معنى قولهم : المعنى في بطن الشاعر

كتب أحد الأعضاء موضوعا من نوع النثر الفني فسأله عضو : هل تقصد بكذا كذا وكذا؟ فاستوقفني هذا السؤال لأن السائل يسأل عن نوع من المعاني مستور في النفس يتعلق بالأغراض والمقاصد التي جعلت الكاتب يتوخى معنى المعنى الكائن في الأسلوب الذي اختاره ولايعرف هذا المعنى المستور في النفس الا من كان يعرف هذه الأغراض والمقاصد والأحداث التي تتعلق بها وهو المعنى الذي يقال عنه : المعنى في بطن الشاعر.
وهذا المعنى المستور في النفس شيء ومعنى المعنى شيء فالمعاني لها أكثر من تقسيم طبيعتها أوجبت هذا التنويع في التقسيم لأن لها أكثر من ركن تقوم عليه مثل اللغة والبلاغة والصناعة والنفس البشرية والعمق والسطحية......... الخ.
مايهمنا هو نوعان :
النوع الأول : المعاني بحسب اللغة وتنقسم الى قسمين كما قرر شيخ البلاغة ومؤسسها الشيخ عبدالقاهر الجرجاني في كتابه دلائل الإعجاز.
القسم الأول : معنى اللفظ كخرج زيد وذهب عمرو وهذا القسم لا صعوبة فيه.
القسم الثاني : معنى المعنى وهو أن يكون للفظ معنى ثم تصل من معنى اللفظ هذا الى معنى معناه وهو المعنى المراد وذلك كالتشبيه والاستعارة والكناية...... الخ مثل : زيد كثير رماد القدر فمعنى اللفظ هو أن زيدا رماد قدره كثير ومعنى هذا المعنى بعد عدة علاقات معنوية هو الكرم لكن لاتظن أيها القارئ أن فهم معنى المعنى هذا أي الكرم سهلا فأنت تظن أنه سهل لأن خذه الكناية مشهورة بين الناس ولو أنك سمعتها لأول مرة لن تستطيع الوصول الى معنى الكرم الا بعد علاقات معنوية كثيرة هي معنى المعنى أي التالي :
كثرة رماد القدر تدل على كثرة الحطب
وكثرة الحطب تدل على كبر النار
وكير النار تدل على إن القدر كبيرة
والقدر الكبيرة تدل على كثرة الطعام
وكثرة الطعام تدل على الكرم
وأكثر معاني الشعر والنثر من هذا النوع أي معنى المعنى لأنهم يكثرون من التشبيهات والاستعارات.
النوع الثاني : المعنى بحسب الأغراض والمقاصد وهذا المعنى هو المعنى الحقيقي الذي أثار نفس الشاعر أوالكاتب فأنطق لسانه ليبين عما في نفسه عنه وأحيانا يخفيه الشاعر والكاتب عن قصد ويتفنن في إخفائه لخوف أو حياء أو لتمرير رسالة أو لأن أسلوبه قائم على الغموض الفني أو .......... الخ.
ولذلك يختار التشبيه والاستعارة والكناية لأن المعنى فيها هو معنى المعنى ويبدأ بإسقاط واقع المعنى المستور في نفسه في الصورة الفنية بأسلوب رمزي فيكون معنى المعنى مثل القالب يضع فيه القارئ أي عناصر يريدها فيكون موضوع المعنى بحسب هذه العناصر وطريقة القالب هذه في معنى المعنى يحبها الشعراء لكن الكلام كما قلت على الأغراض والمقاصد منها إذا كانت لإخفاء المعنى الحقيقي الممسوح من الصورة المستور في النفس ولايقول الناس : المعنى في بطن الشاعر الا اذا كانوا لايعرفون مناسبة القصيدة ويجهلون الأغراض والمقاصد فاختلفوا في تحليل الصورة لأنها قد تكون حمالة أوجه في التحليل كما هي حمالة أوجه في المعنى أما اذا شابها الغموض الشديد غير الفني فهذا من عيوب صناعة المعنى أو من هرطقة مذهب شعري أو نثري فاشل.
والله أعلم

عبارة (المعنى ببطن الشاعر) تقال في الأبيات الشائكة المشكلة التفسير التي يلتبس فيها المعنى ولا يظهر,
وخصوصا عندما يكون رمزيا لا يدل ظاهره على باطنه.
ودرجت عبارة (المعنى في بطن الشاعر) لدى الناس, وصارت تُطلق في كل مناسبة يلتبس فيها المعنى المتبادر أو يُستنكر.
ثم صار بعض من لا يفقه في الشعر والأدب يطلقها في كل مناسبة متى ما عجزت مخيلته عن تصور المعنى الواضح,
أو متى ما أراد أن يتخلص بها من تبعات تهمة من التهم, أو أراد أن يجعلها درعا واقيا له من غارة
والحق أنه كما أسلفت ليست كل المعاني في بطن الشاعر, بل إن معظمها تظهر على شاشة البيت بشكل ثلاثي الأبعاد,
نقية, واضحة, صافية الإضاءة والألوان ..
إذا ..
نلجأ إلى عبارة (المعنى في بطن الشاعر) عندما نعجز عن تفسير معنى الشاعر في غيابه, إما بسبب عدم وجوده أو بسبب وفاته ..
أما عندما يكون حاضرا فلا تقال هذه العبارة إلا في المعاني الغريبة الرمزية غير الواضحة.
وعندما تُرفع رايات التحدي في التفسير, يُلجأ إلى الشاعر ويُطلب منه التفسير ..
لكن المعاني الواضحة لا يُلتفت فيها إلى حضوره أو غيابه, لأن اللغة ليست ملكه, بل ملكية مشتركة بين الجميع.
بوركت ـ ولك تحياتي.

جزاك الله خيرا أستاذة نادية فقد أثريت الموضوع .

في ما وراء المفردات حقيقتي
و لذا القصيدة خلفها سبعون نص