الامير الدكتور سمير العمري
قصيدة رائعة بديعة .
العنوان كان رائعاً "غصون الحنين" فزاد من قوة الحنين عندما شبهها بالشجرة المُتجذرة القوية ذات الاغصان المُتفرعة المُمتدة , تصوير العلاقة بين المُشتاق والشجرة كان بديعاً خاصةً عندما شبه شوقه بالطيور المُغردة على اغصان ذلك الحنين فكانت علاقة أُلفة ومحبة و احتواء.
"وَمَالَتْ غُصُونُ الحَنِينِ عَلَيَّا
وَكُنتُ اتَّخَذْتُ مِنَ الذِّكْرَيَاتِ وَمِنْهَا وَمِنِّي
مَكَانًا قَصِيَّا
أُقَلِّبُ طَرْفَ المَشَاعِرِ نَجْوَى إِذَا مَا خَلَوتُ" فهي علاقة احتواءٍ و حمايةٍ و احاطةٍ فالأغصان اقبلت عليه مواسيةً تستمعُ لشكواه.
"وَقَالَتْ غُصُونُ الحَنِينِ:
سَمِعْتُ بَلابِلَ شَوقِكَ غَنَّتْ
فَهَيَّا إِلَيَّا" ما أرق ذلك النداء وما أجمله فما أحوج المُشتاق الى الاحتواء .

"أَمَا زِلْتَ ذَاكَ المُكَابِر حُزْنًا؟
تَعَالَ إِلَيَّا
أَمَا زِلْتَ تَلْبِسُ تَاجَ الوَقَارِ وَتَنْجُو حَيِيَّا؟
تَعَالَ إِلَيَّا
وَكُفَّ عَنِ المَوتِ حَيَّا" تصويرٌ لقوة ذلك المُشتاق و أنفته و هو ما يوضح انه انسانٌ استثنائيٌ وهو أمرٌ يتم تأكيده لاحقاً في القصيدة
"لَكِنْ نَسِيتِ الفَتَى الأَلْمَعِيَّا
أَنَا شَاعِرُ القُدْسِ
شَاعِرُ قَومٍ يَظَلُّ المُعَنَّى"
وايضاً في قولك
"أُلَمْلِمُ مَا قَدْ تَبَقَّى وَأَمْضِي
وَأَنفُخُ فِيهَا مِنَ الحِلْمِ نَبْضِي
وَأُغْضِي
وَألقَى العَوَارِضَ طَلْقَ المُحَيَّا"

"أنَا يَا غُصُونُ المُضَمَّخُ شَوقًا
أَنَا المُتَجَذِّرُ فِي الأَرْضِ عِرْقًا" توضيحٌ لعمق ارتباطه بأرضه.

"سَيَكفِي المَشُوقَ شِرَاعُ الأَمَانِي
وَبَعْضُ فُتَاتٍ مِنَ العُمْرِ يَبقَى
وَيَطوِي جَنَاحَ المَسَافَةِ طَيَّا" همةُ المُشتاق و عزمه و إرادته التي تُلين الصعاب القادرة على طي المسافة والتحليق لكي يصل الى ذلك الوطن .
وصف المُشتاق نفسه بألفاظٍ توضح صلابته و قوته التي يراها من حوله فاستخدم لذلك ألفاظاً غايةً في القوة مثل " صخر ,جبل " ثم غاص عميقاً ليوضح رقة باطنه فوصفه بألفاظٍ رقيقة " الازهار والطيور" وهي من اهم المفردات المستخدمة لبيان الوجد والشوق فالأزهار أجمل هدايا المُحبين و الطيور رسولهم الذي يحمل الشوق على اجنحته.
"وَلا يُدْرِكُونَ بِأَنِّي كَكُلِّ الزُّهُورِ
وَكُلِّ الطُّيُورِ
أَمُوتُ وَأَحْيَا
وَأَضْعفُ حِينًا وَأَنْزفُ حِينًا
وَلَكِنَّ عَزْمِي يُحَلِّقُ فِيَّا
لِذَا سَأَكُونُ بِرَغْمِ الخُطُوبِ سَوِيًّا قَوِيَّا" رقتهُ تلك لا تظهر للعيان وهو ما يُكسبه قوةً اضافية ويجعله شخصاً استثنائياً .
"وَمَا أَمْطَرَتْ مُنْذُ كُنْتُ صَبِيَّا" اللقاء هو ذلك المطر الذي سيروي عطشه ويُحيي ياسمينة صبره و يبعث الحياة فيها من جديد .
"وَهَلْ مِنْ سَبِيلٍ لِنِسيَانِ أَرْضٍ
سَكَنْتُ سِوَاهَا وَتَسْكُنُ فِيَّا؟" رائعة تلك الكلمات فكيف الهروب من وطنٍ لا يُبارح حنايا القلب!!

