أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: "رحلة مضيئة في ليلة مظلمة" :رواية اللامنطق وكلّ لاءات العالم

  1. #1
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Sep 2011
    المشاركات : 4
    المواضيع : 4
    الردود : 4
    المعدل اليومي : 0.00

    افتراضي "رحلة مضيئة في ليلة مظلمة" :رواية اللامنطق وكلّ لاءات العالم

    "رحلة مضيئة في ليلة مظلمة" :رواية اللامنطق وكلّ لاءات العالم

    شــادي زريــبي- "أنا وبعديَ الطوفان"...فلتنفجر الكواكب ويُزَل بريق الشمس... فلتخسف الأرض وتفض البحار..فليبعث الكون من جديد...هكذا تشعر وأنت ترحل مع حامد الزبيدي بين صفحات روايته المثيرة والغريبة.

    رواية تجعلك تتّحد بالمجهول وتُصادق الظلام الدامس وتستأنس بالوحشة المرعبة وتحتمي بالأشباح وتتسلح بالأوهام...إنه عشق التناقض وحب التفرّد والتحدّي لواقع ممزوج بالفناء يحمل لواء الموت في كل خطوة..إنها "رحلة مضيئة في ليلة مظلمة".

    يبدأ الزبيدي بإقرار- يؤكد فيه على - أن هذه الرواية تحمل في طيّاتها صورة جديدة من تضمين للقرآن الذي حاول أن يُعيد قراءته من زوايا أخرى خدمة للأحداث لكنها تصبّ في خــانة النصح.

    ولعلّ تبليغ المقــاصد والمعاني لاستخلاص العبر يمرّ حتما من خلال الإرشاد والتوجيه إلى المسالك القويمة ،ولكن أغلب الناس لا يعلمون ،حتى وإن علموا فهم عن ذلك صادّون ومنقلبون ورافضون كبرا وعنادا وأحيانا تسلطا وقوّة وعماء للبصيرة.

    رحلة الإنسان لن تكون دائما مضيئة كنجوم الليل ونور القمر، فالعتمة "غول" يقضّ مضاجع الإنسان فتتبدّل وتتغيّر حياته إلى بركة ماء راكدة بالوحل والطين والأوساخ.

    إذن هل ألتحف برداء السواد حتى أتحوّل إلى شيطان لعين أجوب المكان فأحيله إلى فساد ونقمة وخراب أم أنتظر الملاك الأبيض كي يعيرني رداءه فأكون رحمة وأملا وصفاء وسندا وعونا لرجل ملّ الحصار والصراخ من شدّة الألم؟..

    داهمتني كل هذه التخمينات والخواطر والأفكار وأنا أتجوّل في ثنايا "رحلة مضيئة في ليلة مظلمة" للكاتب حامد الزبيدي واعترتني الهواجس في جوّ من الخروج عن المألوف والسائد.

    تجربة جديدة خطّها الزبيدي في هذه الرواية...حقيقة لن تخرج بسلام وأنت عاقد العزم على إنهاء هذا العمل الذي تحتار في تصنيفه، فهو جنس قد يكون مبتكرا لما فيه من تداخل بين السرد والتضمين واختلال التسلسل والتوازن، فتشعر حتما برعشة تسري في بدنك وكأن الأرض تتحرّك من تحتك.

    لن تنام، وإن حاولت ذلك، ولن تنعم بالراحة مادمت تقارع الأسطر وتقلب الصفحة تلو الأخرى وأنت تطالع رواية الزبيدي...إنها كالزئبق كلما أمسكته بين أصابعك انفلت منك وضاع. رواية صعبة التحديد إذ لا خطوط لها ولا تخطيط...

    فقط هو الزمن حين يتوقف بك عند كل نقطة منها..هو اللاتوقع واللامعقول واللامنطقي وكل اللاءات الممكنة في هذا العالم.

    "أبنام"..طريد القذارة

    "أبنام"...بطل الرواية المتنقل في الزمان والمكان بلا ملامح أو تفاصيل..حياته أشبه بالسابح في الفضاء أو كالباحث عن المفقود من كيانه ووجوده.

    هي رواية الرحيل الكبير والعزيمة الفائرة.يقول الزبيدي:" ...وعزم أن يواجه مصيره في واقع مرير".

    رجل متحرّك في دوامة العبث واللانهاية،ملّ من الحياة التي تتراءى كالكوابيس المقلقة بل المرعبة على شاكلة أشباح تحتلّ عقله دون أن يبدي مقاومة فعلية قد تخرجه من سيطرة "المرافقين" الثلاثة الذين طوّقوه كحبل ملفوف حول عنقه وكبّلوه حتى صار أسيرا لايجد للتملّص أو الهرب ملاذا.

