ارتِحَالٌ
ورحلتُ قبلك فانتظرني
واسأل المارّين
هل مرّ أحد من هنا؟
و اسأل الشّيخ في آخر الحيّ
تجبك سنوات عمره السّبعين
أو اسأل إمام مسجدنا
سيجيبك بالسّؤال
ماذا تريد؟..
فتوى؟..
لم نعد نفتي
ألا ترى كلّ المحارم تستباح؟
رُقية؟..
وهل تعويذةٌ منّي تعيدُ ميْتا للحياة؟
أدري أنّ كلامي صعبٌ هضمه
لكنّها حقيقةُ كلّ البشر
أنا و أنت منهم
فهل نغطّي الشّمس بالغربال؟
قُلْ له..
وهل كان عليك يا إمامنا
أن تجيبني بالسّؤال؟
ورحلتُ قبلك فانتظرني
فاسأل المارّين
هل مرّ أحدٌ من هنا؟
ستجيبك تلك العجوز
نعم..
تلك التّي على حدبة ظهرها سرّها
ستقول لك
أي بني..
لقد مرّ
لكنّني لم أنتبه
فالعمرُ مرّ قبلَ صاحبك
و لم أره
لم أنتبه كيف مَرْ؟
هذي الحياة شبْكٌ خطر
فلتنتبه يا بني
ستقول للعجوز شكرا
ثمّ ترحل مثلي
باحثا عن جواب لكلّ أسئلة التوجّه
فأسئلة التوجّس من غدك تخنقك
و لا سبيل إلى الهرب
أين المفر؟
ورحلتُ قبلك فانتظرني
واسأل المارّين
هل مرّ أحد من هنا؟
سيطلب منك رجلٌ في الأربعين
أن تمدّ يد العون له
تساعده في حمله
فيقول لك
ما أثقل الأحمال !
ستصيبك الحمّى
و تعتذر..
ستذكر أنّ حملك أثقلُ
ستفكّر في نفسك
تتقدّم، تتأخّر
ثمّ ترحلُ..
نحو الأفق تمدّ البصر
ورحلتُ قبلك فانتظرني
واسأل المارّين
هل مرّ أحد من هنا؟
ستعجبك ابتسامة الطّفل
ذلك الفتى الصّغير
لا تشح بوجهك عنه
فهو اليتيم الذّي مات عائله
تحلّى بالصّمت و لا تسل
عن أصله أو فصله
و لا تكن أنت بالذّات سائله
ضع قبلة على وجنتيه
وامسح على رأسه
سيبتسم مرّة أخرى
ويخطّ على التراب
رموزا كالطّلاسم
في الزّمن المستتر
يا أخي ..
لا تتعب نفسك
فالجواب ليس بيد اليتيم
و لا عند الإمام و لا العجوز
لا، و لا صاحب الحمل الثقيل
الجواب هو الجواب
هناك..
على مدّ البصر
هناك..
فوق السّحاب
بعد أن يدفنوك
و يسكنوك حفرة مع الحفر
هناك فقط سينتهي الانتظار
و تستريح من وعثاء السّفر
شعر: أحمد بلقمري