ثم نرى المُقارنة بين وطنه و غربته
"هُنَا العَيشُ رَغْدُ
كَذَلِكَ لِلعَقْلِ يَبْدُو
فِرَاشٌ وَثِيرٌ
وَمَالٌ وَفِيرُ
وَبَيتٌ جَمِيلٌ
وَظِلٌّ ظَلِيلُ
وَمَاءٌ زُلالٌ" في الغربة تتوفر له كل سبل الحياة الكريمة و النعيم لكن كل ذلك لا يُغنيه عن وطنه كل ذلك النعيم يُمثل لديه صقيعاً يزيد من تعبه
"وَلَكِنَّ ذَلِكَ فِي القَلْبِ بَرْدُ
صَقِيعٌ يُجَمِّدُ مَا كَانَ مِنْهَا لَدَيَّا" فهو لا ينتمي الى تلك الارض
"فَلا الأَرْضُ أَرْضِي لأَنْبُتَ فِيهَا
وَلا الفَصْلُ فَصْلِي لِيُزْهِرَ فَرْعِي
وَيَنْضجَ عُنْقُودُ كَرْمِي جَنِيَّا
فَجَذْرِي تَأَصَّلَ نَخْلا هُنَاكْ
وَزَيتُونَةً لا تَضِنُّ بِزَيتٍ
لِتُسْرِجَ قِنْدِيلَ حُبٍّ وَصَبْرٍ
وَلَمْ تَخْشَ يَومًا مُجُونَ الهَلاكْ
تَرَى أَصْلَهَا فِي الثَّرَى
لَكِنِ الفَرْع فَوقَ الثُّرَيَّا " في الوطن نمت جذوره فكانت زيتونةً مباركة .
يصف الوطن بأرق المعاني واجملها
"هُنَالِكَ حَيثُ المَشَاعِر دِفْءٌ
وَحَيثُ الحَصِير يَصِيرُ حَرِيرًا
مَتَى نِمْتُ بَينَ عِيَالِي رَضِيَّا
وَحَيثُ أَبِي فِي المَسَاءِ يُرَدِّدُ صَوتَ الأَذَانِ
وَنَأْكُلُ مِنْ خُبزِ أُمِّي طَعَامًا شَهِيَّا
وَلَهْفَةُ جَارِي إِذَا غِبْتُ عَنْهُ
وَهَمُّ أَخِي إِذْ أُفَكِّرُ فِيهِ مَلِيَّا" رغم الفقر و المُعاناة الا ان كل شئٍ في الوطن أجمل "الحَصِير يَصِيرُ حَرِيرًا"

