رَقَّ الحَدِيثُ عَنِ الأَحْبَابِ فَارْتَقِ لِـي
وَاقْطفْ زُهُورَ مَعَانِي الوُّدِّ وَانْتَقِ لِـي
مطلع في غاية الدلالِ والرِّقة خصوصًا في التصريع وجناسه بل في السكتة الخفيفة بعد حذف حرف اللعلة من فعلي الأمر المعتلين ( ارتقِ , انتقِ ) ثمَّ لي , إنَّه إيقاع شبيهٌ بوقع قطرة ندى على ورقة شجرة .
إنَّ رقَّة الحديث تحمل صاحبه إلى السحاب خصوصًا الحديث عمن يحبُّ ويا لها من نشوة تستدعي أن يرتقي الكلام ( الشعر ) إليه , وإذا كانت الزهور والباقات منها وسائل حسية للتعبير عن مشاعر الحبِّ فلا أجمل من أن يكون التعبير بحدِّ ذاته مشاعرَ من زهور المعاني العاطفية .
لا زِلْتُ أَنْهلُ مِنْ فَحْـوَى مَشَاعِـرِهِ
مَا يَمْلأُ النَّفْسَ مِنْ حِسٍّ بَدِيـعِ حُلِـي
حس بديع حلي .. عادةً ما يستخدم المعبرُ المحسوساتِ للتعبير عن المجردات وإن كان الشاعرُ قد مُلِئَ حسُّه رقة ورهافة من قبل مشاعر من يحبُّ وهي مجردة فالطبيعة بما فيها من بداعة كفيلة بأن تحمل هذه المعاني إلى المتلقي من خلال حواسه المعروفة البصر والسمع والشم واللملس واللذوق , ولننظر إلى دقة الشاعر في استخدام الحسِّ الذي يجمع به وسائل مختلفة في المتلقي وهي الحواس الآنفة الذكر .
يَا نَوْرَسَ الشَّوقِ حَلِّقْ حَيثُمَا انْتَقَلُـوا
وَطُفْ عَلَى شُرْفَةِ الوجْـدَانِ وَامْتَثِـلِ
وَطِرْ بِرُوحِي إِلَى تِلْكَ الدِّيَـارِ غَـدًا
فَفِي رُبَاهَا تَرَكْتُ القَلْـبَ لَـمْ يَـزَلِ
تجسيد الشوق نورسًا وهو طير معروف بالترحال الطويل شي جميل معهود ولكن الأجمل هو تحليقه حيثما انتقلوا لا حيث ديارهم لأنَّ الشوق لهم وهم متنقلون كبشر مما يدل على تعلق الشاعر بهم , ثم طف على شرفة الوجدان وامتثل ويا لعجيب هذه الصورة في كون للوجدان شرفة مما يؤكد أنَّ الشاعر متعلق بهم ووجدانهم الذي يريد أن يوصل شوقه إليهم من خلال شرفته وفي هذا دلالة على الترابط القوي بين الشاعر وأحبابه الذي يقَّن الشاعرَ من سكناهم الوجدان فَأخذ يرسل شوقه نورسًا يطوف حولهم ثمَّ يمتثل لهم ,ولننظر إلى البيت الذي يليه حيث المفارقة بين الحالتين فالأولى تبليغ الشوق إليهم حيث ينتقلون وفي الثانية حمل الروح إلى ديارهم لكون قلبه هناك فلماذا لم يكن معهم !؟ أترك الإجابة للمتلقي ليستمتع باستنتاجه .
وَلا تَزَالُ عُيُـونُ البَيـنِ شَاخِصَـةً
تَهْمِي بِدَمْـعٍ مَـعِ التَّسْلِيـمِ مُتَّصِـلِ
البيت يجلي بداعته بنفسه وأخشى أن يكدره تحليلي .
الحبيب أبا حسام نقضي بالقراءاتِ لقصائدك الرائعة أوقاتٍ ماتعة فكيف يقضيها من يبحر فوق عبابه ويغوص في أعماقها .. سأعود من حين إلى آخر .
لك المحبة والتقدير