    لازموه وحاربوه وعارضوه ودفعوه إلى هوّة سحيقة لا يعلم كيف تشكّلت أو كيف فُتحت أبوابها كي تسوقه إلى الدمار والموت، عرّوه وجرّدوه فكشفوا عورته فوقف "أبنام" أمام حقيقته العارية يتعرّق خجلا.

    إنهم أشبه بالضمير الذي يداهمه صوته دون استئذان فيحوّل الوجود إلى عدم والحركة إلى شلل وسكون والفرح إلى حزن وبكاء في جوّ من القذارة والروائح "النتنة" داخل دائرة الأشلاء المقطّعة والجثث الهامدة.

    العيون تتفحّص البطل الطريد والمنشغل بقيود المصير والمحاول الانفلات من الأغلال التي كبّلت يديه فجعلته يصارع ويصارع حتى تعب فصار كــ"سيزيف" وصخرته التي لاتلين.

    وقد يتحوّل عندئذ المصير إلى مصائر تشتت كيان "أبنام" وتتفوّق على إرادته الفولاذية فتحطّم عزائمه وتعيده إلى البداية التي طالما حاول التنصل منها لأنها أحالت لياليه إلى صور من الموت في مختلف أشكاله ومظاهره.

    إنه الموت الذي لا مناص منه، إنه البعث والحساب والعقاب، إنه الصراع الأزلي بين الاختيار والتسيير...أين يمضي"أبنام" وهو المحاصر والمطارد من قبل أشكال تتحرك بلا وجوه أوأبعاد محدّدة...فقط الفراغ وكثير من الأصوات والصرخات التي هدّت حياته؟.

    الزمان والمكان

    في حيرة من أمره يتحرّك البطل في مكان لا يسميه الكاتب ولكنه مكان لا يحوم حوله سوى العدم والفناء...طريق طويل في مسالك مجهولة وشوارع احتلها شبح الموت شاهرا سيفه الدامي الغائر في قلوب الجميع.

    غابات ممتدة وشوارع تحاكي لوحة جهنم أو السعير الملتهب...هو الهروب الكبير من علائق الماضي القريب ومن روائح الـ"قمامة" والذباب الأزرق والمسوخ...لاتشعر أنك تتحرك داخل شيء مادي، فقط هو التيه الذي يلفك دون أن تدرك للأبعاد معنى أو تلمس الجماد.

    تترك كل شيء وراءك لتنطلق مع "أبنام" لتسابق الزمن ولعلّك تمتطي صهوة الخيال المجنّح بفضل قدرة الكاتب على استحضار المجرد والصور التي تتمثل لك دون أن تعي لها وجودا أو مكانا أو استقلالية، فتركض مع الراكضين وتصارع مع المصارعين.

    إنها رواية "الظل" الذي يتبعك أينما حللت ومتى أردت التوقف لاسترداد الأنفاس فإن ذلك لن يكون ولن ترتاح إلا بعد أن تسلب منك الذات وتتفجر شرايينك بالدماء المسكوبة على قارعة الطريق.

    الواقع والممكن

    ثنائيات عدّة انبنت عليها هذه الرواية، أحداثها انحنت لك خيوطها لتعيد رفعك من جديد بوسائل ممكنة وغير ممكنة في كثير من الأحيان.

    إنه التداخل العجيب بين الإحساس بالأمان الحذر والوقتي وبين الشعور بالرغبة في التقيّؤ والغثيان.

    تشابكت الأحداث حتى ضاع التسلسل فزال التوقع وانتفت الحقائق..إنك تتنقل داخل دائرة كبيرة قد تضيق عليك في أية لحظة فتهرب من الواقع لتسكن داخل غابات العدم علّك تتنفس هواء أنظف من هواء مدينة الضياع...حرّاس الليل والنهار يتجنّدون لمغازلة الأطياف ومزيد إحراق المكان وإحداث الضجيج الذي لا يطاق.

    لاشيء سوى الخراب والدمار.يقول الكاتب:" تبصر في هياكل المدينة التي تحولت إلى أشباح تطوف فيها الخنازير والمسوخ، و إلى تلك الحرائق و برك الدماء ، غض طرفه عنها، و التفت إلى جهة أخرى، ثم أنطلق إليها، عله يجد اللذة المنشودة فيها وعلى الرغم من قراره أو القوى الخفية التي دفعته إليها، إلا إنه لا زال يعوم في مستنقع الأوهام ،التي تغوص به إلى أعماق مجهولة.

    و لكن كان ذا عزيمة وإصرار و تصميم عال، إذ كان يدرك إن الحياة لا معنى لها ، إن لم يغير طريقه يبدأ من جديد من بعد فشله، و كان يعاني من أنه استسلم للموت في لحظة عصيبة، قد تحرر من كل شيء بعد تجربته المحبطة، و تزود منها بزاد التفاؤل."