يتحدثُ بلسان الواثق القوي فهو متأكدٌ تماماً بأنه سيعود و يوضح ثمن العودة الذي لا يُدفع الا بتقديم الارواح و يجتمع الناس تحت لواء الحق و محرابه
"أَقُولُ
لِمَنْ ظَنَّ أَنَّ الرُّجُوعَ مُحَالُ
سَنَرْجعُ حَتْمًا
وَيَهْدَأَ بَالُ
نَعُودُ كَمَا عَادَ مُوسَى
سَنَرجِعُ حِينَ نَهُزُّ إِلَينَا بِجِذْعِ الشَّهَادَةِ
حِينَ مَخَاضِ
تُسَاقِطْ عَلَينَا السُّرُورَ جَنِيَّا
وَيَنْزِلُ عِيسَى
سَنَرجِعُ حِينَ نَلُوذُ بِمِحْرَابِ حَقٍّ
وَرَايَةِ سَبْقٍ
وَدَعْوَةِ صِدْقٍ
وَيَحْيَى سَيُولَدُ يَا زَكَرِيَّا"

يُعاتب الشاعر وطنه عتاباً رقيقاً فهي الحبيبة وهو المُحب
"فَلا تُنْكِرِينِي
أَلَيسَ الحَبِيبَةُ تَسْقِي المُحِبَّ وَلَو بَعْضَ رَشْفِ؟؟"
"وَكَيفَ دَعَوتِ إِلَى مَهْرَجَانِكِ يَا قُدْسُ كُلَّ العَصَافِيرِ
لَكِنْ نَسِيتِ الفَتَى الأَلْمَعِيَّا
أَنَا شَاعِرُ القُدْسِ
شَاعِرُ قَومٍ يَظَلُّ المُعَنَّى
سَقَاكِ قَصَائِدَ مِنْ كُلِّ مَبْنَى وَمَعْنَى
وَعِشْقَكِ غَنَّى
وَمِنْهُ البَيَانُ شَدَا عَبْقَرِيَّا
وَحَدَّثَ عَنْكِ نَوَارِسَ بَحْرٍ
وَحَارِسَ حَقْلٍ
وَجِيلا سَيَمْضِي وَجِيلا سَيَأْتِي
لِسَانًا فَصِيحًا ، دَمًا عَرَبِيَّا
لِمَاذَا جَحَدْتِ حُضُورَكِ فِيَّا؟؟
لِمَاذَا تُصِرُّ العُرُوبَةُ فِيكِ
بِأَنَّ البُّطُوَلَةَ حَقٌّ لِمَيتِ
وَأَنَّ الثَّنَاءَ سِقَاءُ القُبُورِ
حَرَامٌ عَلَى كُلِّ حَيٍّ بِبَيتِ
وَإِنِّي عَلَى الأَرضِ مَا زِلْتُ أَمْشِي
وَإِنْ كَانَ فِي صَدِّ قَلْبِكِ نَعْشِي
فَكَيفَ يَصِيرُ القَرِيبُ قَصِيَّا؟
وَكَيفَ يَصِيرُ الرَّشِيدُ غَوِيَّا؟
وَكَيفَ جَفَوتِ الحَبِيبَ الوَفِيَّا؟
دَعِينِي أَمُوتُ عَلَى رَاحَتَيكِ
يَدِي فِي يَدَيكِ
وَقَلْبِي مِنَ العِشْقِ يَهْوِي إِلَيكِ
وَيَومَ أَمُوتُ سَأُبْعَثُ حَيَّا "عتابٌ رائعٌ رقيق .

كما أن اسلوب التأثر بالآيات القرآنية كان واضحاً في القصيدة "وَيَومَ أَمُوتُ سَأُبْعَثُ حَيَّا" ,"وَيَحْيَى سَيُولَدُ يَا زَكَرِيَّا"
"نَعُودُ كَمَا عَادَ مُوسَى
سَنَرجِعُ حِينَ نَهُزُّ إِلَينَا بِجِذْعِ الشَّهَادَةِ
حِينَ مَخَاضِ
تُسَاقِطْ عَلَينَا السُّرُورَ جَنِيَّا
وَيَنْزِلُ عِيسَى"
"اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيبَا
وَقَدْ وَهَنَ العَظْمُ مِنِّي "

قصيدةٌ رائعة للامير فيها الكثير مما يجب التوقف عنده و دراسته
تحيتي وتقديري