هذا المقال كتبته العام الماضي بعد عودة الحجاج إلى ديارهم وأهليهم ، وأنا أعرضه مرة أخرى للفائدة .
لمن استطاع إليه سبيلا
سيعجب الكل من عرضي للموضوع بعد فوات الأوان ، فالحج قد انتهى ، ورجع الحجاج إلى ديارهم بالسلامة ، راجين فضل الله وقبوله عملهم ، ولكني أرى هذا الوقت هو المناسب لطرح هذا الموضوع .
يبقى الآن على الحج القادم سنة بحلوها ومرها ، فيها ما فيها من الظروف ، وقد يتخللها عقبات هينة وغير هينة .
من الآن يجب التقرير في مصير الحج ، وإقامة استفتاء شعبي ؛ هل نحج أم لا في السنة المقبلة على خير وبركة ( أنا لست عنصريا ، ولكننا في السعودية نسمع كلاما من الفسق ما الله به عليم ؛ فيما يخص الحج والاستطاعة ، لذا سأتكلم عن السعوديون في مقالي هذا ، وقد ينطبق على غيرهم ، فأنا البحر من أي النواحي قربت منه تجد فيه كل شيء ) .
نسمع في هذه السنوات كلمات فسق من عامة الناس ، ينساق وراءها أغلب المستفتين ( مع أني لم أسمع أحدا خالفها ولكني لن أعمم ) .
هي عدم الاستطاعة على الحج ، وأن الاسعار لحملات الحج خرافية ، والتكلفة الأصلية لا تذكر ، وأين الدولة من هذه الأسعار الفلكية ، وهلم جرا .
فأبدأ حفظني الله ورعاني :
أسعار الحملات مبالغ فيها بشكل خرافي ؛ كلام منطقي ، والتكلفة مع إضافة الربح المجزي لا تصل للأرقام الفلكية على هذه الأيام المعدودة .
أنا لن أتطرق للموضوع من هذه الناحية .
الحج فريضة من فرائض الله ، وركن من أركان الإسلام ، تجب مرة واحدة على المستطيع ، ومن لم يستطع ؛ فيحرم عليه التحايل ، واللف والدوران على الانظمة ، ليوهم نفسه أنه أدى فريضة الله بطريقة فيها معصية .
من لم يستطع الحج بطريقة نظامية ؛ فلا يجب عليه الحج بطريقة مخالفة للنظام ، حتى لو كانت أوفر في التكلفة ، حتى لتصل إلى عشر تكلفة الحج النظامي .
فمن لم يستطع الحج بالتكلفة النظامية ، سقط عنه الحج لأنه غير مستطيع .
والأغلبية الكبرى ممن لم يحجوا ؛ هم مستطيعون للحج ، ومن يقول بعدم الاستطاعة ؛ أجزم أن 95% منهم كذبة ومستطيعون .
لأنهم لا يرغبون في وضع أموالهم بهذه التكلفة الباهظة في مدة وجيزة في عبادة الله .
ولا يريدون إلزام أنفسهم بتجميع تكاليف الحج النظامي من أول العام ، بل يريدون إخراج التكلفة من راتب شهر شوال للمنظم منهم ، ومن راتب ذي القعدة للمتردد أأحج أم لا .
لماذا أقول فسقة ؟ !
لأن الواحد منهم لو أراد الزواج ، شمر ساعديه ، وأرغم نفسه لسنوات ، كي يجمع المال لإكمال نصف دينه ، وقد يصل الحال للاقتراض ، فيجمع لذلك عشرات الألوف ، وقد تتجاوز المئة ألف بكثير ، مع أن الزواج ليس فريضة ، ولا ركنا من أركان الاسلام ، أما الحج فصعب عليه أن يجمع له بضعة ألاف ، لأن الهوى ليس مع الحج بل مع الزواج .
ولو أراد الواحد أن يشتري سيارة ، لجمع لها عشرات الآلاف ، وقد تتجاوز المئة ألف ، وقد يلزم نفسه بتقسيط يتجاوز الأربع سنوات ، وتجده لا يلزم نفسه لمدة سنة واحدة كي يجمع تكاليف الحج النظامي .
ولو أراد الواحد أن يشتري بيتا أو قطعة أرض ، لبذل الكل المجهود وقصاره ، لأجل جمع مئات الآلاف ، خلال السنوات الطوال المتجاوزة للعشر على الاقل ، ولا يلقي للركن الخامس من أركان الإسلام بالا .
والمصيبة الكبرى ، والطامة العظمى ، أن تجده يرسم ويخطط من أول العام لآخره ، وقد يكون التخطيط من سنتين ، لأجل الإجازة الصيفية ، وأين سنقضيها ، وكم ستكلفنا ، وكيف سنجمع لها المبالغ الطائلة ، ويجب أن نتبع سياسة شد الحزام لهذه السنة ، حتى تكون رحلتنا مميزة ، وعشرة على عشرة .
وأشد من ذلك أن يأتي الفسقة من المفتين ،- طبعا بالخفاء حتى لا تطولهم أيدي الرقيب - يفتون بالحج الغير نظامي ، مستدلين بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( من استطاع الحج ولم يحج فما عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا ) على المداومة والإكثار من الحج ، ضاربين بذلك قول الله عرض الحائط ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) بل يأمرون الناس بالهوى ، لا بدين الله الذي يدّعونه ويتمظهرون به ، وإن خالفت أنت أيها المسكين فتاواهم ، شنوا عليك حربا ضروسا ، وحملة شعواء ، وأججوا النار ، وأرسلوا زبانيتهم في كل حدب وصوب ، لينافحوا عن الفسق وأهله ، مع أنهم يخالفون في الغالب القرآن والسنة ، والحال في العهد النبوي وعهد الصحابة .
المهم أن غير المستطيعين في السعودية نسبة لا تذكر ، وبهذا الحال يسقط عنهم الحج ، حتى تكون لهم القدرة والاستطاعة عليه .
وكل عام وأنتم بخير .