    رؤية مغايرة في عالم الفوضى

    تتعدّد الرؤى في هذا العالم، وتتشكل وفق أهواء ونوازع داخلية تترجم بواطن الإنسان واتجاهاته نحو الآفاق الرحبة والمتسعة، يقوده في ذلك العقل وإعمال الخاطر والتفكير،

    ولعل انتباه الزبيدي إلى هذه الأمور ويقينه بالمتغيّرات الحتمية جعلاه يحاول إيجاد تفسير آخر لمنطق الأشياء دون أن يعيد الذاكرة إلى الخلف أو يتعسف على عقله الذي امتثل لبعض المسلمات.

    هي محاولة لإخراج الروح من عالم الفوضى والسموّ بها إلى العالم المنشود أي إلى عالم النقاء بعيدا عن الشوائب والأددران حتى وإن بدت العملية أشبه بالتعسف على النفس ومكابدة الأتعاب...بكر هي الرؤية دون ثوابت واضحة أو يقين بالموجود وإيمان وتسليم بالقدر المسطر.

    يقول حامد الزبيدي:" بعد الاتكال علِى الإله المعبود، و تفويض الأمر إليه، و ُحسن القصد، الذي لا يعلمه إلا هو، عزمت بتصميم واع على تفسير القرآن تفسيرا ً تليق به كل الأزمنة من يوم نزول دلالاته للأرض حتى يوم انقلاب كون الاختبار، إذ اعتمدت في تفسيره بما جاء به من دلالات واضحات واجتهادي ، شرعت به و كأني لم أطلع على أي شيء سابق في الفقه،
    وامتثلت أمام صوره، وبسطت ما أحمل من رغبة صادقة، وما قرأت في حقبة الأربعين سنة الماضية في الفلسفة والأدب."

    غفران الخطايا والذنوب

    انغمس"أبنام" في بحر من الملذات ومارس الخطيئة التي ولدت لديه شعورا بالذنب بعد أن أباح لنفسه السعي وراء الرذيلة التي نهى عنها الدين ونبّه الغافلين بقسوة العقاب...الرحلة كانت بين مدّ وجزر وحملت توقيع القدر وكذلك الصراع بين الرغبة والقمع وبين الاستسلام والمقاومة.


    "تلك هي مشيئة الرب وأنا استحق ذلك، الديان يريد دينه الحمد لله عما أصابني ، عسى أن يغفر لي الخطايا والذنوب"

    تنغلق الرواية على مشهد في ظاهره مفجع ولكنه يحمل بين طيّاته التحذير والترهيب من خاتمة الإنسان الباحث عن مستنقعات الحياة.

    إنه الانفجار الذي دوّى داخل الماخور بواسطة حزام ناسف كان يرتديه صديق "أبنام" "صاحب السراج". النهاية المأساوية لوكر الفساد والمجون ودون تمييزتحوّل المكان إلى موت مرعب في لحظات حمل معه الأجساد البائسة والممرغة في الفساد.

    يقول الزبيدي:" ثم ضغط على زر الحزام المقدس ،فاشتعلت النيران في الصالة وتحول الماخور إلى كومة ركام إذ اختلطت تحته الدماء الفاسدة بالدماء الطاهرة ،صعد دخان أسود فيه نقاط مضيئة إلى السماء

  2. #2
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2012
    المشاركات : 4,790
    المواضيع : 82
    الردود : 4790
    المعدل اليومي : 1.10

    افتراضي

    بعد هذه القراءة التشويقية قررتُ أن اقرأ في اقرب وقت رواية الظل فهذا نمطي الذي أفضل , وسأحكم عند قراءتها فقد تكون لنا نظرة غير نظرتكم
    تقديري

المواضيع المتشابهه

  1. ليلة من ألف ليلة و ليلة
    بواسطة المختار محمد الدرعي في المنتدى الأَدَبُ السَّاخِرُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 05-09-2015, 08:46 PM
  2. "مخلوع في زمن الحب" .. نقطة مضيئة في صرح شعر العامية المصرية / محمد الشحات محمد
    بواسطة محمد الشحات محمد في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 22-11-2010, 07:17 PM
  3. لاءات أولمرت الثلاث
    بواسطة ابراهيم عبد المعطى في المنتدى نُصْرَةُ فِلِسْطِين وَالقُدْسِ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 10-12-2007, 10:24 PM
  4. لاءات الحياة الزوجية
    بواسطة منى محمود حسان في المنتدى النَادِى التَّرْبَوِي الاجْتِمَاعِي
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 03-03-2007, 10:20 AM
  5. ليلة مظلمة
    بواسطة علي حسين الموصلي في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 09-03-2005, 08:12 AM