أذكر أنني وعدت أحد شعراء أو إحدى شاعرات الواحة بنشر هذه القصيدة القديمة وهي من أوائل ما كتبت وكنت في السادسة عشرة ذلك أن قصيدته أو قصيدتها كانت على ذات البحر والروي فذكرتني بها. أعتذر عن عدم تمكني من تذكر من وعدت وأرجو أن تحتملوا مراهقة حرفي.
غَنَّى الرَّبِيعُ فَكَانَ مِنْ نَجْوَاكِ
فَتَنَ الوُجُودَ بِسِحْرِكِ الفَتَّـاكِ
النَحْـلُ يَعْمَلُ وَالفَرَاشُ مُدَاعِبٌ
يُسْقَى الرَّحِيْقَ الحُلْوَ مِنْ رَيَّاكِ
وَالطَّيْرُ صَادِحَةٌ عَلَى أَفْنَانِهَـا
غنَّتْ لَنَا مِنْ مُسْـتَهَلِّ غِنَـاكِ
وَحَدَائِقُ الزَّهْرِ المُكَلَّلِ بِالنَّدى
عَبَقَتْ بِهَمْسِكِ وَانْتَشَتْ بِشَذَاكِ
وَجَدَاوِلُ الإِحْسَاسِ تَسْعَى بَينَهَا
بِالشَّوْقِ تَحْمِلُ شَوْقَهَا لِرُبَاكِ
قَدْ بُشَّ وَجْهُ الأرْضِ بَعْدَ عُبُوسِهِ
فَكَسَى الحَيَاةَ بِسُـندُسٍ مَرْعَاكِ
ثَمِلَ الوُجُودُ سَعَادَةً بِرَبِيعِهِ
وَأَنَا انْتَبَهْتُ سَعَادَةً بِهَوَاكِ
إِنَّ الرَّبِيعَ إِذَا تَنَفَّسَ عِطْرَهُ
وَاخْتَالَ بِالزَّهْرِ الذِي حَاكَاكِ
أَوْ غَرَّدَتْ شَـفَتَاهُ شَدْوًا هَامِسًا
بِلِسَانِ طَيرٍ ضَـاحِكٍ مُتَبَـاكِ
خَلَبَ العُقُولَ بِعَينِ مُلْهِمَةِ الرُّؤَى
ثُمَّ انْثَنَى يَخْتَالُ فِي الأفْلاكِ
ذَاكَ الرَّبِيعُ وَقَدْ تَمَلَّكَ بِالوَرَى
فَمَنْ الذِي لا يُسْتَبَى بِسَنَاكِ
أَنْتِ التِي عَبِقَ الرَّبِيعُ بِعِطْرِهَا
لَولاكِ لَمْ يَعْبَقْ بِهِ لَوْلاكِ
بِجَمَالِكِ الوَضَّاءِ قَدْ أَلْهَمْتِهِ
مَعْنَى الجَمَالِ وَرَوْعَةَ الإِدْرَاكِ
وَزَجَرْتِ خَائِنَةَ العُيُونِ فَأَقْبَلَتْ
تُزْجِي الغَرَامَ بِعِفَّةِ النُّسَّاكِ
عَيْنَاكِ أَبْهَى مَا رَأَيْتُ مِنَ السَّنَا
فَكَأَنَّ آفَاقَ المَدَى عَيْنَاكِ
عَيْنَاكِ! آهٍ مِنْكِ يَا لُغَةَ الهَوَى
مَاذَا يَقُوْلُ الشِعْرُ فِي مَعْنَاكِ
مَا عَادَ يَنْطِقُ بِالبَيَانِ مُعَبِّرًا
ذَهِلَ البَيَانُ وَتَاهَ فِي نَجْوَاكِ
سُبْحَان مَنْ فَطَرَ الوُجُودَ بِرَوْعَةٍ
وَأَحَاطَ فِيْهِ الوَرْدَ بِالأَشْوَاكِ
نَطَقَتْ بِهِ فِي كُلِّ حُسْنٍ آيَةٌ
وَرَأَيْتُ حُسْنَكِ آيَةً وَبَهَاكِ
خَلَقَ الأنَامَ الطِّيْنَ فِي أَجْسَادِهِمْ
هَلْ مِنْ عَبِيْرِ المِسْكِ قَدْ سَوَّاكِ
