مهداة للأخ الحبيب والشاعر الأريب محمد ذيب سليمان ردا على قصيدته "بعض الحجارة" التي أكرمني بها سابقا.
سِيَّانِ مَا تَنْهَبُ الدُّنْيَا وَمَا تَهَبُ
كِلاهُمَا مِنْ مَعِينِ الضِّدِّ يَنْقَلِبُ
هَذَا بِبَعْضِ كَفَافِ العَيشِ مُغْتَبِطٌ
وَذَاكَ يَرْفُلُ فٍي النُّعْمَى وَيَنْتَحِبُ
فِيمَ التَّعَلُّل بِالأَسْبَابِ فِي أُمَمٍ
تَعَاقَرُوا الرَّيْبَ فِي الأَلْبَابِ وَاضْطَرَبُوا
وَمَا يُفِيدُ حَكِيمٌ قَالَ مَوْعِظَةً
فِي تُرَّهَاتِ زَمَانٍ كُلُّهُ عَجَبُ
لا النَّاسُ فِيهِ فُلُولَ العَدْلِ رَاعِيَةً
وَلا القِيَاسُ ضُرُوعَ العَقْلِ يَحْتَلِبُ
وَلِلحَيَاةِ مَقَالِيدٌ مَتَى انْتُهِكَتْ
وَلَّتْ عُهُودُ الهُدَى وَاشْتَدَّتِ الرِيَبُ
وَالمَرْءُ يَغْرسُ مَا يَخْتَارُ مِنْ قَدَرٍ
فَيَرْفَعُ الرَّأْسَ حِينَ الحَصْدِ أَوْ يَئِبُ
يَا صَاحِبَ الطَلْعَةِ الغَرَّاءَ تَغْرِفُ مِنْ
عِطْرِ الخُزَامَى الذِي فِي الرُّوحِ يَنْسَكِبُ
يَا شَاعِرًا أَسْرَجَ الإِحْسَاسَ فَانْتَظَمَتْ
قَوَافِلُ الحَمْدِ تُهْدِي بَعْضَ مَا يَجِبُ
لَكَمْ نَثَرْتَ سَجَايَا حِكْمَةٍ شَهِدَتْ
بِأَنَّهَا لِلنَّدَى وَالبِرِّ تَنْتَسِبُ
وَكَمْ صَبَبْتَ حُرُوفَ النُّورِ فِي قُلَلِ
بِهَا تَجَلَّتْ مَعَانٍ وَانْجَلَتْ حُجُبُ
مِنْ أَينَ أَجْمَعُ إِكْلِيلَ المُنَى نَسَقًا
وَأَنْتَ فِي الدَّهْرِ إِكْلِيلٌ لِمَنْ حَسُبُوا
وَمَا أَقُولُ وَقَدْ أَخْجَلْتَ نَحْلَ فَمِي
فَلَيسَ ثَمَّةَ إِلا الصَّمْتُ وَالصَّخَبُ
فَخُذْ مِنَ النَّدِّ مَا يَصْفُو بِهِ كَدَرٌ
وَخُذْ مِنَ الوُدِّ مَا يَنْأَى وَيَقْتَرِبُ
وَدَعْ سَفَاهَةَ أَغْرَارٍ بُلِيتُ بِهِمْ
فَإِنَّهُمْ مِنْ سَرَابِ المَينِ قَدْ شَرِبُوا
ظَنُّوا التَّطَاوُلَ مَنْجَاةً وَلاحَ لَهُمْ
فِي قَبْوِ سَهْوِي الذِي خَالُوهُ يُحْتَطَبُ
مَا انْفَكَّ يَسْعَى بِوَادِي البَهْتِ غَيْظُهُمُ
كَأَنَّمَا الغَدْرُ أُمٌّ وَالخِدَاعُ أَبُ
إِنِّي أَنَا النَّجْمُ مَا كَادَوا وَمَا مَكَرُوا
أَسْمُو إِلَى الفَضْلِ حَتَّى كِدْتُ أَحْتَجِبُ
لَولا بَقِيَّةُ أَخْلاقٍ أَلُوذُ بِهَا
لقُمْتُ أَكْشِفُ بِالحَقِّ الذِي ارْتَكَبُوا
مَهْ يِا لِسَانُ وَجُدْ بِالعَفْوِ وَادْعُ لَهُمْ
وَدُمْ كَمَا أَنْتَ لا يُسْرِفْ بِكَ الغَضَبُ
هَلْ تُقْلَعُ العَيْنُ إِنْ شَابَ الجُفُوْنَ قَذَى
أَو يُقْطَعُ الرَّأْسُ إِنْ مَا عَقَّهُ الذَّنَبُ
هَيَ النُّفُوسُ فَمِنْهَا النَّحْلُ عَامِلَةً
مِنْهَا الذُّبَابُ وَمِنْهَا التِّبْرُ وَالتُرَبُ
وَهْيَ الرُّؤُوسُ فَمِنْهَا فَارِغٌ صَلِفٌ
بِلا حَيَاءٍ وَمِنْهَا العِلْمُ وَالأَدَبُ
وَلَيسَ لِلمَرءِ إِلا الحلْمُ نَهْجَ تُقَى
وَفُسْحَةٌ مِنْ نَقَاءٍ فِيهِ يَغْتَرِبُ