إلى أحمد بن ماجد:
مقدمة صغيرة :
( بعدما تخلى البحارة عن البحر , وأصبح حارسه غياب الأهل , بعدما انتحرت الاسماك شوقا لشبكة الصيد , بعدما استفحلت الاظافر نموا في الحلزونات والقواقع , بعدما تجمدت السفن والمراكب على رمال الشاطئ و بعدما تمزقت الأشرعة وأضحت الأصداء تتاجر بالعبور منها ويوهم النوى بحياكة فراقاتها والشمس تحرق نسيجها , بعدما جمع تراجع البحر عن أخلاقه في رد الأمانات الى اليابسة بمعنى أنه لا يركب الموج جسم ما إلا إذا أقبل من اليابسة , بعدما أصبح غلام السفينة قائد النواخيذ وربانها راكب ترهبه فكرة فرق العملة ما إذا تكفي أجرة الرحلة الى محطة تالية , بعد سمي الفقر والجوع والعوز بشهبندر التجار .
بعد كل هذا وذاك كان لابد من اتخاذي موضعا لي في تاريخ جغرافيا البحر عله يطعمني الصبر على المكاره )
بين صوتك القادم من جبين الخليج العربي والنبرة الهادئة الوادعة المتناهية صداها على شواطئ قلبي زمن يبحر على صهوة الموج القادم من مكمن انبثاق قرص الشمس حالما يلقي الليل بردته على كرسيه الهزاز قبل أن يستعيد أنفاسه.. إيه يا حارس البحار!!...
لم أسرّ إليك يوما بأسراب العصافير التي تحلق في سماء سؤالي لكي أتمكن ولو بلوثة جنون اللحظة التي تقترح أن تكون بين هاتين اليدين خريطة سير أحمد بن ماجد القادم من قوس الأفق ليقدم لي بوصلة مفعولها بحجم خاتم سليمان, خاتم في صرة شغاف الوله , مصنوع من إبريز القمر , مطعم بالماس الشوق , وعندما تناهى إلى أسماعي صوتك الملهم بالشعر ومكابدات النثر, كانت الساعة تشير في عاديتها اليومية إلى التاسعة إلا غيابي ..
حين أوقف ندائك قطار الريح على عتبات دهشتي المترامية على شواطئ الفرح الذي سيكون دوما موئلا لأحلامي , وملجأ لأعيادي وترتيبا برتوكوليا لفصولي دون تقديم فصل قبل الآخر ودون التحيز لفصل على حساب الآخر ..
وحينما علمت بأن عقرب الساعة أحال موكب سيره إلى لحظة توقف استنفاري , انبثقت الشمس من كفي, وارتد النسيم عطرا يتطهر به أحزان الكون ..
لكنك أيها الماجد ,, كلما غبت , تغيّب معك العيد , وتصبح مباني المدن , عبارة عن أكوام أحجار مرصوصة , وتتحول الشوارع إلى ساحات ملئت بعلب مستطيلة يقودها البشر الذين لا يعرفون قيمة المسافة التي ينونون استقطاعها دون جدوى لأنهم لم يدرسوا تاريخ الجغرافيا جيدا يا أحمد وإلا لعرفوا بأن المسافات وجدت ليست فقط لقطعها من أجل قطعها وإنما لصنعها في أذهاننا كوحدة مكانية قابلة للتأقلم مع حركة الكائن صوب الاشراقة كلما أشرق الحب في قلوبنا للبحر ..يا احمد ..هب لي مجداف نورك لأستبصر به دامس الليل حين تغيب في رحلاتك البحرية ..وهل ستحرس حكمتك شواطئ بحارنا من القراصنة القادمين من هناك ؟...
لله الأمر من قبل ومن بعد.