبداع الإيجابي القائم على المنافسة في ذات الاتجاه والتميز فيه أصعب وأكثر قيمة من "الإبداع السلبي" القائم على المخالفة والأساليب القائمة على دعاوى التجديد في الشكل أو في العبارة بمعنى استخدام كلمات الفحش والفجور وأمثالها ، كمثال سلمان رشدي الذي عرف واشتهر بسرعة ليس لأنه اجتهد كمسلم في خدمة الإسلام وإفادته علمياً أو فكرياً بل لأنه اتخذ أسلوب المخالفة والطعن فيه ليصبح من أعلام هذا الإعلام الهزيل.
بهذا يمكنني أن أقول وبكل تجرد أن معايير الإبداع عندك أخي تبدو غير التي عندي وعند الكثيرين غيرك ، وإننا وإن كنا نحترم توجهك الأدبي الذي لا نرى فيه ما ترى فإننا لا نحسبك ترى أن يتم تقيم تيار أدبي وفق معايير تيار أدبي مناقض فهذا من باب الجور وأعيذك أن تكون من القاسطين.

ثم إنك حين ترى في مثل دوريش مثالاً لشاعر يعجبك أخي الكريم فلا عجب أن ترى أن الشبكة تعج بآلاف الشعراء وأن الأمة كلها شاعرة ، ولكنني وبمعايير مختلفة أرى أن شعراء هذا العصر ككل لا يتعدون العشرات القليلة ، وأن ما يشار بالبنان إليهم منه لا يتعدون العشرة ، وأما أين أنا منهم فليس هذا مما يهمني ولا يجوز لي تحديده وسيكون التاريخ والمنصفون هم أصحاب الكلمة العليا فيه ، ولكني لا أوافقك فيما تقول في هذه الجزئية.


أما قضية ما أثرته هنا من عتب للأحبة أعضاء فرع الرابطة في الكويت فقر عيناً وطب نفساً فأنت والله مهما تخالفت بيننا الرؤى على الرحب والسعة والتقدير ، وأتوجه بكل ود ورجاء للأخوة الأحبة أن يتقبلوا عتب أخينا الحبيب د. مصطفى عطية جمعة بقبول حسن وأن يكون جزءاً أصيلاً من رابطة الواحة سواء هنا في الملتقى أو هناك في فرع الرابطة فهو من الكرام الذين يستحقون أن نتمسك بهم ونحرص عليهم ولا نريد لسوء الفهم وقصور التقدير أن يكون سبباً للعتب والحزن. لا أحزن الله لك قلباً أخي الكريم.

أما أنا فلا أحسبني إلا أكتفي بما قدمت من توضيح ولا أحسبني أعود لحوار معك فيما يخصني من نقد وذلك بعد أن اتضح لي ما كنت شعرته منذ قرأت رأيك من توجهك الأدبي ، وهو أمر لا يوافقنا ولكننا نحتفظ بكل حق لك في اعتباره ، ونحترم رأيك مهما خالف.


لك الود والتقدير
وفقك الله.