الطّباع لا تتغيّر بالصدمات
قد ينطلي على البعض التغيّر والانقلاب في شخصية ما خلال لحظات ، أو يؤمن بأن التغيّر قد يكون جذريا وذلك بسبب صدمة نفسية أو عاطفية ، وقد يفرح بذلك التغيّر الملْفِت للنظر ، ولم يعلم أن مدته قد تصل إلى بضعة أشهر فقط ، وكل ذاك لم يكن إلا من السطحية في التفكير ، وتغليب الرغبة فيما ننشده من الغير ، على العقل المتزن الفاحص الذي يزن الأمور بموازينها : الشرعية كانت أم العرفية أم العلمية .
فحين نرى إنسانا ما يتغيّر في لحظات فلننظر لحالة التغيّر هذه ؛ أكانت ردة فعل للصدمة أم كانت بقناعة ؟
فإن كانت ردة فعل للصدمة ، فستكون ردة فعل سريعة وقد تكون مباشرة أحيانا ، ويكون مسببها الخوف من شيء ما ، وهذا الشيء يختلف من حالة لأخرى ، فمنها ما يكون خوفا من النقص المتوقع والقِلَّة – وهذا عادة في الوظائف والأعمال - ، وقد يكون خوفا من الشريك – وهذا عادة ما يكون مع الزوجات - ، وقد يكون خوفا من الشَّمَاتة – وهذا عام في كل شيء ويدخل ضمنها الفضائح - .
وردة الفعل هذه لن تستمر أبدا ، بل تبقى ظواهرها مدة بقاء أثر الصدمة في نفس المتغيّر ، وتبدأ ظواهر العودة للحال القديم بعد أن يستأمن مما خاف منه سابقا .
أما من كان تغيّره عن قناعة – سواء كان بصدمة أو مراجعة خاصة أو حوار دار وتبيّن فيه خلل ما يقوم به - ؛ فإن تغيّره يمتد مُدَدَاً طويلة حتى يصير من طبعه ، وتجد التحوّل يكون تدريجيا ويتخللها بعض الزلل ، ولكن النفس تعِظُ صاحبها كلما رجعت لحالها السابق ، وتحفِّزها للاستمرار والتقدم نحو ما اقتنع به صاحبها .
لذا حين نريد أن نغيّر أو نتغيّر ؛ فلنسعَ أن يكون التغيّر عن قناعة لا ردة فعل سريعة لصدمة ما وخوفا .
وحين نريد تغيير أنفسنا فلابد من المراجعات الخاصة ، والوقوف على الأخطاء التي يتفق أغلب المجتمع على تخطئتنا عليها ، والاقتناع بخطئها ، ومن ثَمَّ التحرك للتغيير ، والصبر عليه ، وتذكر السوء الذي وصلنا إليه بسبب طبعنا السابق ، وما قد نصل إليه في المستقبل إن استمر الحال على ما هو عليه .
وإن أردنا أن نغيّر غيرنا ، فلنبتعد عن الترهيب قدر المستطاع ، وقد نحتاج إليه أحيانا في بداية الأمر ؛ حينما نبيّن الخطأ الذي يقع فيه من نريد تغييره ، ومدى خطورته عليه ، وبعد ذلك يجب أن نتجه للإقناع ، ونظهر الجوانب الشرعية أو العرفية أو العلمية التي يخالف فيها الطبع ، ونحفزه للتغيير بما ينتظره من خير دنيوي أو أخروي ، ونتابعه بطريقة محبّ يسأل عنه بين الفينة والأخرى ، وعن مدى التحسّن في التغيير ، ولا نجعله تحت مجهرنا نتابعه في كل صغيرة وكبيرة ، ونشعره حينا أننا نتابعه ، ونصرح له أخرى بذلك ، ويجب علينا أن نظهر له مدى فرحنا بهذا التحسن والتقدم .
ومن أهم الأمور التي تعين على التغيّر نحو الأفضل ؛ هو احتساب هذا التغيّر عند الله سبحانه وتعالى ، فـقد قال صلى الله عليه وسلم : ( من ترك شيئا لله ، عوضه الله خيرا منه ) .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
***************
باسم الجرفالي
25 / 10 / 1432هـ