أَمْ مِنْ طُيُوفِ النُّورِ صَاغَكِ قُدْرَةً
أَمْ عَنْ لَطِيفِ الفَجْرِ قَدْ جَلَّاكِ
يُسْرَاكِ قَدْ مَلَكَتْ سُلافَ تَوَدُّدٍ
وَمَكَارِمَ الأَخْلاقِ فِي يُمْنَاكِ
أَعْيَتْ فَصَاحَتُكِ المَعَانِيَ كُلَّهَا
حَتَّى لَقَدْ أَعْجَزْتِ بِاسْتِدْرَاكِ
وَأَتَتْ إِلَيْكِ المُكْرَمَاتُ بِنَشْوَةٍ
تَاْبَى عَلَى الحُسْنِ العُلا إِلاكِ
وَمَشَيتُ يَوْمًا فِي الحَدَائِقِ حَالِمًا
فَرِحًا بِطَيْـفٍ مِنْ خَيَالِكِ شَاكِ
الطَّيْرُ يَصْدَحُ لِلحَيَاةِ وَلِلهَوَى
وَالزَّهْرُ مُبْتَسِمٌ لقَلْبِي البَاكِي
أَغْمَضْتُ عَيْنِيَ كَي أَرَاكِ وَأَنْتَشِي
طَرِبًا وَأَسْعَدَ لَحْظَةً بِلِقَاكِ
إِذْ قُلْتِ لِي إِنِّي أُحِبُّكَ يَا فَتَى
وَأَوَدُّ صَيْدَ اللَيْثِ فِي أَشْرَاكِي
وَأُحِسُّ مِنْـكَ بِلَوْعَةٍ لَمْ تُخْفِهَا
عَيْنُ الحَيِيِّ وَلا الفُؤَادُ الذَّاكِي
هَلْ يَا صَفِيَّ الرُّوحِ تُقْبِلُ بِالْهَوَى
أَمْ هَلْ تُرَاكَ جَنَحْتَ عَنْ أَفْلاكِي
يَا ظَبْيَةَ الأَحْلامِ يَا حَدَقَ الرُّؤَى
غَلَبَ الغَرَامُ وَقَارَ قَلْبِ فَتَاكِ
لا تَسْأَلِي كَيْفَ البِدَايَةُ أَوْ مَتَى
لا تَسْـأَلِي مَنْ تَاهَ فِي دُنْيَـاكِ
هِيَ خَفْقَةٌ المَلْهُوفِ أَنْهَكَهُ النَّوَى
حَتَّى غَدَوْتُ كَمَا تَرَى عَيْنَاكِ
وَسَهِرْتُ لَيْلِيَ بَيْنِ أَطْيَافِ المُنَى
وَأَسَى النَّوَى وَالشَّوْقِ مَعْ ذِكْرَاكِ
قَدْ كَانَ يَبْدُو المُسْتَحِيلُ فَأَنْطَوِي
وَأَنَا أَرَى بُعْدَ السَّمَاءِ عُلاكِ
وَخَشِيْتُ مِنْ أَلَمِ الصُدُوْدِ وَجَرْحِهِ
إِنْ قُلْتِ لا فَأَكُونُ فِي قَتْلاكِ
فَقَنِعْتُ أَنْ أَهْوَاكِ فِي صَمْتٍ ولَمْ
يَعْلَمْ بِحُبِّي غَـيْرُ دَمْعِ نَواكِ
وَطَوَيْتُ دُونَ القَلْبِ نَزْفَ مَشَاعِرِي
وَجَعَلْتُ بَيْنَ جَوَانِحِي مَثْوَاكِ
إِنْ كَانَ مَا شِئْتِ الهَوَى فَلْتَعْلَمِي
أَنِّي أَكَادُ أُجَنُّ فِي دُنْيَاكِ
مَا أَبْهَجَ الدُّنْيَا لَدِيْكِ وَقَدْ صَفَتْ
وَأَلَذَّ مَا فِيهَا مَتَى أَرْضَاكِ
يَا ظَبْيَتِي أَنْتِ الرَّبِيعُ لِمُهْجَتِي
بَكَتِ الزُّهُورُ فَمَا الذِي أَبْكَاكِ
اللَيْثُ جَاءَكِ وَالغَرَامُ قُيُودُهُ
مَا فَازَ ظَبْيٌ بِاللُّيُوثِ سِـوَاكِ